الإقتصاد الماويّ و مستقبل الإشتراكيّة - مقدّمة ريموند لوتا لكتاب - الإقتصاد الماويّ و الطريق الثوريّ إلى الشيوعيّة - ( كتاب شنغاي )


شادي الشماوي
2025 / 11 / 22 - 11:22     

---------------------------------------------------------------
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 53 / أكتوبر 2025
https://www.4shared.com/s/f0cy-lRknfa
شادي الشماوي
الإقتصاد السياسيّ الماويّ و الطريق الثوريّ إلى الشيوعيّة – كتاب شنغاي [ 1975 ]
http://www.bannedthought.net/China/MaoEra/PoliticalEconomy/FundamentalsOfPoliticalEconomy-Shanghai-1974-English.pdf
نُشر بمقدّمة و كلمة ختاميّة لريموند لوتا – بانر براس ؛ نيويورك 1994

ريموند لوتا إقتصادي سياسي ماويّ كتب و حاضر كثيرا حول المسائل الإقتصاديّة و السياسيّة العالميّة و كذلك حول الثورة اشتراكيّة و تشتمل كتبه " إنهيار أمريكا " و " الإتّحاد السوفياتيّ : إشتراكيّ أم إمبرياليّ – إشتراكيّ ؟ " و " و خامسهم ماو ".
This is not an official translation ) (
------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدّمة الكتاب 53 :

و المحتويات التفصيليّة لهذا الكتاب 53 ، فضلا عن هذه المقدّمة ، هي :
• ملاحظة الناشر
• مقدّمة لريموند لوتا
• إختصارات الأعمال المذكورة بصفة متكرّرة
1 : لندرس بعض الاقتصاد السياسي
2 : المجتمع الإشتراكي يدشّن عصرا جديدا في تاريخ الإنسانيّة
3 : النظام الإشتراكي للملكيّة هو أساس علاقات الإنتاج الإشتراكية
4 : إرساء علاقات تعاونيّة بين الناس وفق المبادئ الإشتراكيّة
5 : تطوير الإنتاج الإشتراكي بنتائج أكبر و أسرع و أفضل و أكثر توفيرا / إقتصادا في النفقات
6 : الاقتصاد الإشتراكي إقتصاد مخطّط
7 : في تطوير الإقتصاد الوطنيّ يجب أن نعوّل على الفلاحة كأساس و الصناعة كعامل قيادي
8 : الإقتصاد في النفقات مبدأ هام في الإقتصاد الإشتراكيّ
9 : التبادل مظهر إقتصادي يربط الإنتاج بالإستهلاك
10 : المعالجة الصحيحة للعلاقات بين الدولة و المجموعات و الأفراد
11 : كيف يتمّ توزيع السلع الإستهلاكيّة الفرديّة في المجتمع الإشتراكي ؟
12 : التقدّم نحو الشيوعيّة
- كلمة ختاميّة لريموند لوتا
- قراءات مقترحة
- فهرست كلمات

محتويات الكتاب بشيء من التفصيل ( من إقتراح المترجم )

• ملاحظة الناشر
• مقدّمة لريموند لوتا
مقدّمة ريموند لوتا : الإقتصاد الماويّ و مستقبل الإشتراكيّة
- الماركسيّة و طبيعة الإشتراكيّة و بناؤها
- الإتّحاد السوفياتيّ : الإختراق و الحدود
- القفزة النظريّة الماويّة
- كتاب شنغاي : تاريخه و إرثه

• إختصارات الأعمال المذكورة بصفة متكرّرة
------------------------------------
الفصل الأوّل : لندرس بعض الإقتصاد السياسي

موضوع الإقتصاد السياسيّ

موضوع الإقتصاد السياسي هو علاقات الإنتاج

الإقتصاد السياسي هو الأساس النظريّ لصياغة الحزب لخطّه الأساسي

المزج بين النظريّة و الممارسة للتعلّم الجيّد للإقتصاد السياسي

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

الفصل الثاني : المجتمع الإشتراكي يدشّن عصرا جديدا في تاريخ الإنسانيّة

المجتمع الإشتراكي و دكتاتوريّة البروليتاريا

الثورة البروليتاريّة و دكتاتوريّة البروليتاريا شرطان لظهور علاقات الإنتاج الإشتراكيّة
لا يمكن لعلاقات الإنتاج الإشتراكيّة أن تظهر صلب المجتمع الرأسماليّ
جوهر " نظريّة قوى الإنتاج " هو معارضة الثورة البروليتاريّة و دكتاتوريّة البروليتاريا
المجتمع الإشتراكي مرحلة من الصراع بين الرأسماليّة المتداعية و الشيوعيّة الصاعدة
نظريّة التناقضات الأساسيّة في المجتمع الإشتراكي هي الأساس النظريّ لمواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا
التمسّك بالخطّ الأساسي للحزب لكامل المرحلة التاريخيّة الإشتراكيّة
يمثّل المجتمع الإشتراكي بداية صنع البشر للتاريخ عن وعي
القفزة الكبرى سموّ في تطوّر التاريخ الإنسانيّ

لنجعل البنية الفوقيّة تنهض تماما بالدور المبادر و لنستخدم عن وعي القوانين الموضوعيّة

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

الفصل الثالث : النظام الإشتراكيّ للملكيّة هو أساس علاقات الإنتاج الإشتراكيّة

النظام الإشتراكيّ لملكيّة الشعب بأسره و الملكيّة الجماعيّة / التعاونيّة للشغّالين

نظام الملكيّة الإشتراكيّة للشعب بأسره هو الأساس الإقتصاديّ لدكتاتوريّة البروليتاريا

يجب على البروليتاريا و الشغّالين أن يتحكّموا في وسائل الإنتاج

المصادرة و الشراء طرق لتركيز نظام ملكيّة الدولة الإشتراكيّ

نظام الملكيّة الإشتراكي للشعب بأسره يملك تفوّقا هائلا

لن يوجد تعزيز للإشتراكية دون مشركة الفلاحة

من الضروريّ تحويل الإقتصاد الفلاحيّ الصغير إلى إقتصاد فلاحيّ إشتراكيّ

التنظّم هو الطريق الضروريّ للتحويل الإشتراكي للإقتصاد الفلاحيّ الصغير

الكمونات الشعبيّة الريفيّة في الصين تطوّر هام في نظام الملكيّة الجماعيّة

عبر الصراع يتعزّز و يتطوّر نظام الملكيّة العامة الإشتراكيّة

الدرس الجدّي لإعادة تركيز الرأسماليّة في الإتّحاد السوفياتيّ

الصراع من أجل تعزيز الملكيّة العامة الإشتراكيّة و تطويرها

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش
الفصل الرابع : إرساء علاقات تعاونيّة بين الناس وفق المبادئ الإشتراكيّة

موقع الناس و العلاقات المتبادلة بينهم في الإنتاج الإشتراكيّ

عرف موقع الناس في الإنتاج و العلاقات المتبادلة بينهم تغييرا جوهريّا

نظام الملكيّة العامة الإشتراكيّ شرط مسبّق لتركيز العلاقات الإشتراكيّة

تظلّ العلاقات الإشتراكيّة بين الناس تحمل الطابع الطبقيّ

الدور النشيط الضخم للعلاقات بين الناس

تعزيز العلاقات الإشتراكيّة و تطويرها في مسار الصراع

تطوير العلاقات بين الناس و التشجيع المتبادل بين الصناعة و الفلاحة

لنشجّع على " أسلوب لونغ - شيانغ " (*) و تطوّر علاقات التعاون الإشتراكيّة

الميثاق الممتاز الذى خطّته شركة أنشن للحديد و الفولاذ نموذج لمعالجة العلاقات المتبادلة بين المؤسّسات

التأثير الهائل للبنية الفوقيّة على تشكلّ العلاقات بين الناس

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

ملحق الفصل الرابع : أتباع الطريق الرأسماليّ هم البرجوازيّة داخل الحزب


الفصل الخامس : تطوير الإنتاج الإشتراكي بنتائج أكبر و أسرع و أفضل و أكثر توفيرا / إقتصادا في النفقات

طبيعة الإنتاج الإشتراكيّ و هدفه و وسائل بلوغ هذا الهدف

غيّرت الملكيّة العامة الإشتراكيّة تغييرا جوهريّا طبيعة الإنتاج الاجتماعيّ

إنتاج العمل الإشتراكيّ في آن معا إنتاج إجتماعيّ و إنتاج سلعيّ

الإنتاج الإشتراكيّ وحدة بين سيرورة عمل و سيرورة خلق القيمة

يجسّد القانون الإقتصاديّ الجوهريّ للإشتراكيّة أكثر علاقات الإنتاج الإشتراكيّة جوهريّة

هدف الإنتاج الإشتراكيّ هو تلبية الحاجيات المتنامية أبدا للدولة و الشعب

القيام بالثورة و دفع الإنتاج

القانون الاقتصاديّ الأساسيّ للإشتراكيّة يحدّد كلّ المظاهر الكبرى لتطوّر الاقتصاد الإشتراكيّ

تطوّر الإنتاج الإشتراكيّ العالى السرعة وحدة بين الإمكانيّة الموضوعيّة و المبادرة الذاتيّة

يمكّن النظام الإشتراكيّ الإنتاج من التطوّر بسرعة لم يشهد لها مثيل في المجتمع القديم

الخطّ العام بوصلة بناء الإشتراكيّة بنتائج أكبر و أسرع و أفضل و أكثر توفيرا / إقتصادا في النفقات

لنحقّق قفزة كبرى إلى الأمام في الإقتصاد الوطنيّ من خلال الإستقلال و التعويل على الذات

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

الفصل السادس : الإقتصاد الإشتراكي إقتصاد مخطّط

التطوّر المخطّط و المتكافئ للإقتصاد الوطنيّ

قانون التطوّر (*) و المخطّط يعدّل الإنتاج الإشتراكيّ
قانون التطوّر المخطّط نقيض قانون التنافس و الفوضى في الإنتاج
الإقتصاد المخطّط يبيّن تفوّق النظام الإشتراكيّ
يجب معالجة العلاقات التناسبيّة في الإقتصاد الوطنيّ معالجة صحيحة
لا يزال قانون القيمة يؤثّر على الإنتاج الإشتراكيّ
التخطيط في المقام الأوّل و السعر ثانويّ
بينما توجد حاجة لإستخدام قانون القيمة ، توجد حاجة إلى تقييده
يجب على المخطّط الإقتصاديّ الوطنيّ أن يعكس متطلّبات القوانين الموضوعيّة
يجب على المخطّط الإقتصاديّ الوطنيّ أن يعكس متطلّبات القوانين الموضوعيّة
التوازن العام * هو المنهج الأساسيّ لعمل التخطيط
إتّباع المبادئ الأساسيّة لعمل التخطيط
أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش
الفصل السابع : في تطوير الإقتصاد الوطنيّ يجب أن نعوّل على الفلاحة كأساس و الصناعة كعامل قياديّ

العلاقة المتبادلة بين الفلاحة و الصناعة الإشتراكيّتين

الفلاحة هي أساس الإقتصاد الوطنيّ

يجب أن نعوّل على الفلاحة كأساس لتطوير الإقتصاد الوطنيّ

المخرج الجوهريّ للفلاحة يكمُن في المكننة

في الفلاحة ، لنتعلّم من تاتشاي

يجب على كلّ التجارات و الصناعات أن تدعم الفلاحة بجهودها

الصناعة هي العامل القياديّ في الإقتصاد الإشتراكيّ

إطلاق العنان لدور الصناعة كعامل قياديّ

تحقيق التصنيع الإشتراكيّ بطريقة خطوة خطوة

في الصناعة ، لنتعلّم من تاتشينغ

المعالجة الصحيحة للعلاقة بين الصناعة و الفلاحة و تعزيز تحالف العمّال و الفلاّحين

لترابط الصناعة و الفلاحة في المجتمع الإشتراكيّ طبيعة مزدوجة

جوهر ترابط الصناعة و الفلاحة هو مسألة تحالف العمّال و الفلاّحين

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

الفصل الثامن : الإقتصاد في النفقات مبدأ هام في الإقتصاد الإشتراكيّ

ممارسة الإقتصاد في النفقات و المحاسبة الاقتصاديّة

الإقتصاد في النفقات ضرورة لتطوير الإقتصاد الإشتراكيّ

دلالة الإقتصاد في النفقات بالنسبة إلى تطوّر الإقتصاد الإشتراكيّ

النظام الإشتراكيّ يفسح المجال واسعا أمام الإقتصاد في النفقات

المحاسبة الإقتصاديّة وسيلة هامة لتطوير الإقتصاد الإشتراكيّ بنتائج أكبر و أسرع و أفضل و أكثر توفيرا

إستعمال المحاسببة الإقتصاديّة لبلوغ نتائج أكبر و أسرع و أفضل و أكثر توفيرا / إقتصادا في النفقات

الجماهير الكادحة هي سادة المحاسبة الإقتصاديّة

نظام المحاسبة الإقتصاديّة نظام تسيير للمؤسّسة الإشتراكيّة

يجسّد نظام المحاسبة الإقصاديّة العلاقات بين الدولة و مؤسّسات الدولة و العلاقات صلب مؤسّسات الدولة

تعزيز التسيير بنظام محاسبة إقتصاديّة في الكمونات الشعبيّة الريفيّة

المعالجة الصحيحة للتناقض بين الحساب بالقيمة الإستعماليّة و الحساب بالقيمة

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش
الفصل التاسع : التبادل مظهر إقتصادي يربط الإنتاج بالإستهلاك

المبادلات و تبادل العملة في المجتمع الإشتراكيّ

للمبادلات الإشتراكيّة صفات خاصة و مميّزات و أدوار جديدة

مميّزات الأنواع الثلاث في المجتمع الإشتراكيّ

من الواجب محاصرة الحقّ البرجوازي في التبادل الإشتراكيّ و تقييده

تطوير التبادل السلعي الإشتراكيّ و دفع تطوير الإنتاج و تحسين معاش الشعب

يجب على التبادل السلعيّ الإشتراكيّ أن يتّخذ أشكالا مناسبة من التنظيم

جعل مفاعيل التجارة الإشتراكيّة تنهض بدورها تماما

يجب أن يكون المال خادما للتبادل الإشتراكي

في ظلّ النظام الإشتراكيّ ، يشرع المال في كسب خصوصيّات و أدوار جديدة

لنتمكّن من قانون تداول المال خدمة للبناء الإشتراكيّ

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

الفصل العاشر : المعالجة الصحيحة للعلاقات بين الدولة و المجموعات و الأفراد

توزيع و إعادة توزيع الدخل الوطنيّ الإشتركيّ

الدخل الوطني الإشتراكيّ ينبع من الشعب و يعود إليه

توزيع الدخل الوطنيّ يتناسب مع المصالح الأساسيّة للشغّالين

الدور الهام للتمويل العام في توزيع و إعادة توزيع الدخل الوطنيّ

ميزانيّة الدولة رابط مهمّ في النظام الماليّ

الإقتصاد يحدّد الماليّة و الماليّة تؤثّر في الاقتصاد

العلاقات التناسبيّة بين المراكمة و الإستهلاك هي عموما علاقات متناسبة

المراكمة الإشتراكيّة هي مصدر إعادة الإنتاج الموسّعة

يجب أن توجد نسبة صحيحة بين المراكمة و الإستهلاك

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

الفصل الحادي عشر : كيف يتمّ توزيع السلع الإستهلاكيّة الفرديّة في المجتمع الإشتراكي ؟

المبدأ الإشتراكيّ " من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب عمله "

توزيع السلع الشخصيّة حسب المبدأ الإشتراكيّ ل " من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب عمله "

" من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب عمله " نفي / إنكار للأنظمة الإستغلاليّة

التوزيع حسب العمل يختلف قليلا جدّا عن المجتمع القديم

تجنّب نزعتين في توزيع السلع الإستهلاكيّة الشخصيّة

هناك شكلان أساسيّان من توزيع السلع الإستهلاكيّة الشخصيّة

نظام الأجر هو الشكل الرسميّ للتوزيع في إقتصاد الدولة

نظام نقاط العمل هو الشكل الرسميّ للتوزيع في الإقتصاد التعاونيّ الريفيّ

نقد و نبذ إيديولوجيا الحقّ البرجوازي و تغذية الموقف الشيوعيّ إزاء العمل

بناء الإشتراكيّة و بلوغ الشيوعيّة يتطلّب أن نغذّى الموقف الشيوعي إزاء العمل

عند تغذية الموقف الشيوعيّ إزاء العمل ، علينا نقد و نبذ الحوافز الماديّة

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش

الفصل الثاني عشر : التقدّم نحو الشيوعيّة

من المجتمع الإشتراكيّ إلى المجتمع الشيوعيّ

الشيوعيّة تيّار تطوّر تاريخيّ لا يقاوم

المجتمع الإشتراكيّ مرحلة ضروريّة على طريق المجتمع الشيوعيّ

المجتمع الشيوعي هو المجتمع الأتمّ و الأكثر تقدّما و الأكثر ثوريّة و الأكثر عقلانيّة

الشيوعيّة الزائفة رأسماليّة حقيقيّة

بلوغ الشيوعيّة ثورة إجتماعيّة عميقة

المثابرة على مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا هو الطريق الوحيد لبلوغ الشيوعيّة

التشبّث بالأمميّة البروليتاريّة و دعم الثورة العالميّة

أهمّ المراجع للدراسة
الهوامش
--------------------------------
- كلمة ختاميّة لريموند لوتا

نظريّة و ممارسة التخطيط الماوي : دفاعا عن إشتراكيّة فعّالة و ملهمة
مقدّمة :
– السياسة فى مصاف القيادةI
قيادة التطوّر الإقتصادي و قياسه :
التسيير و الإدارة و التحفيز بواسطة السياسة :
– المركزيّة و اللامركزيّة ، و مشكل المعلوماتII
الرأسماليّة و مشكل المعلومات :
اللامركزيّة الماويّة و تخطيط المناطق :
مرّة أخرى حول الإدارة المركزيّة و التنسيق المحلّي ، و المعلومات الإجتماعيّة :
التخطيط عبر الخطّ :
- القوانين الإقتصاديّة ، التوازن و مرونة المخطّطIII
ليس الإستقرار أسمى الأهداف :
مرونة المخطّط :
فهم أعمق للتوازن :
نجح و فتح آفاقا جديدة -IV
– أكثر فعاليّة من أيّ وقت مضى V
الهوامش :
- قراءات مقترحة
- فهرست كلمات
الإقتصاد السياسيّ الماويّ و الطريق الثوريّ إلى الشيوعيّة – كتاب شنغاي [ 1975 ]
ملاحظة الناشر :
نُشر " الإقتصاد السياسيّ الماويّ و الطريق الثوريّ نحو الشيوعيّة – كتاب شنغاي " حول الاقتصاد السياسيّ للإشتراكية في الأصل في الصين في ديسمبر 1975 تحت عنوان " أسس الإقتصاد السياسيّ " . و كان الجزء الأوّل من الطبعة الصينيّة عرضا للإقتصاد السياسي للرأسماليّة و الإمبريالية . و هذا القسم لا يتضمّنه هذا الكتاب بما أنّ الجزء الأهمّ و الأكثر ريادة في هذا العمل هو نقاشه للإشتراكية و من هنا جاء تغيير العنوان . و مع ذلك ، تمّ الإحتفاظ بالفصل الإفتتاحي للعمل ككلّ و الذى يتطرّق إلى مضمون الاقتصاد السياسي الماركسيّ و منهجه .
و من أجل هذه الطبعة الجديدة باللغة الأنجليزيّة ، جرت إضافة مقدّمة و كلمة ختاميّة لريموند لوتا ، إلى جانب قراءات مقترحة بشأن الاقتصاد السياسي الإشتراكي و فهرست كلمات . و وثّقنا أهمّ مراجع الدراسة و الهوامش في نهاية كلّ فصل من فصول الطبعة الصينيّة الأصليّة . و أضاف الناشر هوامش شرح أدنى الصفحات عند الحاجة . و قد إقتطف مقال صدر في الأصل في " الراية الحمراء " و تاليا في " مجلّة بيكين " سنة 1976 و أضيف كملحق للفصل الرابع . و قد وقع التخلّى عن الأسئلة المطروحة للدراسة التي كانت في نهاية كلّ فصل من فصول الطبعة الصينيّة . و وقع محو فصل متعلّق بالعلاقات الإقتصاديّة الخارجيّة للصين . فهذا الفصل لم يكن مواصلة للعمل التنظيري للمجتمع الإشتراكي و إنّما كان تعدادا لبعض السياسات الدبلوماسيّة و المساعدات و السياسات التجاريّة طوال أوائل سبعينات القرن العشرين و أواسطها ، و قد إنحرف عن تقديم الطبيعة الطبقيّة و إمكانيّات التطوّر الإقتصادي لدول العالم الثالث المستقلّة إنحرافا هاما عن الإطار النظريّ لبقيّة الكتاب . و نشير إلى أنّ ترجمة باللغة الأنجليزيّة لطبعة سابقة ( 1974) للعمل برمّته بما فيه القسم المتّصل بالرأسماليّة متوفّرة و عنوانها " أسس الإقتصاد السياسيّ " و قد أنجز الترجمة والنشر جورج وانغ ( آرمونغ ، نيويورك أم . إ. شارب ، 1977) .
و الترجمة التي بين أيديكم أنجزها فريق إشتغل إنطلاقا من النصّ الصينيّ لسنة 1975 و أيضا تمّ إستغلال ترجمة وانغ لطبعة 1974. وقد إعتمدت الترجمات الأنجليزيّة المنشورة في جمهوريّة الصين الشعبيّة زمن ظهور هذا العمل كمقياس للجمل و الأسلوب. و قد أُخذت المقتبسات و الإحالات و المقتطفات من الأقوال ، كلّما كان ذلك ممكنا ، من الترجمات الصينيّة الرسميّة و المراجع المخوَّلة باللغة الأنجليزيّة . و معظم الأسماء و المصطلحات و الأماكن الصينيّة في نصّ الترجمة جرت قولبتها حسب نظام وايد جيلز وهو نظام للترجمة الصوتيّة الأوسع إستعمالا زمن ظهور هذا العمل أوّل مرّة . و على الرغم من كون ذلك النظام الصوتي قد وقع تعويضه مذّاك، فإنّ هذه الترجمة تحتفظ به للنطق لمساعدة القرّاء في البحث عن كتب المقتطقات و المراجع .

