قمة L20 في جنوب أفريقيا: الطبقة العاملة تقف متحدة من أجل العدالة والكرامة والتحول الاقتصادي


جهاد عقل
2025 / 8 / 3 - 16:14     

مقدمة
في زمن تتقاطع فيه الأزمات العالمية – من تغير المناخ والتفاوتات الاقتصادية إلى القمع السياسي والاستغلال الرقمي – رفعت الحركة النقابية العالمية صوتها من مدينة جورج بمقاطعة كيب الغربية بجنوب أفريقيا، خلال انعقاد مؤتمرها الرابع الذي عقد يومي 28 و29 يوليو 2025،مطالبةً بإعادة صياغة قواعد اللعبة لصالح العمال. جاءت قمة مجموعة العشرين العمالية (L20) لهذا العام تحت شعار: “تعزيز التضامن والمساواة والاستدامة من خلال عقد اجتماعي جديد”، لكنها لم تكن مجرد شعار. كانت إعلانًا عن جبهة موحدة للطبقة العاملة من أجل كرامة الإنسان والعدالة الاقتصادية.
وكان قد حضر المؤتمر مدير منظمة العمل الدولية جيلبرت هونغبو، إن العالم يواجه تفاوتات متزايدة، بما في ذلك نقص المهارات والتدريب المهني. وأن الوصول إلى خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي أصبح صعبًا للغاية. إن المساواة في الوصول إلى الفرص أصبحت تشكل تحديًا خطيرًا في حياتنا اليومية، لذلك على الحكومات والمجتمعات أن تُعالجهذه القضايا، لن نقترب من الحديث الجاد عن كيفية معالجة أوجه عدم المساواة. يجب أن نبني نهجًا شموليًا للتعامل مع أوجه عدم المساواة. يجب أن نُدرك الترابط بين الحقوق الأساسية للإنسان،لا يمكننا أن نتحمل أإغفال حقيقة أن الوظائف اللائقة وسبل العيش تشكل أساس التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية بالطبع".
أما النقابية زينجيسوا لوسي رئيس اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا فقالت في كلمتها:”قبل أقل من أسبوعين، احتفلنا بيوم مانديلا، وهو دعوة عالمية للتحرك، وتذكير قوي بأن كل واحد منا قادر على إحداث تغيير جذري. علمنا ماديبا، كما كان يُعرف بمودة، أن الحرية الحقيقية لا تكمن في غياب الظلم فحسب، بل في الوجود النابض بالعدالة والمساواة والكرامة للجميع. بالنسبة للطبقة العاملة، يعني هذا التحرر من الاستغلال، والتحرر من أجور الفقر، والحرية في عيش حياة كريمة ومحترمة.
يوم مانديلا ليس مجرد تخليد لقائد عظيم، بل هو محاكاة له. إنه تجسيدٌ لروحه المتفانية في العمل، والتزامه الراسخ بالعدالة، وإيمانه الراسخ بالعمل الجماعي، ودمجها في صميم حياتنا وسياساتنا واقتصاداتنا. وكما قال ماديبا الشهير: "ما يُحسب في الحياة ليس مجرد ما عشناه، بل ما أحدثناه من فرق في حياة الآخرين". بالنسبة لنا، يجب أن يُقاس هذا الفرق بتحسين حياة العمال والعاطلين عن العمل والفئات الأكثر ضعفًا”.

جنوب أفريقيا تقود الكلمة النقابية… ووجع الجنوب العالمي حاضر

اللافت في هذه القمة كان الحضور القيادي والقوي للنقابات الجنوب أفريقية في مقدمتها "اتحاد نقابات جنوب أفريقيا" (COSATU) هو أكبر اتحاد نقابي في جنوب أفريقيا،ومعه ممثلي جميع الاتحادات النقابية في جنوب افريقيا – التي تحدثت بلغة الجموع المحرومة من العدالة. هذه النقابات لم تكتفِ بمطالب مهنية، بل وضعت في مركز خطابها نقدًا جذريًا لبنية النظام الاقتصادي العالمي، الذي اعتبروه “مزورًا ضد الطبقة العاملة”، ورفضوا أي مخطط إنعاش اقتصادي يستبعد العمال ويعيد إنتاج التفاوتات.
جاءت رسالتهم واضحة: الجنوب العالمي لن يدفع بعد اليوم ثمن إخفاقات الشمال، والتحول الاقتصادي لا يجوز أن يكون واجهة جديدة للاستغلال أو النيوليبرالية الخضراء.

