شبح ماركس
أحمد زوبدي
2025 / 7 / 13 - 17:56
شبح ماركس.
حين انهارت التجربة الاشتراكية ( في 1989) وليست الاشتراكية، اندهش جل الاشتراكيين ومنهم من تأثر بهذا الانفجار الكبير الى درجة التخلي عن الثقافة والفكر والفلسفة والمشروع الإشتراكي كبديل للرأسمالية والاستسلام للأمر الواقع دون مقاومة. في هذه الظرفية أُطلق العنان للرأسمالية وتم تحويل أوروبا الشرقية إلى قلعة تابعة لأوربا الغربية حيث أدت سياسة الغرب الإمبريالي إلى تفكيك هذه الكيانات وتحويل الكثير منها إلى حمامات دم. في بداية القرن الواحد والعشرين تبخرت الآمال التي جاءت بعد "انتصار" الرأسمالية ودخلت هذه الأخيرة في أزمات خانقة عنوانها الكبير الأزمة المالية النُّظمية لسنة 2009، و الاحتجاجات ضد العولمة والمنتديات الاقتصادية الإمبريالية، تم الربيع العربي ( الذي تحول للأسف الشديد إلى خريف رغم مزاياه الكثيرة منها ارتفاع درجة وعي الطبقات المُسْتَغَلٌّة )، إلخ. كل هذا جعل شبح ماركس يظهر إلى الواجهة ويستمر حتى الآن للتأكيد على مصداقية ووجاهة المشروع المجتمعي لهذا الفيلسوف الكبير الذي يقتضي تطويره والعمل على تدقيق قواميسه ليكون بديلا للرأسمالية المتهالكة.
ليكون شبح ماركس مفيدا والاستفادة من الأخطاء السابقة التي أدت الى انهيار هذا المشروع الضخم، يقتضي ذلك اليوم التخلص من استهلاك أفكار ماركس الأب في شكلها الخام .. والعمل على انتاج المعرفة الماركسية التي تجيب على مشاكل روح العصر.
للتذكير لقد سبق أن كتبت الفيلسوف الفرنسي الكبير Jacques Derrida ( و آخرون) في هذا الموضوع أي شبح أو أشباح ماركس (spectre de Marx ) من خلال أطروحته التفكيكية ( déconstruction). سوف لن أناقش أفكار هذا المنظر الماركسي الذي سعى إلى تفكيك فكر ماركس بإعطائه نكهة ما بعد حداثية( post-moderniste) والتي تقتضي النقاش بحكم خروج الفكر ما بعد الحداثي عن العقل والدعوة لتفكيك الفكر بشكل عام دون التمكن من إعادة بنائه، لكن سأحاول في هذا التأمل الخاطف، أن أكتب بعض الأفكار المستوحاة من أركيولوجيا معرفة كارل ماركس في أفق رسم بعض العناوين العامة لأجل النقاش.
في البداية أشير أن راهنية فكر ماركس تعني أن هذا الفكر التحرري يتطور من ذاته أي الانطلاق من نواة فكر ماركس ومن جهازه المفهومي ( أو المفاهيمي)، كما يرى Thomas Khun أو لا يتطور في حالة إدماج فكر براني ولو الفكر النقدي لإنتاج الماركسية. فكر ماركس هو مشروع ليس فقط مجتمعي ( projet sociétal) بل هو مشروع إنساني ( projet de l homme). لأنه فكر اجتماعي شامل وجامع( pensée totale) لكل الإجتماعيات. فهو ليس فقط فكر فلسفي أو سوسيولوجي أو انتروبولوجي أو فلسفي سياسي أو فكر التاريخ أو غيرها من العلوم الإجتماعية. هذا المعمار الفكري الشامل يعبر عنه في منهج ماركس أي المادية بشقيها المادية الجدلية والمادية التاريخية على أساس أن هذا المنظار المنهجي يجب تناوله بحذر أي دون دوغمائية ولا تعميم للوصفة الأحادية (التي دشنها كارل ماركس) على كل المجتمعات بمعنى أن كل وضعية تستدعي إنتاج معرفة ماركسية خاصة بها، أي الامثتال لأطروحة كونية الخصوصية( universalité de la spécificité)، كما يرى غرامشي العرب، مهدي عامل.
التفكير خارج فكر ماركس هو انحراف مثله مثل الذين استمروا في اجترار منظومة ماركس الكلاسيكية وحولوها إلى فكر كنائسي ( pensée des casernes) دون إنتاج المعرفة الماركسية التي تجيب على مشاكل روح العصر.
حين تتحول أدبيات فكر كارل ماركس إلى مسلمات، فاعلم أن هذا الأخير تحول إلى عقيدة وبالتالي إلى خرافة. صحيح هي معركة فكرية صعبة وشاقة لكن لابد من النبش في حفريات الفكر الماركسي ومساءلته اليوم للمشي إلى الأمام وإلا سيعرف هذا المشروع الفكري الضخم الركود والجمود. في هذا الباب لابد من تفكيك القاموس الماركسي حتى لا تصبح مكوناته مسلمات، كما هو الأمر في مجال الرياضيات أو الفيزياء. الصراع الطبقي، شكله اليوم، البروليتاريا والطبقة العاملة، الطبقة الرثة، شكل الحزب والنقابة، بنيات الطبقات المتناحرة، إلخ. كل أدبيات فكر ماركس في حاجة إلى تفكيك وإعادة صياغتها وفق المتغيرات، حتى يكون فكر ومشروع ماركس على موعد مع التاريخ ذلك أن الرأسمالية لا تدوم، فهي قوس في التاريخ، لنقول تعيش الإشتراكية العالمية الآفاق.