الإقتصاد الماويّ و مستقبل الإشتراكيّة
ريموند لوتا
مقدّمة كتاب " الإقتصاد الماويّ و الطريق الثوريّ إلى الشيوعيّة " ( كتاب شنغاي )
بانر براس ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة 1994

ينبغى على كلّ من يرى النظام الإجتماعي الحالي على أنّه وحشيّ و جائر ، و يحلم بإمكانيّة شيء مغاير جوهريّا و راديكاليّا أن يهتمّ بكتاب " الإقتصاد الماويّ و الطريق الثوريّ إلى الشيوعيّة : كتاب شنغاي حول الإقتصاد السياسي الإشتراكيّ " . فهذا الكتاب يحدّثنا عن إشتراكيّة تحريريّة و عن إقتصاد تحريري ّ. يحدّثنا عن الماويّة .
هل يمكن أن يُنظّم مجتمع على أساس آخر عدا الإستغلال و المنافسة و الربح الخاص ؟ هل أنّ الإغتراب و التفكّك الإجتماعي و الهيمنة البيروقراطيّة تبعات التطوّر الإقتصادي و التقني لا يمكن تجنّبها ؟
ما دلّلت عليه الصين الثوريّة بين 1949 و 1976 و بلغته يتحدّى الفرضيّات المضلّلة بعمق بشأن ما تستطيع الإنسانيّة القيام به . و قد جرى تأليف هذا الكتاب فى 1975 وهو يعكس أكثر تجارب الإقتصاد الإشتراكي التى شهدها أبدا العالم تقدّما .
إنطلقت الثورة الإشتراكيّة الصينيّة فى 1949 مع إفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها من طرف العمّال و الفلاّحين بقيادة الحزب الشيوعي الصيني . و عرفت الثورة عدّة مراحل هامة تميّزت بالتغيّرات فى نظام الملكيّة و إنشاء إقتصاد إشتراكي و أشكال مؤسّساتيّة جديدة و حملات و تمرّدات سياسيّة جماهيريّة . وقد منيت الثورة الإشتراكية الصينية بالهزيمة و وُضعت لها نهاية فى 1976 عندما أطاح إنقلاب عسكري بسلطة الطبقة العاملة . لكن بمعنى ما تمّ إنجازه بين 1949 و 1976 ، نحن نتعامل مع شيء بحجم العصر تماما . فربع الإنسانيّة قد ناضل نضالا بطوليّا لرسم طريق للمستقبل و إندفع فى رحلة تغيير لا نظير لها سياسيّا و إقتصاديّا و إجتماعيّا . وهذا الكتاب جزء من ذلك الإرث الثابت لذلك الجهد . وهو كتاب ممنوع فى صين اليوم !
إقتصاد تحريري ؟ ستفتّشون بلا طائل فى الإقتصاد البرجوازي عن إهتمام ،و أقلّ من ذلك حلول لمشاكل إجتماعية كبرى كالفقر و اللامساواة أو تحطيم البيئة . مداه بالأحرى أضيق و مبرّر للذات . هناك خطابات عن كيف أنّ آليّات السعر تؤدّى إلى التوجيه الفعّال للموارد – الفعاليّة بأيه هدف و لأجل من ؟ لا يقع أبدا طرح هذه الأسئلة ؛ و النماذج المثاليّة لأخذ القرار و " المنافسة التامة " فى إقتصاد السوق التى تستبعد الهيكلة الحقيقيّة ( غير المتساوية ) للإقتصاد و السلطة السياسيّة و تتحكّم فى العالم الحقيقي من النزاع ( الرأسمالي ضد العامل ؛ الرأسمالي ضد الرأسمالي ؛ المنافس الإمبريالي ضد منافس آخر) ؛ و أسطورة " التوازن العام " ؛ فى حين أنّ الرأسمالية فى الواقع عرضة للأزمة و لا تقدر على ضمان الإستعمال التام للموارد و العمل ، و التعاطى الرياضي الغامض مع المسائل من نوع التجارة العالمية التى لا يمكن أن تتناسب مع وتشمل جوع العالم فى معادلاتها .
فى مواجهة البون الشاسع بين العالم الذى تصوّره نظريّتهم المجرّدة و الواقع الساحق للحياة ، يشرح الإقتصاديّون البرجوازيّون أنّ أمورا كالميز العنصري أو التلوّث الصناعي " شوائب " أو " عوامل خارجية " لإقتصاد السوق – أي تجاوزات لسوء الحظّ لكن جانبيّة لسير نظام يصحّح نفسه بنفسه – و لا تخافوا فالسوق فى النهاية ستحقّق سحرها . جوهر فكرة الرأسماليّة ، بالعودة إلى إستعارة آدام سميث المتّصلة ب " اليد الخفيّة " هي أنّ للأشخاص أهدافهم الأنانيّة الخاصّة و هم يتحرّكون كعملاء مستقلّين يساهمون بقسطهم فى ما هو عقلانيّا الأفضل لكلّ شخص .
فكرة أنّ الإقتصاد يمكن أن تكون له صلة بتجاوز إنقسام المجتمع إلى مالكين و غير مالكين و بإيجاد ظروف التطوّر الشامل للناس المجتمين بحرّية ، سيستبعدها مدّاحو البرجوازية على أنّها فكرة عبثيّة . و هم على حقّ ... من وجهة نظر قوانين الإقتصاد الرأسمالي . فالإقتصاد البرجوازي شأنه شأن المجتمع البرجوازي ، حسّاس لما يمكن أن يُباع و يُشترى فحسب ، للربح و الخسارة فحسب . و بالفعل ، الرأسماليّة نظام تعالج فيه الحاجيات الإنسانيّة و تلبّى فقط إن كانت منتجات ثانويّة للبحث عن الربح – من المشهد المادي إلى سيرورة العمل ، إلى العلاقات بين الرجال و النساء .
تشير نظرة و نظريّة الإقتصاد و تجرة بناء مجتمع جديد الملخّين فى كتاب " الإقتصاد الماويّ و الطريق الثوريّ إلى الشيوعيّة " ( من هنا فصاعدا " كتاب شنغاي " ) إلى إتّجاه مغاير جذريّا . توجد الثورة الإشتراكية نوعا جديدا من الإقتصاد. فلن تبقى وسائل الإنتاج الملكيّة الخاصة لأقلّيةمن المجتمع و إنّما هتوضع تحت السيطرة الجماعية للمجتمع . و لن تبقى الموارد الإقتصاديّة تستعمل لتحقيق الربح الأقصى و إنّما تستعمل لتلبية الحاجيات الجوهريّة لجماهير الشعب و لخدمة مصالحها . و لن يظلّ الإنتاج الإجتماعي ينجز دون تخطيط مسبّق أو هدف إجتماعي و إنّما سيسير الآن حسب الأهداف المرسومة بوعي و المنسّقة ككلّ . و تفسح آليّات الرأسمالية و دوافعها المجال لشيء جديد : التخطيط الإجتمعي و التعاون الإجتماعي و المساهمة الواعية للجماهير فى كافة مظاهر التطوّر الإقتصادي و الإجتماعي . و يمكن لقدرات النشاط الإنساني المتنوّع و المتعدّد الجوانب التى وضعتها قوى الإنتاج الإجتماعي فى المتناول أن تشرع فى التحقّق .
و يساوى كلّ هذا قول إنّ ما من حاجة لوجود البؤس و الحطّ من الإنسان و اللامساواة الذين هم الخبز اليومي فى ظلّ الرأسمالية . و البون الشاسع بين الغنيّ و الفقير و وباء البطالة و إضطهاد النساء و إهانهن و الإخضاع و التمييز ضد كافة الأمم و القوميّات و مشاكل الرعاية الصحّية و السكن و تدهور العيش فى المدن ... هذه القروح و غيرها المميّزة للمجتمع الطبقي يمكن مواجهتها و تجاوزها . و لا حاجة إلى وجود الصراع اليائس التنافسي للجميع ضد الجميع للبقاء على قيد الحياة و مخلب الطريق إلى الأمام . و يمكن إطلاق العنان على نطاق واسع و تغييري للإبداع والطاقة و حماس هدف " لا أحد " فى قمّة المجتمع . و يمكن التعاطى مع المشاكل من أجل حلّ جماعي ؛ كما يمكن إخضاع حاجيات المجتمع و توجّهه لنقاش ملايين الناس . و من خلال هذه السيرورة من الصراع و النقاش ، يمكن للناس أن يتغيّروا بطرق لا نتصوّرها فى ظلّ النظام الحالي . الإشتراكية قادرة على جعل كلّ هذا ممكن .
إنّنا نحيا فى عالم فيه النشاطات الحياتيّة للغالبيّة الكادحة تخضع لمراقبة سلطة الأقلّية ذات المصالح المتعارضة مع مصالح الأغلبيّة .
إنّنا نعيش فى عالم فيه حياة الناس تتحكّم فيها القوانين الإقتصاديّة العمياء : الحركة العفويّة للأوراق الماليّة أو السلع قد تغيّر بين ليلة و ضحاها حياة الملايين عبر العالم . لكن مع إنشاء نظام للإنتاج المنظّم إجتماعيّا و الموجّه إجتماعيّا ، تعبر الإنسانيّة عتبة تاريخيّة و تدشّن عصرا جديدا . و تكفّ هيكلة المجتمع و يكفّ سيره عن الغرق فى البؤس و يمكن التعرّف عليهما من قبل الأفراد القائمين على ذلك . و يكفّ النظام الإقتصادي و المجتمع ككلّ عن مواجهة الجماهير الشعبيّة كشيء خارجي، غريب و مهيمن ، بل سيكونان بالأحرى شيئا تمسك به هذه الجماهير الشعبيّة بوعي متزايد و يغيّرونهما و تتصرّف فيهما خدمة لمصالحها الخاصة . فى الأساس هذا بؤرة تركيز الكتاب .
تشدّد الماويّة على أنّ التطوّر الإقتصادي فى حدّ ذاته ليس كافيا و ليس جوهر الإشتراكيّة . يجب على النموّ أن يخدم و يسترشد بالأهداف السياسيّة و الإجتماعية الأوسع – جوهريّا ، سعي البروليتاريا و الكادحين إلى أن يكونوا أسياد المجتمع بأسره و فى النهاية إلغاء الطبقات على الصعيد العالمي . و يجب على التغيير الإقتصادي و حلق الثروة الإجتماعية أن يترافقا مع التغيير فى كلّ مجال من مجالات المجتمع بما فيها التغيير الهام للغاية لنظرة الناس و تفكيرهم . و تشدّد الماويّة على أنّ الناس وليست " الأشياء " هي المحدّدة . إنّ النشاط الواعي للكادحين و ليس حجم الرأسمال أو مستوى التقنية فى حدّ ذاتهما ، هما المتغيّران الحيويّان فى التطوّر الإقتصادي و الإجتماعي . يجب على الكادحين أن يكونوا أسياد التقنية وليس العكس . وتشدّد الماويّة على أنّ المشروع الإشتراكي يتوقّف على إعادة حيويّته بصفة مستمرّة : يجب على الثورة أن تتواصل و يجب بإستمرار خوض الصراع الطبقي لأجل تغيير المجتمع و العالم . أجل ، هذه مقاربة مختلفة راديكاليّا للإقتصاد و لتطوّر المجتمع ككلّ .
عند نشر كتاب شنغاي سنة 1975 ، كانت الصين لا تزال تشهد الصراع الخارق للعادة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. كانت المصانع فى شنغاي و فى عديد المدن الأخرى تجرّب أشكالا جديدة من مشاركة العمّال فى الإدارة . و كان الفلاّحون يناقشون الطرق التى لا تزال بها القيم الكنفيشيوسيّة البطرياركيّة و التسلطيّة تؤثّر على حياتهم . و كان العلماء ينجزون أبحاثا فى صفوف العمّال و يتاسمون معهم ما يتوصّلون إليه بما أثرى التجربة العملية . و كان الإداريّون بصة متكرّرة ينقدون لفقدانهم الصلة مع الناس . و صار المهندسون عمّالا ، و صار الأساتذة طلبة و صار الموظّفون السيايّون جامعو قمامة و العكس بالعكس ! كان هذا مجتمعا و بالكاد سيختلف الأصدقاء و ألعداء فى كونه كان يصنّف نفسه عن وعي ضد الرأسماليّة .
لم يأخذ أي تطوّر و تنظيم إقتصادي على أنّه معطى – سواء كان يفترض أنّه مسارا لا مفرّ منه ل" التعصير " و التمدين ( لقد قطعت الصين الثوريّة أشواطا جريئة فى القطيعة مع المظاهر الغربيّة التقليديّة و الأحدث فى العالم الثالث ، المظاهر الفوضويّة و المشوّهة لنموّ المدن و الصناعة و لدمج الصناعة مع الفلاحة و المدينة مع الريف ) ، أو التقنية ( شدّد الماويّون على أنّ التصميمات و التطبيقات وعلاقة الناس بالتقنية لا يُشكلّها تطوّر قوى الإنتاج فقط بل كذلك العلاقات الإجتماعية لنظام إقتصادي)؛ او ذات المفهوم الذى يمثّل الفعاليّة الإقتصاديّة و الهدف اقصى ( الذين رأيناهما بمعنى إقتصاديّ و إجتماعيّ أوسع منه بالأحرى فى إطار فعاليّة – كلفة ضيّق ).
تلك كانت إشتراكية تجرّات على تحدّى ليس فحسب الحسابات العنيفة للربح فوق كلّ إعتبار و الطرق الخبيثة لتنظيم رأس المال بل أيضا كلّ فكر " أنا أوّلا " . " خدمة الشعب " لم تكن مجرّد شعار يخطّ على جدران المصانع و المعاهد و المستشفيات و مغازات البيع بالتفصيل ؛ كان المؤشّر الإيديولوجي وفقه يقيّم عشرات الملايين أنفسهم و يقيّمون غيرهم . لقد شجّعت تلك الثورة المبادرة و الإبداع و الجرأة ... لكن لأجل المصلحة العامة و ليس المصلحة الخاصة .
وبالكاد نحتاج إل قول إنّ الصين اليوم مجتمع مغاير تماما . بعد وفاة ماو تسى تونغ فى 1976 ، نظمت قوى يمينيّة بقيادة دنك سياو بينغ إنقلابا عسكريّا . ( لقد لعب دنك دورا فى افنقلاب من خلف الستار . و كان هواو كوفينغ القائد ظاهريّا لكن طوال الوقت ، كان دنك يمثّل القوّة القائدة التى تقف وراء الإنقلاب و ما تلاه من إعادة تركيز الرأسمالية . و وُضع هواو الذى خدم الهدف الرجعي لدنك جانبا و تقاعد فى الظلام ) . و إنطلق التفكيك المنهجي للإشتراكية و إعادة تركيز الرأسمالية و إعادة ربط الصين بالإمبريالية العالمية .
و لعلّ هذا التغيير الهائل يُجسّد أفضل تجسيد فى الشعار الذى روّجت له فى بداية ثمانينات القرن العشرين القيادة الجديدة : " إنّه لشأن عظيم أن نصبح أغنياء " . و كان الأمر كذلك ... بالنسبة للبعض . و فتحت شنغاي سوق أوراق ماليّة و أضحت الآن المضاربة فى العقّارات فى المدن نشاطا إقتصاديّا شرعيّا ؛ و أصبحت المناطق الإقتصادية تخدم الشركات المتعدّدة الجنسيّات . و حوّل قادة الصين الجدد البلاد إلى مركّب تركيب آلات بأجور بخسة و إلى قاعدة إنتاج للرأسمال المحلّى و العالمي – ففى لديات 1992 ، تمّ التعاقد بمعدّل 45 مشروع مموّل أجنبيّا كلّ يوم . و يُقال للعمّال بأن يعتنوا بالعمل و يبتعدوا عن السياسة . و فى الريف ، تحت راية الإصلاح ، جرى تفكيك الكمونات و إستولى أصحاب المواقع المتميّز على المؤسسات التعاونيّة الريفيّة . وبالنتيجة أملى الإستقطاب الإجتماعي على الملايين من الفلاّحين المحرومين النزوح إلى المناطق المدينيّة . و أخذت اللامساواة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة تتّسع برسعة بين المناطق الساحليّة ذات الإمتيازات ( حيث يحدث معظم النموّ الصيني ) و المناطق الداخليّة الشاسعة الإمتداد فى البلاد ( حيث الركود و الفقر هما القاعدة ) .
و يبيّن الآن لإقتصاد الصيني كلّ مؤشّرات التطوّر ذى الحركة الدائريّة للنموّ - الكساد . وهو أيضا يسير نحو كارثة بيئيّة. و قد أفرزت مصالح النموّ و الربح على المدى القصير تخلّى عن إستعمال أعمال الريّ و مقاومة الفيضانات ، و تراجعت الكثير من الغابات الكبرى بالبلاد و يلوّث الإغراق الصناعي مصادر المياه النظيفة . و تتصاعد ديون الصين الخارجيّة تبعاتها . و قد عادت الأمراض الإجتماعيّة القديمة للظهور : فى الريف ، قتل الأطفال الإيناث ( بما أنّ قوّة عمل الذكور تعدّ الآن من المدّخرات الحيويّة فى إقتصاد كلّ عائلة من أجل نفسها المنتشر فى غالبيّة الريف ) و العنفف بين القبائل ؛ و فى المدن ، البطالة و التسوّل و الدعارة . و ثقافيّا ، عوّضت صور الثوريّات اللاتى تمثّلن " نصف السماء " بأيقونات من النساء المنشغلات كربّات بيوت ، و مستهلكات ل " لباس النجاح " وأمتعة الجنس . و الفساد جدّ منتشر فى المجتمع الصيني إلى درجة أنّه لم يعد يبعث على الصدمة.
و خلف نسب النموّ الصينيّة التى تلقى المديح ، هناك الوقائع الإقتصادية و الإجتماعية . و قد مثّلتمجزرة ساحة تيان آن مان سنة 1989فى حقّ العمّال و الطلبة عاملا للتركيز الشديد على الواقع السياسي . هكذا هي الصين ( الجديدة / القديمة ) . صين اليوم إشتراكية فى الإسم وحسب . لكن الرواية الرائجة فى الغرب هي أنّ القادة " البراغماتيّين " المتجمّعين حول دنك سياو بينغ قد جلبوا الصحّة العقليّة إلى مجتمع كان واقعا بين براثن الجنون الماوي الشمولي . أجل ، يستطرد المدّاحون ، هناك ممارسات سياسيّة مقيتة إلاّ أنّه لماّ يموت شيوخ الثمانين سنة المحتلّين لمواقع المسؤوليّة ، ستزدهر تماما الدمقرطة ( التحكّم و اليأس المؤسساتيّين من النمط الغربي ) و الحقيقة هي أنّ حكم العمّال و الفلاّحين سُحق ؛ و الملكيّة و التراتبيّة أعيد التنصيص عليهما ؛ و وضع الربح فى مصاف قيادة التطوّر الإقتصادي . و لم تعد الطبقة المستغِلّة الجديدة تركّز الصحّة العقليّة بل الرأسمالية – و هذا بالضبط ما حذّر من حدوثه ماو تسى تونغ إذا إفتكّ اليمينيّون السلطة داخل الحزب الشيوعي . ما أطاح به " أتباع الطبقة الرأسماليّة " هؤلاء و ما أجهزوا عليه هو بالذات ما يفصّله هذا الكتاب و يدافع عنه.
كتاب شنغاي عرض من أكمل عروض الثوريّين الماويين لوجهات نظرهم بصدد طبيعة البديل الإشتراكي للرأسمالية و سيره . إنّه يساهم مساهمة عظيمة فى نظريّة الإقتصاد الإشتراكي . و هذه المساهمة قيّمة فى كلّ الظروف . بيد أنّه فى الجوّ العالمي الراهن ، يكتسى الكتاب أهمّية متزايدة – لأنّ هناك إدّعاء بأنّه لا وجود فى الواقع لبديل للرأسمالية . يريدوننا أن نعتقد أنّ الإشتراكيّة قد فشلت ... و ليس بوسعها سوى الفشل .
و مثلما يعلم كلّ من عاش خلال السنوات الماضية ، قد رفعت الطبقات الحاكمة فى الغرب من وتيرة إستعراض الإنتصار الإيديولوجي . فقد بدأت الحملة مع إنهيار الأنظمة التى كان يهيمن عليها الإتّحاد السوفياتي فى أوروبا الشرقيّة ، سنة 1989. و غدت إحتفالا بطوليّا مع تفكّك الإتحاد السوفياتي نفسه . غير أنّ ما إنهار فى الإتّحاد السوفياتي السابق ليس الإشتراكية بل شكلا خاصا من الرأسمالية ، رأسماليّة دولة إحتكاريّة عالية المركزة كانت فيها ملكيّة الدولة و كان فيها تخطيط الدولة يحملان مضمونا رأسماليّا . ما كان ثمّة من شيء ثوري بشأن ذلك المجتمع المنقسم طبقيّا و الإستغلالي و الإضطهادي . و فى الواقع ، جرت الإطاحة بالإشتراكية فى الإتّحاد السوفياتي فى خمسينات القرن العشرين - و دروس التجربة السوفياتية مواضيع كبرى فى هذا الكتاب . ( و من أجل تحليل للمظاهر الأساسيّة لرأسماليّة الدولة الإحتكاريّة التى وُجدت فى الإتّحا السوفياتي سابقا ، أنظروا ريموند لوتا " الإتّحاد السوفياتيّ : إشتراكيّ أم إمبرياليّ إشتراكيّ ؟ " – شيكاغو ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1983 ) .
