البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتمعات مراكز الرأسمال
ليث الجادر
2025 / 10 / 10 - 23:54
يقدّم هذا النص توسعة نظرية للإطار المفاهيمي المتعلق بالبلوب والتفكير الطبقي، من خلال إدخال مفهوم «النتؤ الرأسمالي» لفهم موقع الاقتصاد الرقمي داخل بنية التراكم في مجتمعات مراكز الرأسمال.
في هذا النص نسعى إلى تقديم قراءة مكملة للإطار النظري الذي طُرح حول مفهوم «البلوب» والتفكير الطبقي، مع تركيز خاص على مجتمعات مراكز الرأسمال. لا يهدف هذا المقال إلى إعادة إنتاج التحليل السابق أو مراجعته، بل إلى توسيعه وإضافة بعد نظري جديد يوضح موقع الاقتصاد الرقمي داخل بنية التراكم الرأسمالي. هذا البعد نطلق عليه اسم «النتؤ الرأسمالي»، بوصفه شكلاً من الامتداد الداخلي لبنية التراكم، لا طورًا بديلًا عنها.
البلوب، كما طُرح سابقًا، ليس استعارة عابرة من علم الأحياء، بل نموذج لفهم الذكاء البنيوي الطبقي، أي تلك القدرة الذاتية للبنية على التكيف والاستجابة وحماية مصالح الطبقات المهيمنة دون أن تُقاد بعقل فردي محدد. في مجتمعات مراكز الرأسمال –الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان وغيرها– تتجسد هذه الظاهرة في أعلى صورها التاريخية. فالدولة لم تعد ضامنة للنظام القائم فحسب، بل تحولت إلى شريك مباشر في إنتاج القيمة عبر التمويل والتسليح وتوجيه البحث العلمي والتقني نحو أهداف محددة تخدم رأس المال. السوق بدوره فقد طابعه التنافسي الكلاسيكي، وأصبح فضاءً للاحتكار المعرفي والتقني، تهيمن عليه الشركات الكبرى التي ترتبط عضوياً بالمؤسسة السياسية. أما التكنولوجيا، فقد غادرت موقعها التقليدي كوسيط محايد لتصبح موضوع الصراع وأداته في آن واحد، أي أنها باتت حقل الإنتاج المادي نفسه ومصدر الريع الاحتكاري في الوقت ذاته.
ضمن هذا السياق يظهر الاقتصاد الرقمي ليس كبديل عن الاقتصاد المادي السلعي، بل كامتداد فرعي له. هذا الامتداد ليس شكلاً سطحياً أو زخرفياً، بل هو ما نطلق عليه «النتؤ الرأسمالي». النتوء هنا استعارة تشريحية تصف الجزء المنبثق من الجسد نفسه، المتغذي على دورته الدموية، والمشارك في وظائفه، دون أن يمتلك استقلالاً تاماً. فالاقتصاد الرقمي لا ينتج تراكمًا منفصلًا، بل يعيد تدوير الفائض المتحقق في الاقتصاد المادي، ويضخّه في آليات جديدة للهيمنة الطبقية. إنه نتوء داخلي في جسد الرأسمالية المعاصرة، يعمل من داخل البنية نفسها وبآلياتها، ولا يشكّل قطيعة معها.
في هذا الطور الرقمي من التراكم، يبرز الذكاء البنيوي الطبقي في صورته الأكثر تجريدًا. لم يعد التفكير الطبقي مجرد سلوك واعٍ للبرجوازية أو أجهزة الدولة، بل تحوّل إلى شبكة مترابطة من المصالح والمؤسسات والآليات التقنية التي تتحرك بصورة ذاتية، من دون أن يُخطط لها أو يوجّهها عقل فردي. التحكم في المنصات والشبكات والبنى المعلوماتية أصبح هو المجال المركزي للصراع الطبقي في مراكز الرأسمال، وهو ما يعمّق وظيفة البلوب كجهاز شبكي يحقق مصالح الطبقة المهيمنة ويعيد إنتاجها باستمرار.
إن إدخال مفهوم النتؤ الرأسمالي إلى التحليل يتيح رؤية أوضح لبنية التراكم في مراكز الرأسمال، ويفضح الزيف النظري لمقولات «ما بعد الرأسمالية» التي تتعامل مع الاقتصاد الرقمي بوصفه قطيعة نوعية مع الاقتصاد السلعي. فالذكاء البنيوي الطبقي يتمتع بقدرة عالية على امتصاص التحولات التقنية وتطويعها لمصلحته دون أن يتغير منطقه الجوهري. الاقتصاد الرقمي لا يهدد البنية، بل يعززها من الداخل، ويمنحها أدوات أكثر كفاءة للهيمنة.
بهذا المعنى، لا يمثل هذا النص بديلًا عن تحليل البلوب، بل امتدادًا له يكشف عن الشكل الراهن للتراكم الرأسمالي في مجتمعات المركز. فالبلوب يصف البنية الذكية التي تعمل دون عقل فردي، بينما يصف النتؤ الرأسمالي كيف يتجلى هذا الذكاء البنيوي في الاقتصاد الرقمي بوصفه جزءًا داخليًا من جسد الرأسمالية، لا عضوًا غريبًا عنها. ومن خلال الجمع بين هذين المفهومين يمكننا فهم الطور الراهن من التفكير الطبقي في مراكز الرأسمال، حيث تتشابك الدولة، السوق، التكنولوجيا، والمنصات الرقمية في جهاز واحد لا مرئي، لكنه فعّال، يعيد إنتاج علاقات الهيمنة دون توقف.