كمال خليل ، الإشتراكى الزاهد ،،


حسن مدبولى
2025 / 9 / 14 - 18:36     

للتاريخ ،،
كمال خليل المناضل الزاهد !

في زمنٍ تُباع فيه المبادئ في أسواق السياسة، ويذوب فيه الحلم أمام إغراء المناصب أو سطوة المال، يظل هناك رجال يصرّون أن يكونوا الاستثناء. من هؤلاء يبرز اسم كمال خليل: المهندس والمناضل، الرفيق والإنسان، الذي عاش عمره مخلصًا لقضية العمال والفلاحين، ورافعًا راية العدالة الاجتماعية دون أن يحيد أو يساوم.
وُلد كمال خليل عام 1949 في القاهرة يتيما، في أسرة مصرية بسيطة، توفى والده قبل ميلاده بشهرين، نشأ في أجواء شعبية طبعت وعيه الطبقي، وتأثر مبكرًا بغياب والده، فزاده ذلك تصميما على الاعتماد على النفس، وبفضل نبوغه ومثابرته التحق بكلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1970، لكن قلبه كان مشدودًا أكثر إلى هموم الوطن من انشغاله بالمسطرة واللوحات الهندسية. مع مظاهرات 1968 ضد الهزيمة، بدأ يتلمس طريق النضال، ومع السبعينات أصبح واحدًا من أبرز وجوه الحركة الطلابية.
وفي عام 1972 شارك في اعتصام جامعة القاهرة، ثم اعتُقل عام 1973 بعد مظاهرات ضد القمع والهيمنة، ليقضي سبعة أشهر في سجن القناطر. لم يكن ذلك سوى البداية؛ فقد تكررت الاعتقالات في انتفاضة الخبز 1977، وفي احتجاجات لاحقة ضد السلطة. عُرف كمال بهتافاته اللاذعة الساخرة التي تحولت إلى تراث حيّ في المظاهرات: "علّي سور السجن وعلّي.. بكرة الثورة تشيل ما تخلي". كما تمتع كمال خليل طوال مسيرته النضالية بكاريزما شخصية تعكس مصداقية وجاذبية كبيرة جدا، مما ساهم فى زيادة تفاعل الجماهير مع تحركاته وهتافاته ،

كان السجن عنده محطة لا نهاية، يُخرج منها أكثر صلابة، كأنما السجان لم يسلب منه سوى الوقت، فيما بقي الإيمان حيًا لا ينكسر.
تخرّج كمال خليل مهندسًا عام 1976، لكنه ظل مهندسًا من طراز مختلف: يبني جسور الوعي بين العمال، ويصمّم خرائط مقاومة ضد كل أشكال الاستغلال. زار المصانع أكثر مما زار الصالونات السياسية، وجلس مع الفلاحين على الأرض أكثر مما جلس على المنابر. أسس مركز الدراسات الاشتراكية ليكون منبرًا للمهمّشين، وشارك في تأسيس حزب العمال والفلاحين، مؤكدًا أن الطبقة العاملة لا تحتاج إلى أوصياء، بل إلى صوت يخرج من صميم معاناتها.

وفي زمنٍ انجرف فيه كثيرون خلف التمويل الأجنبي أو بريق السلطة، ظلّ كمال خليل نقيًا، مترفعًا عن المال والجاه، محافظًا على استقلاليته الفكرية والسياسية. فلم يتاجر بمواقفه، ولم يحوّل مبادئه إلى سلعة. لذلك ظلّ حاضرًا في وجدان رفاقه بلقب "عم كمال"؛ الأب الروحي الذي يرفض التدجين ويرفض الصفقات.
وتنقل مناضلا من انتفاضة الخبز عام 1977، إلى احتجاجات الفلاحين في التسعينيات، إلى رفضه غزو العراق 2003، كان حاضرًا في كل محطة. في ثورة يناير 2011 هتف في ميدان التحرير مطالبًا بالحرية والعدالة الاجتماعية. وفي 2017 اعتُقل بسبب معارضته لاتفاقية "تيران وصنافير"، ثم في 2019 بعد تغريدة ضد الاستبداد، ليحتفل بعيد ميلاده السبعين خلف القضبان. لكن حتى هناك، ظل صوته يجلجل رافضًا أن يخفت.
وأهم ما يميز كمال خليل ليس فقط التزامه الماركسي، بل إنسانيته الصافية. لم يعرف في حياته سوى الصراحة: ينتقد السلطة مهما تغيّرت ألوانها، ويرفض الاستبداد أيا كان مصدره، وهو لم يحرض أبدا ضد فصائل سياسية منافسة مهما كان حجم الاختلافات معها، بل كان ولايزال توافقيا ينبذ عوامل التفرقة والتشرذم ، كما كان صادقًا مع نفسه ومع طبقته، بسيطًا مثل أحلام الفقراء الذين أحبّهم ووقف إلى جوارهم.

لم يكتفى كمال خليل بنضاله ضد الفساد الاقتصادى، وضد قهر العمال والفلاحين، لكنه وطوال تاريخه وحتى الآن ظل معاديا للصهاينة ومناصرا للقضايا القومية على رأسها القضية الفلسطينية ،

كمال خليل ليس مجرد اسم في سجل اليسار المصري، بل فصل حيّ من تاريخ النضال الوطنى المصرى . شاب بدأ بالهتاف، ورجل عاش بين عرق العمال وغبار المصانع، ومناضل لم يساوم على مبادئه رغم السجون والتضييق.
له كل التحية والتقدير،
#حسن_مدبولى