ما تحتفل به الطبقات الحاكمة هو الرأسماليّة من النمط الغربي . يقولون لنا إ،ّه ليس بوسع أيّة مجموعة من الإجراءات الإقتصادية الأخرى أن كون فعّالة و عقلانيّة مثل الرأسمالية من النمط الغربي ،و ليس بوسع أي نظام سياسي آخر أن يوفّر مدى لتطوّر الفرد . بالنسبة لهم لا يهمّ أ،ّ البون بين الأمم الغنيّة و الأمم الفقيرة فى إقتصاد السوق العالمي العجيب قد تضاعف فى الثلاثين سنة الماضية ، أو أنّ يوميّا 40 ألف طفل يموتون جراء سوء التغذية أو الأمراض الممكن الوقاية منها فى العالم الثالث الذى يسيطر عليه الإقتصاد الرأسمالي العالمي و المؤسسات السياسيّة للرأسمال العالمي . لا يهمّ أنّ الغرب يشهد التباطئ الإقتصادي العالمي الأكثر عذابا و الأطول أمدا لما بعد فترة الحرب ؛ لا يهمّ فُحش أنّ السوق من النمط الغربي التى تدمّر المدن الداخليّة للولايات المتّحدة ستعالج بشكل ما أزمة السكن الروسيّة . لا يهمّ أنّ قرونا ثلاثة من التطوّر الصناعي الذى كان أعمى بقدر ما كان نهّابا للتوازن البيئي على الكوكب . لا يهمّ أنّ نظاما يطلب من الناس أن يحسّنوا أنفسهم كمنتوجات قابلة للبيع فى أسواق العمل والعلاقات الإنسانيّة. تجاهلوا كلّ هذا ... السوق يضمن أفضل العوالم الممكنة .
و لئن أعلنت الرأسماليّة الغربيّة الإنتصار على الإستغلال و الفساد المتقنّعين بقناع الإشتراكية فى الكتلة السوفياتيّة ، فإنّها تستغلّ أيضا الفرصة لتعلن إنعدام إمكانيّة توصّل الإنسانيّة إلى تجاوز لإستغلال و اللامساواة و التفكّك و البنية الإجتماعيّة الجشعة و الأنانيّة ، لتوجد نوعا جديدا و مختلفا جدّا من المجتمع . لا تعلن الطبقات الحاكمة " حكم التاريخ " و حسب بل تعلن " نهاية التاريخ " بمعنى أنّه ليس بوسع المجتمع و التاريخ مزيد التقدّم - الغرب ، كما لو أـنّ ذلك خاضع لرعاية إلاهيّة، قد حقّق المثل الأعلى لكافة الشعوب المتحضّرة . و أي شيء يتحدّى الرأسماليّة هو فى أفضل الحالات أضغاث أحلام و فى أسوئها طوباويّة لا تحظى بالنجاح و تفرض فرضا من أعلى و لا تستطيع أن تؤدّى إلاّ إلى كابوس . إستعراض الإنتصار كما وضعه المؤرّخ أرنو ماير " إحتفال مزمجر بالواقع المرير " و هذا يعنى أنّه إعتبارا لأنّه ليس بوسعنا الحصول على عالم تام ، ليحي الجشع و الإضطهاد و الخسّة . و لم يكن كلّ هذا دون تأثير سياسي . و ضمن عديد الذين فى زمن ما أو آخر عانقوا بدائلا رأسماليّة ، إنهيار الإتّحاد السوفياتي و نظامه السياسي ، المحدّد بطريقة خاطئة على أنّه إشتراكي ، و الهجوم الإيديولوجي ضد الإشتراكية قد أدّوا إلى مساءلة و شكّ عميقين فى طبيعة الإشتراكيّة و مستقبلها .
محور الحديث هنا هو إمكانيّة تحقّق الشيوعيّة الثوريّة : إمكانيّة أو عدم إمكانيّة وضع نهاية لكافة الإضطهاد و الإختلافات الطبقيّة على أساس الجهود الطوعيّة و الجماعيّة للملايين ؛ و إمكانية أو عدم إمكانيّة خدمة القيادة السياسيّة و المؤسسات الإقتصاديّة لمثل هذه الغايات ، و إمكانيّة أوعدم إمكانيّة أن ينجح فى الواقع إقتصاد إشتراكي . لتسليط الضوء على مثل هذه الأسئلة ، يمثّل ماو تسى تونغ و التجربة الثوريّة الصينيّة إلى وفاته فى 1976 نقطة إنطلاق جوهريّة . و كان إيديولوجيّو الدولة البرجوازيّة للإتحاد السوفياتي سابقا يروّجون ماركسيّة زائفة مبتذلة تسوّى بين الإشتراكيّة و ملكيّة الدولة الشكليّة و القانونيّة ، و دولة الرفاه و التطوّع ، و الفعاليّة التكنوقراطيّة و السلبيّة السياسيّة .
و على العكس من هذا ، أعاد ماو تسى تونغ إحياء نظرة ماركس و إنجلز للمجتمع الشيوعي و تجربة لينين القصيرة لكنالتاريخية فى القيادة العمليّة للجهود الموجّهة لإيجاد مجتمع إشتراكي جديد كمرحلة إنتقاليّة إلى المجتمع الشيوعي التام ، فيها يغيّر الرجال و النساء عن وعي و طواعيّة و من خلال صراعات كبرى ، العالم و أنفسهم . و فى نفس الوقت ، وهو يتعلّم من التجارب الإيجابيّة للجهود الأولى لبناء مجتمع إشتراكي فى الإتحاد السوفياتي ، أعاد ماو تى تونغ بعمق التفكير و أعاد صياغة النمط السائد من الإقتصاد الإشتراكي المخطّط الذى صار مؤسّساتيّا فى ظلّ ستالين .
كان ماو يفكّر و يضع مفاهيما و يطبّق جملة من الحلول لمشاكل حقيقية أمام تطوير إقتصاد إشتراكي مخطّط لا يقوم على الضوابط البيروقراطيّة أو يعيد إنتاج العلاقات الرأسماليّة الإضطهاديّة . و عنت مقربته تقييم النموّ و التطوّر وفق معايير إجتماعيّة و سياسيّة ، رابطا مسألة التنسيق الإقتصادي بمسألة المبادرة و المشاركة الجماهيريّة ، مشدّدا على مواضيع الدوافع و الفائدة الجماعيّة ، و على االجوّ العام الإيديولوجي و السياسي الذى فيه تتخذ القرارات على كافة المستويات و مازجا نظاما من التخطيط المنسّق و الإدارة اللامركزيّة .
و يمثّل النموذج الماوي كذلك نبذا كاملا للمقاربة الأرثودكسيّة الغربيّة ل " التخلّف " التى ترى التخلّف كشيء لا يعدو أن يكون تطوّر متأخّر يمكن لا يمكن التعجيل فيه و وضعه على السكّة إلاّ من خلال إبتلاع الرأسمال الأجنبي و المشاركة فى التقسيم العالمي للعمل . و على العكس من ذلك ، قطعت الصين الثوريّة مع النظام الإمبريالي العالمي . و رسمت و كرّست إستراجيا تطوّر قائمة على إعطاء الأولويّة للفلاحة ، و إستعمال التقنية البسيطة و المتوسّطة التى يمكن نشرها و تبنّيها عبر كامل الإقتصاد بينما يتمّ البحث عن تطوير و إستخدام التقنية المتقدّمة على نحو لا يشوّه و يفكّك الإقتصاد و يشجّع على التعويل على الذات و فوق كلّ شيء ، إطلاق العنان للشعب . على مثل هذه القاعدة ،بلد فقير يكون تطوّره مشوّها و مندوبا بالهيمنة شبه الإستعماريّة كان قادرا على بلوغ نموّ مستديم و متوازن و تلبية الحاجياتالأساسيّة لسكّانه .
و من الأكيد وجود مشاكل و أخطاء. إذ كانت للإقتصاد بعض نقاط الضعف و مؤكّد أنّ المؤسسات الإجتماعية الجديدة عرفت بعض التموّج ؛ و فى مدّ و جزر الصراع الجماهيري المكتسح كالدوّامة ما كان ممكنا تفادى الأخطاء – التى إرتكبت أحيانا بسبب إنتقال الناس فى سعي دؤوب منهم لتغيير الأشياء و أحيانا أخرى بسبب التصلّب . لكن كلّ هذا حدث فى إطار ثورة تجت الإستغلال و الإضطهاد الطبقي و تجلب الجماهير الواسعة إلى الحياة السياسيّة . و لم تستطع المخابرات الأمريكية ، السي آي آي ، إنكار نسق النموّ الإيجابي . و الملاحظ خلف الملاحظ لم يستطيعوا إلاّ أنّ ينذهلوا من صياغة القيم و المواقف الجديدة . و مع ذلك ، رغم أنّ كلّ هذا كان مذهلا ، كانت هذه الآليّات و المبادئ جزءا من حلّ أشمل لجملة أعمق من المشاكل : كيفيّة تثوير المجتمع و الناس من أجل إنجاز المرور الإعصاري إلى المجتمع الخالي من الطبقات ، إلى الشيوعية. بإختصار ، الإقتصاد السياسي الماوي هو ما يمكن أن يُطلق عليه الإقتصاد السياسي لإشتراكية ذات رؤية ثاقبة و قابلة للتحقيق .
يشيطن حرّاس النظام الحالي التجربة الماويّة لأسباب بالأحرى بديهيّة – إنّها تقف فى معارضة تامة لكامل نظامهم و نظرتهم الإستغلاليين . و أيضا غدت موضة فى بعض أوساط المثقّفين الأكثر " تنويرا " أن يستبعدوا الماويّة على أنّها نتاج صنعي لعصر طواه التاريخ . سواء كانت هذه الحجّة تستهدف ذلك أم لا فإنّها حجّة تخدم الوضع السائد . و مع ذلك ، يظلّ قائما سؤال : هل أنّ هذه التجربة و هذا الفهم مفيدين لبلوغ التحرير الحقيقي ؟ بالنسبة للذين يبحثون عن فهم و تغيير حقيقيين للعالم تغييرا راديكاليّا ، هذا الفهم لا أقلّ من أساسي .
الماركسيّة و طبيعة الإشتراكيّة و بناؤها :
يحيل الإقتصاد السياسي للإشتراكية على شيئين إثنين : التنظير ومواصلة البحث فى الأسس الاقتصادية (علاقات الإنتاج ) للمجتمع الإشتراكي ؛ و نمط مقاربة عمليّة للتطوّر و التخطيط الإقتصاديين . و لطالما كانت عقيدة إعادة التنظيم الإشتراكي للإقتصاد و المجتمع جزءا من ذخيرة الحركة العمّاليّة . لكن الإقتصاد السياسي للإشتراكية الشامل و الثوري عمليّا تطوير حديث نسبيّا .
فإلى الثورة البلشفيّة ، ركّز الإقتصاد الماركسي تحليله تقريبا حصريّا على نمط الإنتاج الرأسمالي . و كان لهذا أسباب و ضرورة تاريخيّة . ففى أواسط القرن 19 ، قد بلغت الصناعة الرأسمالية مرحلة النضج . و قد قامت بتثوير التقنية المنتجة و ولّدت الصناعة المعاصرة و طبقة جديدة من العمّال المأجورين الصناعيين . و قد وسّعت مدى و سرّعت نسق التغيير التقني كما لكم يفعل أي نظام إقتصادي من قبل . و كانت الرأسمالية الصناعية تماما - و بعنف تام - تعيد تشكيل العالم . لقد خلقت سوقا عالمية رأسمالية و أجرت تقسيما عالميّا للعمل يتماشى و متطلّباتها . فى تطوّره ، يسير هذا النظام ف إطار من النموّ السريع تتخلّله إضطرابات إقتصادية حادة وهو غير مستقر و عرضة للأزمات . و من اللحظات التاريخية الكبرى أنّ علاقاته و تناقضاته الطبقيّة قد أدّت إلى ظهور قوّة سياسيّة جديدة – البروليتاريا أو الطبقة العاملة – التى كانت تخوض نضالا من أجل تحرّرها . يجب أن نفهم نمط الإنتاج الرأسمالي ؛ و ينبغى رسم إستراتيجيا و تكتيكات ثوريين خدمة للنهوض بنضال الطبقة العاملة .
لقد نظّر كارل ماركس لنمط الإنتاج الرأسمالي و وضعه فى أفقه التاريخي – مبيّنا أنّه مرحلة خاصة و إنتقاليّة من التطوّر الإجتماعي القائم على التنظيم الخاص للعمل الإجتماعي و آليّة خاصة من خلالها تستخرج الطبقة الحاكمة المالكة فائض العمل من الطبقة المنتجة المُخضَعة.( فائض العمل هو وقت العمل الزائد على ما تقتضيه حاجيات الطبقات الكادحة ذاتها). و قد شخّص العلاقات المفاتيح فى المجتمع الرأسمالي على أنّها بين العمل المأجور و رأس المال . و شخّص التناقض الأساسي لهذا النظام على أنّه بين الإنتاج ذى الطابع الإجتماعي و التملّك الخاص – و قوى الإنتاج الواسعة النطاق و العالية التطوّر الممكن لا إستعمالها إلاّ بصفة مشتركة بين آلاف و ملايين العمّال ، ومع ذلك تستخدم من أجل زيادة التنافس للمصلحة الخاصة ( الفردية ) وقد كشف التناقضات والقوانين ( نزعات التطوّر ) الإقتصاديّة الداخليّة للرأسمالية .
ومكّنت إكتشافات ماركس هذه من التدليل على أنّ الرأسماليّة تخلق كلاّ من الأساس المادي ( النموّ الهائل و الطابع الإجتماعي لقوى الإنتاج ) و الوسيط ( البروليتاريا ) من أجل نموّ نمط إنتاج تعاوني أرقى ( الإشتراكيّة ) المفضى فى النهاية إلى الشيوعية ، مع إلغاء الإختلافات الطبقيّة و كافة الإنقسامات الإجتماعية التى تتضمّن بذور الإنقسام الطبقي . لكن ماركس لم يرتئى تفصيل مجتمع المستقبل تفصيلا دقيقا . الإشتراكية برأي ماركس ، سيُناضل فى سبيلها و تبنى بالملموس و ستكون الأشكال التى ستتخذها الإشتراكية و فى النهاية الشيوعية مرتهنة بالتطوّر التاريخي المسبّق و الظروف الخاصة للثورة .
و نحن نلقى نظرة على مسار الإقتصاد الماركسي إثر الإكتشافات العظيمة لماركس ، ينبغى حقّا ألاّ نفاجأ بأنّ التنظير الماركسي للإشتراكية و الشيوعية متخلّف عن تحليله للرأسماليّة . فالحركة الإشتراكية لأواخر القرن 19 وبدايات القرن العشرين كان عليها أن تعالج بعض المسائل السياسيّة العاجلة ( و الأكثر إلحاحيّة 9 الناجمة عن خصوصيّات التطوّر الرأسمالي و متطلّبات الصراع الطبقي . وكان الأمر كذلك خاصّة فى ألمانيا و روسيا حيث كانت الحركة العمّالية تنمو بسرعة و أجرى كلّ من ماركسيي ألمانيا و روسيا تحاليلا هامة للتغيّرات الهيكليّة التى جعلت الرأسمالية تبلغ مرحلة جديدة من التطوّر . ( و كان مؤّلف لينين " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " قمّة هذه التحاليل و أبرزها ). و هذا لا يعنى أنّ الحركة الإشتراكية السابقة ل 1917 لم تظهر أيّ إهتمام بالتنظيم الإقتصادى السياسي للمجتمع المستقبلي . لقد فعلت و المواضيع الشائكة لزمنها كالمسألة الزراعيّة ، كان يُنظر إليها بعين متّجهة إلى إعادة تنظيم الإشتراكية . و مع ذلك ، كانذلك موضوعا نظريّا ثانويّا ،و فى حال الجناح الأكثر تأثيرا للحركة ، اليمقراطية – الإشتراكية الألمانيّة ، غالبا ما كان يُنظر إلى الإشتراكية بمعانى خاطئة و غير ثوريّة : على أنّها إمتداد تطوّري وعقلنة للنزعات الرأسمالية نحو الطابع الإجتماعي و المركزة و التنظيم .
و هناك شيء أكثر جوهريّة يشرح التخلّف فى فهم الإشتراكيّة : بالمعنى الواقعي جدّا ، يجب على الإشتراكية أن تكشف نفسها قبل أن تدرك نظريّا بعمق . يجب القيام بالثورة الإشتراكية و يجب إتّخاذ التحدّيات العمليّة للتغيير الإجتماعي كشرط للمعرفة الشاملة . لكن هذا لم يكن لا بداية ولا نهاية المشكل ، لأنّ الطبيعة الداخليّة للإشتراكية لم تكن بأي شكل من الأشكال بديهيّة و شفّافة – كان يجب النفاذ إليها . ( فى بداية القسم الأوّل من القرن العشرين ، إفترض خطأ عديد المنظّرين الماركسيّين كروزا لكسمبورغ و بعض الإقتصاديين البلاشفة البارزين ، أنّ سير الإقتصاد الإشتراكي سيكون بعدُ قابلا جدّا للمعرفة و ستكون إدارته عمليّة بصفة بارزة إلى درجة أنّ الإقتصاد السياسي كعلم فى حدّ ذاته سيضمحلّ ).
كتب ماو فى " نقد الإقتصاد السوفياتي " : " لمعرفة القوانين الموضوعيّة ، يجب المرور بسيرورة " . و مثّلت سيرورة معرفة قوانين المجتمع الإشتراكي - و بهذا نعنى هيكلة المجتمع الإشتراكي و ديناميكيته – أحد التعميقات النظريّة و إعادة للفهم القائم على و المنجز فى إرتباط بالممارسة الإجتماعية لبناء الإشتراكية . وشملت السيرورة البحث فى الواقع الإشتراكي الملموس و إضافة للمعرفة السابقة و تصحيحها ، خوض الصراع الطبقي و الإيديولوجي فى المجتمع الإشتراكي حول الطريق إلى الأمام . وهناك علامات فى هذه السيرورة – حلقات تاريخية محوريّة لم تتطلّب فحسب بل أيضا خوّلت للماركسيّة بصياغة و توسيع الإقتصاد السياسي للإشتراكية . و هنا نشير إلى المحاولة الأولى لبناء مجتمع إشتراكي و إقتصاد إشتراكي التى جدّت فى الإتحاد السوفياتي بين 1917 و 1953 ،و إعادة تركيز الرأسماليّة التالية هناك إثر وفاة ستالين ، والثورة الثقافيّة الصينية بين 1996 و 1976 بقيادة ماو . و ثمّة أيضا حجر أساس فى هذه السيرورة هو تلخيص ماو تسى تونغ النظري للتناقضات الكامنة فى المجتمع الإشتراكي والمهام التاريخيّة التى تواجه البروليتاريا فى السلطة .
لقد أقام ماركس و إنجلز أسس الإقتصاد السياسي الإشتراكي . و مثلما وقعت الإشارة إلى ذلك ، قد شخّصاالنزعات فى الإنتاج الرأسمالي التى لم تكن تدفع المجتمع الرأسمالي إلى أزمة أكبر فحسب بل كانت كذلك تفتح الإمكانيّات الماديّة لشكل أرقى من الإقتصاد و التنظيم الإجتماعي . وحده نظام يعتمد على الملكيّة الإجتماعيّة و التخطيط الإجتماعي بإمكانه تجاوز فوضى ( " التعديل " العفوي و الهدّام للإقتصاد من قبل السوق ) الإنتاج الرأسمالي و حلّ التناقضات التى تفرزها الرأسماليّة بإستمرار . و وحدها ثورة سياسيّة عنيفة تستطيع أن تفسح المجال إلى خلق مثل هذا النظام . و كانت المهمّة أمام البروليتاريا المسك بالسلطة وتركيز دكتاتوريّتها : حكم غالبيّة المنتجين ضد اقلّية المستغِلّين السابقين . ستغيّر البروليتاريا الأساس الخاص للتحكّم تقنيّا فى قوى الإنتاج الإجتماعية المتقدّمة ، و تضع حدّا للإستغلال و تشرع فى تكريس سيادة المجتمع جماعيّا . ستكفّ منتوجات النشاط الإنساني عن التحكّم فى خالقيها ؛ و يكفّ التعارض بين العمل الفكري و العمل اليدوي و التخصّص الطبقي فى مجالات النشاط الإنساني . و ستنطلق الثورة البروليتارية فى سيرورة تاريخية عالميّة من خلالها ستحرّر الطبقةالعاملة نفسها وكافة الإنسانيّة من العلاقات الإقتصاديّة الإستغلاليّة و العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة ككلّ .
و بالنسبة لماركس ، لم يكن المجتمع الجديد تحقيقا لفكرة أخلاقيّة أو طوباويّة نشأت خارج المجتمع الرأسمالي . تنشأ الإشتراكية فى ظروف المجتمع القديم وتناقضاته . و هكذا رأى ماركس الثورة الشيوعيّة على أنّها تمرّ بمرحلة دنيا إلى مرحلة عليا : من الإشتراكية التى تعوّض الرأسمالية و لا تزال بعدُ تحمل آثارها الماديّة و الإيديولوجيّة إلى الشيوعية التى تتميّز بغياب الطبقات و إلغاء الدولة و خلق وفرة ماديّة مشتركة . و بالنسبة إلى ماركس ، تعنى الثورة الإشتراكية " قطيعتين راديكاليّتين " : مع علاقات الملكيّة التقليديّة و مع الأفكار التقليديّة .