العمل اللائق والقطاع غير الرسمي: النقابات تطالب بإضفاء الطابع الرسمي كأولوية عالمية
أكثر من 60% من العمال في العالم اليوم يعملون في ظروف غير رسمية وغير مستقرة. هذا الرقم كان كفيلًا بجعل قضية العمل اللائق حجر الأساس في النقاشات. طالبت النقابات بإصلاحات جذرية تشمل توسيع صلاحيات التفتيش العمالي، التصديق على اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وتوفير حماية اجتماعية شاملة.
أما الرسالة الأهم فكانت: العمال غير الرسميين هم عمال. ونقاباتهم يجب أن تكون جزءًا من صناعة القرار، لا على هامشه.

الانتقال العادل: العدالة المناخية لا تكون بدون عدالة اجتماعية
تناولت القمة التحول البيئي من منظور الجنوب، رافضةً أي محاولة لفرض “تحول أخضر” دون تمويل حقيقي ودون مساءلة للدول الغنية عن ديونها المناخية. أكدت النقابات أن العدالة المناخية تفقد معناها إذا أُهملت العدالة العمالية، وطالبت باستثمارات عامة حقيقية، وتأسيس ركائز للسياسة الصناعية الخضراء تشمل حقوق العمال.

التجارة، الضرائب، والسلام: برنامج نقابي يواجه النظام العالمي المُختَل
كما بحثت القمة أيضًا قضايا التجارة غير العادلة، ورفضت تكرار تجارب العولمة النيوليبرالية الفاشلة. دعت النقابات إلى جعل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) مشروعًا تحرريًا حقيقيًا، يخدم الشعوب لا النخب.
في الشق المالي، طالبت القمة بفرض ضريبة عالمية على الثروات، وإلغاء فوري للديون المتعلقة بالتعليم والصحة والمناخ، ورفضت ما وصفته بـ”تحويل الديمقراطية إلى انضباط السوق”.
أما على المستوى الجيوسياسي، فقد كان الموقف من فلسطين حاسمًا وغير موارب: إدانة صريحة للإبادة الجارية في غزة، واتهام واضح للنظام الدولي بالتواطؤ عبر الصمت أو التقاعس. هذا الخطاب يتسق مع تاريخ الحركة العمالية الجنوب أفريقية المناهض للتمييز والاستعمار.

الرقمنة وعمال المنصات: عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أداة استغلال
تناولت القمة التحديات الناشئة من التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، محذرةً من مستقبل محفوف بالمراقبة وسرقة الأجور عبر الخوارزميات. دعت إلى تصنيف عمال المنصات كعمال حقيقيين، وتمكينهم من التنظيم والحماية الاجتماعية، مع فرض الشفافية على الخوارزميات ووقف “الاستعمار الرقمي”.

ليست نهاية بل بداية تنظيم جديد
أكدت النقابات أن قمة L20 ليست نهاية المطاف، بل بداية نهوضٍ عمالي عالمي. خطابها كان صارمًا: “انتهى زمن الوعود المهذبة. الطبقة العاملة لن تنتظر بعد الآن.” وقد تُوج ذلك بلقاءات مع وزراء العمل والتوظيف في مجموعة العشرين، حيث جرى اعتماد إعلان وزاري يتضمن التزامات بشأن الأجور، والعمل اللائق، وتمكين الشباب والنساء، والعدالة في سلاسل التوريد.
ورغم ذلك، لم تغفل بعض القيادات النقابية عن الإشارة إلى النواقص، وخاصة غياب إشارة قوية إلى مفهوم الأجور المعيشية كأداة رئيسية لتقليص التفاوتات.

نحو عِقْد اجتماعي عالمي جديد
في عالم يتعرض فيه العمال للاستغلال من جهة، وللتجاهل من جهة أخرى، تأتي قمة L20 2025 كخطوة في مسار طويل، لكنها تحمل روحًا نضالية تستحق الإضاءة. إنها دعوة لإعادة كتابة العقد الاجتماعي العالمي، بحيث يُعاد توزيع الثروة، وتُحمى الحقوق، ويُعاد الاعتبار للعمل بوصفه أساس المجتمع.
القضية لم تعد فقط زيادة الأجور أو تحسين ظروف العمل، بل هي سؤال كبير عن شكل العالم الذي نريده، وإذا كانت الحكومات تتلكأ، فإن الحركة النقابية – كما قالت من جنوب أفريقيا – ماضيةٌ في طريقها، لأن المستقبل والحق لا يُمنح، بل يُنتزع.