إيران – بين العمل الإنساني والأمن القومي


الطاهر المعز
2025 / 7 / 14 - 11:27     

أعلنت إيران اعتقال العديد من العُملاء الذين قدّموا بيانات وخرائط ومعلومات للإستخبارات الصّهيونية التي جنّدت بعضهم لتنفيذ عمليات إرهابية في طهران، خصوصًا خلال فترة العدوان الصهيوني/الأمريكي من الثالث عشر إلى الرابع عشر من حزيران/يونيو 2025، ونشرت مواقع روسية بعض التفاصيل عن حيثيات التجسّس والأعمال الإرهابية والإعتقالات، ومن بينها منصة Military Review بتاريخ الثامن عشر من حزيران/يونيو 2025، والتي أفادت إن معظمهم من أصول هندية وأفغانية ( من منطقة قندهار التي يسكنها البَشْتُون )، وفق أندريه سيرينكو مدير مركز التحليل التابع للجمعية الروسية لعلماء السياسة...
تجدر الإشارة إن إيران تستقبل أكبر عدد من اللاجئين في العالم ( أكثر من دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة)، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وخصوصًا منذ عودة "طالبان" إلى السّلطة بعد انسحاب الجيش الأمريكي سنة 2021 حيث تفيد البيانات الإيرانية إن عددهم تجاوز 4,5 مليونًا بنهاية سنة 2024 ( وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -UNHCR ) معظمهم دخلوا بشكل غير قانوني، بسبب القمع والإضطهاد والبطالة والفقر في أفغانستان، ويستغلهم أرباب العمل الإيرانيون لتشغيلهم بأجور زهيدة، كما يستغلهم أصحاب العقارات لتأجير غرف أو مساكن غير صحية بإيجارت مرتفعة، حيث يتكدّس اللاجئون، وهم – بشكل عام – يُفيدون الإقتصاد الإيراني ويُساعدونه على تَحمّل الحصار، وتفيد السلطات الإيرانية إن الإستخبارات الأجنبية، خصوصًا الأمريكية والصّهيونية، استغلّت بُؤسَ هؤلاء اللاجئين لتحوّلهم – أحيانًا بدون علمهم – إلى مُخبِرِين وجواسيس، ولذلك أَقَرّ البرلمان الإيراني أواخر سنة 2024 ترحيل نحو مليونين من المهاجرين الأفغانيين غير النّظاميين، وبدأت الحكومة منذ منتصف شهر حزيران/يونيو 2025، حملة اعتقالات واسعة النطاق في مختلف مناطق إيران، و"بناء جدار حدودي بطول 900 كيلومتر لحماية أراضيها من تدفقات الهجرة المستمرة"، وفق قناة "العالم" الإيرانية، ومثّل العدوان الصهيوني/الأمريكي فرصة لتسريع وتيرة عمليات الترحيل للأفغان، لأنهم "نقلوا إحداثيات منشآت حكومية إلى جهات أجنبية"، وارتفعت وتيرة الإعتقال والترحيل لغير الحاصلين على تصاريح إقامة قانونية، بداية من السادس من تموز/يوليو 2025، بمعدل يتراوح بين 25 ألف وثلاثين ألف يوميا، ووصل العدد أحيانًا إلى 38 ألف، وقدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) عدد الأفغانيين الذين تم ترحيلهم من إيران إلى أفغانستان، حيث يُعاني نحو 23 مليون مواطن من انعدام الأمن الغذائي، بين الأول من كانون الثاني/يناير ونهاية شهر حزيران/يونيو 2025، بنحو 1,4 مليون، وعززت وسائل الإعلام الإيرانية مشاعر العداء نحو الأفغانيين المُتّهمين بالتجسّس لصالح الكيان الصهيوني والولايات المتحدة مما مكّنهما من استهداف منشآت نووية واغتيال عُلماء وضبّاط...
أما خلْفِيّة هذه الحملة القمعية فتتمثل في الأزمة الاقتصادية والبطالة بفعل الحصار والعقوبات الأمريكية، ليُصبح الأفغان كبش فداء، ويتم تحميلهم وِزْرَ الأزمة فضلا عن عدم قُدرة إيران على تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها وللاجئين وفق منظمات الإغاثة، مثل المنظمة الدولية للهجرة، التي لم تحصل على تمويل عاجل لدعم اللاجئين في إيران أو الذين تم ترحيلهم إلى أفغانستان، وأعلنت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عجزها عن تقديم المساعدة، بسبب نفاد الموارد المتاحة لدعمهم في ظل نقص المأوى والخدمات الصحية ومياه الشرب وفرص العمل، فيما يُشكّل المُرَحَّلَون من إيران ضغطًا إضافيا على حكومة "طالبان" في بلد يعاني أصلاً من الإنهيار الإقتصادي وتدهور البنية التحتية، ومن الفقر والبطالة، بفعل الحروب المستمرة منذ أربعة عقود والعقوبات الدولية...
تُشير وسائل الإعلام الإيرانية إن الإستخبارات الصهيونية والأمريكية استغلت وضع المهاجرين واللاجئين لتستخدمهم كأداة اختراق المجتمع الإيراني، كما استغلت الوضع الإقتصادي لاستقطاب إيرانيين يُعانون من الحصار المفروض على البلاد منذ 1979، فيما استغلت السّلطات الإيرانية الفُرصة لتحويل وجهة الغضب والمعارضة الداخلية وتركيزها على مجموعات مُهمّشة ولا تملك وسائل الدّفاع عن النّفس...