كارل ماركس فيلسوفٌ أفسده الشيوعيون
عائد ماجد
2025 / 9 / 7 - 15:41
الفيلسوف العظيم كارل ماركس لم يكن منظرًا سياسيًا في المقام الأول، بل كان أحد الفلاسفة الذين اهتموا بوضع أيديهم على مواضع الألم الإنساني، وتستطيع ملاحظة ذلك من خلال نقده للأنظمة الاقتصادية، بحيث أنه كان مؤمنًا بأن العالم يجب أن يكون أكثر عدلًا.
إن قرأت مؤلفات هذا الفيلسوف، ستجد أنه كان مفكرًا متمردًا على كل القيود، ودعني أعبّر عن ذلك بالقول إنه كان يريد تحطيم كل تلك الأصنام. والمفارقة أن الذين حملوا رايته من بعده، حوّلوه من هذا المفكر ذي الروح النقدية إلى إحدى الأيقونات التي لا يمكن المساس بها، بل إلى صنم كتلك التي سعى لتحطيمها.
بدايةً، لم يكن ماركس في حياته الفكرية منظرًا سياسيًا، بل كان في بدايته أحد تلاميذ هيجل، وكان آنذاك تائهًا في دروب المثالية، حتى خلع تلك العباءة ليرتدي عباءته التي اشتهر بها، وهي المادية التاريخية. وهنا بدأ ينقد كل شيء يراه ذا عيب – إن صحّ التعبير.
إذا قرأت مؤلفات ماركس مثل “مخطوطات 1844” أو ما يسمى “المخطوطات الاقتصادية الفلسفية”، فستجده يتحدث عن المفاهيم التي دعا إليها، لا بدافع دعم السلطة، بل لأجل الإنسان.
أما ما فعله الشيوعيون فيما بعد بكارل ماركس وبفكره، فلم يكن تجديدًا أو إحياءً له، بل كان – بمعنى الكلمة – تحنيطًا له، وتحويله إلى أيديولوجيا كتلك التي كان ينتقدها. وبالسياق التاريخي، دعونا نأخذ الجيل الأول من زعماء الفترة السوفيتية، والمتمثلين بفلاديمير لينين وجوزيف ستالين. فلينين لم يقرأ كارل ماركس كفيلسوف ومفكر، بل قرأه كمنظّر لثورة سياسية، واختزل مشروع كارل ماركس بالكامل بفكرة ديكتاتورية البروليتاريا. أما ستالين، فقد قتل ماركس الفيلسوف، بحيث حوله إلى أيقونة بيروقراطية اشتراكية قاتلة.
بإمكانك ملاحظة ذلك من خلال مقارنة بين ماركس كما هو، وبين ماركس الذي صوّره الاتحاد السوفيتي؛ فهذا الأخير أيقونة وشعار لنظام دولة بيروقراطي، والأول دعا إلى الحرية والعدالة. فبرأيك، أين هي الحرية والعدالة التي دعا لها ماركس داخل النظام السوفيتي؟
وصار نقد كارل ماركس للنظام الرأسمالي مبررًا للأنظمة البيروقراطية القمعية، وأُغلقت المصانع بوجه العمال، لا لتحريرهم، بل لربطهم بحزب الدولة الأوحد أو إله الدولة الأوحد، وصار البروليتاريا لا يملكون أي شيء، حتى صوت الاعتراض داخل هذا النظام القمعي. إذًا، أين هو نقد كارل ماركس للسلطة؟ أين هي أحلام كارل ماركس بالعدالة والحرية وإزالة القهر الإنساني؟ نعم، لقد دُفنت تحت أكوام من التقارير الحزبية والخطب الديكتاتورية.
الآن، تخيل معي لو أن كارل ماركس عاش خلال الفترة السوفيتية أو عاصرها كنظام سياسي اقتصادي، برأيك، ماذا كان سيفعل؟ سوف ينتقدها بشدة، كما انتقد برجوازية عصره. ماذا كان سيفعل لو رأى المعسكرات التي كانت تُعذّب الناس بحجة تحريرهم؟ ماذا كان سيفعل لو رأى الأسلاك الشائكة التي وُضعت فوق الجدران الخرسانية التي بُنيت باسمه؟ ماذا كان سيفعل لو وجد اسمه أيقونة للاستبداد الفكري والرقابة على الفكر؟
أنا أحد الشخصيات التي رأت كارل ماركس في بداية حياتهم كما أظهره الشيوعيون، لكنني أدركت بعد ذلك كم هو مختلف. بإمكاننا جميعًا معرفة كارل ماركس من جديد من خلال قراءته مجددًا بعيدًا عن أفواه الشيوعيين.
إعادة قراءته كإنسان، لا كأيقونة لا يمكن المساس بها.
إعادة قراءته كماركس المفكر، لا كماركس الحزب.
إعادة قراءته بالمنظور الفلسفي، لا بالمنظور الأيديولوجي.
وبذلك نُعيد هذا الفيلسوف الذي ظُلم إلى مكانه كمفكر دافع عن الحرية، لا كأيقونة للأحزاب الشمولية البيروقراطية.