ماركس يرد على عنف اليمين الشعبوي
رشيد غويلب
2025 / 8 / 10 - 02:27
ترجمة
لتحرير أنفسنا من أسيادنا إقطاعيي التقنية الجدد، علينا أن نفكر مثل كارل ماركس. ان الشركات تريد ذبحنا وانتزاع ادمغتنا، فعلينا استعادة السيطرة.
في الفترة الأخيرة اخبرتني شابة، أن ما يثير غضبها الشديد ليس وجود الشر المحض، بل الأشخاص والمؤسسات التي قد تفعل خيرا، لكنها في النهاية تلحق الضرر بالبشرية. ذكّرتني تأملاتها بكارل ماركس، عند مناقشته الرأسمالية، تناول هذا الامر تحديدا. لم يكن منزعجا من كون النظام الرأسمالي استغلاليا بقدر ما كان منزعجا من أنه يجرّدنا من إنسانيتنا ويبعدنا عن بعضنا، مع أنه في الواقع قوة تقدمية.
ربما كانت الأنظمة الاجتماعية السابقة أكثر ظلما أو استغلالا من الرأسمالية. لكن في ظل الرأسمالية فقط، يُعزل الإنسان تماما عن منتجاته وبيئته، ويُفصل عن عمله، ويُحرم حتى من أدنى سيطرة على أفكاره وأفعاله. لقد حولتنا الرأسمالية، وخاصة منذ دخولها مرحلتها التقنية الإقطاعية، إلى نسخة من كاليبان أو شايلوك (رموز للتوحش والجشع في مسرح شكسبير- المترجم)، كائنات أحادية في إمبراطورية جزيرة من افراد معزولين، تتناسب جودة حياتهم عكسيا مع وفرة الأدوات التكنولوجية التي تنتجها أجهزتنا الحديثة.
شعور الشبيبة بالاغتراب الذي تحدث عنه ماركس
سأتحدث هذا الأسبوع في مهرجان الماركسية ٢٠٢٥ بلندن، إلى جانب العديد من السياسيين والكتاب والمفكرين، ومن الأسئلة التي تقلقني أن الشباب اليوم يشعرون بوضوح بهذا الاغتراب الذي حدده ماركس. لكن ردود الفعل العنيفة ضد المهاجرين وسياسات الهوية - ناهيك عن التشويه الخوارزمي لأصواتهم - تُشلّ حركتهم. ولمواجهة هذا الشلل، يمكن لماركس أن يشارك: ببعض النصائح الجيدة المدفونة تحت رمال الزمن.
لنأخذ في الاعتبار الحجة القائلة بضرورة اندماج الأقليات في الدول الغربية حتى لا نصبح مجتمعا من الغرباء. في سن الخامسة والعشرين، قرأ ماركس كتابا لأوتو باور، المفكر الذي كان يقدره. دعا باور في هذا الكتاب الى أن الشرط الأساسي لحصول اليهود الألمان على الجنسية الألمانية هو التخلي عن يهوديتهم.
لقد غضب ماركس، لم يكن ماركس الشاب متعاطفا مع اليهودية أو مع أي دين آخر. ومع ذلك، فإن تفنيده العنيف لحجج باور كان رائعا: "هل يمنح مبدأ التحرر السياسي الحق في مطالبة اليهود بإلغاء اليهودية والإنسان بإلغاء الدين؟ ... وكما تبشر الدولة عندما تتبنى موقفا مسيحيا تجاه اليهود، فإن اليهودي يتصرف سياسيا عندما يطالب، رغم كونه يهوديا، بحقوق مدنية".
حجج ماركس ضد اليمين الشعبوي المعاصر
الفكرة التي يعلمنا إياها ماركس هنا هي الجمع بين الالتزام بالحرية الدينية لاتباع مختلف الاديان، والرفض العام للافتراض القائل بأن الدولة في مجتمع طبقي يمكن أن تمثل المصلحة العامة. نعم، يجب تحرير اليهود والمسلمين وأتباع الديانات الأخرى فورا، حتى لو لم نكن نحبهم. نعم، يجب منح النساء والسود وأصحاب الخيارات الخاصة حقوقا متساوية، قبل أن تلوح في الأفق ثورة اشتراكية بوقت طويل. لكن الحرية تتطلب أكثر من ذلك بكثير.
