الاسرة المقدسة؛ تحقيقات وتعليقات: النقد النقدي -بسِمات تاجر أسرار
نايف سلوم
الحوار المتمدن
-
العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 14:07
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لقد قدم السيد شيليغا (زِليخا) نقده لـ رواية "اسرار باريس " لكاتبها أوجين سو بتمهيد جمالي. ويفسر التمهيد الجمالي المعنى العام للملحمة النقدية، خاصة ملحمة "اسرار باريس"، كما يلي: إن الملحمة تخلق فكرة أن الحاضر هو بذاته لا شيء. هذا الخط الابدي الذي يفصل الماضي عن المستقبل، الصدع الذي يجب رأبه على الدوام، (البرزخ) الذي يفصل الأشياء الأبدية عن الأشياء الزائلة. تلك هي الدلالة العامة "لأسرار باريس".
يقول ماركس: وفضلاً عن ذلك يَدّعي "التمهيد الجمالي " بأنه "ليس على الناقد إلا ان يريد لكي يصبح شاعراً أيضاً". إن كل نقد السيد شيليغا سيثبت هذا التأكيد، فهو ليس سوى "تخييل شعري" (“poetic fiction”) من ألفه إلى يائه.
يقول ماركس ساخراً بما معناه: الحاضر، إنه صدع يجب رأبه على الدوام إذ يفصل حسب النقد النقدي "الأشياء الابدية" للسيد شيليغا عن "الأشياء الزائلة “؛ لـ أوجين سو في روايته أسرار باريس. إن الحاضر برزخ؛ أو سر رغم تفاهاته بالنسبة للنقد النقدي.
1-"سر الهمجية في التمدن"، و "سر انعدام الحق في الدولة"
إن فيورباخ وذلك أمر معروف، قد فهم التصورات المسيحية عن التجسد (Incarnation)، والثالوث والخلود، الخ، سر التجسُّد، وسر الثالوث، وسر الخلود. أما السيد شيليغا فينظر إلى كل الأوضاع الحالية في العالم كأسرار، ولكن في حين أن فيورباخ قد كشف سر أسرار حقيقية، فإن السيد شيليغا يحول تفاهات واقعية إلى أسرار. إن فنّه يكمن، ليس في الكشف عما هو مكنون، بل في ستر ما هو مكشوف [وهذا عمل شيطاني من أعمال إبليس]. وهكذا يعلن أن الهمجية (همجية المجرمين) في باطن التمدُّن، وانعدام الحق واللامساواة في الدولة هي أسرار، وينبغي الاعتقاد أن الكتابات الاشتراكية التي كشفت هذه الاسرار قد ظلت سراً بالنسبة للسيد شيليغا.
يضيف ماركس بالقول: إن العلاقة الساذجة بين غني وفقير، لم تعد موجودة في إنكلترا وفرنسا. إذ ان الاقتصاديين ممثلي الثروة العلميين، قد أشاعوا في هذين البلدين معلومات مفصلة جداً عن الشقاء الجسدي والروحي للفقر. ومقابل ذلك اثبتوا أنه ينبغي عدم المساس بهذا الشقاء، لأنه يجب عدم المساس بالوضع الحالي للأمور. وبدافع اهتمامهم، فقد حسبوا النسبة المئوية للوفيات لدى الفقراء، النسبة المئوية التي يجب ان يبادوا بها من أجل صالح الثروة ومن أجل صالحهم الخاص (حسب مالتوس في "بحثه حول مبدأ السكان").
" يعتبر مالتوس أن السبب الوحيد في الشقاء الإنساني هو "الرغبة الثابتة التي تبديها كل الكائنات الحية بالتكاثر أكثر مما تسمح كمية الطعام المتوفرة لديها". إنه يختزل الوجود الإنساني الاجتماعي التاريخي إلى مجرد وجود بيولوجي.
سوف يصل نقد ماركس في تلك الفترة إلى فيورباخ نفسه في الحدود التي يظل فيها فيورباخ أسيراً للوهم الإنساني، حيث لا يرى إلّا الانسان المجرّد (النوع الانساني)، وليس الانسان (الفرد) كنتاج للقوى التاريخية وللتنظيم الاقتصادي للمجتمع.
يقول ماركس: إن مخابئ المجرمين تشكل ذلك "السر" الكبير (لشيليغا)، لكنها ليست مخابئ للمجرمين فقط، بل للباريسيين عموماً، وحتى للشرطة الباريسية نفسها إلى حد أن شوارع واسعة ومضيئة تُشق الآن بالذات في المدينة، لجعل تلك المخابئ سهلة المنال بالنسبة للشرطة.
وأخيراً فإن أوجين سو يعلن بنفسه بأنه اعتمد فيما يتعلق بالوصف الذي أتينا على ذكره على "الفضول الوجل" لدى القراء.