17. مجاز العتمة والمرآة المعتمة: حين تكتب الوثيقة سرديتها على أنقاض الذاكرة الجماعية


عماد حسب الرسول الطيب
2025 / 7 / 26 - 07:11     

حين تكتب وثيقة "تجربة الحزب الشيوعي في الحركة النقابية" عن النقابات دون صراع طبقي، فإنها لا تستعيد الذاكرة، ولكنها تُشيِّد لنا سردية بيروقراطية تنتقي من الماضي ما يبرئ الحاضر. النقابة، كما تظهر في نص الوثيقة تمثل بناء فوقيا يُعاد تقديمه كمجرد تراكم تنظيمي، بلا زلازل ولا انكسارات. تحذف الوثيقة خيانة مايو للمطالب النقابية، وتغض الطرف عن تواطؤ قيادة الاتحاد العام مع العسكر في 1971، كما تُغفل السقوط الكامل للنقابات تحت قبضة الإسلاميين في 1990، وكأن التاريخ موجة دون قعر.

يشبه هذا الطمس ما حذر منه أنطونيو غرامشي حين قال: "من يسيطر على الثقافة يكتب الماضي كما يهوى، لا كما كان". الوثيقة تُخضع الذاكرة لمنطق التأبيد، وتخشى تسمية الهزيمة. تختزل التحولات النقابية في متوالية وظيفية، دون أن تُجري تشريحًا طبقيًا لتحوّل النقابة من أداة مواجهة إلى ملحق للسلطة.

تتجنّب الوثيقة مساءلة الذات وتُدمن إعادة إنتاج الصورة ذاتها: تنظيم بلا قطيعة، مسار بلا تناقض. وكأنها تكتب نقابة على الورق، لا على أرض تشهد فيها العمال على القهر. لا تذكر انتفاضة النقابيين في السكك الحديد، لا تعرج على تجربة "نقابة عمال مشروع الجزيرة" حين صرخوا ضد قانون الإنتاج، ولا تشير إلى الإضرابات القاعدية التي رفضت منطق "التفاوض من فوق". تتحول النقابة إلى مرآة معتمة، لا تعكس الوجه العمالي بل ظلّ التنظيم المركزي.

كما قال والتر بنيامين: "ليس للمنتصرين ذاكرة، بل سردية". الوثيقة تكتب من موقع الانتصار الخطابي، لا من موقع الجرح الطبقي. لا يُبنى وعي ثوري على وثائق تخشى النظر في المرايا، ولا على مجازات تخفي الخراب خلف هندسة لغوية.

"من لا يمتلك شجاعة النظر في المرآة، لن يخطو خارج المتاهة."

النضال مستمر،،