من حقول الالغام الأخرى التي تواجه الشباب اليوم حجة أن العمالة المهاجرة تخفض أجور العمال المحليين. رسالة أرسلها ماركس إلى اثنين من زملائه الناشطين في مدينة نيويورك عام ١٨٧٠ تقدم أدلة قيّمة ليس فقط حول كيفية الرد على نايجل فاراغ (زعيم اليمين المتطرف في بريطانيا – المترجم) والشعبويين اليمينيين في العالم، بل أيضا على بعض اليساريين الذين وقعوا في فخ مناهضة الهجرة.
في رسالته، يقرّ ماركس تماما بأن أرباب العمل الأمريكيين والإنكليز يستغلون عمدا المهاجرين الأيرلنديين، ذوي الأجور الرخيصة، ويضعونهم في تضاد مع العمال المحليين، مما يضعف التضامن بين العمال عموما. واعتبر ماركس وقوف النقابات ضد المهاجرين الأيرلنديين وترويجها خطابا معاديا لهم يُعدّ تدميرا ذاتيا. كلا، لم يكن الحل ابدا، في ترحيل العمال المهاجرين من البلاد، بل في تنظيمهم. وإذا كانت المشكلة تكمن في ضعف النقابات أو التقشف المالي، فلا يجب أن يكون الحل أبدا هو جعل العمال المهاجرين كبش فداء. (كما هو حال العمال المهاجرين اليوم في العراق- المترجم).
نصيحة ماركس: لا تنقسموا
بالمناسبة، يقدم ماركس للنقابات نصيحة قيّمة أيضا. صحيح أن رفع الأجور والرواتب ضروري للحد من استغلال العمال. لكن لا ينبغي لأحد أن ينخدع بوهم الأجور العادلة. فالسبيل الوحيد لجعل عالم العمل عادلا هو إلغاء نظام غير عقلاني قائم على تقسيم صارم بين من يعملون ولا يملكون، والأقلية الضئيلة التي تملك ولا تعمل.
وبكلمات ماركس: "تؤدي النقابات العمالية دورها كمراكز مقاومة ضد هجمات رأس المال". لكنها "تفشل عموما لأنها تقتصر على حرب عصابات ضد آثار النظام القائم بدلا من محاولة تغييره".
ولكن كيف يتم التغيير؟ نحو هيكل مؤسسي جديد قائم على مبدأ "عامل واحد، سهم واحد، صوت واحد". هذه أجندة قادرة على إلهام الشباب التواقين للحرية، سواء من الدولة أو من الشركات التي تغذيها أرباح شركات الاستثمار الخاص، أو من مالك غائب قد لا يعلم حتى أنه يمتلك جزءا من الشركة التي يعمل فيها الشباب.
ماركس وهواتفنا الذكية
أخيرا، تتضح أهمية ماركس عندما نحاول فهم اقطاعية العالم التقني التي حاصرتنا بواسطته بشكل خفي شركات التكنولوجيا الكبرى، شركات التمويل الكبرى ودولنا،. ولغرض فهم سبب كون هذا شكلا من أشكال الإقطاع التقني، وهو أسوأ بكثير من رأسمالية المراقبة، علينا أن نتخيل ما كان سيفكر به ماركس بشأن هواتفنا الذكية وأجهزتنا اللوحية وما إلى ذلك. علينا أن نعتبرها طفرة في رأس المال، أو Cloud-Capital "رأس المال السحابي"، والتي تغير سلوكنا بشكل مباشر.
وهذا يساعدنا على فهم كيف أدت الاختراقات العلمية المذهلة، والشبكات العصبية الرائعة (عمليات نقل الأوامر والبيانات- المترجم) ، وبرامج الذكاء الاصطناعي المذهلة إلى خلق عالم حيث تعمل الخصخصة والأسهم الخاصة على سلب كل الثروة المادية من حولنا، في حين يعمل رأس المال السحابي على استغلال أدمغتنا لتحقيق أرباحه.
من خلال عدسة ماركس فقط يمكننا أن نفهم حقا: إن البقاء سادة على عقولنا الفردية أمر ممكن فقط إذا كنا نمتلك رأس المال السحابي بشكل جماعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أول وزير مالية في حكومة اليسار في اليونان 2015
الترجمة لنص المقالة المنشور في جريدة "فرايتاك" الألمانية في 4 تموز 2025.