تأثير النزاعات على أبناء الطبقة العاملة في الشرق الأوسط
جهاد عقل
2025 / 7 / 19 - 18:47
مقدمة
- العمال في مرمى النزاعات: الكلفة البشرية للتصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط...
لفت نظري منشور للإتحاد العربي للنقابات،إفتتاح " الندوة الإقليمية للشباب النقابي العربي" تستمر على مدى يومي 18 و19 توز / يوليو 2025، يجتمع شباب وشابات من مختلف البلدان العربية لتبادل الخبرات، مناقشة قضايا العمل والعدالة الاجتماعية، وبناء مستقبل نقابي عادل وأكثر مشاركة، تحت شعار: "الشباب النقابي... قادة الانتقالات العادلة في سوق العمل العربية" ، كما جاء في التفصيل بالمنشور المذكور ، وهنا تساءلت : تُرى هل يستطيع هؤلاء الشباب مواجهة ما تتعرض له الطبقة العاملة في منطقة الشرق الأوسط عامة والعربية خاصة من وضع آليات فاعلة لإنقاذ العمال مما يتعرضون له من ويلات تأتي بها النزاعات القائمة؟
وهل فعلاً تستطيع الحركات النقابية وضع برامج نضالية للدفاع عن العمال ؟أم أن مواقفها تكون إعلامية لا غير ؟
وتساءلت أيضاً تُرى هل تقوم الحركة النقابية السورية خاصة والعربية عامة بدور حماية العمال في ظل العدوان الذي تتعرض له هذه الدولة من قبل العديد من الدول وفي مقدمتها إسرائيل وأمريكا وتركيا؟
وما بالك ما يحدث من عدوان على الشعب الفلسطيني والعمال منذ حوالي عامين حيث يجري تحطيم البنى التحتية وكل ما يمكن أن يكون مكان عمل آمن للعمال؟
كل هذه القضايا أدت بي الى التساؤل " ما هو تأثير تلك النزاعات على العمال في الشرق الأوسط".
العمال في قلب العاصفة
بينما تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعدًا متسارعًا في النزاعات المسلحة والتوترات الجيوسياسية، يجد ملايين العمال أنفسهم في الخطوط الأمامية لهذا الدمار غير المعلن. فبعيدًا عن صخب المعارك والقرارات السياسية، تتكشف مأساة صامتة: ملايين العمال يفقدون مصادر رزقهم، وحمايتهم، وكرامتهم في خضم الصراع.
حيث تشير تقارير منظمات العمل الدولية والنقابات الإقليمية إلى أن النزاعات الممتدة من فلسطين واليمن إلى السودان وسوريا والعراق وغيرها، أدت إلى نزوح ملايين العمال، وتدمير البنى التحتية الإنتاجية، وتفكيك شبكات الحماية الاجتماعية.
مثالاً على ذلك تؤكد تلك التقارير بأنه في اليمن، يعمل ملايين العمال في بيئة بلا قانون، بينما في سوريا يُستنزف سوق العمل تحت وطأة الانقسام والاحتلال والدمار. أما في السودان، فقد تسببت الحرب المستعرة في تهجير الملايين وتعطيل القطاعات الإنتاجية بالكامل.
وتترافق النزاعات مع انهيار في الأجور، وتفشي البطالة، وغياب التنظيم النقابي الفاعل، ما يفتح الباب واسعًا أمام الاستغلال، خاصة في صفوف النساء والعمال غير الرسميين.
فلسطين وإسرائيل: تشابك الاحتلال والحرب وسوق العمل
تمثل الحالة الفلسطينية الإسرائيلية نموذجًا مركبًا لهذا التأثير العميق للنزاعات على سوق العمل. فمنذ اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023، واجه العمال الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة انهيارًا اقتصاديًا حادًا.
- في غزة:
* توقف شامل في الأنشطة الاقتصادية.
* تدمير المصانع، وقطع الكهرباء، وشلل تام في حركة التنقل.
* أكثر من 200 ألف عامل فقدوا أعمالهم، مع غياب التعويضات أو الدعم.
- في الضفة الغربية:
* يعتمد أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني على العمل داخل إسرائيل أو المستوطنات.
* عقب تصاعد التوترات، أغلقت إسرائيل المعابر ومنعت دخول العمال.
