ملاحظات عن اشتراكية الصين (3)


حسين علوان حسين
2025 / 9 / 18 - 10:35     

سأستكمل مناقشة بقية الجمل الواردة في نص الفقرة الأولى من مقال الأستاذ حميد كوره جي المحترم والتي تقرأ جملتها الرابعة:

"في حالة الصين، أن السلطة تتركز في يد الحزب الشيوعي الصيني، وليس في يد الطبقة العاملة بشكل جماعي."
فحوى هذه الجملة يقطع ليس فقط بمعاداة كاتبها الصريحة للماركسية اللينينية، بل وبجهله بألفباء تاريخ وقوانين النضال الشيوعي البروليتاري في العالم.
في عام 1871، حالما تكشَّفت أهوال الإبادة الجماعية التي كان قد تنبأ بها ماركس للثوار الكومونيين (الذين لم يستمعوا لتحذيراته لهم عبر الاممية الأولى بأن أي محاولة للإطاحة بالحكم ستكون "حماقة يائسة" سابقة لأوانها وستفشل، مما سيؤدي إلى مذبحة للعمال ونكسة للحركة الاشتراكية الأوسع)، أدرك ماركس أن السبب الأساس في حصول كل تلك المآسي هو عدم وجود حزب شيوعي في فرنسا يقود برليتاريتها (أعيد: "حزب شيوعي"، وليس "يد الطبقة العاملة كلها" مثلما ينص المنقود) ويتكفل بقيادة البروليتاريا بحكمة وبعد نظر وبما يجنبها ويلات "الحماقات اليائسة" التي ارتكبها كوموني باريس عام 1871. لذا، فقد دعى ماركس في تشرين الأول من نفس العام لعقد مؤتمر عاجل بلندن للأممية الأولى – حيث تم اتخاذ القرار الذي سبق وأن أوردت نصه في الحلقة الأولى من هذه السلسلة والمُعتمَد في مؤتمر لاهاي للأممية المنعقد بعد سنة – ونصه:
"أولا - القرار المتعلق بالقواعد العامة
المادة التالية التي تلخص محتويات القرار التاسع لمؤتمر لندن (سبتمبر 1871) المراد إدراجه في القواعد بعد المادة 7، وهي: --
المادة 7أ - في نضالها ضد السلطة الجماعية للطبقات المالكة، لا تستطيع الطبقة العاملة أن تتصرف كطبقة إلا من خلال تشكيل حزب سياسي متميز ومعارض لجميع الأحزاب القديمة التي شكلتها الطبقات المالكة.
إن تشكيل الطبقة العاملة في حزب سياسي أمر لا غنى عنه لضمان انتصار الثورة الاجتماعية، وهدفها النهائي، وهو إلغاء الطبقات."

القرار أعلاه يقطع بالقانون الشيوعي الناص على : "لا تستطيع الطبقة العاملة أن تتصرف كطبقة إلا من خلال تشكيل حزب سياسي كأمر لا غنى عنه لضمان انتصار الثورة الاجتماعية"، والذي نادى به ماركس وإنجلز في "بيان الحزب الشيوعي" منذ عام 1847.
أما الأستاذ حميد كوره جي المحترم فيقول لنا بالفم المليان بما هو العكس من هذا القانون بالضبط : "في حالة الصين، أن السلطة تتركز في يد الحزب الشيوعي الصيني، وليس في يد الطبقة العاملة بشكل جماعي"، ليعيد الحركة البروليتاريا العالمية للوراء 150 سنة !
ولكن مَنْ هم قادة الأممية الأولى التي قررت قانون أن: "الطبقة العاملة بشكل جماعي" – على حد تعبير المنقود – "لا تستطيع أن تتصرف كطبقة ( قادرة على التشخيص والدفاع عن مصالحها الطبقية وضمان تسيدها في الثورة الاجتماعية) إلا من خلال تشكيل حزب سياسي كأمر لا غنى له"؟
إنهم :
كارل ماركس ، فريدريك إنجلز، ميخائيل باكونين ، بيير جوزيف برودون ، هنري تولين ، فيلهلم ليبكنخت، أوغست بيبل، جورج أودغر ، فيكتور لو لوبز ، يوهان إيكاريوس ، جيني ماركس لونجيه ، وبول لافارغ . وهؤلاء كانوا وقتذاك هو القادة لأجنحة الشيوعيين والأناركيين والتبادليين والبلانكيين واللاساليين والنقابيين الانجليز للبروليتاريا الثورية في بريطانيا وأوربا القارية.

