معظم حركة الاحتجاج في إسرائيل لا تهتم إلا بحياة رهائن غزّة – لا بحياة الفلسطينيين


جدعون ليفي
2025 / 8 / 31 - 09:58     

لمواجهة الشرّ المطلق، يجب التمسك بالإنسانية المطلقة، وهي شبه غائبة في إسرائيل. فلو كانت الحركة الاحتجاجية أخلاقية بحق، لجعلت همّها الرئيسي النضال ضد الإبادة الجماعية، إلى جانب حملتها من أجل إطلاق سراح الرهائن.
إسرائيل تُقاد اليوم بحكومة قاسية ورئيس وزراء عديم القلب، لم يسبق أن شهدنا مثلهما هنا. حياة البشر – سواء كانوا من الغزيين أو الرهائن أو الجنود – لا تهم هذه الحكومة. فهي تذبح سكّان غزة وتهمل الرهائن والجنود بنفس البرود.
في مقابلها، توجد حركة صغيرة خارج البرلمان، إنسانية وجريئة، ترى قيمة متساوية في حياة كل إنسان.
وبين هذه القلّة وذلك الحكم الشرير، تقف كتلة الوسط. معظمها يحتج على التلاشي المتزايد للإنسانية والخداع الذي تمارسه الحكومة. أناس هذا المعسكر يُصدمون بكل مقطع فيديو، ويفقدون النوم قلقاً على مصير الرهائن الهزال والجنود القتلى. لكن عندما يسمعون عن مجزرة مروّعة في مستشفى، يتثاءبون غير مكترثين.
هؤلاء أفضل من الحكومة ومؤيديها. فهم أكثر إنسانية ويُبدون تضامناً، لكن بشكل انتقائي فقط. لا وجود لما يُسمى "نصف أخلاق". فالأخلاق المزدوجة ليست أخلاقاً، وكذلك "نصف الأخلاق". بل هي نقيض الأخلاق الحقيقية. هكذا هو حال هذا المعسكر: يقلقون على حياة 20 رهينة، بينما يتجاهلون حقيقة أن دولتهم تقتل في المعدّل 20 إنساناً بريئاً كل ساعة.
بالنسبة لهم، تتوقف الإنسانية عند حدود الجنسية. يبذلون المستحيل لإنقاذ أي إسرائيلي، لكنهم يغضّون الطرف بلا اكتراث عن الفلسطيني، الذي يكون مصيره غالباً أسوأ بكثير. يستشيطون غضباً من قسوة بنيامين نتنياهو، لكن قلوبهم الباردة لا تقلّ عنه قسوة. فعندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، يظهر منهم نفس الشرّ والقسوة.
من الصعب فهم هذه الظاهرة، التي بلغت ذروتها في هذه الحرب. كيف يمكن أن يُصدم المرء من رؤية الرهينة الجائع "إفياتار دافيد" ثم يهزّ كتفيه – أو حتى يبتهج – لمشاهد القتل في طوابير الطعام؟ كيف يمكن أن يُفجع بمقتل عائلة بيباس، ولا يهتم بمقتل ألف رضيع و19 ألف طفل قضوا بنيران الجيش الإسرائيلي، أو بأربعين ألف يتيم في غزة؟
كيف يمكن أن يفقد النوم قلقاً من أنفاق حماس، بينما لا يكترث بما يجري في مراكز الاعتقال مثل سديه تيمان أو مجيدو؟ كيف يمكن أن يطالب بزيارات الصليب الأحمر للرهائن، وهو يعرف أن إسرائيل تمنع تلك الزيارات عن آلاف الفلسطينيين المختطفين؟
من الطبيعي أن يقلق المرء أولاً على أبناء شعبه. لكن إظهار لا مبالاة كاملة تجاه أبناء الأمة الأخرى، الذين يُذبحون بعشرات الآلاف وتُدمَّر بلادهم أمام أعيننا وبأيدينا نحن، يحوّل كثيرين من "الطيبين" في تظاهرات "كابلان" و"ساحة الرهائن" إلى أشخاص منزوعي الإنسانية.
بالنسبة لهم – وبعضهم يقولها صراحة – يجب على إسرائيل أن تفعل المستحيل لإطلاق سراح الرهائن، وبعدها تستطيع أن تعود للحرب والإبادة والتطهير العرقي. المهم هو إطلاق الرهائن. لكن هذا ليس أخلاقاً ولا إنسانية. هذا قومية متطرفة بائسة.
رؤية البشر – الأطفال، ذوي الإعاقة، الشيوخ، النساء، والضعفاء – كغبار، وقتلهم وتجويعهم كأمر مشروع، واعتبار ممتلكاتهم بلا قيمة وكرامتهم غير موجودة – هو تماماً ما يفعله نتنياهو وبن غفير وسموتريتش.
لمواجهة الشرّ المطلق، يجب التمسك بالإنسانية المطلقة، وهي شبه معدومة في إسرائيل. الاحتماء الرمزي بشريط أصفر على باب السيارة، والتظاهر بالاهتمام بالرهائن، ليسا ملجأً ولا يشكلان أخلاقاً. حتى متطرف قومي فارغ مثل الصحفي ألموغ بوكر، الذي يعتقد أن "لا أبرياء في غزة"، يريد إطلاق الرهائن. لكن هذا لا يجعله أقل تطرفاً أو أقل دناءة ولو للحظة.
إن القوة الأخلاقية لحركة الاحتجاج جزئية فقط بسبب انتقائيتها. فلو كانت أخلاقية تماماً، لجعلت نضالها الأساسي ضد الإبادة، إلى جانب الحملة لإطلاق الرهائن. عندها لن يضعف نضالها، بل ستتعزز قوته الأخلاقية. لا مهرب من الأرقام: 20 رهينة أحياء وأكثر من مليوني فلسطيني حياتهم جحيم. لا بد أن يكون القلب مع الاثنين معاً.