زياد الرحباني الذي يشبهنا !
خليل قانصوه
2025 / 7 / 31 - 02:59
من البديهي أنه بعد حوالي نصف قرن من الفوضى والاقتتال و التدخلات الخارجية المرفقة بالإملاءات التي استجاب لها بعض اللبنانيين و رفضها بعضهم الآخر ، علما أن جميع أطراف السلطة ، في جميع الفترات ، كانوا و لا يزالون يرجعون في مواقفهم إلى جهات أجنبية ، فكان طبيعيا إذن ، أن يكون اللبنانيون ، جماعات غير متشابهة تحت عباءات طبقية و سياسية و دينية و عقائدية ، متبدلة بحسب ميزان القوى في البلاد و خارجها ، حيث كان الصراع ينشب دائما ، بين غير المتشابهين في داخل الجماعة الواحدة ، لفرض الانسجام التام ضمن حدودها بعد إسكات أو نبذ المعارضين .، توازيا مع التصادم فيما بين الجماعات الأخرى غير المتشابهة .
نجم عنه أن الشروط اللازمة لنشوء اجتماع و طني ، أو بتعبير أدق ، أمة وطنية لم تتوفر ، منذ سقوط الدولة العثمانية و دخول عسكر الانتداب الفرنسي ، ثم إعلان الاستقلال سنة 1943 و جلاء القوات الأجنبية سنة 1946 . لا شك في أن مرد ذلك يرجع أساسا إلى أن زعماء الجماعات الدينية و أصحاب الوكالات التجارية و المالية ، رفضوا رفضا قاطعا السماح بأن يتشابه اللبنانيون .
نحن لا نغفل هنا أن الكثيرين من هؤلاء ، اعترضوا و قاوموا و قدموا أقصى التضحيات من أجل إلغاء التصنيفات المجتمعية على أساس المعتقدات الدينية و الأصل الإثني و المناطقي ، و إحلال المساواة بين الأفراد في الحقوق و الواجبات ، في جميع المجالات العامة .
نكتفي بهذه التوطئة ، فنحن لسنا هنا في معرض تشخيص فشل اللبنانيين في الاجتماع على أساس و طني ، و التذكير بأسبابه ، فهذا صار من و جهة نظرنا معطى معروفا ملموسا و راسخا ، إلى حد أننا نعتبر الكلام عن جهود تبذل " لإنقاذ الوطن " أو "لإعماره " كلاما غير موثوق به . لكن ما يهمنا هو أن نقول بمناسبة رحيل رجل كبير أمضى عمره في إقناع جماهير اللبنانيين بانه يمكنهم أن يصيروا متشابهين ، على عكس ما يعتقدون و ما يصوّره لهم ممثلوهم في السلطة . نكتشف ذلك في سيرته من خلال تواجده ، أثناء الاحتلال الإسرائيلي للبنان سنة 1982 ـ 2000 ، في الجنوب و بيروت حيث كانت الوطأة أشد أيلاما و المقاومة أكبر كلفة ، و لم يبق في المناطق التي لم يدخلها المحتلون.
انضم باكرا ، في بداية سنوات 1970 ، حيث كان ما يزال فتى يافعا ، لمحاولات المناضلين ، المنبوذين من طوائفهم على أساس اختلاف الرأي و الخروج عن الزعامة التقليدية ، بكل مواهبه الكبيرة ، الشاملة ، فكرا وأدبا و نظما و موسيقى و مسرحا ، و عملا إذاعيا خلاّقا ، معبرا عن معرفة محيطة بأوضاع البلاد و الخطر المحيق بها . لم يترك ساحة فكان مع الشيوعيين إذا طالبوا بإنصاف الفقير و مع المقاومين إذا قاوموا و مع ضحايا الفساد و المحسوبية إذا انتفضوا . كان اسمه زياد الرحباني !