عمال على خط النار: عمال النسيج والملابس يطالبون بتحول بيئي لا يُقصيهم


جهاد عقل
2025 / 7 / 16 - 13:18     

"يجب ألا يُجبر العمال على تحمّل تكاليف التحوّل الأخضر. كانت هذه هي الرسالة المؤثرة من ورشة العمل الثالثة حول الوظائف اللائقة والحماية الاجتماعية من أجل تحوّل عادل في سلسلة توريد المنسوجات والملابس، التي عُقدت في 7 يوليو، بالتعاون بين قسم التحوّل العادل والمناخ في الاتحاد الدولي للنقابات، والاتحاد العالمي للصناعات، والاتحاد التجاري الأوروبي للصناعات.

تهدف هذه الورشة، التي تُعدّ جزءًا من مشروع مدته ثلاث سنوات بدعم من مؤسسة لوديس، إلى تعزيز استراتيجيات النقابات العمالية لتحقيق انتقال عادل وشامل في قطاعي الملابس والنسيج. في قطاع يواجه تحديات فريدة، نتيجة ممارسات الشراء غير العادلة من قِبل العلامات التجارية، والعمل غير المستقر وغير الرسمي، وتفاوت مستويات الحوار الاجتماعي بين البلدان، يُشكّل عدم مراعاة استراتيجيات انتقال العمال مشكلةً كبيرة.عمال النسيج والملابس في قلب المعركة: من الهشاشة إلى القيادة في التحول العادل" هذا ما جاء في مقدمة البيان الصادر عن كل من الإتحاد الدولي للنقابات العمالية وفرعه الإتحاد الدولي للعاملين في الصناعة،بعنوان " بيان التحول العادل: عمال الملابس يطالبون بتحول عادل بقيادة العمال"، ومن المهم قراءة هذاالبيان ، قراءىة تحليلية خاصة وأنه يتناول اوضاع شريحة عمالية مُستَضعفة في عالمنا تقوم كبرى شركات الماركات العالميية للملابس بإستغلالها .
في زمن تتسارع فيه التحولات البيئية والتكنولوجية والاقتصادية، يجد عمال قطاع النسيج والملابس أنفسهم في قلب العاصفة، لا باعتبارهم مجرد ضحايا محتملين لهذه التغيرات، بل كقادة محتملين لتحول عادل وشامل لا يترك أحدًا خلفه.

قطاع هش… لكنه محوري

يُعد قطاع النسيج والملابس من أكثر القطاعات انكشافًا على المخاطر، سواء من حيث:
ظروف العمل غير الآمنة وغير الرسمية،
ممارسات الشراء الاستغلالية من العلامات التجارية العالمية،أو هشاشة الحماية الاجتماعية وغياب آليات التفاوض الجماعي في عدد كبير من البلدان.
ومع ذلك، فإن هذا القطاع هو أيضًا من أكثر القطاعات حيوية على مستوى التوظيف عالميًا ومحليًا:
وفق التقديرات يعمل في القطاع أكثر من 75 مليون عامل حول العالم ، ربما هذا الرقم ليس دقيقاً بسبب وجود الكثير من العمال والعاملات لا يشملهم هذا التخمين الدولي، أغلبهم في دول الجنوب العالمي مثل بنغلاديش، الهند، فيتنام، الصين، مصر ،إثيوبيا ، المغرب، الأردن.
وفي الأردن، يُقدّر عدد العاملين والعاملات في قطاع الألبسة بحوالي 76 ألف عامل، يشكّل المهاجرون أكثر من 70% منهم، بينما تمثل النساء نحو 65% من القوى العاملة في القطاع، بحسب بيانات وزارة العمل والنقابة العامة.
هذه الأرقام تؤكد أهمية القطاع كمصدر رئيسي للدخل الوطني والعمل، لكنه في الوقت نفسه يعاني من هشاشة هيكلية تحتاج إلى تدخلات عادلة ومستدامة.

