أنقِذوا -الصحافة الحرة- في إسرائيل..من خيانة نفسها
جدعون ليفي
2025 / 12 / 11 - 04:47
كل بضعة أشهر، يجتمع دوريا في تل أبيب في قاعة تسافتا أو السينماتك، الصحافيون الإسرائيليون في "اجتماع طارئ" لـ"إنقاذ الصحافة الحرة".
يحضر هذه الاجتماعات شخصيات تلفزيونية، ورؤساؤهم ومدراءهم، وصحافيون آخرون. الكاهنة الكبرى، إيلانا دايان، تلقي دائما خطب لاذعة، ويغادر الجميع وهم يشعرون أنهم يخوضون معركة نبيلة من أجل الديمقراطية. حدث ذلك مرة أخرى يوم الثلاثاء. "من دون صحافة حرة، لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية": كلمات جميلة وصحيحة معا. قالت دايان إن الجرافة العسكرية D9 تنطلق بلا فرامل، وإننا لم نكن يوما في فيلم رعب كهذا.
كل ذلك صحيح. الـD9 تقتحم كل شيء، والإعلام في خطر. قد يظن الزائر أن إعلاما شجاعا وهجومياا يقاتل من أجل روحه ووجوده وحريته. ما أسهل أن تصبّ الغضب على وزير الاتصالات شلومو كَرعي وعضو الكنيست غاليت ديستال أتباريان؛ وما أصعب من أن تنظر في المرآة. جاء الإعلام إلى المؤتمر وهو يحمل على جبينه أفظع وصمة عار في تاريخه، لكن أحدا لم يتطرق إليها. ومع هكذا لطخة، فلا يحق للإعلام أن يقاتل الحكومة.
المُحرَّرة من الأسر إليزابيث تسوركوف: "نجوت من شهور من التعذيب في العراق – ولن يتم إسكاتي في إسرائيل"
أخطر ضربة لحرية التعبير المسؤولة جاءت من داخل الإعلام نفسه. لم تكن الحكومة هي من أسكته خلال العامين الماضيين: الإعلام هو الذي أسكت نفسه، دون أي اعتراض من الداخل. مارس الإعلام رقابة ذاتية طوعية؛ تجند لإخفاء الحقيقة خوفا أو مراعاة لحسابات تجارية، حتى لا يزعج زبائنه.
الرقابة الذاتية أخطر من أي رقابة حكومية أو عسكرية، لأنها تمر من دون احتجاج. ولم يُحتج أيضا على التغطية الإعلامية للحرب في العامين الماضيين. الجميع سعداء: الناشرون، المحررون، المراسلون، المشاهدون والقراء. حتى الجيش سعيد. فقد تم الحفاظ على قدسيته غير القابلة للمساس. الإعلام لا يقول للجمهور إلا ما يريد أن يسمعه.
إعلام حر في الكتابة والتغطية، وحقق بشق التقارير الاستقصائية إسقاط رؤساء ورؤساء حكومات، اختار العاطفية بدل المعلومات، والابتذال بدل الموت، والقومية المتطرفة بدل الحقيقة – عامان من التقصير الفادح في أداء واجبه بتقديم الحقيقة الكاملة عن الحرب.
على الإعلام أن يحاسب نفسه قبل أن يحق له توجيه الاتهامات إلى الحكومة. اجتماع طارئ؟ ممتاز. لكن الموضوع يجب أن يكون: كم كذبنا، وكم أخفينا، وكم غرقنا في الشفقة على أنفسنا، وكم لعبنا دور الضحية وضلّلنا الجمهور. سنتان من تغطية الحرب في قطاع غزة من دون الغزيين، ومن الغرق المتواصل في أحداث السابع من أكتوبر وكأن شيئًا لم يحدث بعدها، ومن عبادة الأبطال وتجاهل كامل للجرائم.
حتى من دون مشروع قانون كَرعي، لا توجد هنا صحافة حقيقية. لا يوجد سبب للدفاع عن هذا النوع من الصحافة. فهي تلحق الضرر أكثر مما تفيد. إن "مقاتلي الحرية" في قاعة تسافتا هم المسؤولون الرئيسيون عن أن صيادا نرويجيا ومزارعا نمساويا شاهدوا من فظائع الحرب أكثر مما شاهد الصحافيون الذين تجمعوا في تسافتا. هم مذنبون بتضخيم روايات الجيش الإسرائيلي وعدم التشكيك فيها مطلقا. فعندما يقول سياسي شيئا ما للإعلام، يكون الرد مليئا بالسخرية والشك. وعندما يقول الجيش شيئا ما، يقف الجميع باحترام ويحيّونه.
الرقابة الذاتية الصادمة في الإعلام الإسرائيلي على فظائع غزة
هيئة البث العام تواجه الإغلاق… والموظفون يقولون إن الرقابة الذاتية باتت سائدة
كيف تنجو من الرقابة الإسرائيلية – ومن صمت الوسط الفني؟
سلسلة لا تنتهي من القصص عن الضحايا الإسرائيليين، ولا كلمة عن ضحايا غزة. لا أثر لأي بشر في القطاع سوى الأسرى في الأنفاق. لم تُطرح أي شكوك حول شرعية الحرب. قصف المستشفيات والملاجئ جرى تبريره، وفي النقاشات المُرهقة في الاستوديوهات لم يكن هناك إلا رأي واحد، يُصادِق على كل شيء. أكثر من 100 معتقل فلسطيني ماتوا في السجون الإسرائيلية. هل حقق الإعلام؟ هل اهتم؟ إطلاقا.
دعونا نقاتل ضد إغلاق "السلطة الثانية للتلفزيون والراديو" و"مجلس البث بالكابل والفضائيات"، فبدونهما ستخنق الحقيقة؛ وضد إغلاق "راديو الجيش" – صوت إسرائيل الحر. قالت دايان إنها تخشى على مستقبلها في إسرائيل إن تمّ ذلك.