المقاطعة المشاركة
جعفر المظفر
2025 / 7 / 20 - 19:38
الجواب المتوقع والتقليدي الأسرع من الصوت على دعوة مقاطعة الانتخابات هو أن المقاطعة لن تثمر سوى المزيد من التردي بعد أن تحقق هيمنة القوى الطائفية الفاسدة على صناديق الإنتخابات.
ويقال أن دعوة كذه غالباً ما تأتي وكأنها محاولة مدفوعة الثمن لغرض تمكين القوى الفاسدة على مزيدٍ من الهيمنة على صناديق الإقتراع وتقليل فرص صعود القوى الوطنية, حتى ولو كانت بتعداد أفراد, إلى مجلس النواب لكي يكونوا على الأقل عيناً ساهرة وقادرة على فضح الجرائم التي يرتكبها المارقون, هذا إذا لم نأخذ بنظر الإعتبار إمكانية تزايد أصحاب العيون الساهرة إلى الحد الذي يكفي لإيقاف النزيف وتضميد الجراح وبناء الهجمات المضادة.
وهناك أيضاً من يفند دعوة المقاطعة بالقول أنها ستكون ذات جدوى لو أن هناك تشريع أو قانون يعطل نتائج الانتخابات قانونياً على ضوء نسبة المشاركة كأن يكون الحد الأدنى لا ينقص عن العشرين بالمئة من أصوات الناخبين المؤهلين رسمياً للمشاركة. لكن قانوناً بهذا الشكل, رغم أهميته, لم يفكر أحدٌ في المنظمة العالمية بتقديمه وإقتراح البحث فيه, وظلت نتائج العملية الإنتخابية قانونية بمن حضر.
أجزم أن إقرار قانون أممي بنسبة المشاركة كأن يكون حدها الأدنى عشرون بالمئة سيغير كثيراً من مدخلات العملية الإنتخابية ومن مخرجاتها.
بداية فإن الإجابات الأسرع من الصوت سوف تخف قدرتها التبريرية بوجود آلية الانتخاب الكتلوي, مع الانتخابات أو ضدها, التي سوف تعطي للمقاطعة قدرة التأثير الإيجابي على نتائج الانتخابات, أي أن تحول المقاطعة إلى مشاركة انتخابية فعلية بدلاً من احتسابها كممارسة سلبية من شأنها أن تعطي القوى الفاسدة فرصاً أفضل بغياب المناوئين.
لكن ذلك لم يحصل حتى هذه اللحظة, وأقصد به وجود قرار أممي بحساب نسبة التصويت لغرض إقرار شرعية النتائج من عدمها. وحتى يحصل ذلك فإن عدم المشاركة يعني أن المواطن سيمنح صوته بشكل غير مباشر للقوى الفاسدة بدلاً من أن يساهم باسثمار حقه الديمقراطي في منح صوته لمن يريد.
ذلك يعني أن على القوى الوطنية التي لم تعد تملك قدرة المنافسة الشريفة مع القوى الفاسدة التي باتت تمتلك في يدها السلاحين الأمضى تأثيراً : المال والفتاوى, عليها أن تعمل بشكل سريع مع المنظمات والهيئات الديمقراطية في الدول المؤثرة من أجل إصدار قانون أممي يحدد شرعية الإنتخابات على ضوء نسبة المشاركة.
بهذا القانون المرئي سيكون للمقاطعة تأثيراً قانونياً على العملية الانتخابية وستكون فعلياً مشاركة انتخابية إيجابية, ولو تأخرت نتائجها, وليست فعلاً سلبياً لا يأتي بنتيجة.
لكن المسألة الأهم التي تجعل من -المقاطعة مشاركة- هي أن يلزم المقاطع نفسه, بالتعبير عن مقاطعته جمعاً, أي أن يتحرك مع الآخرين بالنزول إلى الشارع في يوم الانتخابات للتظاهر بما يحول فعل المقاطعة السلبي إلى فعل إيجابي وذا صوت عالي ويضع نفسه في خدمة مشروع سياسي منظم يعلن عن نفسه في يوم الانتخابات من على منصة جماهيرية يجري نصبها تحت نصب الحرية, أي في المكان الذي شهد ولادة ثورة تشرين المجيدة.
وسيأتي يوم المقاطعة بهذا الشكل إيذاناً بتنظيم الوعي النوعي المتراكم لولادة تنظيم جماهيري غرضه إيصال صوته إلى المجتمع الدولي لفضح الصندوق الانتخابي المتآمر على الديمقراطية الحقيقية.
أما المهمة الأكثر تأثيراً والأفضل جدوى فإن حزب أو منظمة أو تجمع : (المقاطعة المشاركة), سيجد نفسه فاعلاً, ليس في المناسبة الموسمية الانتخابية فحسب وإنما في النشاط اليومي المتصاعد والرامي لفضح ورفض نظام المحاصصة الطائفي والقومي الفاسد والمهين, والعمل مع نشاطات وتنظيمات سياسية ومدنية أخرى لأجل تحقيق هذا الغرض .