مع اليسار الإسرائيلي الحالي… لا حاجة إلى اليمين؟
جدعون ليفي
2025 / 11 / 18 - 02:47
لقد فشل الوسط واليسار في إسرائيل في تقديم استراتيجية ليبرالية واضحة لمواجهة أجندة اليمين المتطرف الكهانية، وهو ما ترك الجمهور الإسرائيلي بلا خيار سياسي سوى اليمين.
هذه ظاهرة شبه مجهولة في أي مكان آخر في العالم: ففي إسرائيل، يمتلك اليسار روحا محافظة — متجمدة، مترددة، خادعة وجبانة. أما اليمين فهو الحركة الثورية، بلا قيود، ويقول ما يعنيه بالضبط.
عادة، يدفع التطرف في اليمين إلى تطرف مقابل في اليسار. لكن في إسرائيل حدث العكس: كلما ازداد اليمين تطرفا، تحرك اليسار نحو الوسط. غلف مواقفه بالضباب، وركض خلف اليمين، وحاول تقليده، فانتهى لأسوأ ما يمكن.
عندما أصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، لم يتأخر رد الفعل اليساري: إذ ازدادت الكتلة الليبرالية تقدمية وراديكالية. لكن عندما وصل الكهانيون إلى السلطة في إسرائيل، لم يتطرف اليسار، بل حاول الاقتراب من مواقف الحكومة.
عندما قدمت حكومة نتنياهو مشروع قانون يرفض إقامة دولة فلسطينية، أيدته الكتلة الأخرى إلى حد كبير. وعندما صوت الكنيست على فرض عقوبة الإعدام على "الإرهابيين" — أحد أكثر مشاريع القوانين عنصرية وفاشية التي طُرحت هنا — قاطع المعسكر المعارض التصويت. لقد كان الرد على الروح الكهانية باهتا.
لقد أصبحت الكهانية — كما كتبت رافيت هخت بحق في هآرتس — أكبر حركة شعبية في إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. وهي تلعب في مرمى مفتوح: فبدلا من أن يرد اليسار بتوضيح مواقفه وتشديدها، ازداد غموضا. لقد تجمد اليسار المحافظ في مكانه.
لم تعد هناك مواقف لليمين المتطرف تُعد غير شرعية. ولم تعد هناك مواقف يسارية تُعد شرعية. أي تلميح يساري — ولو خافت — يُعتبر خيانة. يكفي أن تستمع إلى القنوات التلفزيونية: لن تسمع صوتا تخريبيا واحدا.
هذا الوضع خلقه اليسار والإعلام معا. اقترح أي جريمة حرب — من التطهير العرقي إلى الإبادة — وستصبح مشروعة. اقترح شيئا أخلاقيا، ديمقراطيا، إنسانيا أو متوافقا مع القانون الدولي — وسيجري اخراسك فورا. اليسار والوسط، اللذان كان ينبغي أن يصبحا أكثر راديكالية كما حدث في أمريكا، صارا يتلعثمان خوفا.
اليمين يؤيد الإبادة وتهجير السكان. ولكن ماذا يقترح اليسار؟
لقد منحت فظائع حماس في جنوب إسرائيل والحرب في غزة رياحا خلفية لكل نزوة فاشية مجنونة: الاستيطان في غزة، طرد الفلسطينيين إلى السودان، إعدامهم، تعذيبهم، ضربهم، تدميرهم. كان من المتوقع أن يقدم اليسار مقترحات مضادة لا تقل راديكالية. لكن ليس في إسرائيل. ساد الصمت أمام كل ما فعله اليمين.
لعامين كاملين، لم يكن واضحا ما إذا كان معسكر غير اليمينيين مؤيدا للحرب أم ضدها، هل اعترف بحدوث إبادة جماعية في غزة أم اعتبرها دفاعا عن النفس، وهل لديه حل لمشكلة غزة — وإن كان كذلك، فما هو؟
هل هو مع الحوار مع حماس؟ مع إدخال قوة دولية إلى غزة؟ مع الإفراج عن مروان البرغوثي؟ مع توفير ظروف إنسانية للأسرى والمحتجزين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ مع البقاء في غزة؟ الانسحاب منها؟ الإبقاء على قوات في "منطقة عازلة" داخل غزة؟
لقد خرس ولم يقل شيء. كان هناك صمت عظيم يخيم على سطح الاعماق. رسالته الوحيدة كانت: "نتنياهو ارحل"، ولا شيء غير ذلك.
ومع يسار كهذا، لا حاجة ليمين. وليس مهما حتى أن يفوز اليسار. ومع يسار كهذا، فإن فرص فوزه ضئيلة أصلا — فمن يحتاجه؟
بديل مفقود
في اللحظة التي سيطرت فيها الكهانية على الخطاب العام، كان يجب تقديم خطاب بديل، قائم على مقترحات لا تقل راديكالية عن مقترحات اليمين. كان يجب على اليسار أن يبلور "كهانيته" الخاصة — أفكارا واضحة وحادة، دون الجرائم التي ينطوي عليها الأصل.
كان ينبغي أن تطرح الحرب التي مضت نقاشا حول القضايا الجوهرية لا التفاهات. كان يجب أن ينتج عنها معسكر يقول: "جربنا طريق اليمين وأوصلتنا إلى حافة الهاوية."
ويعلن:
"إليكم البديل: انسحبوا من غزة فورا. ساعدوا في إعادة إعمارها. أوقفوا البُغاة في الضفة الغربية، امنحوا سكانها حرية الحركة ودعوهم يعملون في إسرائيل. افتحوا غزة كذلك. نقترح خطة لإنهاء الاحتلال وسنتحدث مع أي طرف مستعد للحديث، بدءا بالبرغوثي. نقترح مسارا مختلفا عن الكهانية وسنقاتل من أجله."
لكن يبدو أن إعادة شرعنة المواقف الأخلاقية وطرح بديل حقيقي لن يحصل إلا عندما يظهر المسيح.
ولا شك أنه سيكون يمينيا أيضا.