الإمارات: دولة الحرب الوظيفية في خدمة الصهيونية والإمبريالية!
منذر علي
2025 / 10 / 26 - 01:53
تقدّم دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم نموذجًا واضحًا لما يمكن تسميته بـ "الدولة الوظيفية" في النظام الإقليمي؛ أي تلك الدولة التي لا تُمارس سيادتها من أجل شعبها، بل من أجل خدمة منظومةٍ إمبرياليةٍ شاملة تُعيد إنتاج السيطرة بأدوات محلّية. الخطاب السياسي الإماراتي، كما يظهر في تصريحاتها الرسمية، يتخفّى وراء مفرداتٍ براقة مثل التسامح والسلام والاستقرار، غير أنه يخفي تحت هذا القناع نهجًا عدوانيًا متماهيًا مع مصالح الصهيونية والرأسمالية العالمية، كما عبّر تشومسكي ذات مرة عن قدرة الأنظمة المستبدة على "تجنيد اللغة لتبرير العنف".
التناقض بين الخطاب والممارسة
صرّحت وزيرة الدولة في وزارة الخارجية، لانا نسيبة، بأن هدف التطبيع مع إسرائيل هو "تغيير طريقة التفكير في المنطقة نحو التسامح". هذه العبارة قد تبدو وديعة في ظاهرها، لكنها في جوهرها استراتيجية لغوية لتطبيع الهيمنة. إذ يتم تحويل مفهوم "التسامح" إلى أداةٍ لتبرير التطبيع مع قوة احتلالٍ عنصرية تمارس الإبادة على الشعب الفلسطيني.
وبالطريقة ذاتها، يخرج مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، ليصف سياسة بلاده بأنها "نموذج للعقلانية والاتزان"، ويزعم أنها "شريك في مسيرة الاستقرار والازدهار". غير أن هذه الشعارات لا تُقنع أحدًا حين تُقاس بواقع السياسات الميدانية؛ فالعقلانية المزعومة تُترجَم عمليًا في دعم الميلشييات المسلحة في اليمن والسودان وليبيا، وتمويل شبكات المُرْتَزِقَة في إفريقيا والبحر الأحمر، والمشاركة في مشاريع توسّعية تدمّر استقرار المنطقة برمتها.
يذهب قرقاش أبعد من ذلك حين يبرّر "تسامحه" مع إسرائيل بزعم أن المواجهات المباشرة بين الفلسطينيين والاحتلال قد فشلت، وكأن الفشل ناجم عن ضعف القضية ذاتها لا عن تآمر الأنظمة العربية، المطَبِّع منها وغير المطَبِّع، على المقاومة. لقد نسِي الوزير، أو تجاهل عمدًا، أن تلك المواجهات أُحبطت بفعل التحالفات الأمنية والاقتصادية التي ربطت عواصم الخليج وتل أبيب بواشنطن، حتى أصبحت فلسطين عبئًا بلاغيًا على خطابٍ لا قدرة له على احتمال الحرية.
الادعاءات المزيَّفة عن السلام
تتذرّع الإمارات بأنها عارضت مشاريع الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأن اتفاقية التطبيع ساهمت في “إيقاف المخطط”. غير أن الوقائع تنفي هذا الادعاء؛ إذ لم يتوقف الاحتلال عن التوسع والقتل والاستيطان، ولم يُسمع للإمارات صوتٌ جاد دفاعًا عن الأرض أو الإنسان. السلام الذي تتحدث عنه أبوظبي ليس سلامًا يقوم على العدالة، بل سلامٌ أمنيٌّ تُحدّده مصالح القُوَى المهيمنة.
الأعجب من ذلك أن الإمارات، باسم "التسامح"، تموّل النزاعات وتغذّي الفوضى الإقليمية؛ فهي تدعم قواتٍ متمرّدة في السودان، وتشعل النار في ليبيا واليمن، وتتنافس على النفوذ في القرن الإفريقي، وتسهّل قيام قواعد عسكرية أجنبية في الجزر اليمنية — من سقطرى وعبد الكوري وميون إلى زقر — كما لو كان البحر الأحمر مستودعًا للمطامع الدولية لا حدودًا وطنية يجب صونها.
فلسفة الهيمنة المقنّعة بالتحضّر
الخطاب الإماراتي يحوّل القوة إلى فضيلة: فهي ترى في التدخلات العسكرية "مبادراتٍ للاستقرار"، وفي تهجير الشعوب "إعادة ترتيبٍ إقليمي"، وفي التحالف مع إسرائيل "خطوة نحو التسامح الحضاري". بهذه اللغة، تُفرغ مفاهيم السلام والدبلوماسية من معناها الأصلي، لتصبح تبريرًا للعنف السياسي. وكما يحلّل تشومسكي، فإن هذا النمط من الخطاب يمارس نوعًا من الهيمنة الإعلامية التي تعيد تشكيل الوعي العام العربي بحيث يُنظر إلى الاحتلال بصفته ممارسة طبيعية، وإلى التبعية كخيارٍ عقلانيٍّ رشيد.
اليمن نموذجًا للوظيفة القتالية
يتجلى الطابع الوظيفي للإمارات بوضوح في اليمن، حيث أقامت قواعد عسكرية على السواحل والجزر اليمنية تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بينما هي في الواقع تُرسّخ وجودًا استراتيجيًا يخدم مصالح القوى الكبرى في مضيق باب المندب. في الوقت ذاته، تُغذّي الصراعات الداخلية وتشجّع الانقسام بين مكونات الشعب اليمني لإدامة حالة اللا-دولة. هذا السلوك لا يشبه سياسات الدول المستقلة، بل يشبه أدوار الشركات الأمنية التي تؤدي وظائف لصالح قوى استعمارية أكبر.
الخلاصة التحليلية
إن ادعاءات الإمارات حول التسامح والسلام والازدهار لا تعدو كونها إطارًا لغويًا لخداع الذات وتبرير موقع التبعية داخل المنظومة الإمبريالية. فالسلوك الواقعي يكشف أنها دولة حربٍ وظيفية، تستثمر اقتصادها ونفوذها السياسي لتخدم مشروع الهيمنة الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، وتبرّر ذلك تحت عناوين الحداثة والتحضر والتسامح.
ولذلك، فإن قراءة التجربة الإماراتية لا يجب أن تتوقف عند مظاهرها الاقتصادية أو العمرانية، بل ينبغي أن تُدرَس بوصفها نموذجًا للسلطة النيو ليبرالية التابعة، التي تستخدم الخطاب الناعم لتثبيت العنف الصلب، وتستعير لغة التسامح لتغطية فعل الحرب. هذا التناقض بين القول والفعل، بين الخطاب الأخلاقي والسياسة الفعلية، هو لبّ ما يحذّر منه تشومسكي حين يقول: "حين تحتكر السلطة اللغة، تصبح الجرائم سياسةً، وتتحوّل الأكاذيب إلى مبادئ قومية."