كان هذا إشتراكيّة علميّة ( و لينين سيعيد تأكيد هذه الأطروحات و يعمّقها فى كتابه " الدولة و الثورة " ) . لكن ماركس وإنجلز لم يعيشا ليريا كسب الطبقةالعاملة للسلطة وإطلاقها فى مهمّة غير مسبوقة تاريخيّا ، مهمّة تغيير المجتمع الطبقي . ( حدثت كمونة باريس فى 1871 خلال حياتهما و بسرعة لخّص ماركس الدروس العميقة من هذه التجربة القيرة لكن الغنيّة. إلاّ أنّ الكمونة لم تدام غير شهرين و على المستوى الإقتصادي ، لمتكن قادرة على تركيز نمط جديدمن الإنتاج ). لم يستطيعا سوى التنظير لطبيعة المجتمع الإشتراكي و طبيعة و مدى طول المرحلة الإنتقاليّة إلى الشيوعية بشكل عام و إن بتلميحات قويّة و تلغرافيّة . و علاوة على ذلك ، قدّما بعض الإتراضات عن أسس إقتصاد إشتراكي تبيّن أنّها لا تتناسب مع الظروف الماديّة الفعليّة التى تطوّر فى ظلّها المجتمع الإشتراكي . لقد توقّعا أنّ كافة وسائل الإنتاج ستصبح تقريبا على الفور ملكيّة جماعيّة مشتركة ؛ و أنّ إنتاج السلع التى يحتاجها المجتمع لن يظلّ ذو طابع سلعي ( ما يعنى الإنتاج من أجل التبادل مقابل المال ) عندما يقع تعويض الإنتاج من أجل الربح الفوضوي بالإنتاج للإستعمال المخطّط له ؛ و أنّ الأجور – المال / النقد ستكفّ عن الوجود فى المرحلة الإشتراكية .
لم يتوصّل أي مجتمع إشتراكي إلى هذا . لم يكن الأمر ممكنا خاصّة بالنظر إلى بقاء و الوزن الإقتصادي للفلاحة المعتمدة على الفلاّحين فى الأرياف حيث حدثت إلى ألان الثورات الإشتراكية ، للقيام بمشركة سريعة لكافة وسائل الإنتاج إلى مستوى الملكية العامة للدولة ؛ لقد كان من الضروري إدخال الملكية الجماعيّة كمرحلة إنتقاليّة بين الملكيّة الخاصة و الملكيّة العامة للدولة . و ما كان ممكنا التخلّص من علاقات التبادل السلعي بين وحدات الإنتاج . و بالرغم من أنّ المبدأ الإشتراكي " من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب عمله " قد تمّ تكريسه فى المجتمعات الإشتراكية ، فإنّ توزيع السلع الإستهلاكيّة ظلّ يتمّ بواسطة المال وكانيعنى دفع أجور – نقديّة .
و كذلك توقّع ماركس و إنجلز أن تحدث الإشتراكية إختراقها الأوّل فى البلدان الرأسماليّة المتقدّمة حيث كانت قوى الإنتاج عالية التطوّر . و بديهيّا ، لم تجرى الأمور على هذا النحو . فقد تطوّرت الرأسماليّة إلى مرحلة أعلى، الإمبريالي ، المتميّزة بالدور الإقتصادي المهيمن للإحتكارات الضخمة و الرأسمال المالي وعولمة إنتاج رأس المال ، و النزاع الحاد بين الدول – الأمم الإمبريالية و هيمنة بعض البلدان الرأسماليّة الغنيّة على الأمم المضطهَدَة من العالم الثالث أين تعيش غالبيّة الإنسانيّة. و قد أثّر تطوّر النظام الإمبريالي وتناقضاته تأثيرا عميقا فى مسار الثورة الإشتراكية . و نتشرت الحركة البروليتاريّة إلى البلدان المستعمَرَة و المضطهَدَة فى حين وقعت عرقلة تقدّمها فى البلدان الرأسماليّة المتقدّمة ( أين إستخدمت الطبقات الحاكمة الثروة الطائلة المراكمة من خلال الإستغلال و النهب العالميين لضمان إستقرار نسبي لفترات مديدة ) .
و يقترح بعض نقّاد الماركسية البرجوازيّين أنّ قيمتها التفسيريّة موضع شكّ بما أنّ الإشتراكية قد تطوّرت نوعا ما بشكل مختلف عن ما توقّعه ماركس . و هذه الحجّة بالأحرى حجّة سطحيّة . لقد كانت فرضيّات ماركس معقولة تماما ( ولم تقدّم على أنّها توقّعات عاطفيّة و سريعة – لا تدّعى الماركسيّة التنبّأ بكافة المظاهر الخاصّة بالتطورّ الإجتماعي المستقبلي ) . و أكثر من ذلك ، ما دلّلت تجربة القرن العشرين على صلوحيّته بقوّة هو نظرة ماركس للثورة و الإشتراكيّة كظاهرة تاريخيّة نابعة منتناقضات الإنتاج الرأسمالي و تطوّره الذى ينبغى أن يُفهم الآن فهما أتمّ كسيرورة عامة .
لكن لواقع أنّ توقّعات ماركس الخاصة كلّها لم تتحقّق أهمّية عمليّة ونظريّة .لقد لخّص بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة المشكل على النحو التالي . إنّ الإشتراكية كما ظهرت عمليّا فى القرن العشرين قد دلّلت على أنّها تشكيلة إجتماعيّة أعقد و غير مستقرّة و أنّ سيرورة التغيّر الإجتماعي أعسر و أطول مدى ممّا قد توقّعه سواء ماركس أو لينين . هذا " الطابع المعقّد " مرتبط جدّا بالمشك التاريخي الذى واجه الحركة العمّاليّة العالمية أثناء " الموجة الأولى " من الثروات الإشتراكية : مشكل القيام بالثورة و الحفاظ عليها و التقدّم بها فى عالم لا تزال تهيمن عليه الرأسمالية – الإمبريالية . و هذه ليست مسألة قوّة سياسيّة – عسكريّة للإمبريالية فحسب ، بلهي أيضا مسألة مواصلة الهيمنة على نطاق عالمي للرأسماليّة كنمط إنتاج - ما مارس تأثيرات ماديّة و إيديولوجيّة واسعة على المجتمعات الإشتراكية الحديثة الظهور و حدّدت و شوّهت ما كانت قادرة على تحقيقه . كون المجتمعات الإشتراكية قد وجدت فى بحر من البلدان الرأسمالية – الإمبريالية يبرز أنّ الدولة الإشتراكية ليست هدفا فى حدّ ذاته . و أرقى مهمّة للثورة فى السلطة ليست تطوير الإشتراكية و الدفاع عنها ضمن الحدود القائمة على أنّ هذه المهمّة حيويّة . يجب على الدولة الإشتراكيّة أن تسير أوّلا و قبل كلّ شيء ك " قاعدة " لدعم و نشر الثورة البروليتاريّة العالمية . ( لقد أطنب بوب أفاكيان فى الكتابة عن تجربة الثورة البروليتارية و دروسها . و نقطة بداية جيّدة للإطلاع على ما كتب هي " كسب العالم – واجب البروليتارياالعالميّة و رغبتها " ، مجلّة " الثورة " عدد 50 ، 1981 . و بالنسبة للذين تعتبر هذه المسائل جديدة عليهم إلى حدّ كبير ، يوفّر ذلك العدد من تلك المجلّة مقدّمة جيّدة و عرضا جيّدا لهذه المسائل ). و هناك نقطة توجّه هامّة هنا يشدّد عليها كتاب شنغاي : لا يمكن كسب الإنتصار النهائي للثورة البروليتاريّة إلاّ على النطاق العالمي و ليس بوسع الطبقة العاملة أن تحرّر نفسها إلى أن تتحرّر الإنسانيّة قاطبة .
و ثانيا ، يرتبط تعقّد الثورة الإشتراكية بطبيعة الإشتراكية عينها . و قد كشفت التجربة التاريخيّة أنّ الإشتراكية فريدة مننوعها و شكل إنتقالي من المجتمع . و ينسحب هذا على كافة الأصعدة ، الإقتصادي و والسياسي و الإجتماعي و الإيديولوجي . و لنأخذ مثلا مسألة الإنتاج السلعي فى ظلّ الإشتراكية ، و هي من أهمّ مواضيع كتاب شنغاي .
فى أنظمة الإنتاج السلعي والرأسماليّة أكثر أنواعها تطوّرا ، تنتج السلع من أجل التبادل ( البيع للآخرين ). و تنهض هذه السيرورة من التبادل على تقسيمات عمل متعدّدة ( تخصّص الناس فى هذا النشاط أو ذاك ) و تقسيمات العمل هذه تعمّقها و توسّعها سيرورة التبادل . ومنتجو السلع موضوعيّا مترابطون بعضهم ببعض – إنّهم يعتمدون على بعضهم كمزوّدين و حرفاء . لكنّهم كذلك منعزلون إجتماعيّا عن بعضهم البعض - ذلك أنّ وحدات الإنتاج الفرديّة يتمّ التحكّم فيها تحكّما خاصا ما يفصل بين قرارات الإنتاج . بمعنى أنّه المنتوجات تصنع كملكيّة لوكلاء إنتاج خاصين . و ليست السيرورة الإجتماعيّة لتحديد ما يقع إنتاجه و بأيّة كمّيات و كيف يتمّ توزيع العمل ، نتيجة التنسيق الإجتماعي الواسع الواعي و إنّما تجرى عبر تبادل السلع . إنّ وحدات الإنتاج السلعي الفرديّة تتفاعل مع السوق و مؤشّرات السعر ما يعكس فى النهاية الظروف الكامنة للإنتاج الإجتماعي .
يحجب شكل الإنتاج السلعي و يشوّه العلاقات الإجتماعيّة الحقيقيّة التى تعمى الأفراد عن رؤية بعضهم البعض . إنّه يجعل الأمور تبدو كما لو أنّ للأشياء ( السلع و المال ) حياة خاصة بدلا من كونها تعبّر عن علاقات إجتماعيّة . فمثلا حذاء رياضة من نوع نايك يُنتجه عمّال يتعرّضون لقمّة الإستغلال جنوب كوريا وهي مستعمرة جديدة للولايات المتحدة . لكن لكن هذه المعلومة الإجتماعية ليست بالأحرى موصولة بالسعر . و يحدّد الناس أنفسهم فى علاقة بالأشياء و يصبح إقتناء الأشياء الوجود كلّه و النهاية كلّها ، فى حين أنّ الناس أنفسهم يعاملون و يستخدمون كأشياء . و يخلق الإنتاج السلعي وهم أنّنا جميعا عملاء خاصون نتّخذ نشاطات غير مترابطة سعيا وراء أهدافنا الخاصة ؛ و يشدّد الصراع التنافسي لمنتجى / باعة السلع المستقلّين – بما فى ذلك البروليتاريين و سلعتهم الأساسيّة القابلة للبيع هي قدرتهم على العمل ( قوّة العمل ) – يشدّد على عقليّة " أنا أوّلا " لمجتمع مبني على السوق . فى ظلّ الإنتاج السلعي الرأسمالي ، يصبح كلّ شيء موضوع " حساب بقلب بارد " ( حسب عبارة للينين ) . ما لا يسجّل كسعر لا يستحقّ الإهتمام .
يتعيّن على المجتمع الإشتراكي أن يحدّد وفى نهاية المطاف أن يتجاوز الإنتاج السلعي ؛ وإذا لم يحدث هذا ، لن يمكن بناء المجتمع الجديد . لماذا ؟ لأنّ الإنتاج السلعي و قانون القيمة ( قانون القيمة قانون موضوعي للمجتمع المنتج للسلع . إنّه يعدّل تبادل السلع حسب كمّيات العمل الضروريّة إجتماعيّا المبذولة فى إنتاجها . بتعديله التبادل السلعي الرأسمالي ، يُعدّل هذا القانون ايضا توزيع العمل و وسائل الإنتاج بين مختلف فروع الإنتاج . و فى ظلّ الإشتراكية ، تكفّ قوّة العمل عن أن تكون سلعة ). الذى يعدّله لا يمكن أن يُسمح له بتحديد ما يُنتج و كيف يُنتج ، و لو هيمنت إعتبارات الفعاليّة – الربح ، فإنّ الحاجيات الإجتماعية – الحاجيات و المصالح الأساسيّة للجماهير الشعبيّة – لن تُلبّى . ذلك لأنّ فى الإنتاج السلعي و التبادل عبر المال تكمن بذور الإضطهاد الرأسمالي : فصل العمّال عن وسائل الإنتاج و إستغلال العمل المأجور و فى الإنتاج السلعي و التقسيمات و الإنفصالات التى يفرزها يكمن حاجز إستيعاب الناس لروابطهم الإجتماعيّة و سيادة تنظيمهم الإجتماعي الخاص و النشاط ك " مجموعة من الأفراد الأحرار الذين ينجزون العمل بوسائل إنتاج مشتركة " ( جملة لماركس ) .
يشرح كتاب شنغاي كيف أنّ المجتمع الإشتراكي يُخضِع بالملموس الشكل السلعي للإنتاج ( و العلاقات النقديّة / الماليّة ) كوسيلة أوّليّة لتنظيم الإنتاج الإجتماعي . يشرح كيف أنّ البروليتاريا تشرع فى شكل من " الإنتاج الإجتماعي المباشر " الذى يعنى طريقة مختلفة فى تنظيم إقتصاد ( إنتاج مخطّط له إجتماعيّا من أجل الحاجة الإجتماعيّة ) ؛ لتغيير سيرورة العمل ( سيطرة المنتجين على ظروف الإنتاج بدلا من حدوث العكس)؛ ولتطوير بسيكولوجيا إجتماعيّة مختلفة ( أناس يعملون من أجل الصالح العام ). لكن هذا النوع الجديد من الإنتاج لم يتحرّر و لا يستطيع أن يتحرّر تماما من عناصر السلع و أصناف متباينة من علاقات السلع – المال تظلّ قائمة فى ظلّ الإشتراكية و تواصل التأثير فى تفكير الناس . و يظلّ مبدأ التبادل القائم على قدر متساوى من العمل يلعب دوره . و يجب علىالمؤسسات الإشتراكية أن تعير الإنتباه للفعاليّة و عليها أن تواصل إستعمال المحاسبة الماليّة للمقارنة بين الكلفة المخطّط لها و الكلفة الفعليّة لإنتاج شيء . و يكشف كتاب شنغاي الأسباب الكامنة وراء هذا و التعقيدات و المخاطر التى تطرحها . و فى نفس السياق ، بينما تحم الطبقة العاملة فى المجتمع الإشتراكي و تهدف إلى إلغاء الطبقات و الإختلافات الطبقيّة ، يستمرّ المجتمع الإشتراكي فى إعادة إنتاج الطبقات و الإختلافات و اللامساواة الطبقيّة التى تجد تعبيرا عنها كتناقضات طبقيّة عدائيّة . الإشتراكية مجتمع يظلّ فيه خطر إعادة تركيز الرأسماليّة دائم الحضور .
بالطبع بمقدور المرء أن يستغني عن تعقيد الإشتراكية من الناحية المفهوميّة : بما أنّ حكم العمّال فى الإتحاد السوفياتي خلال الفترة الممتدّة بين 1917 و 1953 و فى الصين فى ظلّ ماو تسى تونغ لم يتطابق بأشكال هامة مع ما تصوّره مسبّقا ماركس، فإنّ ما وُجد هناك لم يكن حقّا إشتراكيّة .إنّه مسمار يدقّه البعض . و إستخلص آخرون ، مع إعترافهم بالصعوبات الحقيقيّة ، أنّ الإشتراكية ببساطة فشلت و يجب إعادة إختراعها . ( و هذا المفهوم القائل إنّ الإشتراكية قد فشلت و يجب إعادة صياغتها يجرى التطرّق إليه فى خاتمة هذا الكتاب ) . ستحلّ هذه المقاربات محلّ الأنماط التجريديّة و المثاليّة لتعقيد الحياة الحقيقيّة. و أسوأ من ذلك ، تنكر التجربة الثريّة و التحرّريّة و تتجنّى على الثورة الإشتراكية بالرغم من صعوباتها و إنتكاساتها .
الإتّحاد السوفياتيّ : الإختراق و الحدود
و يوصلنا هذا إلى الثورة البلشفيّة و الإتحاد السوفياتي . كانت ثورة أكتوبر أوّل تجربة لدولالطبقة العاملة تنجز مصادرة الطبقات المالكة سابقا و تركّز شكلا إشتراكيّا من الإقتصاد . تحوّلت وسائل الإنتاج المتحكّم فيها على نحو خاص إلى ملكيّة عامة و خضع التطوّر الإقتصادي للتخطيط الواعي . و من خلال أدواتهم ، الحزب و الدولة ، أرسى العمّال و الفلاّحون السيطرة الجماعيّة والإستعمال العقلاني للموارد الإقتصادية . و لم يتطلّب هذا الشكل الإقتصادي المخطّط التنسيق و التعبئة الإجتماعيين فحسب بل كذلك نظريّة مرشدة للتطوّر و التغيير الإقتصاديين . لذا دشّنت دولة العمّال أوّل بحث فى الإقتصاد السياسي للإشتراكيّة و طرحتعلى نفسها كأوّل دولة تطبيق الإقتصاد السياسي الإشتراكي المنهجي . كانت تلك مهمّة نظريّة تزخر بروح الإكتشاف و النقاش و الصراع الذى ميّز السنوات الأولى من الثورة لكنّها لم تكن و ما كات بوسعها أن تكون تمرينا فكريّا مكتفيا ذاتيّا . لقد تشكّل مسار فهم و صياغة السياسة بالصراع الحاد صلب الحزب الشيوعي حول قيلدة الثورة وقابليّة الحياة و النموّ و بصراع الحياة أو الموت لإلحاق الهزيمة بالثورة المضادة من الداخل و من الخارج .
ما ظهر من هذه المحاولة الأولى كان نوعا من الفهم لطبيعة المجتمع الإشتراكي و مهام البناء الإشتراكي و مناهجه . و وجدت عناصر تقدّم نظريّ هنا عكست التغيّرات الشاملة التى كان يشهدها المجتمع السوفياتي . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، كان فهم الإقتصاد و المجتمع الإشتراكيين جزئيّا نظرا إلى حدود التجربة التاريخيّة . و كان كذلك معيب فى نواحى مفاتيح نظرا للمشاكل فى المقاربة والمنهج . و هنا ليس بإمكاننا تقديم إلاّ بضعة نقاط مقتضبة .
لقد إنتصرت الثورة السوفياتيّة فى بلد رأسمالي متخلّف له عدد ضخم من الفلاّحين ( كانت الطبقة العاملة تمثّل ( 5 بالمائة فحسب ) . و هذا الواقع لوحده كان يطرح تحدّيا رائعا . هل يمكن للثورة أن تعزّز مساندتها و تظلّ على قيد الحياة . هل يمكن للإشتراكية أن تبنى إن لم تتوفّر متطلّباتها الماديّة ، على غرار القاعدة الصناعيّة العالية التطوّر و الفلاحة على نطاق واسع ؟ لقد كان البلاشفة واعيين تمام الوعي بالصعوبات . و فى سورة حمّى الإنتصار مباشرة ، إستبقوا الأمر و عوّلوا على دعم فى شكل ثورة و نشر الإشتراكية إلى البلدان الأوروبيّة الأكثر تطوّرا ؛ إلاّ أنّ الحركة الثوريّة فى أوروبا ، و خاصة فى ألمانيا ، إنهارت . و سرعان ما أضحى واضحا للبلاشفة أنّ على الجمهوريّة السوفياتيّة المتشكّلة حديثا أن تمضي وحيدة فى طريق الإشتراكية و لعلّ ذلك لبعض الوقت . و كانلينين مصمّما على أن تمضي الثورة فى سبيلها : فى نهاية الأمر ، خاطر البلاشفة بقيادة الجماهير للقيام بالثورة و الآن سيخاطرون بقيادتها فى المضيّ قدما .
و قد قاتلت وستقاتل الثورة من أجل حياتها . و ينبغى عليها أن تسحق جهود الثورة المضادة للطبقات المالكة القديمة المدعومة من طرف التدخّل الإمبريالي . و تأرجحت السياسة الإقتصاديّة بين الإجراءات الراديكالية لتحديد السوق خلال " شيوعية الحرب " و الإجراءات المؤقّتة لتوسيع السوق خلال " السياسة الإقتصادية الجديدة " .
لكنّها ثورة تقاتل من أجل الحياة و واصلت إنجاز التغييرات الإقتصادية و الإجتماعيّة العميقة . و تمّ تركيز أجهزة الحكم الشعبي الشسياسيّة و الإجتماعية الجديدة ، و تولّى العمّال الذين صلّبت عودهم المعارك مواقعا حكوميّة و إداريّة هامة . و توقّف " سجن الأمم " القيصري السابق عن الوجود إذ إعترفت الثورة بحقّ تقرير المصير و أرست دولة متعدّدة القوميّات قائمة على المساواة بين الأمم و القوميّات . و بُذلت جهود كبرى بإتّجاه تحرير النساء – مع 1921 ، بات الطلاق سهل المنال و إستبعد الوصف الشكلي باللاشرعية ،و بات الإجهاض قانونيّا و باتت الحقوق المتساوية و الأجر المتساوى سياسة وقانونا. وأطلقت حملات كبرى لإجتثاث الأمّية ( أوجدت اللغات المكتوبة للغات القوميّة التى لم تكن تملك واحدة من قبل ).
و فى السنوات الموالية لوفاة لينين فى 1924 ، طُرحت مسألة هل أنّ الإشتراكيّة ممكنة فى ظلّ ظروف التخلّف الإقتصادي و الثقافي الداخلي و المحاصرة الإمبريالية ، طُرحت مجدّدا وبحدّة . و قاتل ستالين من أجل رؤية أنّ الإشتراكية يمكن و يجب أن تبنى فى بلد واحد فى غياب الإنتشار على المدى المنظور للثورة – من أجل البقاء على قيد الحياة و تطوّر الثورة فى الإتّحاد السوفياتي و من أجل قضيّة الثورة العالمية . و بالنسبة للمواقف البديلة التى وقع تقديمها زمنها ، كان ستالين الأصحّ . لكن مثلما أشار بوب أفاكيان فى " كسب العالم ..." ، إنّ نقاش " الإشتراكية فى بلد واحد " و الصراع إلى درجة معيّنة تناسى المسألة الأهمّ ...ألا وهي ببساطة ما هي الإشتراكية ؟
