الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج2
ليث الجادر
2025 / 9 / 24 - 23:20
الحزب كوحدة تناغمية هو حزب تمثل بنيته وبرنامجه مصالح طبقة محددة بوضوح. خصائصه تشمل التناسق بين الهيكل والبرنامج، وضوح أهداف الحزب بما يتماشى مع مصالح الطبقة الممثلة، وقدرته على تقديم خطاب سياسي موحد. الأمثلة التاريخية تشمل الأحزاب العمالية الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، والأحزاب الليبرالية البرجوازية. النقد الماركسي يتركز هنا على الطبقة التي يمثّلها البرنامج، وليس الهيكل التنظيمي أو الاسم. بالمقابل، الأحزاب المتناقضة، خصوصًا الدينية، تجمع مصالح طبقية متباينة تحت مظلة دينية أو أيديولوجية عامة. خصائصها تتضمن تباين الطبقات الممثلة داخله، برامج سياسية غامضة، نزاعات داخلية مستمرة. الأحزاب المتناقضة تعكس تعدد المصالح الطبقية المتداخلة، ويجب كشف الجوهر الطبقي خلف أي برنامج سياسي.
عند مقارنة الحزب التناغمي بالحزب المتناقض، نجد أن الحزب التناغمي يمثل طبقة واضحة ومحددة، وبرنامجه السياسي متوافق مع مصالح هذه الطبقة، وهيكله التنظيمي متناغم مع البرنامج، والنقد الماركسي موجه مباشرة للطبقة. أما الحزب المتناقض، خصوصًا الديني، فطبقات الممثلين متعددة ومتضاربة، وبرنامجه السياسي عام أو متناقض، وهيكله قد يخفي الصراعات الداخلية، والنقد الماركسي هنا يشمل الطبقات المتعددة والبرنامج.
يسمح التحليل الماركسي بفهم من هو الحليف الحقيقي ومن مجرد واجهة لمصالح طبقات أخرى، مما يقلل مخاطر التحالفات الخاطئة ويحفز الالتزام بمبادئ الطليعة. الماركسية نهج له ثوابته: فهم الصراع الطبقي، رفض التحالفات التي تخدم الطبقات الحاكمة، وأولوية استقلال الطليعة. أي تعاون أو نصرة لحزب أو حركة دينية، حتى لو بدافع التكتيك، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو خيانة للثابت الثوري الماركسي. مفهوم الفخ الإيماني يوضح كيف أن تحويل المقاومة أو النضال إلى طقس غيبي أو شعائر مقدسة يفرغ الحركة الثورية من مضمونها المادي ويقوّض وعي البروليتاريا. من أكثر الأمثلة وضوحًا على هذا الفخ في واقعنا المعاصر ما جرى للحزب الشيوعي العراقي، الذي رغم تأسيسه على قاعدة ماركسية صلبة، تجنّب منذ بداياته المواجهة المباشرة مع البنية الدينية الرجعية، مكتفيًا بالتحفّظ عن نقد دورها في تكريس الوعي الزائف. لكن هذا التحفظ سرعان ما تحول إلى انزلاق عميق. ففي خمسينيات القرن العشرين، شارك الحزب في طقوس عاشوراء الجماهيرية، مؤطّرًا واقعة كربلاء بوصفها تعبيرًا عن ثورة طبقية ضد الاستبداد. ثم مضت بعض أدبياته في إعادة إنتاج شخصيات مثل الإمام علي وأبي ذر الغفاري كثوريين ذوي مضمون طبقي، في محاولة لخلق جسر بين التراث الديني والمشروع الماركسي. غير أن هذا الجسر لم يكن سوى فخ أفرغ الماركسية من مضمونها، إذ انحسر الخطاب النقدي للحزب تدريجيًا، وتحوّل من قوة ثورية إلى قوة تبريرية، حتى بلغ ذروة الانحدار حين تحالف مع قوى الإسلام السياسي قبل سقوط النظام السابق، ثم كرّس هذا السقوط بتحالفه العلني مع التيار الصدري بعد 2003. وما يكشفه هذا المثال أن أي تنازل أمام الفخ الإيماني، حتى لو بدا تكتيكًا ضروريًا، ينتهي بإذابة الوعي الطبقي في شعارات لاهوتية تقتل إمكان التحرر وتفرغ الماركسية من جوهرها الثوري.
...يتبع ج3