العودة إلى الواقع — التنظيم المباشر كأساس للثورة
ليث الجادر
2025 / 10 / 26 - 12:56
بعد دراسات مقارنة بين المغرب والعراق، تتضح الحقيقة المركزية: الاحتجاج الرقمي وحده لا يُنتج ثورة. فكل قوة حشد، مهما بلغت سرعة انتشارها، تظل عاجزة عن بلورة مشروع سياسي واعٍ إذا افتقدت إلى القيادة الطبقية والتنظيم الواقعي.
التجارب السابقة أظهرت أن امتلاك الوسائل التقنية، سواء كانت منصات رقمية أو أدوات بث مباشر، لا يساوي امتلاك الوعي التاريخي بها.
ومن دون هذا الوعي، تصبح الجماهير مجرد رقم في معادلة اتصال، بينما يظل رأس المال — أو القوى التي تتقاطع معه — صاحب الكلمة الأخيرة في إدارة الخوارزميات التي تحدد مصير أي محاولة تغيير اجتماعي.
هنا يكمن الخطر الحقيقي: الاحتجاجات الرقمية، بعفويتها وبما توفره من حيوية وحماس، يمكن توظيفها بسهولة لصالح القوى الرأسمالية والطغيان السياسي. وليس هذا قصورًا في الرؤية أو براءة الشباب، بل نتيجة طبيعية لمن يثق في نزاهة المنصات الرقمية وفي حياد التكنولوجيا.
ومن هنا، تبرز الدعوة إلى العودة لتقاليد وأدوات العمل النضالي الواقعي:
التنظيم المباشر على الأرض، بعيدًا عن السيطرة الرقمية.
استخدام المنشورات الورقية واللقاءات والحلقات الدراسية كوسائل نشر الدعاية والتحريض.
ممارسة النضال السري، الذي يضمن الانفلات من جهاز المراقبة والتحكم الرقمي.
لكن، وكما أشرنا من قبل، هذا لا يعني استغناءً كاملاً عن العالم الرقمي. بل يجب استخدامه بحذر كأداة مكملة، لا كمرجع أساسي للثورة. فالفضاء الرقمي يمكن أن يكون منصة انطلاق، لكنه لا يمكن أن يكون أرض الثورة أو مضرب تنظيمها.
الخاتمة النظرية
الدرس الماركسي الصارم في ضوء تجارب المغرب والعراق واضح: الثورة ليست فعلًا رقميًا، بل عملية اجتماعية–طبقية متكاملة.
إن القوة الجماهيرية وسرعة الانتشار مهمة، لكنها وحدها لا تصنع الثورة، ولا تضمن امتدادها التاريخي.
المعيار الفاصل بين الاحتجاج العفوي والفوضوي من جهة، والحركة الثورية من جهة أخرى، هو وجود قيادة طبقية قادرة على توجيه القوى الاجتماعية وإنتاج برامج سياسية واعية.
التجارب الرقمية أثبتت أن غياب هذا المعيار يؤدي إلى:
استهلاك طاقة الاحتجاج في موجات عابرة.
إتاحة الفرصة لرأس المال والأنظمة الاستبدادية لإعادة تدوير الحركات لمصالحها.
تكرار نمط “الانفجار والانطفاء” الذي لا يغيّر البنية الاجتماعية.
ولذلك، فإن الماركسية المعاصرة تدعو إلى دمج الحكمة التقليدية للنضال الاجتماعي مع استخدام الرقمنة كأداة مساعدة فقط.
هذا الدمج يوفر القدرة على:
1. حماية حركة الجماهير من الاختراق الرقمي.
2. بناء وعي طبقي متجذر في الواقع.
3. تحويل الاحتجاج العفوي إلى مشروع سياسي مستدام.
الواقع يعلمنا أن الثورة ليست حدثًا لحظيًا، بل سيرورة متراكمة من النضال الطبقي، حيث تُوظف كل الوسائل الممكنة بحكمة وعقلانية.
وحتى حين تُولد الثورة من رحم اللحظة الرقمية، يجب أن تُستوعب ضمن منطق التاريخ، لا ضمن وهج التكنولوجيا وحده.
إن هذا هو الدرس الأساسي لكل من يظن أن المستقبل الثوري يمكن أن يُصنع ببضع ضغطات على لوحة مفاتيح، أو عبر موجة حماس عابرة: الثورة الحقيقية تتطلب قيادة، تنظيم، ووعيًا طبقيًا متجذرًا في الواقع الاجتماعي والاقتصادي.