بالنسبة للقيادة السوفياتيّة ، أمست الإشتراكية تساوى شيئين إثنين : إلغاء التناقضات العدائيّة بين الطبقات و تركيز صناعة معاصرة ، على نطاق واسع فى ظلّ ملكيّة الدولة . و كانت هذه مفاهيم إشكاليّة سينقدها ماو و واصلت الماويّة تبنّى ذلك النقد . و فى ما يتّصل بمسألة الطبقات ، كانت النظرة المهيمنة فى صفوف البلاشفة أنّ الأساس الإقتصادي و الإجتماعي لعلاقات المستغِل / المستغَل و للطبقة البرجوازيّة تكفّ عن الوجود بعدم يتمّ إلغاء الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج . بكلمات أخرى ، بعد كسر مقاومة الطبقات المطاح بها ، تكفّ الطبقات و يكفّ الصراع الطبقي عن لعب دور هام أو محدّد فى الحياة الإقتصاديّة و السياسيّة .
كان البلاشفة واعين بأنّ مآل الطبقات و الإستقطاب الإجتماعي ليس مسألة هيّنة تحصل بإعلان نهاية الإستغلال . و قد أسهب لينين فى " الدولة و الثورة " فى التشديد على إستمرار اللامساواة فى ظلّ الإشتراكيّة و رأى فى تواصل الإنقسام بين العمل اليدوي والعمل الفكري مصدرا كبيرا لهذه اللامساواة . و فى عشرينات القرن العشرين ، شرع أيضا فى الخوض فى ظاهرة الفساد البيروقراطي فى صفوف بعض موظفى الحكومة و فى مشكلة توالد العلاقات السلعيّة فى ظلّ الإشتراكيّة – و المخاطر التى يمثّلها ذلك على الثورة . لكن هذه كانت بحوثا إستكشافيّة يقفوراءها مفهوم كانينزع إلى ربط الإنتاج السلعي فى ظلّ الإشتراكية فقط بالإنتاج الخاص على النطاق الضيّق ، و الطبقات فقط بأشكال الملكيّة الخاصة . حينها لو تُفهم الطبيعة المعقّدة و المتناقضة للملكيّة " العامة للدولة " ، وهي نقطة سنعود إليها لاحقا .
فى أواسط ثلاثينات القرن العشرين، كان ستالين ينزع إلى صياغة الموضوع الطبقي على النحو التالى : مع الإطاحة بالطبقات المالكة القديمة و مع تأميم الصناعة ومشركة الفلاحة ، وقع إلغاء القاعدة الإقتصاديّة للإستغلال . والمجتمع متكوّن من طبقتين غير عدائيّتين هما الطبقة العاملة و الفلاحين فى التعاونيّات ، إلى جانب فئة من الأنتلجنسيا و مجموعات ذوى الياقات البيضاء . و قد قُضي على الطبقات الحاكمة القديمة كطبقات وما ظلّ هناك هو بقايا لهذه الطبقات المطاح بها أي أفراد متجمّعين بطريقة ما مع تشكّل الطبقة ما قبل الثورة . لكن هذه البقايا للنظام القديم لا يمكن أن تلقى الإسناد إلاّ من الخارج ؛ و هكذا تهديد المجتمع يأتى من وكلاء الطبقات المطاح بها المثقّفين و المدعومين من الرأسمال الأجنبي .
و مرّة أخرى ، لم يكن يُنظر إلى الطبقات العدائيّة و الصراع الطبقي على أنّهم ينهضون بدورحيويّ فى المجتمع الإشتراكي بما أنّ الطبقة البرجوازية كانيُنظر إليها على أنّها توجد فقط فى علاقة بأشكال اللكيّة الخاصة الممكن الكشف عنها بسهولة . إنّه خطّ لا يتناسب مع الواقع و الممارسة الإجتماعيّة بما انّ المجتمع كان فعلا مزدحما بالإختلافات والتناقضات الطبقيّة .
كان مفهوم الطبقة مرتبط بفهم أسس الإشتراكية المتطوّرة . وُجدت نزعة نحوالنظر إلى الإشتراكية بمعنى ماديّ- تقني ؛ أي وقعت تسوية الإشتراكية مع بلوغ مستوى معيّن من تطوّر قوى الإنتاج فى ظلّ الملكيّة العامة. و من هنا تنبع مقاربة برنامجيّة و تاريخيّة خاصة لبلوغ الشيوعية . إنّ ملكيّة الدولة ممزوجة بالتصنيع ستؤدّى إلى مستويات أعلى منالإشتراكية و فى نهاية المطاف ، إلى الإنتقال المنسجم نسبيّا إلى الشيوعيّة . و سترسي الصناعة الإشتراكية أسس و تكون الدافع إلى تغيير العلاقات الإجتماعيّة و تقسيم العمل و الإيديولوجيّات الموروثة عن المجتمع الطبقي . لقد كانمن المتوقّع أن تتّبع هذه التغيّرات تقويبا تعديلات آليّة مع التصنيع الإشتراكي . وهكذا ، عندما يتمّ بلوغ الملكيّة الإشتراكية لوسائل الإنتاج ، المهمّة المفتاح هي تطوير قوى الإنتاج الماديّة . و فى ظروف تخلّفه الخاصة ، كان الإتحاد السوفياتي يحتاج إلى المزيد من المصانع و الآلات و التقنية المعاصرة و النقل و البنية التحتيّة ؛ كان يحتاج إلى المزيد من التقنيّين المتدرّبين والمهندسين إلخ ... و نظام تعليمي موجّه إلى تنشأة مثل هؤلاء الناس ؛ وكان يحتاج نقل جزء من سكّان الريف إلى المدن .
و أضحى البناء الإشتراكي يساوى تعبأة الموارد للتطوّر السريع للصناعة الثقيلة ذات الرأسمال- الكثيف . ( " الرأسمال -الكثيف " لا يعنى هنا " رأسمالي " بل صناعة ذات مكوّن تقني كبير ، فى تعارض مع صناعة ذات عمل كثيف يكون لها نسبيّا مستوى تقني أخفض و تعوّل كثيرا على العمل البشري ). و كان تحطيم الأساس القانوني للملكيّة الخاصة لأكبر وسائل الإنتاج وتركيز ملكيّة الدولة يعتبران ضمانا لكون سيرورة التصنيع ستخدم حكم الطبقة العاملة . لم يتمّ فهم الطابع المعقّد و المتناقض لأشكال ملكيّة الدولة و أنّ ملكيّة دولة العمّال التشريعيّة ( الشكليّة / القانونيّة ) يمكن أن تحجب علاقات برجوازية. ( و سلّط كتاب شنغاي ضوءا هاما على هذه النقطة مشدّدا على الحاجة إلى تجاوز الشكل إلى المضمون الفعلي لملكيّة الدولة: من يسيّر فعلا مؤسّسات الدولة ؟ هل أنّ توجّها سياسيّا – إيديولوجيّا لتحديد أو لتوسيع الامساواة و الإختلافات فى مصاف القيادة ؟ ).
بوجه خاص أو بصفة خاصة ، لم تكن هذه مفاهيما بلشفيّة أو " ستالينيّة " ؛ كانت الفهم السائد داخل الحركة الشيوعية العالمية. لكن ماو قطع مع هذا الإطار النظري . و طوّر نظريّة الطبقات و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة مرسيا إيّاه على التناقضات الماديّة و الإجتماعيّة و الإيديولوجيّة للمجتمع الإشتراكي . و قد قارب مشكل أسس الإشتراكيّة بالأحرى بصورة مختلفة . ليس التقدّم التقني و النموّ الإقتصادي الضامن الأساسي للإشتراكية و الشيوعية . لن يلغي مجرّد نموّ قوى الإنتاج ( التطوّر الإقتصادي ) بذاته و فى حدّ ذاته العلاقت الإستغلاليّى و العلاقات الإضطهاديّة الأخرى الإجتماعيّة و الإيديولوجيّة ( مثل النظام الأبوي ) . وشدّد ماو على أنّ هناك علاقة جدليّة بين التطوّر الإقتصادي و التغيّر الإجتماعي و الإيديولوجي الجاري و المتعمّق : " إذا لم يكن المجتمع الإشتراكي يشجّع على أهداف إجتماعيّة جماعيّة ، فماذا يتبقّى من الإشتراكية ؟ " ماو تسى تونغ ، " مكسيانغ وان سوى " – بيكن 1969 ، ص 197 ).
إنّ المسألة المفتاح التى تواجه المجتمع الإشتراكي و عامة ما يحدّد طابعه ، هي الطريق الذى يسير فيه . هل أنّ المجتمع يتخطّى علاقات المجتمع الطبقي إلى أقصى درجة ممكنة ؟ هل أنّ عمل الطبقة العاملة يخدمهذه الغاية ؟ و هل أنّ للطبقة العاملة من خلال دولتها و القيادة السياسيّة ، المبادرة العامة فى التقدّم و الإستمرار على هذا الطريق ؟ بإختصار ، ما يعدّ مفتاحا هو إن كانت الثورة تتواصل و تتعمّق على كافة الجبهات أو لا ؛ لو لم يكن هذا ما يحدث ، فإنّه يتمّ توفير أرضيّة خسارة الطبقة العاملة لسلطة الدولة وسيعاد تركيز الرأسمالية. متى كانت الثورة مستمرّة ، ستقوى سلطة دولة الطبقة العاملة و سيُدفع إلى الأمام النضال فى سبيل الشيوعية . ستوجد أوقات حيث يمكن و يجب إنجاز قفزات كبرى فى دفع عجلة الثورة إلى الأمام ؛ و فى أوقات أخرى ، يغدو التعزيز هو الضروري ؛ و ستوجد إلتواءات ومنعرجات . عبر هذه السيرورة الشبيهة بالأمواج تتقدّم الثورة .
لكن هذا يجدّ وهو محدّد بالإطار العالمي – بتطوّر النظام الإمبريالي العالمي وتناقضاته بما فيها نزاعاته و تدخّلاته العسكريّة و التأثيرات المباشرة و غير المباشرة لهيكلة و حصار الإقتصاد العالمي للإقتصاد الإشتراكي ؛ و بالقوّة النسبيّة تجاه توجّهات ما تتطلّبه الثورة العالمية من الدولة الإشتراكية . فى الواقع ، يجب على الثورة البروليتاريّة و ظروف تطوّرها أن تُستوعب جوهريّا كسيرورة عالميّة . فى هذه المنعرجات التاريخيّة ، عندما تستطيع الثورة العالميّة ان تحدث إختراقات كبرى ، وهي لحظات من الثابت أنّها لحظات خطر و أزمة كبيرين كذلك ، يجب على أيّة دولة إشتراكيّة قائمة أن تكون على إستعداد لوضع قوّتها الماديّة و الإيديولوجيّة على المحكّ للتقدّم بالثورة العالمية. هذا ملخّص حيويّ لتجربة الثورة الإِشتراكية .
بهذا الفهم فى الذهن ، لنعد إلى النظريّة و الممارسة السوفياتيتين . كانت النظرة الموصوفة أعلاه متجذّرة بعمق فى الإقتصاد السياسي السوفياتي . و كان ذلك واضحا بصورة بارزة فى النقاش حول إستراتيجيا التصنيع الذى دار فى عشرينات القرن العشرين و فى النظريّة الإقتصاديّة التى قادت تطبيق المخطّط الخماسي الأوّل و مشركة الفلاحة فى السنوات 1929-1932. لقد أنجزوا عكلا قيّما و مثّل ذلك بداية حقيقيّة و مبدعة لممارسة الإقتصاد السياسي الإشتراكي و كتبت أدبيّات جديدة واسعة النطاق . وخيض نقاش نظريّ حول مواضيع من مثل طبيعة البناء الإشتراكي ؛ و العلاقة بين هيكلة الإقتصاد التى ترثها البروليتاريا و يجب أن تغيّرها و الهيكلة الإقتصاديّة التى تهدف الثورة إلى إيجادها ؛ و مناهج التصنيع و أشكاله ؛ و أولويّات الإستثمار ؛ و وسائل إيجاد موارد الإستثمار ؛ و النسق المرغوب فيه للنموّ الإجتماعي ؛ و العلاقات بين القطاعات ( مثلا ، بين الفلاحة و الصناعة ) و إرساء التوازنات الماديّة داخل القطاعات وبينها ( لقد كان الإقتصاديّون السوفيات المبادرون بما صار يسمّى مذّاك بتحليل المدخرات و المخرجات ؛ و دور المال و الأسعار فى المحاسبة الإقتصاديّة و فى تعبئة الفائض الإجتماعي ، و فى التوازن بين توزيع الدخل بين السكّان فى المدن و فى الأرياف . و قد تحقّق أيضا تقدّم فى تطوّر التقنيات الرياضيّة لخدمة التخطيط .( بشأن تطوّر نظريّة الإقتصاد الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي و النقاشات المصاحبة له عن الإستراتيجيا الإقتصاديّة خلال عشرينات القرن العشرين ، أنظروا ف. سبولبار ، " أسس الإستراتيجيا السوفياتيّة للنموّ الإقتصاديّ : بحوث سوفياتيّة مختارة ، 1924-1930 " بلومنغتون ، المنشورات الجامعّة إنديانا ، 1964؛ و موريس دوب ، " التطوّر الإقتصاديّ السوفياتيّ منذ 1917 "، لندن ، روتلادج و كيغان بول، 1948).
وكان هذا إقتصادا سياسيّا . لقد شمل الخطاب المواضيع الإجتماعية و السياسيّة ومنها تأثير شتّى السياسات على التحالف بين العمّال و الفلاّحين و علاقات إجتماعية أخرى . وكان يُنظرإلى المشاكل الإقتصاديّة والسياسات ، إلى درجات متنوّعة، فى إطار النظام الإجتماعي القديم الذى يجرى تغييره إلى نظام جديد. لكن إلى درجة كبيرة ، جرى تكريس الإقتصاد السياسي بحدّ إنتاجوي و تقني بشكل حازم . فمن جهة ، ما حثّ على البحث و النقاش و حدّدهما كانواجب إيجاد سبيل للتوسع الأسرع لتصنيع الدولة القائم على التقنية الحديثة و الذى كان يُنظر إليه على أنّه أساس الإشتراكية . هذا من ناحية و من الناحية الأخرى، كانت تتمّ مقاربة التخطي كنشاط تقنيّ يهدف إلى هذه الغاية ، اساسا كوسيلة للتنظيم العقلاني للقوى المنتجة و لتنسيق النموّ .
لم تستطع تجربة تطوير الإقتصاد الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي فىبين 1917 و 1956 و تخطيطه ، عندما كان الإتحاد السوفياتي إشتراكيّا ، لم تستطع إلاّ أن تكون متناقضة بدرجة عالية . لم يكن يقع تجريب شيء جديد فحسب بل كان ذلك يقع فى ظلّ ظروف غاية فى الصعوبة و العدائيّة . لقد أجبرت التهديدات و الحصار العسكريين الإمبرياليين السلطة السوفياتية الجديدة على توجيه موارد لبناء قدرة صناعيّة عسكريّة للدفاع عن النفس ما حدّد من كامل إستراتيجيا التصنيع السريع الذى سارت عليه و أشكال التنظيم الناعي المتبنّاة . و بالفعل ، فى أفضل جزء من وجودها ، كان على دولة العمّال أن تخوض حربا أو تعدّ إلى حرب أو أن تلملم جراح حرب .
و لئن كانت تحدّيات بناء مجتمع و إقتصاد إشتراكيين تحدّيات هائلة ، فإنّ المكاسب كانت مذهلة حقّا . فقد تمّ تركيز نمط إنتاج لم يكن قائما على الإستغلال و لم يعرف الأزمات الإقتصاديّة المدمّرة لقوى السوق الرأسمالية . و أُنشِأت قاعدة صناعيّة إشتراكية حديثة و نظام فلاحة ممشركة . و إستطاعت آليّة التخطيط المركزي أن تقدّم التوجّه العام لتطوّر الإقتصاد . إنّه نظام التخطيط هو الذى جعل ممكنا التوسّع السريع الإجمالي للقدرة الصناعيّة و تشجيع تطوّر أكثر الجمهوريّات و المناطق تأخّرا ، و تنظيم موارد و قدرات على مدى ضخم كجزء من الجهود البطوليّة لهزيمة الإمبريالية الألمانيّة ( نُقل 1500 مصنع كبير إلى المناطق الشرقيّة فى غضون بضعة أسابيع ). و كان شعار المخطّط الخماسي الأوّل " نحن بصدد بناءعالم جديد " وكان ملايين العمّال و الفلاّحين لا سيما خلال نهاية عشرينات إلى بداية ثلاثينات القرن العشرين يتقدّون حماسا بروح " إقتحام السماء " و القيام بهذا من أجل قضيّة الثورة العالميّة .
لقد ألهب إندفاع المشركة تمرّدا حقيقيّا ضد سلطة عمّرت لقرون و ضد التقاليد و الإضطهاد فى الريف . لقد جرى إصلاح النظام التعليمي القديم و فُتحت أبوابه أمام الجماهير و جرى إستنهاض العمّال الشبّان كقوّة إجتماعيّة لمواجهة القديم و الجاف. و قد سجّل الفنّانون و الكتّاب و عاملون آخرون فى مجال الثقافة التغييرات الكبرى التى كان يشهدها المجتمع ، و جرى صراع و نقاش من أجل فنّ يخدم الثورة . و دعّمت دولة العمّال الجديدة و ساعدت على رسم خطّ النضالات الثوريّة عبر العالم . مجمل القول ، كانت هذه المكاسب حقيقيّة و تاريخيّة . غير أنّه ، و هنا نركّز على جبهة التخطيط الإقتصادي ، وُجدت كذلك مشاكل جدّية .
لقد إستطاع التخطيط السوفياتي أن يوجّه قسما كبيرا منموارد الإستثمار الإجتماعي إلى القطاعات الصناعيّة المفاتيح و قد شجّع هذا على النموّ السريع إلآّ أنّ النظام بالغ فى التشديد على الصناعة الثقيلة . و قد خلق هذا عدم توازن بما أنّ الصناعة الثقيلة كانت تبتلع قسطا ضخما من الموارد الإقتصاديّة على حساب الموارد الإجتماعيّة والإقتصاديّة للفلاحة ( و ثانويّا على حساب التطوّر المناسب للنقل والتوزيع ).
و فى نفس الوقت ، ساهم هدف التطوّر الصناعي العالي السرعة و خيار المشاريع ذات الإستثمار الواسع و العديد منها بعدُ واقع فى المناطق الصناعيّة ، ساهم فى نموّ ضخم فى سكّان المدن و نمركز غير ضروري للنشاطات الصناعيّة . و كان لهذا إنعكاس هو تعزيز بعض اللامساواة بين المدن و الأرياف و المبالغة فى التشديد على مظهر التخصّص فى العمل .
و قد إعترف ستالين بالحاجة إلى تجاوز مثل هذه الإختلافات الموجودة بين المدينة و الريف و العمل الفكري و العمل اليدوي. لكن مقاربته للمشكل كانت بالأساس من وجهة نظر تطوير الإنتاج . مهمّة محاصرة هذه الإختلافات و العلاقات إلى أكبر درجة ممكنة ضمن الظروف الماديّة الموجودة ؛ و خوض الجماهير و جلبها إلى خوض صراع سياسي ضد القوى و الخطوط و السياسات البرجوازية التى ستوسّع البون بين المدينة والريف و تكسر التحالف بين العمّال و الفلاّحين؛ و تحدى النخبويّة و تقديس الأخصّائيين و الإستهانة بالعمل اليدوي و العادات و الأفكار القديمة – لم يقع إستيعاب هذا بما فيه الكفاية – لم يقع الإعتراف بأنّ النضال السياسي والإيديولوجي هو المظهر الأساسي .
و وُجدت مشاكل أيضا فى مؤسّسات التخطيط و مناهجه . كان البناء و افدارة الإشتراكيين فى الإتحاد السوفياتي ينهضان على جهاز تخطيط مبالغ فى المركزة . و سلّط نظام التخطيط السوفياتي مثلما تطوّر فى بدايات خمسينات القرن العشرين لكن خاصة مثلما وقعت صياغته فى نموذج على البلدان الإشتراكية الأخرى تبنّيه ، الضوء بالأساس على تحكّم الوزارات الصناعيّة العليا و وكالات التخطيط ، موسّعا الجزئيّات إلى مستوى المؤسسات . و قد بُني فى هذا النموذج التعويل على المنتجين . و كانت خطوطه الصارمة من السلطة و أشكال إدارة رجل واحد تنزع إلى إعادة إنتاج بعض مظاهر التقسيم الإجتماعي التقليدي للعمل . و لحثّ الناس ، عوّل النظام أكثر من اللازم على الحوافز الماديّة ، على الدفع نحو العمل الصعب و التضحية بتقديم أجور أعلى و علاوات – و مع هذا أتى إقرار إيديولوجي للإحتلاف فى الأجر و الدخل .
لقد تبيّن أنّ نظام التخطيط السوفياتي إداريّا ثقيل الحركة و بيروقراطي و كان يثقل كاهله بمهام خارج نطاق قدراته . عندما كان الأمر يتعلّق يحساب الموازنات المحلّية ( مثلا ، كمّية الحديد التى ستحتاج إليها المؤسّسات المحلّية ) و تخصيص المواد، عمل النظام بطريقة حسبها يجب حساب كلّ شيء و موازنته على أعلى المستويات . لذلك عرقل تصلّب التخطيط و نقص المرونة فى المستويات السفلى الديناميكية المحلّية وجعل من الأعسر التعديل وفق ظروف من غير الممكن توقّعها . و قد أدّى هذا إلى التبذير وعمليّا جعل من الصعب أكثر ضمان أن تُعدَّلَ المخطّطات بشكل مناسب من أجل إنجازها .