[ فاصل ترفيهي ، ثم نعود!
لا، عيني، لا : هذولا كلهم ما يفتهمون شي، بُتُنْ بُتُنْ، لا بالشيوعية ولا البروليتارية، ومستحيل أن يتنازل جناب حضرتنا ويقتنع بيهم!
لعد منو اللي يفتهم زين بيها ؟
إللي يفتهم بالشيوعية كشّي وكلايشي هم أهل الكهف الميامين (رضي الله عنهم وأرضاهم وقدّس سرهم) الذين قاموا من سباتهم بعد مضي أكثر من 150 سنة على نفاذ قرار الأممية الشيوعية الأولى القاضي بـ :"لا تستطيع الطبقة العاملة أن تتصرف كطبقة إلا من خلال تشكيل حزب سياسي كأمر لا غنى عنه لضمان انتصار الثورة الاجتماعية" كي يرددوا لنا آية: "في حالة الصين، أن السلطة تتركز في يد الحزب الشيوعي الصيني، وليس في يد الطبقة العاملة بشكل جماعي"!
جرّوا صلوات !]

إستناداً إلى إحصاءات (CEIC) المنشورة، فإن عدد العمال الصناعيين في الصين عام 1949 – وهو عام الانتصار النهائي لثورة ماو واستلامها للحكم في الصين القارية – كان فقط (3.16 ) مليون شخصاً، من أصل (540) مليوناً من السكان؛ أي أنهم لا يشكلون سوى نسبة (1.2) بالمائة من مجموع سكان الصين.
لنعد الآن لنص "بيان الحزب الشيوعي" لماركس وانجلز (1847) الذي يثبّت في فصله الثاني ما يلي:
"لقد رأينا أعلاه أن الخطوة الأولى في الثورة التي تقوم بها الطبقة العاملة هي رفع البروليتاريا إلى موقع الطبقة الحاكمة للفوز بمعركة الديمقراطية."
السؤال هو : كيف يتسنى للبروليتاريا التي نسبتها (1.2%) من سكان أي بلد يسود فيه الإقطاع أن "ترفع نفسها إلى موقع الطبقة الحاكمة للفوز بمعركة الديمقراطية " فيه، مثلما تؤكده عبقرية ماركس وانجلز؟ الجواب: إن مثل هذه المعجزة التاريخية لانتصار البروليتاريا لن تحصل مطلقاً بدون وجود الحزب الشيوعي الناشط فيه أولاً ، ومن ثم قيادته السياسية الواعية التي تفلح بإقناع، ومن ثم تجنيد، غالبية شعبه لإيمانها بأن المصالح الطبقية لبروليتاريتها الوطنية قد باتت هي نفسها مصالح الشعب كله، فتحمل السلاح، وتقاتل بمجد ما بعده مجد من الأول من آب 1927 ولغاية الأول من ايلول عام 1949 ، وتقدم أكثر من (1.5) مليون شهيد وجريح: "كأمر لا غنى عنه لضمان انتصار الثورة الاجتماعية "، بالضبط مثلما حدد ماركس عقب مجزرة كومونة باريس عام 1871 ، على نحو عبقري معجز .
هذه هي إحدى المصاديق الميدانية لعلمية الماركسية ونجاعتها الثورية من خلال تطبيقاتها من طرف الأحزاب الشيوعية الماركسية الواعية والأمينة على مصالح البروليتاريا؛ والناس أحرار فيما يعتقدون.
يتبع، لطفاً .