15. أزمة البرنامج والنظرية: غياب المشروع النقابي الثوري


عماد حسب الرسول الطيب
2025 / 7 / 24 - 08:44     

يتجلى التدهور النظري كتعبير مباشر عن الانحسار التنظيمي حين يُستعاض عن التحليل الماركسي الصارم بشعارات جوفاء ومقولات معلبة لا تمس جوهر الصراع الطبقي. لا قيمة لأي حديث عن "الطبقة العاملة" بمعزل عن تحديد موقعها الراهن داخل منظومة الاستغلال، وإبراز شروط تحولها من طبقة في ذاتها إلى طبقة لذاتها. فالمطلوب ليس الإقرار اللفظي بوجودها، بل إبراز شروط وعيها، تنظيمها، وفعلها الثوري كقوة مادية. هذه المهمة النظرية غابت كليًا عن الوثيقة، وغاب معها أي مشروع نقابي جذري ينهض على أسس مادية-جدلية، تنظر إلى النقابة كأداة اشتباك طبقي، لا كوسيلة لتحسين شروط التبعية ضمن نظام لا يمكن إصلاحه.

يتمّ تقديم النقابة في الوثيقة كامتداد آلي للحزب، لا كتنظيم مستقل للطبقة العاملة داخل ساحة الصراع الطبقي. وفي هذا الفهم، تغيب وحدة الطبقة كواقع مادي قائم على وحدة الشروط المعيشية والتناقض مع الرأسمال، لتُختزل في لحظة تحالف تنظيمي يحدده الحزب لا الذات العمالية. هذا الانزلاق يفتح الطريق لاختزال الاستقلالية الطبقية للنقابة في استقلال تنظيمي شكلي، بلا مضمون صراعي أو قاعدة مادية.

تُقحم مفردات ماركسية في النص دون مشروع ماركسي حقيقي، فمصطلحات مثل "النقابة الثورية" أو "الديمقراطية العمالية" تظهر مفصولة عن تاريخها المادي، تُذكر كديكور لا كأدوات تحليل وتغيير. لا أثر في الوثيقة لأي تصور عن النقابة كمدرسة للصراع الطبقي، كفضاء يبني الوعي ويغذي الإرادة الجماعية لاقتحام السياسة من موقع النقيض. وهكذا، تتحول المفاهيم إلى طقوس لغوية، لا تفتح أفق الفعل، بل تعيد إنتاج العجز.

تُفرغ الوثيقة النقابة من جوهرها الاشتراكي حين تفشل في وضعها ضمن بنيّة الصراع بين العمل والرأسمال، فتغرق في لغة مموّهة تجرّدها من دورها كأداة مقاومة. الخطورة هنا لا تكمن في الإهمال اللفظي لمفاهيم حيوية كـ"التحالف الطبقي"، "القيادة العمالية"، و"الاستقلالية الطبقية"، بل في تغييب النقابة بوصفها تعبيرًا عن مشروع الطبقة العاملة لبناء سلطتها من أسفل. في ظل ذلك، تتحول النقابة من سلاح يُشهر في وجه التراكم الرأسمالي إلى آلية لإدارته، من بؤرة تنظيم ثوري إلى وسيط خامل في مسار إعادة إنتاج النظام، لتصبح جزءاً من جهاز الدولة البرجوازية، تمتص الغضب بدلاً من أن تشرعن الانفجار.

لا مشروع نقابي ثوري دون فهم عضوي للعلاقة بين النقابة والبرنامج الثوري، فالممارسة دون نظرية تسقط في الإصلاحية، والنظرية دون ممارسة تصبح طوباوية. الوثيقة تمثل حالة من الفصام بين الشعار والمحتوى، بين الإعلان عن أهداف كبرى والرضا بأدوات بالية. غياب الرؤية الطبقية الجذرية لا يفتح فقط الطريق أمام سيادة العمل النقابي التقليدي، بل يعزز من قدرة الدولة والبرجوازية على تدجين التنظيمات العمالية، ويجهض أي إمكانية لنقابة تُفكر من موقع النقيض.

"ما دام العمال لا يملكون نظرية تُنير طريقهم، سيعيشون دوماً على هامش التاريخ الذي يصنعه سواهم."

النضال مستمر،،