القفزة النظريّة الماويّة :
لقد أعاد ماوتسى تونغ التفكير فى نموذج الإقتصاد الإشتراكي المخطّط و فى صياغته . و فى حين كان يتعلّم من المظاهر الإيجابيّة لهذه المحاولة الأولى لبناء الإشتراكية ، نقد المناهج من الأعلى إلى الأسفل و النزعة القويّة تجاه الحتميّة التقنيّة الذين ميّزا التخطيط السوفياتي . أجل ، يتطلّب البناء الإشتراكي مخطّطا إقتصاديّا للدولة ليمثّل المصالح الأساسيّة للطبقة العاملة . لكن ماو كان يقارب مسألة التخطيط المركزي بمنهج جدلي أكثر ممّا فعل ستالين . أي ، فهم وحدة و صراع الضدّين – بين الفلاحة و الصناعة ، بين الصناعة الثقيلة و الصناعة الخفيفة ، بين المركز و المناطق المحلّية ، و بين التوازن و عدم التوازن . فهم أنّ المخطّط يمكن أن يقارب سواء فى صياغته أو تطبيقه كبرنامج عمل بالضبط و أنّ أهداف الإنتاج يمكن أن تعالج كما لو أنّها مجرّد قوانين ذاتيّة لأجل النفيذ الإداري . المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكية مرحلة صراع و تغيير و تجريب كبيرين . و الديناميكيّة و التغيّر اللذين يميّزان الإشتراكيّة واحدة من نقاط قوّتها ، و هذا أكثر حتّى مع إطلاق العنان للجماهير . و بالضرورة يعكس التطوّر الإقتصادي هذا ؛ لا يمكن أن يكون سلسا و متكافئا . و هذا الفهم يجب أن يكون أساس منهج التخطيط .
و على مستوى أعمق ، كان ماو ناقدا للنظرة إلى المخطّط كأداة تقنيّة للسيطرة على الإقتصاد . العكس ، المخطّط تعبير عن إيديولوجيا طبقة و عن عن أهدافها و نظرتها . المخطّط إنعكاس طبقي الأساس للوقا الإجتماعي وهو يؤثّر بدوره على الواقع ومن وجهة نظر الطبقة العاملة و تحريرها يبحث عن إيجاد السيطرة الإجتماعية الواعية على الإنتاج . ( على العكس من ماو ، فى كتاب سنة 1952 ، " القضايا الإقتصاديّة للإشتراكيّة فى الإتّحاد السوفياتي " ، عرّف ستالين المخطّط على أنّه إجراء عملي و سياسة موجّهة فى تعارض مع الإقتصاد السياسي ، البحث النظري ) . ليست صياغة مخطّط أبدا مجرّد مسألة تجميع معلومات تقنيّة و إستباق للتطوّرات الإقتصادية ؛ إنّها تشمل الصراع الطبقي فى المجال الإيديولوجي حول أهداف المجتمع و توجّهه . ببلوغ هذه الإستنتاجات ، كان ماو تسى تونغ يلخّص كلاّ من التجربة الثوريّة السوفياتيّة و التجربة الثوريّة الصينيّة الخاصة .
و لنلقى نظرة على أهّم الأفكار الثاقبة لماو بشأن طبيعة المجتمع الإشتراكي . لقد شدّد ماو على أنّ الإشتراكية ليست نوعا من الآلة الإقتصاديّة و جملة من المؤسّسات السياسيّة التى تتماشى معها ببساطة . إنّها صراع كبير من أجل تعويض الإنتاج من أجل الربح بالإنتاج من اجل الإستعمال الإجتماعي ، صراع من أجل تثوير كافة المؤسّسات و العلاقات الإجتماعية فى المجتمع ، من أجل صياغة قيم و مواقف جديدة ، من أجل إرساء السيطرة الشاملة للشغّلين على المجتمع حتّى يكونوا السادة ويغيّروا كافة مظاهر المجتمع ، و من أجل التحديد من جمع الإختلافات الطبقيّة و فى النهاية إلغائها . بإختصار ، يتعلّق الأمر بصراع من أجل إجتثاث القديم و بناء عالم جديد .
يبتهج إيديولوجيّو الرأسماليّة بسخرية عند وصف الإشتراكية ب " جنّة العمّال المفترضة " . لكن الإشتراكية ليس نوعا من نقطة النهاية الطوباويّة . إنّها مرحلة من التغيير الثوري بين الرأسمالية والشيوعية . إنّها شكل من الحكم الطبقي – دكتاتوريّة البروليتاريا – الذى يمثّل فى حدّ ذاته مرحلة إنتقاليّة و وسيل لخوض الصراع من أجلتغيير الأسس الماديّة و الإيديولوجيّة للمجتمع الطبقي و لمواصلة الثورة لبلوغ المجتمع الخالي من الطبقات .
بالنسبة لماوتسى تونغ ، الإشتراكيّة ظاهرة فى منتهى التناقض . فمن جهة ، تمثّل قفزة كبرى . تنجز الإنتاج لتلبية حاججيات المجتمع وفق مخطّط منظّم على قاعدة المبادرة والتنسيق الإجتماعيين الواعيين . و تكفّ قوّة العمل عن أن تباع و تُشترى كسلعة ؛ و يكفّ قوّة غريبة عن أن تتحكّم في قوّة العمل ؛ و تكفّ عن غعادة إنتاج العلاقات التى تأبّد الهيمنة و العبوديّة . ومع ذلك ، مهما مثّلت الإشتراكيّة من قفزة ، تظلّ مجتمعا إنتقاليّا ، يتضمّن كلّ ندوب الرأسماليّة و بذور الشيوعية .
سيمضى المجتمع الإشتراكي سواء إلى الأمام بإتجاه الشيوعيّة أم إلى الخلف بإتجاه الرأسماليّة . أمامه ينفتح طريقان : الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي . ويتحدّد الإتّجاه الذى يتبعه المجتمع فى أتون الصراع الطبقي والتمرّد الشديدين، وهو صراع بين المضطهَدين سابقا و الذين يتطلّعون إلى تسيير المجتمع و تغييره من جهة و القوى الرجعيّة خاصة قوى برجوازية جديدة تبحث عن إعادة فرض النظام القديم و إعادة هيكلة المجتمع وفق المبادئ الرأسمالية ، من الجهة اخرى .
و تولد هذه القوى البرجوازيّة الجديدة من تناقضات المجتمع الإشتراكي – من الإختلافات فى الدخل و مواقع الإختصاص التى يحتلّها مختلف الأفراد فى الإنتاج و الأدوار الخاصة التى ينهض بها الناس فى الإدارة و القيادة ، والبون بين المدينة و الريف و تناقضات إجتماعيّة كبرى أخرى تظلّ قائمة فى ظلّ الإشتراكية - و كذلك البئة العامة للعلاقات السلعيّة - المالية. ( بخصوص مؤسّسات الدولة الإشتراكية ، يشير كتاب شنغاي إلى أنّه حتّى و إن كانت الملكيّة ذات طابع إجتماعي و كانت العلاقات بين المؤسّسات تنهض على أساس تعاون إجتماعي ، تظلّ هناك درجة مهمّة من إنفصال المؤسّسة - إستقلال نسبيّ للتسيير و الإدارة - يمكن أن تؤدّى إلى المنافسة و التفكيك ). و فى وحدات ومجالات خاصة من الإقتصاد الإشتراكي ، يغدو من الممكن للعلاقات الرأسماليّة للتحطكّم و الإستغلال أن تكسب أرضيّة و حتّى أن تسيطر . و يمكن أن تصبح عناصر متنوّعة من البنية الفوقيّة ، مثل التعليم و الثقافة ، حصونا قويّة للبرجوازيّة الجديدة عندما يهيمن عليها خطّ برجوازي نخبوي.
و كطبقة ، تمثّل البرجوازيّة الجديدة المظاهر البرجوازيّة – اللامساواة و الإختلافات الإجتماعية إلخ – صلب علاقات الإنتاج الإشتراكية و العلاقات الإستغلاليّة الفعليّ التى يمكن أن تتطوّر ضمن شكل ملكيّة جماعيّة . و تتطوّر هذه الطبقة داخل إطار الملكيّة الإشتراكية . وكقوّة سياسيّة تتركّز قوّتها فى و تتنظّم عبر مراكز السلطة فى أعلى مستويات جهاز الحزب – الدولة الحاكم فى المجتمع الإشتراكي بما فى ذلك القوّات المسلّحة . ( بالنسبة لماو ، البيروقراطيّة فى التخطيط الإقتصادي و فى مجالات اخرى من تسيير الحزب و الدولة لم تكن مجرّد مشكل إداري مفرط فى النموّ و نخبويّة يجب كبحها . البيروقراطيّة كذلك شكل من التنظيم الذى عبره تعيد البرجوازية الجديدة إنتاج نفسها ، ومنهج للسيطرة بواسطته تبحث عن تعزيز السلطة فى مجالات معيّنة ). بكلمات أخرى ، مع الإطاحة بالطبقات المستغِلّة القديمة و الإطاحة بمحاولاتها التالية للعودة ، و توطيد نمط الإنتاج الجديد ، تتغيّر العلاقات الطبقيّة و الأرضيّة و تتغيّر ظروف الصراع الطبقي . و مثلما أشار ماو فى 1976 : إنّكم تقومون بالثورة الإشتراكية و لا تعرفون بعدُ أين توجد البرجوازيّة . إنّها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي "( ماو تسى تونغ، مقولة وردت فى" الإنقلاب على الأحكام الصحيحة ضد إرادة الشعب "، مجلّة بيكين (11) 12 مارس 1976 ؛ ضمن كتاب ريموند لوتا، " و خامسهم ماو " ، ص 261 ).
إنّ تركيز ماو على الحزب حيويّ لفهم صحيح للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة . لا تزال الجماهير فى حاجة إلى نواة قياديّة من أجل خوض المعركة المعقّدة و الطويلة الأمد من أجل السلطة و إعادة تشكيل المجتمع و بلوغ الشيوعيّة عالميّا . و يصبح الحزب القوّة السياسيّة القائدة فى ممارسة السلطة السياسيّة الجماهيريّة . و يصبح القوّة السياسيّة القائدة لإقتصاد مؤسّس على الملكيّة العامة للدولة . و هذا الموقع و الدور الطليعيّين أساسيين لحكم البروليتاريا . لكن لهذا الموقع الطليعي طابع مزدوج – لأنّه على وجه التحديد داخل هذه المؤسّسة القياديّة ، خاصة فى أعلى مستوياتها ، ستتركّز برجوازيّة جديدة. وهكذا يبرز أنّ الحزب مجال حيويّ للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية و يجب أن يتمّ تثويره هو نفسه.
و يتميّز المجتمع الإشتراكي بالعلاقات الوثيقة و المباشرة إلى أقصى حدّ بين ممارسة السلطة و السلطة الإقتصاديّة . لا تقوم السلطة توفير وسائل الإنتاج و إدارتها المعبّر عنه بطريقة مكثّفة فى القيادة السياسيّة ( الوزارات و الماليّة والتجارة و وحدات الإنتاج الفرديّة إلخ ) فحسب بل كذلك التوجّه العام الذى يمضى فيه المجتمع مرتهن بالخطّ ( الأهداف والنظرة ) و السياسات التى تقود المستويات العليا . و الذين يوجدون فى أعلى مواقع السلطة و التأثير و الذين يبتعدون على الطريق الإشتراكي و يفصلون أنفسهم عن الجماهير و الذين يدافعون و يبحثون عن تكريس خطّ رأسمالي جديد ، سييتنظّمون فى آخر المطاف فى مراكز قيادة برجوازيّة . هؤلاء " أتباع الطريق الرأسمالي " هم القوّة الأساسيّة للبرجوازيّة ( مفهومة كطبقة عمليّا ) و الهدف الأساسي لمواصلة الثورة . و البرنامج السياسي لأتباع الطريق الرأسمالي هو إستغلال العوامل الرأسماليّة داخل المجتمع الإشتراكي و توسيعها لأجل تغيير الملكيّة الإشتراكية إلى مجرّد قناع . و عندما تنضج الظروف سيقوم أتباع الطريق الرأسمالي و يجب أن يقوموا بمحاولة إفتكاك السلطة .
لقد كانت الثورة الثقافيّة التى قادها ماو وسيلة و طريقة لإلحاق الهزيمة بالقوى التى أرادت أن تعيد تركيز الرأسمالية . فمن خلال إستنهاض الجماهير و تصميمها البطولي ، وقع سياسيّا قصف مراكز سلطة البرجوازيّة داخل مؤسّسات الحزب و الدولة ما أدّى إلى الإطاحة بعناصر برجوازية قياديّة و إستعيدت من الأسفل عبر الثورة عديد أجزاء السلطة التى وقع الإستيلاء عليها – و الأهمّ هوأنّ المجتمع كان متشرا فى الهواء ، و على أساس التمرّد الجماهيري ، وقع تثوير العلاقات الإقتصاديّة و السياسيّة و الإجتماعيّة و كذلك تفكير الناس . على هذا النحو ، بمواصلة الثورة ، تهاجم البروليتاريا الأسس الماديّة و الإيديولوجيّة للإمتيازات و البرجوازيّة و القاعدة الإجتماعية التى تسندها ؛ إنّ البروليتاريا تحفر و تقلب الأرض التى تنهض عليها الطبقات .
يدور الصراع الطبقي فى المجتمع الإشتراكي حول ما إذا كان المخطّط سيخدم التطوّر الإشتراكي أم سيخدم التطوّر الرأسمالي؛ ما إذا كانت نتائج عمل البروليتاريا ستفيد بناء قاعدة إلغاء الطبقات أم ستستخدم ضد المنتجين ؛ ما إذا كانت مظاهر الرأسماليّة فى المجتمع وتمظهراتها فى مجالات الأفكار والثقافة ستحدّد ويتمّ تجاوزها أم ستوسّع ؛ ما إذا كان مدى مشاركة الجماهير و مبادرتها فى تسيير المجتمع ستتوسّع أم ستسحق ؛ ما إذا كانت الدولة الإشتراكية تعمل كقاعدة إرتكاز للثورة العالمية أمم تدير ظهرها للبروليتاريا العالميّة . بإختصار ، هل ستتواصل الثورة أم يقع الإنقلاب عليها ؟
و بطبيعة الحال ، ينبغى على الإقتصاد أن يتطوّر و على إنتاجيّة العمل الإجتماعي أن ترتفع . لكن يجب على القوى المنتجة أن تتطوّر ليس كغاية فى حدّ ذاتها ، و ليس حتّى مع المبدأ القيادي لأقصى الرفاه المادي و إنّما بالأحرى لتوفّر القاعدة الماديّة الضروريّة لإنجاز التغييرات الإجتماعية و السياسيّة و الإيديولوجيّة التى تقع موقع القلب من المرحلة الإنتقاليّة و الصراع الثوري من أجل شكل أرقى من المجتمع حيث لن يكون المجتمع منقسما إلى طبقات . يجب أن تقود السياسة الإقتصاد . و قد شدّد ماو على أنّ تطوير قوى الإنتاج يجب أن يتمّ على أساس التثوير المستمرّ لعلاقات الإنتاج و لنظرة الناس للعالم. و مثلما قال ماو ، الصراع الطبقي هو الرابط المفتاح ؛ القيام بالثورة مع تطوير الإنتاج .
حينما تبتعد القيادة السياسيّة عن وجهة النظر هذه ، حينما يتخذ الإنتاج الرابط المفتاح فى دفع المجتمع إلى الأمام و تصبح الطرق " الأكثر فعاليّة " فى الإنتاج هي المعيار الأهمّ تماما ، عندئذ ما يقع أرساؤه هو الإنتاج من أجل الإنتاج والهيمنة على العمل الحيّ... وهذا يضع السيرورة على الطريق الرأسمالي . لمّا يقلّص التخطيط إلى نشاط تقني للإدارة و المراقبة ، يشرع المخطّط فى الهيمنة على البروليتاريا عوض العكس ... و هذا يضع السيرورة على الطريق الرأسمالي . ( إنحرف ستالين كثيرا جدّا بإتّجاه هذه المقاربات الخاطئة ، و العديد من السياسات الإقتصادية التى شجّع عليها مدّت بالأكسجين قوى إعادة تركيز الرأسمالية . لكن هذا يجب وضعه فى إطاره . بداية ، لم توجد أيّة تجربة إشتراكية سابقة إيجابيّة كانت أم سلبيّة كي تكون نوعا من المقياس . ثانيا ، وهو يرتكب كلّ هذه الأخطاء ن كان ستالين يسعى إلى بناء الإشتراكيّة و ليس الرأسمالية و بالفعل قد وقف ضد الذين أرادوا وضع آليّات الربح فى مصاف قيادة التخطيط و البناء الإقتصادي ).
لقد تطلّب النضال فى سبيل إنشاء عالم خالى من الطبقات و الإختلافات الطبقيّة و القيام بالثورة الإشتراكية و تعميقها ، تطبيق الماركسيّة على جملة جديدة من المشاكل و صياغة مفاهيم جديدة تناسب تعقّد المجتمع الإشتراكي . لقد وسّع ماوتسى تونغ نطاق الماركسية توسيعا حيويّا . وفعل ذلك على الصعيد النظري للتنظير لما كان يمارس – الإشتراكية كشكل إنتقالي من المجتمع الطبقي . و فعل ذلك على الصعيد السياسي لتطوير توجّه لكيف يجب تسيير ذلك المجتمع – مواصلة الصراع الطبقي و مواصلة الثورة . و قد منهج ماو أتمّ الفهم الذى قد توصّلت إليه بعدُ الماركسيّة لإقتصاد و سياسة الإنتقال من الإشتراكية إلى الشيوعيّة . أمّا فى ما يتّصل بموضوع الحال ، المغزى يمكن أن يوضع على النحو التالى : يمكن أن نقول إنّه مع ماو تسى تونغ لأوّل مرّة فى تاريخ الحركة العمّاليّة ، قد تمّ تركيز إقتصاد سياسي علمي و شامل للإشتراكية . و كتاب شنغاي شاهد مقنع بذلك .
كتاب شنغاي : تاريخه و إرثه
لقد إرتئي الكتاب كعرض صارم للإقتصاد السياسي الإشتراكي و إلى جانب ذلك يكونفى متناول أعداد كبيرة من الجماهير. و النصّ و العمل الأوسع الذى منه إقتبسناه نتاج سيرورة النضال و التعلّم .
لقد أضحى الإقتصاد السياسي مسألة إهتمام نظري شديد لدي الثوريّين الصينيّين بعد إفتكاك السلطة عبر البلاد قاطبة فى 1949 . كيف يمكن للصين أن نجز الإنتقال منالثورة الوطنيّة الديمقراطيّة إلى الثورة الإشتراكية ؟ و ما هو الطريق الذى سيتبعه التطوّر الإشتراكي إعتبارا للظروف الملموسة للصين ؟ كيف يمكن أن تكون علاقات صين إشتراكيّة مع الكتلة الإشتراكية التى كان يتزعّمها الإتحاد السوفياتي ، و كيف تواجه الإمبريالية و تساعد النضالات الثوريّة عبر العالم ؟ كانت هذه من المواضيع الحيويّة التى كانت تواجه الثورة فى السلطة . و قد مثّلت هذه المواضيع أكثر الإطار الخاص لمشاكل التطوير و التخطيط الإشتراكيين – العلاقة بين التصنيع و مشركة الفلاحة و أولويّات الإستثمار و قانون القيمة و التخطيط ، و دور مختلف أنظمة الحوافز فى دفع نموّ قوى الإنتاج ، و موقع التقنية المتقدّمة إلخ .
و بالكاد كان الشيوعيون الصينيّون يأتون من لا مكان فى قيادة الجماهير فى تغيير المجتمع و تسييره . لقد راكموا تجربة و فهما ثمينين فى خوض أكثر من عشرين سنة من حرب الشعب . فى مناطق إرتكاز الثورة منذ أواخر عشرينات القرن العشرين ، مرورا بحرب مقاومة اليابان طوال تقريبا عقد من الزمن إنتهت فى 1945 ، وصولا إلى الإنتصار الشامل فى 1949 ، عبّأ الحزب الشعب لإنجاز البناء و التغيير الإقتصاديين و كذلك لخوض القتال العسكري . و قد شمل القتال الحربي مبادئا من مثل المزج بين الخطّ و القيادة العسكريّين المركزيين من جهة و العمليّات اللامكزيّة من الجهة الثانية ، و كان قابلا للتطبيق على نطاق واسع . وقد وُجد أيضا تقليد الحزب الماوي لإجراء بحوث إجتماعيّة عميقة فى صفوف الجماهير للتعرّف على حاجياتها و تجاربها و سياسيّا كسب الجماهير لإتّباع خطوط و سياسات تعبّر بشكل مكثّف عن مصالحها العليا. لكن بمعنى البناء الإشتراكي الجاري ، الأبرز كان الإتحاد السوفياتي . و تفكيره .
لقد ترجم الصينيّون و درسوا عن كثب بحث ستالين ، " القضايا الإقتصاديّة للإشتراكيّة فى الإتّحاد السوفياتيّ "( 1952 ) و كذلك كتاب سوفياتي شامل هو " كتاب الإقتصاد السياسيّ " . و هذا الكتاب السوفياتي الذى كان تخطيطه مسترشدا ببحث ستالين على أنّه لم يظهر إلى أواسط خمسينات القرن العشرين ، بعد وفاة ستالين ، إحتلّ حيّزا كبيرا فى كتابات الإقتصاد السياسي الماوية . لقد كان العرض الأكثر تقدّما و منهجيّة للإقتصاد السياسي الإشتراكي المتوفّر لدى الثوريين . وفى 1959، طلب ماو تسى تونغ من عناصر الحزب أن يدرسوا الطبعة الثالثة من كتاب الإقتصاد السياسي السوفياتي و بعض القضايا فى الذهن . لكن سرعان ما أمسى الكتاب موضوع نقد من قبل ماو بالنظر إلى منهجه و كذلك الصيغ النظرية الخاصة .
لقد تبنّت الصين الكثير من نموذج التخطيط و التطوير – التصنيع السوفياتي عندما إنطلقت فى طريق البناء الإشتراكي – " لكن حداثيّين وسوفيات " كان شعار المخطّط الخماسي الأوّل . لكن مع إقتراب نهاية المخطّط فى 1956- 1957 ، بنتائج مختلطة ، طفق ماو يعيد التفكير فى النموذج السوفياتي . لقد كانت مشاريعالإستثمارات الثقيلة الهائلة تهدّد بإبتلاع مستوى عالى جدّا من الموارد ؛ و كانت الفلاحة تتطلّب المزيد من العناية و الحذر لترفع من نسق نموّها ؛ و لم تكن آليّات التخطط و مناهج الإدارة تحثّ على مشاركة الجماهير . فى هذه الفترة ن كانت الثورة كذلك تتحرّك لمشركة الملكيّة إلى مستويات أعلى ( متمّمة تأميم الصناعة فى المدن و دافعة إلى الأمام حركة التعاونيّات فى الريف ) و كانت تشهد صراعات إجتماعيّة جديدة . ( فى الريف ، أخذ الفلاّحون الفقراء يعيدون توزيع الأرض و تجميعها و يعيدون توزيع وسائل الإنتاج وتجميعها – و قد رحّب ماو بهذه الموجة العالية . و فى المدن ، وُجدتتعبيرات عن عدم الرضا و إضطراب مناهض للإشتراكية فى صفوف قطاعات من المثقّفين و الطلبة ). و فى خطابه لسنة 1956 ، " حول العشر علاقات الكبرى " ، تقدّم ماو بمقاربة مختلفة بشأن أولويّا التطوّر – بما فى ذلك مزيد التشديد على الفلاحة و الصناعة الخفيفة نسبة إلى الصناعة الثقيلة ( دون التضحية بالدور المحوري للصناعة الثقيلة ) و وضع المزيد من المسؤوليّاتبأيدى السلط المحلّية - و كان يُنظر إلى التطوّر نفسه على أنّه سلسلة من العلاقات الإقتصاديّة - الإجتماعيّة المتنوّعة . و فى 1958 ، زمن القفزة الكبرى إلى الأمام ، نقد ماو كتاب ستالين " القضايا الإقتصاديّة للإشتراكيّة فى الإتّحاد السوفياتيّ " . كان البحث الوساع النطاق فى ملاحظاته و إعتبارات مواضيه ، و المكتوب بشكل سريع ، ينهض كعمل ماركسي أساسي فى الإقتصاد السياسي . و فيه يولى ماو تسى تونغ أهمّية كبرى للحاجة إلى تثوير علاقات الإنتاج بعد بلوغ الملكيّة الإشتراكية . إ،ّه ينظر إلى الحركة من أسفل إلى أعلى فى أشكال الملكيّة الإشتراكية كسيرورة صراع سياسي - ثوري و ينظر إلى المرور من الإشتراكيّة إلى الشيوعيّة كشيء لا أقلّ من ثورة إجتماعيّة .
لذا ، أثناء فترة 1956 -1964 ، كان ماو يصوغ مقاربة بديلة للتطوّر الإشتراكي . كانت مقاربة متجذّرة فى الصراع الثوري و المشاركة الجماهيريّة . و خلال هذه الفترة ، وُجدت تجربة مباشرة منها تمّ التعلّم : التأثيرات السلبيّة لإستراتيجيا النموّ المتأثّر بالسوفيات و نموذج التنظيم الصناعي الذى جرى تبنّيه فى بدايات خمسينات القرن العشرين ، و التجربة الإيجابيّة للقفزة الكبرى إلى الأمام فى الصين . لقد كانت القفزة الكبرى إلى الأمام البوتقة التى من خلالها كانت المقاربة الجديدة تشرع فى التشكّل . لقد أدّت إلى تشكيل كمونات فلاحيّة فى الريف ، و تجارب بأشكال جديدة فى العمل الإداري و جهود واسعة للحدّ من الإختلافات بين المدينة و الريف و العمل الفكري و العمل اليدوي ، و إدخال أولويّات تخطيط و آليّات جديدة لخدمة هذه الأهداف .
