صرخة عمال غزة من جحيم لا ينتهي... كفى صمتًا!
سلامه ابو زعيتر
2025 / 7 / 31 - 14:08
منذ 22 شهرًا، وقطاع غزة يحترق، ليس بنارٍ عادية، بل بلهيب حرب إبادة شرسة تلتهم كل ذرة حياة، تحوّل الأخضر إلى رماد والنفوس إلى أشلاء، مئات الآلاف من الشهداء والجرحى، أرواحٌ أُزهقت وأجسادٌ مزقتها وحشية لم تعرف حدودًا، هذه ليست حربًا عادية، إنها مذبحة ممنهجة، إبادة جماعية وتطهير عرقي يهدف إلى محو وجود شعب بأكمله، وإفراغ الأرض من أهلها، فاليوم، أكثر من مليوني إنسان يُدفعون قسرًا إلى مساحة لا تتعدى ربع مساحة قطاع غزة، يُحشرون في زوايا ضيقة، بينما بقية الأرض تصنف "مناطق حمراء" تُحرم عليهم، وكأن وجودهم جريمة!
كيف يمكن لوصف أن يلامس عُمق هذه الكارثة الإنسانية؟ إنها معاناة مركبة، تفوق قدرة القلوب على التحمل، فألم الفقدان يمزق الروح، وخسارة كل ما يملكه المواطن يترك فراغًا موجعًا، والبطالة، الجوع، والحرمان... هذه ليست مجرد كلمات، بل هي واقع يومي يطحن كرامة الانسان الفلسطيني، وفي قلب هذا الجحيم، يبرز عاملات وعمال غزة كفئة تعيش مأساة مضاعفة، ومركبة، فهم الأجساد المتعبة التي لطالما بنت وعملت، واليوم تُركت لتواجه الجوع والفقر المدقع والنزوح بعجز....، فهم ليسوا مجرد أرقام في إحصائيات، بل هم آباء وأمهات وأبناء، يعانون في صمت مطبق، ضحايا لسياسة احتلال لا تبالي بأي ميثاق إنساني أو قانون دولي، فأين هم اتفاقية جنيف الرابعة التي تدعي حماية المدنيين أثناء الحرب؟ لقد أصبحت مجرد حبر على ورق في نظرهم!
لقد صُنّف هؤلاء العمال دائمًا كفئة هشة، يعيشون على هامش الحياة، يكافحون "يومًا بيوم"، لإعالة أسرهم بدخل محدود جدا قبل السابع من أكتوبر 2023، حيث كان الحصار الخانق، وقد سجلت معدلات البطالة في حينها مستويات فلكية، فجعلت حياتهم كفاحًا لا ينتهي، واليوم مع هذه الحرب المسعورة، أصبحوا الأكثر عجزًا عن مواجهة تداعياتها المدمرة، كيف لهم أن يوفروا لقمة العيش لأسرهم في ظل شح المساعدات؟ وكيف لهم أن يشتروا ما يحتاجون إليه، والمساعدات تُسرق وتُباع في الأسواق بأسعار خرافية، بعيدة كل البعد عن متناول أيديهم المعدمة؟ هذا العبء الثقيل، هذه المأساة الصارخة، تتطلب منا جميعًا وقفة ضمير حقيقية، وقفة مسؤولية لا تحتمل التأجيل!
أوقفوا هذه الحرب واقضوا على الجوع... امنحوا العمال كرامة العيش! لقد فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، ودُمرت ورش عملهم ومنازلهم، وتشتت أسرهم، وعاشوا في خيام لا تليق بالبشر في مخيمات نزوح تفتقر لأدنى مقومات الحياة الكريمة، في هذا الواقع المظلم، حيث وزادت معدلات البطالة لتتجاوز 85%، وبات كل يوم يتطلب من العمال معجزة لتغطية المصاريف الأساسية، وهنا يصبح السؤال حيويًا ومُلحًا: كيف يمكن لهؤلاء العمال الصامدين أن يستمروا في هذه الحياة القاسية؟
اعتقد أن الأولوية هو توفير دخل مادي منتظم وشهري لهؤلاء العمال فهذا ليس مجرد مطلب، بل هو واجب إنساني وضرورة قصوى لا تقل عن دخول المساعدات وتأمينها وتوزيعها بعدالة، أو توفير المأوى الآمن والرعاية الصحية في ظل استمرار هذا العدوان، واعتماد الناس على إمكانياتهم المالية المتهالكة، بينما تُنهب المساعدات، يجب أن يُصرف المال مباشرة إلى أيدي العمال ليغطوا نفقات أسرهم، وهذه ليست مجرد مسؤولية المؤسسات الدولية والمحلية، بل هي مسؤولية كل ضمير حي في هذا العالم!
لقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد هناك متسع للصمت أو التردد، ولكي يصمد عمال غزة، ولا تنهار أركان المجتمع الفلسطيني المنهك بفعل تداعيات الحرب، نحن بحاجة إلى تحرك فوري وعاجل، خطوات عملية لا مجرد وعود ويمكن التركيز على الخطوات التالية:
1. ضرورة العمل على تعزيز صمود العمال بدخل ثابت وفرص عمل فهو الاحتياج الأكثر إلحاحًا، ويجب أن تُصرف تحويلات نقدية فورية ومستدامة للعمال والأسر الأكثر فقرًا، هذه ليست صدقة، بل حق لهم في العيش بكرامة، ويجب أن تستمر هذه المساعدات شهرية، كحد أدنى من الدخل، بعيدًا عن بيروقراطية المساعدات العينية التي غالبًا ما تُسرق أو تُباع.
2. يجب إعطاء العمال أولوية قصوى في أي برامج تعافٍ أو إعادة إعمار، حتى لو كانت جزئية في ظل استمرار الحرب، ويجب أن يشمل ذلك خلق فرص عمل إسعافيه ومؤقتة في مجالات إزالة الأنقاض، تنظيف المناطق الآمنة، أو أي عمل يدوي بسيط يمكن القيام به ليعيد للعمال جزءًا من كرامتهم وروحهم الإنتاجية.
3. يجب العمل على توفير أماكن امنة ومأوي مناسبة وكريمة وبنية تحتية أساسية عاجلة، فلا يمكن للعمال الصمود بلا سقف يحميهم، وخيام صالحة للسكن، وتأمين المياه النظيفة، وخدمات الصرف الصحي الأساسية، والرعاية الصحية الفورية لمنع تفشي الأوبئة والأمراض.
4. ضرورة العمل بالتدريب والتأهيل للمستقبل وخلق أسواق عمل جديدة، فمع التغيرات الجذرية في سوق العمل ودمار البنية التحتية، سيكون من الضروري البدء في برامج تدريب مهني مكثفة للعمال لتمكينهم من اكتساب مهارات جديدة تتناسب مع متطلبات مرحلة التعافي وإعادة الإعمار وما بعدها، ومن المهم بحث إمكانية خلق فرص عمل وأسواق عمل جديدة لا تعتمد فقط على الوضع السابق للقطاع، بل تستكشف مجالات مبتكرة تخدم إعادة البناء والتنمية المستدامة.
5. يجب العمل على وضع بروتكول مناسب لتأمين ممرات إنسانية آمنة وضمان وصول المساعدات بشفافية ويكون واضح للناس يحموه، ويجب أن يتوقف حصار غزة فورًا، وأن تضمن القوى الدولية وصول المساعدات الإنسانية بكميات كافية ودون أي عوائق، والأهم من ذلك، يجب إنشاء آليات رقابية صارمة لضمان وصول هذه المساعدات مباشرة إلى مستحقيها، ومنع سرقتها وبيعها في السوق السوداء، ومكافحة اللصوص وتجار الدم بقوانين عادلة وبإجراءات عقابية رادعة.
6. ضرورة العمل على تقديم برامج للتأهيل النفسي والدعم الاجتماعي للعمال فالمعاناة ليست مادية فقط، بل تخطى الصحة النفسية والاجتماعية وهو ما يدعو لتدخلات مهنية مختصة وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للعمال وأسرهم، لمساعدتهم على تجاوز الصدمات النفسية الهائلة التي تعرضوا لها، ومعالجة المشاكل الاجتماعية التي فرزتها الحرب وتداعياتها لما لذاك من تأثير على القيم الاجتماعية وطبيعة العلاقات الإنسانية والتفاعلات بين الناس.
أخيرا:
إن صمت المجتمع الدولي وتقاعسه عن نجدة عمال غزة الآن هو حكم بالإعدام البطيء على مجتمع بأكمله، لذا يجب أن تتحول هذه الكلمات إلى أفعال، ألا تستحق أرواح هؤلاء العمال، وهؤلاء البشر الصامدون، منا وقفة جدية وقوية لتغير واقعهم المؤلم؟ ووقف هذه المقتلة...كفى صمتًا! لقد حان وقت التحرك الآن، وليس غدًا! فإن الوقوف بجانب العمال والفئات الهشة في غزة ليس مجرد واجب إنساني، بل هو أساس للحفاظ على التوازن الاجتماعي ومنع انهيار مجتمعي كامل، أن التدخلات المنظمة والموضوعية التي تراعي خصوصية كل فئة وحالتها، لتمكين هؤلاء الصامدين من تخطي هذه الظروف القاسية بكرامة.
• عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين