لا مكان لإسرائيل في مسابقة اليوروفيجن وهي ترتكب الفظائع في غزة
جدعون ليفي
2025 / 9 / 18 - 08:35
لا يمكن لأمة ترتكب جريمة إبادة جماعية أن تواصل الغناء. ولا يمكن للعالم الذي يرى أمة ترتكب إبادة جماعية أن يغني معها. كما لا يمكنه أن يقبل حقيقة أن هذه الأمة تريد الاستمرار في الغناء وكأن شيئًا لم يحدث.
إن مجرد تخيّل إسرائيل أنها ستشارك في مسابقة غنائية، بكل بريقها ومؤثراتها الخاصة، في ذروة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بينما جنودها يقتلون ويدمرون بلا رحمة، يبيّن أنها فقدت بوصلتها. كان ينبغي أن تدرك بنفسها أنه لا مكان لها في أي احتفال دولي في الوقت الراهن.
لو أنها انحنت خجلاً وسحبت نفسها من مسابقة الأغنية الأوروبية (اليوروفيجن)، لكانت احتفظت بقدر أكبر من الكرامة مما فعلت عندما راحت تلقي باتهامات "معاداة السامية" على العالم بأسره، وكأن العالم هو من يرتكب المجازر في غزة لا جيش الاحتلال الإسرائيلي.
اليوروفيجن مسابقة غنائية للمؤسسات الإذاعية الأوروبية العامة. دخلتها إسرائيل، كما دخلت فعاليات أوروبية أخرى في مجالات العلوم والرياضة والثقافة، بفضل المعاملة الخاصة التي تحظى بها من أوروبا. هي أسبوع من المتعة والأغاني، مع جرعة كبيرة من النزعة القومية لمحبي هذا النوع. المسابقة تُعتبر غير سياسية، لكن في عام 2022 أقصى اتحاد البث الأوروبي روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
إقصاء روسيا اعتُبر أمرًا بديهيًا. لم يشتكِ أحد من "الكراهية تجاه الروس". من يريد أن يرقص رقصة القوزاق بجانب شبان أصدقاؤهم يقصفون بيوت كييف؟ إذن، روسيا خرجت من اليوروفيجن، كما ينبغي. كان قرار استبعادها قرارًا أخلاقيًا، لا سياسيًا. وإسرائيل لم تحتج على ذلك.
لكن غزو إسرائيل لغزة أكثر قسوة وإبادة من غزو روسيا لأوكرانيا، رغم أن ذلك الغزو كان أيضًا وحشيًا وإجراميًا. إذا قسنا الأمر بعدد الأطفال الذين قُتلوا – وهو مقياس يعكس الهمجية – فقد قُتل 659 طفلًا في أوكرانيا خلال ثلاث سنوات ونصف من الحرب، بينما في غزة قُتل أكثر من 18,000 طفل في نحو عامين فقط.
فهل هناك أصلًا سؤال عمّا إذا كان يحق لدولة يقتل جنودها هذا العدد من الأطفال أن تشارك في مهرجان دولي؟ عن أي "معاداة للسامية" يتحدث الإسرائيليون في هذا السياق؟ إن ما أبقى إسرائيل في المسابقة هذا العام لم يكن سوى المحاباة والولع بها، وليس الكراهية. لم يكن ينبغي أن تكون هناك منذ البداية.
الإسرائيليون يتظاهرون بالاستياء. إعلامنا الأحمق يخبرهم أن الجميع يكرهنا بسبب المسلمين في أوروبا. هذا أسهل عليهم أن يبتلعوه، لكنه كذبة واضحة. أوروبا تكرهنا بسبب الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل في غزة، لا بسبب المهاجرين المسلمين. لا يوجد إنسان صاحب ضمير في العالم رأى صور الفظائع في غزة ولم يمقت مرتكبيها.
على عكس الإسرائيليين الذين يعميهم إعلامهم بحجب هذه الصور عنهم، فإن العالم يراها ولم يعد قادرًا على الصمت. وهذا ليس فقط حقًا للعالم، بل واجبًا عليه. ربما كان من الممكن التهاون مع الروس لأنهم يعيشون في ظل ديكتاتورية، لكن لا يوجد تخفيف للحساب على دول تدّعي الديمقراطية.
حكومة إسرائيل تمثل شعبها، والحرب على غزة مقبولة على معظم الإسرائيليين. والحقيقة أن الغالبية العظمى منهم شاركوا فيها، سواء بفرح أو بخضوع أعمى، ومعظمهم لا يهتم فعلًا بالإبادة، بل فقط باستعادة الأسرى. لولا قضية الأسرى لما كانت هناك حتى المظاهرات التي تحدث الآن.
نحن نستحق عقابًا لا يُحتمل، وبالأخص منذ أن بدأ طور الجنون التام في مدينة غزة. هذا ليس كراهية لإسرائيل ولا نزعة مازوخية، بل هو فقط ما يبدو عليه الإحساس بالعدالة. وبالدم الملطخ على أيديها، لا ينبغي لإسرائيل حتى أن تحاول دخول أي نادٍ يقبل مجرمين مثلها كأعضاء.
وأن ترقص في قاعة "شتادتهاله" في فيينا في أيار/مايو على دماء غزة المدمّرة المطهّرة عرقيًا؟ تلك وصمة عار على أوروبا، التي لم تعارض مشاركة إسرائيل فيها سوى خمس دول حتى الآن. إسرائيل لا تستحق أن تكون هناك.