خلال نفس هذه الفترة ، طوّر ماو تسى تونغ و لخّص أكثر فهم مسألة الطبقات والصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية . وفى 1962 ، فى خطاب أمام مؤتمر الحزب ، عرض أطروحة هامة حول التناقضات الطبقيّة و الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة ( التى بات يراها الآن كمرحلة طويلة نسبيّا ) و أشارت جدالات الحزب الصيني مع الإتّحاد السوفياتي 1963- 1964 ، المكتوبة تحت الإشراف العام لماو تسى تونغ ، أشارت إلى وجود فئة حاكمة ذات إمتيازات إنقلبت على الثورة فى الإتّحاد السوفياتي . و كان هذا متّصلا إلى حدّ كبير جدّا بالتطوّر و التغيير الإقتصاديّين : كان النضال الدائر على الجبهة الإقتصاديّة و حول السياسة الإقتصاديّة فى الصين يكشف نهائيّا أنّ مثل هذه الفئة ( ستفهم لاحقا على أنّها طبقة برجوازيّة ) قد وُجدت فى الصين أيضا .
بالفعل ، كان ماو يقود الصراع الطبقي ضد القوى المحافظة – التحريفيّة ( " التحريفيّة " هي الشيوعيّة الزائفة . إنّها تيّار برجوازي فى صفوف الحركة العمّاليّة ، " يحرّف " و يشوّه المبادئ الأساسيّة للماركسيّة – فى ما يتصل بطبيعة الرأسمالية والثورة السياسيّة و الإشتراكية –الشيوعية . وتطعنالتحريفيّة الماركسية فى قلبها التحرّري . فتدعو العمّال على أساس الإصلاحيّة و المصلحة الماليّة الضيّقة . و هدفها وتأثيرها هو تأبيد أو إعادة تركيز الرأسماليّة تحت إسم الماركسيّة و بحثا عن الدفاع عن موقع الطبقة البرجوازيّة ومصلحتها . التحريفيّة هي الرأسماليّة مقنّعة على أنّها إشتراكيّة . أنظروا الفصل الثاني من كتاب شنغاي ) فى الحزب الصيني التى هاجمت و سعت إلى تخريب القفزة الكبرى إلى الأمام . فكانت هذه القوى تدفع برنامجا رأسماليّا تحت راية التعصير و الفعاليّة . و من غير المفاجئ أنّها كانت أيضا تمنهج إقتصادا سياسيّا للإشتراكية ( إسما ! ). من خمسينات القرن العشرين إلى الإطاحة بالقوى الثوريّة فى 1976 ، إنقسمت أحيانا القوى المحافظة – التحريفيّة فى ما بينها و أحيانا غيّرت مواقفها مقدّمة بالأساس نموذجين إقتصاديين : إقتصاد لامركزي تتمتّع فيه الوحدات الإنتاجيّة بإستقلال معتبر فى إتّخاذ قرارات الإنتاج و التسويق ؛ و إقتصاد أكثر مركزة تكون فيه الوزارات و وكالات التخطيط و المستويات العليا من الحزب هي الممركزة لإتّخاذ القرار و السلطة الإقتصاديّة ( على توفير الإستثمارات و الموارد الماليّة إلخ ) . و بالرغم من الإختلافات فى الظاهر ، ما كانا يتقاسمانه هو رؤية التصنيع و التعصير كغايات فى حدّ ذاتها ، و التعويل على الضوابط و مؤشّرات نسق العودة ، و كذلك الآليّات الرأسمالية للسيطرة و الإدارة و التحفيز لبلوغ ذلك . ( حول النقاشات بصدد النظريّة الإقتصاديّة فى خمسينات و ستّينات القرن العشرين ، أنظروا أ. ل . ولمرايت و بروس ماكفرلان ، " الطريق الصينيّ إلى الإشتراكيّة " ؛ نيويورك ، منشورات منثلى ريفيو 1970 ) ؛ " البناء الإشتراكي و الصراع الطبقي فى حقل الإقتصاد " مجلّة بيكين (16) ، 17 أفريل 1970 ؛ ستيفان أندرسون ، " الثورة الصناعيّة الصينيّة " ؛ نيويورك ، بنتيون ، 1977) ؛ منشورات كرستوفر دويي و كينيه ن. ولكار " أسس الإقتصاد المخطّط الصينيّ " ، لندن ، مارميلان ، 1989).
ومثّلت الثورة الثقافيّة لسنوات 1966- 1976 القفزة الكبرى فى النظرّية و الممارسة الماويّة . غداة الفترة الأولى من الثورة الثقافيّة و المرحلة الإعصاريّة من إفتكاك السلطة و التغييرات المؤسّساتيّة الجذريّة ، قرّرت القوى الماويّة أن تعزّز الإقتصاد السياسي للإشتراكية . و للتلخيص و البناء ، لديهم تجربة هذه " الثورة الثانية " ، مثلما وصف كتاب شنغاي ، الثورة الثقافيّة وما تمّ تعلّمه بشأن طبيعة المجتمع الإشتراكي و علاقاته الطبقيّة . و للبناء ، لديهم تلاخيص ماو لطرق و إستراتيجيّات البناء الإشتراكي فى الإتّحاد السوفياتي و الصين و تحليله للإنقلاب التحريفي فى الإتّحاد السوفياتي و نظريّته عن مواصلة الثورة.
لقد غدا الآن من الممكن إنجاز تحليل شامل للهيكلة الإقتصاديّة و للتناقضات الإجتماعية للإشتراكية و لأسباب إعادة تركيز الرأسماليّة . و كانت هناك كذلك حاجة حيويّة كبوصلة نظريّة للفهم و الإبحار فى ما يفهم الآن على أنّه مرحلة إنتقاليّة إشتراكيّة طويلة الأمد ، و بأكثر مباشرة ، كسند نظري للسياسات المكرّسة و التى تشجّع عليها القوى الثوريّة فى وجه المعارضة الشرسة للقوى المحافظة – التحريفيّة . و هناك حاجة إلى بعض الخلفيّة لمزيد الإلمام بهذا .
فى بدايات و أواسط سبعينات القرن العشرين ، أضحى الوضع السياسي فى الصين أعقد و أخطر . و كان هذا مرتبطا جدّا بتحوّلات و تطوّرات الوضع العالمي العام . بداية من أواخر ستّينات القرن العشرين ، كان الإتّحاد السوفياتي يهدّد و يقوم بتحرّكات بإتجاه الهجوم على الصين : مع 1969 ، قد جمّع قوّة عسكريّة ضخمة على الحدود مع الصين وكان يتحدّث بوضوح عن الخيار النوويّ . كيف ستواجه الصين هذا الخطر السوفياتي المتصاعد صار محور تركيز نقاش السياسة والصراع الطبقي فى السنوات التالية . لقد حاجج لين بياو الذى كان على رأس القوى المسلّحة الصينيّة من أجل سياسة تسوية مع الإتّحاد السوفياتي . و قد وبّخه ماو ، حاول لين بياو القيام بإنقلاب غير ناجح ضد ماو فى 1971.
و رأت العناصر المحافظة الموالية للغرب داخل قيادة الحزب إنفتاحا و سعت لإستغلاله فغستفادت من واقع أ،ّ لين بياو كان مرتبطا بالثورة الثقافيّة لتشكّك فى مكاسبها . و إستغلّت التهديد السوفياتي كحجّة لنشر فكرة إنّه يجب على الصين أن تعزّز نفسها من خلال تحالف عسكري و إندماج إقتصادي شاملين مع الغرب و تبنّى التعصير و الإدارة الرأسماليين . و حاججوا بأنّ الصين لم يعد بوسعها أن تتحمّل التمرّد و تجريب الثورة الثقافيّة . و تعرّضت نكاسب الثورة الثقافيّة و سياسات و برامج الماويين بصفة متصاعدة للهجوم . كان صراع كبير يتشكّل. وستكون هذه هي المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ ، معركة منع إعادة تركيز الرأسماليّة ، و المعركة مع تطوّرها و تعمّقها بين 1973 و 1976 ، قد أثّرت كبير التأثير فى العمل النظري .
ففى جوان 1971 ، تمّ الإنطلاق فى البحث و الكتابة حول الإقتصاد السياسي للإشتراكية ( الرواية التالية تعتمد على بير مولر كرستنس و جورغن دلمان ، " نظريّة المجتمع الإنتقاليّ وماو تسى تونغ و مدرسة شنغاي " ، دوريّة الأكادميّين الآسيويين ، أفريل – جوان 1981 ، ص 2-15 . وكان هذا البحث مساعدا كبيرا فى إعادة بناء تاريخ هذا الكتاب ). كان يرجى أن يكون الدراسة ذات اليد العليا بشأن أسس و ديناميكيّة الإقتصاد الإشتراكي – مشخّصة المميّزات المفاتيح للإقتصاد الإشتراكي و المهام و الصراعات المفاتيح التى تطرح نفسها فى المرحلة الإنتقاليّة إلى المجتمع الخالي من الطبقات . وكان منهجه إتّخاذ الأصناف / المفاهيم الماركسيّة للإقتصاد السياسي و الصراع الطبقي و تطبيقها على الواقع التاريخي المعقّد للإشتراكية .
لقد كان " الإقتصاد السياسيّ للإشتراكيّة " عملا مستمرّا. فكانت سسرورة الكتابة و التوزيع و تحسين المسودّات سيرورة خصبة . فبين 1972 و 1976 ، نشرت أربع مسودّات منالكتاب ،و كلّ طبعة تعبّر بشكل ذى دلالة عن فهم نظري أعمق و كلّ طبعة تضع ضمنيّا أجندا لمزيد البحث . عند تتبّع التغيّرات فى المسودّات المتتالية للنصّ ن يظهر جليّا أنّ الماويّين كانوا يتطرّقون بإبداع لعديد المواضيع الصعبة للغاية فى الإقتصاد السياسي الإشتراكي – من طبيعة العمل الإشتراكي إلى مكانة القونين الإقتصاديّة فى ظلّ الإشتراكيّة ، إلى العلاقة بين الإقتصاد و السياسة ، إلى طبيعة التناقضات بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج فى ظلّ الإشتراكيّة . والنسخة الخامسة من " الإقتصاد السياسي للإشتراكيّة " لم تر النور أبدا . فقد تمّت مصادرتها من المطابع فورا بعد الإنقلاب اليميني فى أكتوبر 1976 .
يعدّ كتاب شنغاي نشرا شعبيّا ل" الإقتصاد السياسي للإشتراكيّة " . التنظيم و المحاججة المتخلّلين للكتابين هما نفسهما فى الأساس ؛ و تبيّن المقارنة النصّية إختلافا طفيفا فى مسائل المضمون النظري و المراجعات التى عرفها كتاب شنغاي بالكاد تتناسب مع الطبعات المتتالية للعمل الأكبر . نسخة الكتاب المترجمة هنا معتمدة على المسودّة الرابعة ل " الإقتصاد السياسي للإشتراكيّة " المؤرّخة فى أواخر 1975 . و كان الإقتصاديّون الذين إشتغلوا على المشروع على صلة بمعهد لإقتصاد السياسي بجامعة فودان بشنغاي و كانت شنغاي عموما مركز النشاط الماوي الراديكالي – و من ثمّة التغيير فى عنوان الطبعة الأنجليزيّة من كتاب " أسس الإقتصاد السياسيّ " .
و كان تشانغ تشن- تشياو الوجه المفتاح الذى سهر على توجيه مشروع الإقتصاد السياسي للإشتراكية . و كان جزءا من النواة القياديّة القوميّة التى كان ماو يعوّل عليها لتقود و تلخّص الصراعات المعقّدة للثورة الثقافيّة . و قد برز تشانغ تشن – تشياو أوّل ما برز خلال القفزة الكبرى إلى الأمام حيث ألّف عدّة مقالات هامة عن سياسة الأجور و موضيع الملكيّة الإشتراكيّة . لكن فى 1967 ، مع تجميع الثورة الثقافيّة لقوّة إعصاريّة ، ظهر تشانغ كشخصيّة كبيرة الأهمّية . فقد إضطلع بدور محوري فى التمرّد العمّالي لسنة 1967 فى شنغاي الذى صار معروفا بإعصار جانفي بشنغاي . و فى النهاية أصبح نائب الوزير الأ,ّل و عضوا فى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزيّة للحزب الشيوعي وهي أعلى جهاز قيادي للحزب ، و قد ساعد على توجيه حملات سياسيّة شنّتها القوى الماويّة لمنع الإستيلاء الرأسمالي على السلطة . و كان ايضا منظّرا ثوريّا كبيرا . فى أكتوبر 1976 ، أُوقف تشانغ تشن – تشياو و تشانغ تشنغ ، زوجة ماو ، إلى جانب ياو وان يوان و وانغ هونغ وان و هم جميعا من أطلق عيله نعت " عصابة / مجموعة الأربعة ". و قد حوكم أمام محكمة مهزلة فى 1980 و تمسّك تشانغ و تشن - تشياو و تشانغ تشنغ بالمبدأ الثوري مدافعين عن ماو تسى تونغ و الثورة الثقافيّة ( بينما إنهار ياو و وانغ ) . حُكم عليهما بالسجن مدى الحياة .
و توفّيت تشانغ تشنغ فى السجن سنة 1990 . و عند كتابة هذه الأسطر ، لا يزال من غير الواضح إن كان تشانغ تشن – تشياو على قيد الحياة أم لا.
لقد كان تشانغ هو الذى وافق على المخطّطات الأوّليّة ل " الإقتصاد السياسي للإشتراكيّة " . و قد أصدر توجيهات حول مضمونه و نظّم عدّة نقاشات هامة متّصلة بالنصّ و حسب روايات للقيادة الصينيّة اتلحاليّة ، راجع المسودّات النهائيّة . و إثر نشر النسخة الأولى فى سبتمبر 1972 ، شخّص تشانغ تشن –تشياو بداية ثلاثة مواضيع مفاتيح وجب تحليلها فى النصّ : لماذا تعدّ مسألة الملكيّة مسألة سلطة ؛ و ماذا تعدّ العلاقات بين الناس فى سيرورة الإنتاج علاقات طبقيّة . و قدّم بحثة " حول الدكتاتوريّة الشاملة ضد البرجوازيّة " المنشور سنة 1975 مواضيعا نظريّة هامة وقع التوسّع فيها فى الطبعتين الأخيرتين من " الإقتصاد السياسي للإشتراكيّة " .
إنّ كتاب شنغاي عمل تلخيصي إبداعي هام و نظرا لمدى وتعقيد الموضوع فإ،ّ عرضا جليّا و صارما للأفكار إنجاز عظيم. مقتفيا أرث ماو تسى تونغ ، ينظّر كتاب شنغاي للإشتراكية على أنّها أشياء ثلاثة مترابطة . أوّلا ، هي شكل من الحكم الطبقي عبره تحكم البروليتايا ( فى تحالف مع الطبقات الشعبيّة الأخرى و بالأخصّ الفلاّحين الفقراء فى الأمم المضطهَدة لما يسمّى بالعالم الثالث ) ضد البرجوازية القديمة منها و الحديثة الولادة وضد القوى الإستغلاليّة . ثانيا ، هي نمط إنتاج فيه تعوّض الملكيّة العامة الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و تعوّض الحاجيات الإجتماعيّة الربح الخاص كهدف و معيار للإنتاج الإجتماعي . ثالثا ، هي مرحلة إنتقاليّة تتميّز بحدّة الصراع الطبقي و التغيير العميق ، هدفه هو إلغاء الطبقات و الإختلافات الطبقيّة على النطاق العالمي كجزء من السيرورة العالميّة للثورة .
ويشرح الفصل الإفتتاحي أنّ موضوع بحث الإقتصاد السياسي الماركسي هو علاقات إنتاج المجتمع و يمضى الكتاب إلى معالجة هذه العلاقات فى الصين . و يتطرّق لدور السياسة و الإيديولوجيا و الثقافة فى التطوّر الإقتصادي . كما يتطرّق إلى طريق و نسق مشركة وسائل الإنتاج فى الصناعة الصينيّة و فى القطاعات الفلاحيّة ، و العلاقات بين هذه القطاعات . وهناك فصول تنكبّ على تغيير التقسيم الإجتماعي للعمل داخل أماكن الشغل ( و يعالج الإنتاج الإجتماعي معالجة ثريّة على أنّه يشمل العلاقات الإجتماعيّة و ليس مجرّد المهام التقنيّة ؛ ومنهج التخطيط و أشكال خلاص الأجر و توزيع المنتوجات السلعيّة للمجتمع و هدف الرفع المتزامن فى مستوى حياة الناس و إيجاد مساواة أكبر بينهم ؛ و دور و مخاطر المال و تداوله . وتمرّ مهمّة محاصرة و فى نهاية المطاف تجاوز ما أسماه الماويّون ب " الإختلافات الكبرى الثلاثة " – بين الصناعة و الفلاحة ، و المدينة و الريف ، و العمل الفكري و العمل اليدوي – كالخيط النظري الناظم للكتاب . و النصّ ليس أبدا شكلانيّا و لا دغمائيّا فى مقاربته . إنّه يثير أسئلة إستفزازيّة : كيف يمكن للبروليتاريا أنتوكل بعض سلطاتها إلى ممثّلين لها ومع ذلك تحذر من التجاوزات و إحتكار هذه السلط و خسارة السيطرة على وسائل الإنتاج ؟ كيف يمكن للمرء أن يحدّد الطبيعة الحقيقيّة لملكيّة الدولة ؟
ويكتسى موضوع " الحقّ البرجوازي " أهمّية خاصة فى طبعة 1975 . فالحق البرجوازي " علامة ولادة " من رحم الرأسماليّة داخل المجتمع الإشتراكي . و يحيل الحقّ البرجوازي على العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة مثلما هي مركّزة فى القانون و السياسة ، التى تدافع عن المساواة الشكليّة لكنّها تتضمّن عمليّا عناصر اللامساواة . المبدأ الإشتراكي للتوزيع – " من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب عمله " – مثال : فمن جهة ، يطبّق معيار متساوى على الجميع – الأجر على قدر العمل المبذول ؛ و من الجهة الأخرى ، ليست للجميع نفس الحاجيات و ليس بوسع الجميع العمل بذات إنتاجيّة الآخرين – و بالتالى هذا المعيار المتساوى عمليّا يخدم تعزيز اللامساواة . و يجلب النصّ الإنتباه إلى أشكال وجود الحقّ البرجوازي و التأثير الإيديولوجي للحقّ البرجوازي ( مستعملا المصطلح على نطاق أوسع ليعني كافة علاقات المجتمع الإشتراكي التى تنطوى على بذور السلع الرأسماليّة والعلاقات الإجتماعية الرأسماليّة ). وكانت الصين حينها تنجز حملة على النطاق القومي لتدريب الشعب على فهم لماذا الحقّ البرجوازي أرضيّة خصبة للرأسماليّة ( يحاول أتباع الطريق الرأسمالي توسيع الإختلافات الإجتماعية و الإقتصاديّة بتوسيع الحقّ البرجوازي ) ولماذا يجب أن يُحدّد و فى نهاية المطاف يُتجاوز – و هذا، فى حال التوزيع ، يتطلّب تطبيق المبدأ الشيوعي ل " من كلّ حسب قدراته ، إلى كلّ حسب حاجياته " . ( و يعنى تحديد الحقّ البرجوازي فى مجال التوزيع فى ظلّ الإشتراكية إجراءات من مثل مزيد تطوير الأشكال الإجتماعية للإستهلاك بتوفير الخدمات الحيويّة كالرعاية الصحّية بغضّ النظر عن الدخل الفرديّ و القيام بمبادرات إجتماعيّة لتجاوز اللامساواة بين الرجال و النساء ؛ و تقليص الإختلافات فى الأجور ).
و تشيّد طبعة 1975 هذه ل" كتاب شنغاي " علىالفهم المتقدّم الذى طوّرته الماويّة للظروف الماديّة و الإيديولوجيّة فى المجتمع الإشتراكي التى تولّد قوى جديدة ذات إمتيازات و علاقات رأسماليّة ناشئة . لكن هذا لا يشمل التحليل الأخير لماو تسى تونغ لطبيعة و موقع البرجوازيّة الجديدة فى ظلّ الإشتراكيّة . إلى وقتها ، كان يثنظر لليمينيين و التحريفيين عموما على أنّهم وكلاء أو ممثّلون للطبقات البرجوازيّة و الإقطاعيّة . و بعد مضيّ عدّة أشهر من نشر هذا النصّ المبدع ن أصدر ماو عدّة تصريحات شرح فيها أنّ لبّ البرجوازيّة فى المجتمع يوجد فى أعلى مستويات أجهزة الحزب و الدولة . و مسترشدين بهذه الرؤى الثاقبة ، أنجز أنصار ماو المزيد من البحوث و ثمّة أدلّة قويّة على أنّ هذا التطوّر النظريّ قد تمّ التطرّق إليه موضوعيّا فى طبعة 1976 من " الإقتصاد السياسيّ للإشتراكيّة " .
لم يكن هذا العمل يهدف إلى تحليل أداء الإقتصاد الصينيّ أو النزاعات حول السياسات آنذاك . ( الخاتمة تتفحّص أداء الإقتصاد الصينيّ فى السنوات الماويّة ) . و مع ذلك ، يتحدّث عن النموّ الواسع و تيّارات التطوّر و كذلك خطوط التمايز الأساسيّة بين المقاربة الثوريّة و المقاربة التحريفيّة لحاجيات التطوير الإشتراكيّ الصينيّ . و من نقاط قوّة العمل هي تحديدا أنّه يتنفّس الدروس الثريّة للثورة الإشتراكية الصينيّة . هذه هي نقاط مراجعه التجريبيّة . لكنّ كلّ هذا يخدم الغاية الأشمل للعمل : توفير محاسبة نظريّة شاملة للإقتصاد السياسيّ الإشتراكيّ .
و فضلا عن تلك المساهمة النظريّة ، يمكن كذلك قراءة كتاب شنغاي على عدّة مستويات أخرى . و قد كُتب بلغة مباشرة و غير أكاديميّة ، كان يهدف إلى بلوغ قرّاء ليسوا بالرورة مدرّبين إحترافيّا على افقتصاد السياسي . و كان هذا النصّ أحد العناوين العديدة المنشورة بين 1972 و 1976 مشتملة على سلسلة للتعلّم الذاتي للشباب . و قد لعبت كتب مثل هذا دورا حيويّا فى الصين الماويّة . و كان من الأهداف المفاتيح للثورة الثقافيّة إنشاء نظام تعليمي يهاجم النخبويّة بدلا من أن يعزّزا. و كجزء من هذا المجهود ن شنّت حركة " التوجّه إلى الريف و صعود الجبال " . حوالي 12 مليون شاب ، غلبيّتهم فى عمر المعاهد عُيّنوا فى المناطق الريفيّة للصين أين يعيش معظم السكّان . و قد أُلّف هذا الكتاب لأجل هؤلاء الشباب الذين درسوه ، إلى جانب مجلّدات أخرى مرافقة له تعالج الفلسفة و الأدب و العلوم الإجتمتاعيّة و الطبيعيّة ، و التقنية الفلاحيّة ، للمساعدة على إعدادهم للعمل و التعلّم و الصراع السياسي فى الريف . و هكذا نتعرّف على شيء من كيف كان يقع تدريب جيل جديد على النظرة للمجتمع الإشتراكي . و نحصل أيضا على فهم لكيف كانت النظريّة الماركسية توضع فى متناول قرّاء على نطاق واسع – لأنّ هذه المعلومات كان يجب تقاسمها مع الفلاّحين فى نفس الوقت الذى كان فيه الطلبة يتعلّمون من الفلاّحين . و كانت دراسة الجمهور العريض و النقاش النظري بما فى ذلك الإقتصادالسياسي مظهرا حيويّا للحياة السياسيّة فى الصين الماويّة .
و النصّ يزخر بالجدال فى ثنايا أقسامه . و بالنظر إلى الماضي ، يجب أن تكون خلفيّة ذلك بديهيّة : صراع هائل كان يتشكّل فى الصين ... و فى نهاية المطاف ، إنتصر الذين كانوا يريدون إعادة تركيز الرأسماليّة . و هكذا يمكن قراءة الكتاب على مستوى آخر أيضا . إنّه يكشف كيف كان الثوريون الصينيون يستعدّون للمعركة ، كيف كانوا يدرّبون الناس لتشحيص الهياكل و الآليّات صلب المجتمع الإشتراكي الذى يجب تغييره و فى الأخير لإدراك الرهان – مواصلة الثورة أم رؤيتها تهزم و يتمّ الإنقلاب عليها .
كتاب شنغاي مصدر لا يقدّر بثمن بالنسبة للطلبة و الأكاديميين المختصّين فى الإقتصاد المقارن ، وفى الدراسات الصينية و تطوّر ما يسمّى بالعالم الثالث . و يجب أن تكون له أهمّية خاصة بالنسبة لجميع المتعطّشين للتغيير الجذري . و من الأشياء التى لا ينبغى نسيانها : رمى الثوريّون الصينيّون من وراء عملهم النظري إلى المساهمة فى و المساعدة على الصراع العالمي للطبقة العاملة و الشعوب المضطَهَدة. و بالنسبة للمنخرطين فى النضال الثوري فى عديد أركان العالم ، يتعيّن أن يساعف هذا الكتاب فى توضيح مدى و مهام الإقتصاد السياسي الإشتراكي و بالفعل التغيير الإشتراكي للمجتمع ككلّ . و ستواصل جدليّة الصراع و المعرفة تأكيد نفسها . من ثورة أو عدّة ثورات سينبع بلا شكّ المخطوط التالى من " الإقتصاد السياسيّ للإشتراكيّة " ./.
جوان 1994






