في تجذير العجز: الرعايه الاجتماعية كآلية لضبط الجماهير


ليث الجادر
2025 / 7 / 29 - 16:47     

لا يمكن قراءة ما يُعرف بـ"الرعايه الاجتماعية" في العراق خارج سياقها السياسي–الاقتصادي، بوصفها تعبيرًا نموذجيًا عن طبيعة الدولة الريعية، التي لا تنتج اقتصادًا بل تُنتج تبعية. فحين تقوم السلطة بمنح رواتب شهرية لمن يُسمّون بـ"المشمولين بالرعاية"، فهي لا تُمارس عدالة اجتماعية، بل تُدير العجز الشعبي كما تُدار الفاقة: بالمساعدات المشروطة بالسكوت.

إن الإعانة هنا ليست عدلاً، بل أداة تأديب جماعي، يتم عبرها إعادة إنتاج المواطن بوصفه كائنًا مُعالا، لا يُنتظر منه سوى الولاء السياسي أو الصمت الطبقي. هذه الرواتب التي تُمنح تحت لافتة "الرعاية الاجتماعية" لا تُمثّل سوى إعادة تدوير للفائض النفطي على شكل رشاوى سياسية، تكرّس الانسحاق وتحوّل الفقر إلى وضع دائم، لا طارئ. والأخطر من ذلك، أن نسبة عالية من المستفيدين لا تنطبق عليهم أساسًا الشروط القانونية للرعاية، لكنهم مشمولون بـ"الرضا السلطوي" الذي يحكمه ميزان الزبائنية والمحسوبية والولاءات الحزبية.

الإعانة هنا لا تُواجه الفقر، بل تُنظّمه. إنها شكل من أشكال إدارة الجوع لا معالجته، كما أنها تفرّغ مفهوم "العدالة الاجتماعية" من مضمونه الإنتاجي، ليُستبدل بفكرة الكفاف المذل. وبدل أن يكون الدعم موجّهًا نحو تمكين الفقراء عبر مشاريع إنتاج صغيرة، أو توفير سكن وعمل وخدمات، يجري إرضاؤهم بفتات شهري يكفي لتسكين الألم، دون علاجه.

هكذا يُعاد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة: ليس عبر الحقوق، بل عبر الإحسان. وليس عبر الإنتاج، بل عبر التوسّل. وكل ذلك في ظل تغوّل طبقة سياسية–دينية–بيروقراطية تنعم بالامتيازات، وتُدير ملايين الفقراء كما لو كانوا "ذخيرة انتخابية" أو "جمهورًا قابلًا للضبط" عبر الريع المباشر