الجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يغطي بقبعاته السوداء جرائمه في غزة


جدعون ليفي
2025 / 9 / 4 - 04:51     

إسرائيل تغطي وجهها: ربما خجلاً، أو ذنباً، أو خوفاً، وعلى الأرجح بسبب الثلاثة معاً. الصيحة الجديدة هي أن الضباط الذين تتم مقابلتهم على شاشات التلفزيون يغطون وجوههم بقبعات سوداء. جيش الشعب تحوّل إلى جيش المقنّعين.
العقيد (احتياط) "ت."، قائد كتيبة في سلاح الاحتياط، يقول إن نسبة حضور الجنود الاحتياط "مبهرة". أما الرائد (احتياط) "س."، نائب قائد كتيبة احتياط، فيقول: "تركت زوجة شجاعة وحدها في البيت مع ثلاثة أطفال عادوا إلى روتينهم، ومشروعي التجاري وُضع على الرف. ومع ذلك، نحن ندرك أننا في مهمة مهمة". كلاهما أدلى بتصريحاته وهو يرتدي غطاء أسود للوجه. بدا الاثنان مثل لصّين يستعدان لسطو مسلح؛ لا يظهر سوى أعينهما. لقد حلّت الأقنعة العسكرية السوداء محلّ الجوارب النايلون الكلاسيكية للّصوص. ومن الواضح أن هناك شيئاً أو أحداً ينبغي إخفاؤه.
كان الطيارون أول من بدأ هذه العادة. في كل مقابلة كانوا يرتدون الخوذة اللامعة ونظارات شمسية داكنة حتى لا يتعرّف عليهم أحد. في البداية كان الخوف من أن يقع الطيار أسيراً في الليل فيتم التعرّف عليه من ظهوره التلفزيوني. بفضل الخوذة والنظارات السوداء يمكنه الادعاء أنه مجرد كاتب مكاتب، أو معارض لنظام التعويضات في الجيش. لكن مع تصاعد الجرائم التي ارتكبها الطيارون في غزة، أصبح للتنكّر هدف إضافي أكثر خطورة: منع التعرّف عليهم في لاهاي، حيث يعرفون جيداً ما يفعله هؤلاء الطيارون.
حتى عناصر الحراسة الخاصة برئيس الوزراء وعدد من الوزراء انضموا مؤخراً إلى هذه المسرحية المليئة بالغموض والتستّر والتضخيم الذاتي. صاروا يرتدون كمامات سوداء، مضيفين بعداً جديداً لمشهد سريالي أصلاً: عشرات الحراس يحيطون بشخص واحد بطريقة استعراضية. والآن لم يعودوا مجرد حُرّاس، بل أهداف "حساسة" أيضاً. مع الكمامات السوداء، تحوّل هؤلاء الحُرّاس من صورة "النخبة" إلى ما يشبه رجال عصابات المافيا. ربما يكون هذا هو الهدف.
لكن هذه الأغطية العسكرية والأزياء المسرحية للحُرّاس ليست مجرد كاريكاتير للغرور؛ إنها تعكس واقعاً أوسع. بعض ضباط الاحتياط الذين يدخلون غزة هذا الأسبوع يعلمون أنهم مُكلّفون بارتكاب جرائم حرب مروّعة. ومع ذلك، يلبّون النداء. القناع يساعدهم على ذلك. يقول إن لديهم ما يخفونه وما يخافون منه.
اللصّ المسلّح الذي يخرج لأكبر عملية سطو في حياته يعرف أن ما يفعله غير قانوني، وغير أخلاقي، وخطير؛ لهذا يرتدي جوارب النايلون. الأمر نفسه ينطبق على الضباط الذين يدخلون غزة. ربما يشعر بعضهم بالخجل من أفعالهم. لكن من غير المرجّح – فاللصوص أيضاً لا يشعرون بالخجل؛ معظمهم يخشون فقط القبض عليهم. الخوف من لاهاي بات يخيم على الجيش، وهذا أمر طبيعي.
ليس أن هذا الرعب مبرّر تماماً. عجلة العدالة في لاهاي تدور ببطء لا يُحتمل. وبحلول الوقت الذي ستقرر فيه المحكمة إن كان يجري ارتكاب إبادة جماعية في غزة، لن يبقى هناك أحد. ولن يُسلَّم بنيامين نتنياهو أبداً، رغم مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، فإن ارتداء الضباط للأقنعة السوداء يشير إلى إدراك داخل الجيش بأن شيئاً ما ليس على ما يرام، وأن الحذر مطلوب. ليس الحذر في الأفعال، بل الحذر من أن يُقبض عليهم بسببها.
جيش يغطّي ضباطه بالأقنعة السوداء هو جيش يدرك في أعماقه أنه يرتكب جرائم، حتى لو لم يعترف بأيٍّ منها. وفي النهاية، قد يدرك حتى المشاهدون الذين يرون الضباط وهم يتنكرون هذه الحقيقة