المجمعات السكنية في عهد السوداني: رفاه للنخبة أم حل لأزمة الإسكان؟


ليث الجادر
2025 / 7 / 8 - 17:11     

منذ تولي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مهامه في أكتوبر 2022، أعلنت الحكومة العراقية عن سلسلة مشاريع سكنية عملاقة في بغداد وعدد من المحافظات، قُدمت بوصفها حلًا جذريًا لأزمة السكن. مشاريع حملت عناوين كبرى مثل “علي الوردي”، “جنة بغداد”، و”بسماية الجديدة”، وتحدثت عنها البيانات الرسمية باعتبارها موجهة للفئات الهشّة وذوي الدخل المحدود.

لكن، هل تحقق هذه المشاريع ما تعد به فعلًا؟

أسعار لا تناسب الأغلبية
تبدأ أسعار الوحدات في هذه المشاريع من أكثر من 200 مليون دينار، وتتجاوز في بعض المجمعات الفاخرة حاجز 900 مليون دينار. وفقًا لتقارير وزارة التخطيط لعام 2023، فإن أكثر من 70% من الأسر العراقية لا تملك القدرة على شراء وحدة سكنية تفوق كلفتها 100 مليون دينار. الأمر الذي يثير تساؤلات حقيقية حول الفئات المستفيدة من هذه المشاريع.

تمويل مرهق، وشروط قاسية
القروض العقارية، رغم الترويج لها، ما تزال مشروطة بفوائد سنوية تتراوح بين 4% و6%، فضلًا عن شروط كفالة وضمان مرهقة. فالمستفيد الحقيقي من هذه القروض يبقى محصورًا في الطبقة المتوسطة العليا أو موظفي المؤسسات الأمنية. أما الغالبية، فتُستبعد فعليًا من إمكان التملك.

استثمار بلا عدالة
تُركت حرية التسعير للمستثمرين العقاريين دون أي تدخل حكومي لضبط السوق أو فرض نسب مخصصة للفئات محدودة الدخل. هذا التوجه النيوليبرالي جعل من السكن سلعة فاخرة لا حقًا إنسانيًا، ورسّخ طبقية عمرانية جديدة تتوسع خارج المدن بينما تُهمل الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية.

أرستقراطية جديدة من العقار
مع تكدّس المليارات في حسابات شركات البناء والمستثمرين، بدأت ملامح طبقة أرستقراطية سكنية بالتشكّل. طبقة لا تُبنى على النسب أو التاريخ، بل على الامتياز العقاري والقدرة على شراء مواقع استثنائية، بعيدًا عن الفضاءات العامة المحرومة من الخدمات.

تريليونات خارج الدورة الإنتاجية
توجيه السيولة نحو قطاع عقاري غير منتج فعليًا يؤدي إلى سحب الكتلة النقدية من الاقتصاد الحقيقي، ويزيد الضغط على سعر صرف الدينار، إذ تُحوّل الأرباح إلى الدولار وتُهرّب إلى الخارج أو تُعاد تدويرها في المضاربة. النتيجة: ركود تضخمي يرفع الأسعار دون أن يحرك عجلة الإنتاج.

أين البدائل؟
في مقابل هذا النموذج، تنبغي العودة إلى مفهوم الدولة الراعية. تجارب دولية مثل مصر والبرازيل تقدم نماذج لإسكان شعبي تموّله الحكومة بأسعار مدعومة، ويستهدف بوضوح ذوي الدخول المحدودة، دون وسطاء عقاريين أو أرباح مفرطة.

خلاصة
ما يجري اليوم في العراق ليس حلًا لأزمة السكن، بل تعميق لها تحت قشرة استثمارية. وإذا لم تتحول السياسات السكنية إلى أدوات للعدالة الاجتماعية، فإن المدن الجديدة ستظل حكرًا على القادرين، بينما يتكدّس الفقراء في الضواحي المنسيه