إختصارات الأعمال المذكورة بصفة متكرّرة :

إنجلز ، " ضد دوهرينغ "
فريديريك إنجلز ، " ضد دوهرينغ " ( بيكين : دار النشر باللغات الأجنبيّة ، 1976).
إنجلز و ماركس ، " الأعمال المختارة " ، متبوعا بعدد المجلّد
كارل ماركس و فريديريك إنجلز ، " الأعمال المختارة " ( موسكو : دار التقدّم للنشر ) ، المجلّدان 1 و 2 (1969 ) المجلّد 3 (1970).
لينين ، الأعمال الكاملة ، متبوعا بعدد المجلّد
ف.إ. لينين ، " الأعمال الكاملة " ( موسكو : دار التقدّم للنشر ، تواريخ مختلفة ).
لينين ، " الدولة و الثورة "
ف. إ. لينين ، " الدولة و الثورة " ( بيكين : دار النشر باللغات الأجنبيّة ، 1973).
لوتا ، " و خامسهم ماو "
ريموند لوتا ، " و خامسهم ماو " ( شيكاغو : بانر براس ، 1978).
ماو ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، متبوعا بعدد المجلّد
ماو تسى تونغ ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ( بيكين ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ) مجلّدات 1و2و3 (1967) ، المجلّد 4 (1969).
ماو ، " القراءات المختارة "
ماو تسى تونغ ، " القراءات المختارة " ( بيكين ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، 1971 ).
ماو ، " الكتاب الأحمر "
ما تسى تونغ ، " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ( بيكين ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، 1966 ).
ماركس ، " رأس المال " ، متبوعا بعدد المجلّد
كارل ماركس ، " رأس المال " ، ( موسكو : دار التقدّم للنشر ، 1971).
ماركس ،" نقد برنامج غوتا "
كارل ماركس ،" نقد برنامج غوتا " ( بيكين ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، 1972 ).
ستالين ، " القضايا الإقتصاديّة للإشتراكية "
جوزاف ستالين ، " القضايا الإقتصاديّة للإشتراكية في الإتّحاد السوفياتي " ( بيكين : دار النشر باللغات الأجنبيّة ، 1972)