وداعا عزيزي المصطفى براهمة


حمه الهمامي
2025 / 10 / 17 - 14:55     


لم أقدر على الكتابة كلّ هذه الأيّام،
كان أوّل خبر "انفتحت عليه" عيناي يوم الاثنين 13 أكتوبر/تشرين الأول هو رحيل الرفيق والصّديق المصطفى براهمة المناضل المغربي الذي ناضل لسنوات طويلة في صفوف حزب النهج العمالي المغربي وتولّى قيادته لمدة عقد.
لم يمهلني رفيقي علي الجلّولي الوقت كي أستفيق من نومي ويستعيد ذهني نشاطه العادي صبيحة ذلك اليوم بل إنّه "غشمني بالخبر" كما يقول الناس عندنا، فبقيت واجما لمدة دقائق، محاولا استيعاب المصاب الجلل رغم أنّني كنت أخشى وقوعه منذ مدّة بناء على ما يصلني من معلومات من بعض رفاق الفقيد.
عليّ الاعتراف بأنّ غالبّية أبناء جيلي ابتُلينا بحبّ مناضلات المغرب ومناضليه. وهذه حقيقة سمعتها من أكثر من مناضل تونسي. ثمّة قرابة غريبة في الذهنية والمزاج والسّلوك. وسمعت نفس الشيء من مناضلين/مناضلات من المغرب.
لا يتوقّف الأمر عند كوننا ننتمي إلى نفس التيّار الأممي الذي يؤمن بالأخوّة الإنسانيّة الحقّة، المتحرّرة من كل استغلال واستلاب، ولا عند العلاقات التاريخية بين الشعبين خاصة في الحقبة الاستعماريّة، بل قد يكون وراء هذا الشعور تشابه التجارب في بلدينا أيضا.
في المغرب مثّلت "منظّمة إلى الأمام" نواة اليسار الجديد، الثوري في سبعينات القرن الماضي، وفي تونس وفي نفس الفترة كانت "منظمة العامل التونسي" (امتداد لمنظمة آفاق) ترفع تقريبا نفس الراية. هنا وهناك كانت الدعوة الجامحة إلى الثورة الشعبيّة ضدّ الاستغلال والظلم والتبعية.
وكان ابرهام السّرفاتي، مؤسّس إلى الأمام، هو الاسم الذي يتردّد عندنا كثيرا في تونس، وقد عرف وقتها بمواقفه المبدئية الصارمة من الكيان الصهيوني ومن الأيديولوجية الصهيونية عامة ودعوتها يهود العالم إلى الهجرة والاستيطان في أرض فلسطين على حساب أهلها وسكّانها.
هنا وهناك أيضا كان السجن في انتظار مناضلي/مناضلات التنظيمين وإن في فترات مختلفة. وكان المصطفى براهمة، السياسي الفطن والمنظّم البارع والمكافح العنيد من بين الذين طالتهم يد القمع المخزني عام 1984 وحكم عليه بعشرين سنة سجنا ولم يغادر إلّا سنة 1994 إثر عفو ملكي جاء نتيجة ضغط وطني ودولي.
عرفت براهمة مثلما عرفت الحريف ومعاد والتيتي وأمين وجمال والهاكش وبلعتيق وفقير وعتيقة وحياة وزهرة وخديجة والراحل الشبّاري وغيرهم. إنّ ما يبهرك في مصطفى وفي ذلك الجيل هو المبدئيّة والكفاحيّة والصّرامة في الدفاع عن حقوق العمال والكادحين والشعب عامّة.
جيل يتسابق أبناؤه/بناته على النضال والالتزام والتضحية.
لقد خاض براهمة تجارب ثرية شبابية، سياسيّة، نقابيّة وترك بصمته في جميعها.
حين علمت برحيل براهمة انتابني الشعور بأنّ واحدا منّا، من حزب العمّال، غادرنا… رفيقي معاد دائما ما يقول لي ضاحكا، مقهقها، "ما الجديد في حزبنا" وهو يقصد حزب العمّال لما أصبح يجمع مناضلات/مناضلي الحزبين من علاقات تتجاوز السياسي والأيديولوجي المجرّد إلى العاطفي.
ما أعظم أن يغادر المناضل/المناضلة وهو/هي راسخ في مبادئه وقيمه التي حوّلته إلى إنسان حقيقي يتألّم لألم كلّ مظلوم/مضطهد ويثور في وجه كلّ ظالم/مجرم بقطع النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو العرق أو القومية أو الثقافة أو اللّغة.
ما أعظم أن يغادر المناضل/المناضلة وقد ترك/تركت "روحه/ها" ترفرف بيننا نستذكرها في هذا الموقف أو ذاك، في هذه المعركة أو تلك..."كان المصطفى براهمة يقول كذا وكذا أو يفعل كذا وكذا في مثل هذا الموقف…".
في إحدى رسائل السجن تطرّق الفيلسوف المناضل أنطونيو غرامشي إلى خلود الروح… قال إنّ الروح هو ذاك الأثر الذي تتركه خالدا بين الناس، في ذاكرتهم، يستحضرونه في هذا الظرف أو ذاك للاستلهام منه في تفكيرهم أو في سلوكهم.
غادرتنا يا المصطفى لكنّ روحك ستظلّ ترفرف بيننا فكرة وموقفا ورؤية وسلوكا.
صبرا أمينة بوخلخال، أيتها الأمينة المثابرة، صبرا لنا جميعا… ولنواصل المسيرة بنفس الثبات والعزيمة.