التحول البيئي: فرصة أم تهديد؟
يشهد العالم اليوم ضغوطًا متزايدة للانتقال نحو إنتاج واستهلاك أكثر استدامة، مما يفرض على القطاع التكيف مع استراتيجيات جديدة، مثل:
الاقتصاد الدائري (إعادة الاستخدام والتدوير)،تقليل الانبعاثات الكربونية،وتشديد الرقابة البيئية والاجتماعية عبر سلاسل التوريد.
لكن هذه الاستراتيجيات، رغم أهميتها، قد تُستخدم أيضًا كذريعة لخفض التكاليف على حساب العمال، عبر تسريحات جماعية، تخفيض الأجور، أو تحميل العمال كلفة التحول البيئي.
وهنا تبرز أهمية المفهوم النقابي لـ”التحول العادل” — أي أن لا تكون العدالة البيئية على حساب العدالة الاجتماعية.

التحول العادل: مطلب نقابي عالمي
أطلقت النقابات العالمية، مثل الاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) والإتحاد الدولي لنقابات عمال الصناعة - ndustriALLاI، مبادرة لصياغة “بيان الانتقال العادل” لعمال قطاع النسيج والملابس. ويهدف البيان إلى:
- ضمان العمل اللائق لجميع العمال، بما فيهم غير الرسميين.
- مساءلة العلامات التجارية عبر سلاسل التوريد.
- إدماج النوع الاجتماعي في كل مراحل التحول.
- حماية العمال من الآثار السلبية لتغير المناخ كالإجهاد الحراري والفيضانات.
هذا البيان يُنتظر إطلاقه رسميًا في شهر تشرين ثاني / أكتوبر 2025، بعد سلسلة من المشاورات الواسعة مع النقابات في آسيا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية.

المرأة في قلب المعركة
يضم قطاع النسيج والملابس نسبة عالية من النساء، كثيرات منهن يعملن في وظائف منخفضة الأجر، بدون حماية قانونية أو اجتماعية كافية. وتؤكد المبادرات الجديدة على ضرورة:
- مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي في أماكن العمل.
- ضمان المساواة في الأجور والفرص.
- تمكين النساء العاملات من قيادة النقابات والمفاوضات.
- فلا يمكن الحديث عن تحول عادل دون عدالة جندرية حقيقية.

الواقع المحلي نموذجًا: الأردن مثالاً
في الأردن، تُترجم هذه المبادئ الدولية إلى خطوات عملية على الأرض، من خلال جهود النقابة العامة للعاملين في صناعة الغزل والنسيج والملابس. فقد نظّمت النقابة ورشات توعوية في العقبة وسحاب والظليل والكرك، لتعريف العمال بحقوقهم في القانون، وأهمية الانضمام النقابي، وأبرزت دورها في:
الصحة والسلامة المهنية حيث لا تزال من أكثر القضايا إلحاحًا وإهمالًا في القطاع:
- تهوية غير كافية، تعرض للغبار والمواد الكيميائية.
- معدات غير مؤمنة وحوادث متكررة.
- ساعات عمل طويلة دون راحة تؤدي لإصابات عضلية مزمنة.
- افتقار النساء لمرافق صحية آمنة وتعرضهن للتحرش.
_ ومع ذلك تقوم النقابة بتوقيع اتفاقيات قطاعية لتحسين الأجور.
- الدفاع عن العمال المهاجرين.
- تأمين امتيازات مثل الخصومات الصحية والتعليمية.
هذا الربط بين المحلي والعالمي، بين الورشة والمصنع وبين البيان والواقع، هو ما يمنح قضية عمال النسيج والملابس بعدها الاستراتيجي.

من التهميش إلى القيادة
لم يعد مقبولًا أن يُنظر إلى عمال النسيج كضحايا صامتين. إنهم في طليعة من يواجهون تحديات التحول المناخي، ويجب أن يكونوا أيضًا في طليعة من يضعون الحلول. التحول العادل ليس رفاهية، بل ضرورة أخلاقية واقتصادية. وعلى الحكومات والعلامات التجارية أن تفهم: لا عدالة من دون مشاركة، ولا استدامة من دون كرامة العمل.