* الكثيرون باتوا عرضة للاستغلال عبر وسطاء غير قانونيين، دون تأمين أو حقوق.
- داخل إسرائيل (الخط الأخضر):
* العمال العرب (الفلسطينيون حملة الجنسية الإسرائيلية) والذين يشكلون نسبة كبيرة من القوة العاملة في قطاعات البناء والخدمات، يواجهون بدورهم:
* تمييزًا ممنهجًا في أماكن العمل.
* مضايقات على خلفية قومية، وقيودًا أمنية غير مبررة.
* تمثيلًا نقابيًا هشًا رغم انتمائهم الرسمي لنقابة “الهستدروت”.
* أما العمال اليهود في إسرائيل، فبينما تحميهم الدولة قانونيًا، إلا أنهم بدورهم تأثروا بالحرب من خلال:
* خسارة مؤقتة للوظائف بسبب تجنيد الاحتياط.
* تعطل المصانع، وانهيار قطاعي السياحة والخدمات.
- العامل كبند سياسي
في السياق الإسرائيلي الفلسطيني، يتحول العمل إلى ورقة سياسية:
* الفلسطيني يُمنع من العمل كعقوبة جماعية.
* العرب داخل إسرائيل يُقيدون أمنيًا تحت ذرائع سياسية.
* لا وجود لآلية مشتركة تحمي الحقوق النقابية عبر الخطوط الجغرافية والديموغرافية.
* ورغم محاولات بعض المبادرات الدولية والنقابات التقدمية مد جسور تضامن، تبقى الاستجابة الدولية متواضعة أمام عمق الأزمة.
- نقاط تقاطع وتوتر
* الاعتماد المتبادل: الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على العمالة الفلسطينية، لا سيما في البناء والزراعة.
* غياب الحماية المشتركة: لا توجد آليات مشتركة لحماية حقوق العمال على الجانبين في حال التصعيد.
* قمع العمل النقابي الفلسطيني داخل المناطق المحتلة، مع ملاحقة الناشطين العماليين.
- نداء عاجل للحماية والعمل التضامني
تفرض هذه المرحلة المأزومة على النقابات الإقليمية والدولية مسؤوليات ملحة:
* المطالبة بحماية العمال تحت الاحتلال وفي مناطق النزاع.
* الضغط على الحكومات لإنهاء سياسات العقاب الجماعي للعاملين.
* دعم إنشاء صناديق طوارئ نقابية للعمال المتضررين من الحروب.
* إعادة الاعتبار لأجندة العدالة الاجتماعية كشرط للاستقرار.
الخلاصة
من الصعب في هذه العُجالة أن نتناول المعاناة التي يتعرض لها العمال في كل دولة ودولة ،بما في ذلك التراجع الكبير في دور النقابات العمالية ، ليس فقط في الدول التي تتعرض للعدوان وتعاني من النزاعات الداخلية ، بل هناك معاناة وازنة للعمال في الدول التي تعتبر نفسها خارج دائرة النزاعات العسكرية القائمة، مثل مصر والسعودية ودول الخليج ، بل ودول المغرب العربي ، فهذه النزاعات لها تأثير كبير على وضع الطبقة العاملة في تلك الدول ، يكفي أن نذكر معاناة العمال من البطالة العالية وتدني الأجور ، وفقدان الحماية النقابية ، وتسلط الحكومات على النقابات وقيامها بإلغاء بنود في قوانين العمل تسيء للعمال والنقابات ، كل ذلك خدمة للمخططات الرأسمالية التي "تحتل" تلك الدول إقتصادياً وربما تسيطر عليها سياسياً.
نعم! وسط ركام النزاعات، تبقى قضية العامل ، بل الطبقة العاملة عامة ، هي القضية الأصدق والأكثر إهمالًا. ، فهذه الشريحة الهامة تحمل الأعباء دون أن يُسمع صوتها، والذي يُبنى “السلام” فوق تعبها، أو يُهدم رزقها باسم “الأمن القومي”.
إن إعادة الاعتبار للعمال في الشرق الأوسط تتطلب أكثر من بيانات تضامن، بل تحركًا نقابيًا وسياسيًا جريئًا، يعيد ترتيب الأولويات، ويجعل من العمل والكرامة جزءًا من أي مشروع سلام حقيقي.