بين بغداد وأربيل: صراع النخب على حساب الإنسان


جوتيار تمر
2025 / 9 / 17 - 20:37     

اقليم كوردستان
17- 9- 2025
ليست الإشكاليات القائمة بين الحكومات المتعاقبة في بغداد وحكومة إقليم كوردستان سوى واجهة مأساوية لفساد متجذر في الطرفين؛ فبدلا من أن يكون المواطن هو الغاية والهدف، أصبح مجرد رهين في معادلة سياسية معقدة، يتبارى فيها الفاسدون على استنزاف موارده ومستقبله لتحقيق مكاسب ضيقة، وضمان ولائهم لأجندات خارجية لا تعني العراق وأهله إلا بمقدار ما تدره عليهم من منافع.
المشهد الذي يتكرر بين الحين والآخر من مهاترات حول صلاحيات المحكمة الاتحادية أو خزعبلات رئاسة الوزراء، ووزارة المالية، ليس سوى مسرحية هزيلة يرسم خيوطها من خلف الستار أولياء الأمر في طهران، فقرارات بغداد، في غالبيتها، لا تخرج إلا بتوجيه مباشر من المرجعيات الموالية لإيران، بينما تكتفي وفود أربيل بالظهور الإعلامي لتمرير صورة الزعيم الكوردي المنقذ، في حين أن حل كل الملفات العالقة لا يحتاج أكثر من جلسة واحدة صريحة وواضحة بين رئيس وزراء بغداد ورئيس الإقليم علنا دون غرف حمراء ولا زرقاء ولا سوداء، لو توفرت الإرادة الحقيقية والنوايا الخالصة.
لكن الغائب الأكبر في هذه المعادلة هو الإنسان العراقي من جهة، والإنسان الكوردي من جهة أخرى؛ فالتأثيرات المدمرة لهذه السياسات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى البنى الفكرية والانتمائية والولائية، وتصل إلى العمق النفسي للإنسان، الذي هو جوهر الوجود على هذه البقعة التي أنهكها الفساد والصراع.
وفي ظل هذا الخراب الشامل، لم يعد أمام المواطن سوى انتظار انتخابات جديدة تسوق له على أنها المخرج، لكنها في الحقيقة ليست سوى وباء سياسي يغرق العراق وكوردستان في خزعبلات لا نهاية لها؛ وعود جوفاء تتكرر، ووفود تتنقل بين العاصمتين، ونخب تدير صفقاتها في غرف حمراء، فيما يبقى الإنسان العراقي والكوردستاني مهانا علنا، يواجه مصيره بلا أمل حقيقي؛ لقد تحولت الحكومة والسيادة والسلطة إلى مجرد أدوات لقمع المواطن وإذلاله، بينما تحولت مؤسسات الدولة إلى مجرد أبواق تدق في رأسه يوميا لتبعث فيه اليأس وتقتل آخر بقايا الأمل في نفسه.
فإلى متى يبقى الإنسان العراقي والكوردستاني رهينة صراعات النخب الفاسدة؟ وإلى متى تبقى دماؤه وكرامته ثمنا رخيصا لأوهام السلطة والمال والولاءات العمياء؟ السؤال معلق، والإجابة مرهونة بصوت الشرفاء من أبناء هذا العراق، وكوردستان، الذين يؤمنون بأن العراق دولة مستقلة، وأن كوردستان إقليم دستوري يستحق أن يعيش فيه الإنسان بكرامة وأمان.