في ذكرى الشهيد البطل مزهر هول الراشد أبو كريم


أحمد الناصري
2025 / 10 / 12 - 22:12     

ولد الشهيد مزهر أبو كريم في ريف مدينة الناصرية البعيد والمنعزل، في الأربعينيات (عام 1946) من القرن الماضي، حيث النظام الإقطاعي المتخلف، ولا وجود للمدارس والتعليم والمواصلات والخدمات الصحية والأساسية البسيطة. تعلم الطفل مزهر القراءة والكتابة في الكتاتيب الريفية (مدارس الملالي)، وهي بقايا نظام تعليمي تقليدي قديم، ربما فائدته الوحيدة هي تعلم القراءة والكتابة وأسس اللغة العربية وبعض قواعدها الأولية، ونطقها بشكل مقبول! أدرك الفتى مزهر بشكل مبكر الوضع الاجتماعي الاقتصادي البائس للناس والريف، في ظل العلاقات الإقطاعية الجائرة المتخلفة. شهد الريف العراقي بعض التطورات السياسية والاجتماعية، بعد وصول المعلمين وإنشاء مدارس وتشكيل نواتات وخلايا سياسية شيوعية فعالة، وحصول انتفاضات كبيرة ومهمة في مواجهة الاقطاع، بتأثير الحركة السياسية والثقافية في المدن، بعد ثورة العشرين الوطنية الفلاحية وثورة سوق الشيوخ عام 1936، ثم انتفاضة ده زي في كردستان وانتفاضة آل ازيرج الفلاحية.

كل شيء انقلب وتحول بعد نجاح ثورة 14 تموز الوطنية، وكان للريف حصة رئيسة كبيرة من هذه التحولات، حيث تأثر الريف بشكل مباشر وكبير، بسبب قانون الإصلاح الزراعي التقدمي وإجراءات عزل الاقطاع، ونشاط الحزب الشيوعي العراقي الجماهيري الواسع المؤثر. أصبح العم هول الراشد والد الشهيد رئيساُ لأحدى الجمعيات الفلاحية بعد الثورة، وشارك الفتى مزهر في هذه الأعمال والنشاطات الفلاحية والجماهيرية وتدرب فيها وتعلم منها وعمل في اتحاد الشبيبة الديمقراطي، وتعرضا للملاحقات والاعتقال بسبب الصراع السياسي الجديد وملابساته. في هذه الفترة القصيرة من الثورة ترشح الفتى مزهر للحزب بعد أن اكمل عمر الترشيح وهو 18 عام. لكن بعد فترة ليست طويلة حصلت كارثة 63 والانقلاب الفاشي الدموي الذي نفذته الرجعية المحلية وقواها المتعددة بدعم خارجي بريطاني أمريكي إيراني شاهنشاهي معروف وثابت. أختفى الشاب الجديد مزهر في ريف الحي، وعمل مع بقايا التنظيمات على إعادة الرفاق والتنظيمات، وبدأت نشاطات مهمة لمواجهة السلطة الفاشية الدموية، وبدأ الرفيق مزهر يتقدم في عمله وأصبح مسؤولا لريف الحي وعمل في ريف الناصرية وأصبح مسؤولا عن تنظيم سوق الشيوخ ثم عضواً في محلية الناصرية وعضو مكتبها ومسؤولا للمحلية (عضو المنطقة الجنوبية وعضو التنظيم الفلاحي فيها). جرى اختطاف الرفيق ابو كريم عام 76، بعد خروجه من مقر الحزب، كونه من العناصر الرئيسية المعروفة في محلية الناصرية والمدن الجنوبية ذات التنظيم الواسع الكبير،. وجرى ونقله إلى صحراء المدينة ودفن جسمه حتى رأسه وتهديدة بالبنادق الموجهة لرأسه، الضغط الشديد عليه وتعذيبه، لكنه تحداهم وصمد وواجه القمع الشرس للأمن العام وخططه في خطط اختراق الحزب وتجنيد أو تسقيط عناصره.

في عام 78 و79 بدأ صدام إعلان تنفيذ مشروعه الفاشي لتصفية الحزب الشيوعي العراقي جسدياً وسياسياً (وهو مشروع قديم وضع أسسه ومؤسساته الإرهابية الفاشية عام 69 مع زمرة من المجرمين القتلة منهم ناظم كزار في قصر النهاية المرعب) كانت الخسائر كبيرة ومرعبة والخ’’ الوحشية محكمة، اعتمدت على معلومات ومتابعة واختراقات كبيرة واسعة، انتهت بحملة اعتقالات شاملة وعتذيب وحشي فاشي وتسقيط سياسي واسع. انتقل الرفيق ابو كريم إلى بغداد اختفى فيها وعمل على تجميع بقايا التنظيم مع عدد من الرفاق القياديين والكوادر (خاصة رفاق الناصرية) التي استطاعت الافلات من حملة الاعتقالات والتصفية. كان العمل الجديد، الصعب الخطير، بلا تهيئة واستعداد، بامكانيات بسيطة وظروف أمنية خطرة وملاحقات شرسة من قبل اجهزة الأمن العام ومنظمات الحزب الفاشي. في عام 79 جرى اعتقال الرفيق أبو كريم وتعرض لتعذيب وحشي رهيب، لكنه صمد بشكل أسطوري ( أنه بطل من طراز خاص طراز البطل سلام عادل ورفاقه ومن واجه الجلادين في قصر النهاية) وحافظ على أسرار كثيرة وحمى ودافع عن حياة رفاقه، ولم يستسلم حتى استشهاده تحت التعذيب، رغم كل أساليب ومحاولات الجلادين القتلة. هناك أسئله محيرة رئيسية مهمة، لكنها متروكة بلا جواب على الرغْم من أهميتها ومرور وقت طويل وزائد، وتوفر كل المعلومات والوثائق في انتفاضة 91 وبعد الاحتلال. السؤال الأول كيف وصلوا للشهيد وكل الرفاق الآخرين؟ ما هي المعلومات والوثائق لماذا لم يكشف شيء عن هذه الحالات (منها حوالي مئتي شهيد من الرفاق الذين نزلوا من كردستان أو الخارج إلى الداخل بسبب الاختراق الشامل. أو ما اسميه ملف إعادة تنظيم الداخل تحت إشراف الأمن العام والملف خطر ومرعب بخسائره)؟ لقد مر الوقت وانتهى الأمر لأسباب مكشوفة وغامضة! تعرفت إلى الرفيق الشهيد أبو كريم في مقر الناصرية، حيث كنا نلتقي يوميا طوال الوقت. وهو رفيق رائع متواضع، بسيط،’ يكره التعالي والسلوك البيروقراطي، يقرأ كثيرا ويتحاور بأدب وهدوء. ترك عائلة كبيرة، زوجته وستة أطفال صغار. أنه خسارة كبيرة للحزب والوطن، تحت قسوة الجرائم الفاشية الوحشية البشعة.

الخزي والعار للقتلة الأوغاد الفاشست، أعداء الشعب والوطن..... وردة حمراء لشهيدنا الخالد... المجد والخلود لشهداء حركتنا الشيوعية والوطنية. شهداء الوطن والوطنية والنضال الاجتماعي الشاق