بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل Z212 المغربي.... ج١


ليث الجادر
2025 / 10 / 23 - 14:59     

الجزء الأول: الحراك المغربي ومأزق التنظيم الرقمي

شهد المغرب منذ خريف 2025 موجة احتجاجية غير مسبوقة لشباب يُعرف باسم جيل Z212، امتدت إلى أكثر من عشر مدن كبرى، من الرباط والدار البيضاء إلى أغادير ومراكش وأوجدة. وما يميز هذا الحراك هو التنظيم الشبكي الرقمي عبر منصات مثل ديسكورد وتيك توك وإنستغرام. وقد أثار هذا النمط الجديد من التنظيم جدلاً واسعًا بين من رأى فيه ولادة يسار إلكتروني متجدد، وبين من تمسك بالتحليل الماركسي الواقعي لحجم النتائج والأفق الطبقي للحركة.

تهدف هذه الدراسة إلى تقديم قراءة ماركسية صارمة للحدث، مع تحليل نتائج الحراك على الصعيد التنظيمي والفكري والاجتماعي، بعيدًا عن التفاؤل غير المبرر أو الانفعال الإعلامي.

أولًا: على الصعيد التنظيمي – عفوية رقمية بلا تراكم

رغم الانطباع الأولي بأن التنظيم الشبكي للجيل Z212 يمثل طفرة نوعية، تكشف الوقائع أن هذا النمط عفوي ظرفي لا يمتلك أدوات تراكمية أو قيادة واضحة. المرونة الرقمية أعطت الحراك قدرة على الانتشار السريع، لكنها لم تُنتج وعيًا بنيويًا أو قدرة على مواجهة القمع المزدوج (الميداني والرقمي) بشكل دائم.

تمامًا كما حدث في الحركة التشرينية في العراق (2019–2020)، يُظهر الحراك المغربي قدرة مدهشة على الحشد اللحظي، لكنه يفتقر إلى البرنامج السياسي أو الهيكل التنظيمي المستدام. وبغياب مؤسسات تعبّر عن مصالح الطبقة العاملة، يظل التنظيم الشبكي وسيلة اتصال مؤقتة أكثر منه فعلًا سياسيًا مؤسسًا.

ثانيًا: على الصعيد الفكري – نقد احتجاجي لا نقد طبقي

المطالب التي رفعها الشباب، مثل تحسين التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفساد، عادلة أخلاقيًا لكنها لم تتجاوز حدود الإصلاحية.
لم يتبلور خطاب جدلي أو تنظيري يعكس وعيًا بالطبقة العاملة بوصفها فاعلًا تاريخيًا، ولم تتحول الطاقة الاحتجاجية إلى مشروع سياسي يحطم جذور الاستغلال الرأسمالي.

النتيجة: نقد احتجاجي محدود يلامس الظواهر السطحية للظلم الاجتماعي، لكنه لا يمس البنية الاقتصادية والطبقية التي تنتج هذا الظلم.

ثالثًا: حدود مفهوم "اليسار الإلكتروني"

توظيف الفضاء الرقمي كأداة للتعبئة ليس بالضرورة دليلًا على ولادة يسار حقيقي.
الأدوات الرقمية وحدها لا تعكس وعيًا طبقيًا، ولا تعوّض عن غياب برامج سياسية واضحة، بل قد تحوّل الاحتجاج إلى مجرد تفاعل لحظي متقطّع.
التحليل الماركسي يذكّرنا بأن السيطرة على وسائل الإنتاج — ومن ضمنها اليوم وسائل الإنتاج الرقمية — شرط للتحرر الفعلي، لا مجرد وهم تحرري.

رابعًا: النتائج الواقعية للحراك

1. إعادة طرح سؤال العدالة الاجتماعية ضمن النقاش العام.

2. كسر حاجز الخوف لدى جيل رقمي جديد، مكسب معنوي لكنه غير مستدام.

3. غياب تراكم فكري وتنظيمي يُؤهل الحركة لتحويل الاحتجاج إلى مشروع طبقي.

4. تركيز المطالب على الإصلاحات اليومية دون برنامج طبقي واضح.

5. تثبيت حدود الإصلاحية الشعبية كأفق للحراك، بعيدًا عن التحول الثوري.

خامسًا: الدروس الماركسية المستخلصة

1. العفوية الرقمية وحدها لا تصنع ثورة.

2. الطاقة الشبابية، مهما كانت صادقة، تظل عاجزة عن التغيير الجذري بدون وعي طبقي.

3. الرقمنة أداة وليست مضمونًا، ويجب إدماجها ضمن تنظيم سياسي واعٍ.

4. الغياب المؤسسي للأطر اليسارية التقليدية ترك فراغًا استغلّه الجيل الرقمي، لكن هذا الفراغ لم يتحول إلى مشروع طبقي مستدام.

خاتمة الجزء الأول

تُظهر احتجاجات جيل Z212 (سواء في العراق أو المغرب) أن التنظيم الرقمي المبتكر لا يعني ثورية تلقائية، وأن التفاؤل اليساري بشأن ولادة يسار جديد يجب موازنته بالصرامة الماركسية الواقعية.
الحراك المغربي يكشف تناقضًا جوهريًا: قوة الحشد وسرعة الانتشار مقابل ضعف الوعي الطبقي والبرامج السياسية، وهو درس أساسي للماركسية المعاصرة في عصر الرقمنة.


---