قليل قليل من رحلة عمر: حول تجربتي في حركة عصيان
بشير الحامدي
2025 / 7 / 1 - 04:51
في الحقيقة بعد 17 ديسمبر 2010 لم تعرف تونس تنظيما ثوريا مثلما كان تنظيم عصيان.
فعصيان يمكن القول إنه جاء بعد فشل كل التنظيمات السابقة له في الاستمرار بالثورة وتعبئة الجماهير الشعبية لمواصلة تنفيذ المهام الثورية التي ترجمتها في الشعارات الثورية التي رفعتها.
اعتقد أنه التنظيم الوحيد في تونس الذي لم تكن لقياداته كما لقاعدته أية علاقات مع اليمن بكل أطيافه ومع النظام بكل أطرافه.
كما يمكن القول إنه كان يعتبر نفسه الوريث الوحيد الشرعي لمؤتمر نابل لمجالس ولجان حماية الثورة.
وبمعنى ما تعتبر التجربتان اللتان للأسف لم تستمر طويلا في الزمن الوحيدتان اللتان كان يمكن أن تكونا المعبر نحو مستقبل لتونس مخالف لما عرفناه مع الانتقال الديموقراطي ومع الانقلاب الأول والثاني على 17 ديسمبر وعلى الثورة وعلى مصالح أربعة أخماس الشعب التونسي.
لقد كتبت سابقا عن التجربة وذكرت كيف جاءت ولكن تلك الكتابة كانت مقتضبة جدا وعليه ها أني أبدأ من حيث يجب أن أبدأ.
كيف جاءت فكرة تنظيم عصيان
طان ذلك في أواخر سنة 2011 ذكر أني وقتها كنت قد غادرت تنظيم رابطة اليسار العمالي نهائيا ويوما ما كنت جالسا وجدي في مقهى ّلونيفار" فجلس بجانبي شخص لم أكن أعرفه من قبل وقتها. وتبادلنا أطراف الحديث فقال لي أنا أعرفك... وذكرني بالاسم وأضاف قائلا أعرف أنك لم تعد منتظما في رابطة اليسار العمالي وتواصل بيننا حديث من هنا وهناك وافترقنا.
السيد هذا هو صلاح الداودي الذي قدّم لي نفسه وقتها أنه أستاذ جماليات في الجامعة التونسية. وانعقدت صداقة متينة بيننا ومن هناك يمكن أن نقول أن تجربة عصيان بدأت.
في ذلك التاريخ (نحن وقتها يمكن في شهر نوفمبر ديسمبر 2011 إن لم تخني الذاكرة) وتكررت لقاءاتنا كنا نجلس تقريبا في كل مقاهي تونس العاصمة إلى أن صادف أن قدمت له طارق الشامخ ومن يومها صرنا الثلاثة لا نفترق وبدأ التفكير في أن نأسس تنظيما ملائما لما نحمل ثلاثتنا من أفكار كانت وقتها قريبة جدا من بعضها مع اختلافات ثانوية قليلة.
وأذكر أن طارق الشامخ وقتها كان قد حسم مع المجموعة التي كونها لما خرج عن محمد الكيلاني.
وقتها كنا مجموعة أنفار مستقلين عن كل التنظيمات ولكننا ناشطون جدا سياسيا ولنا أنصار كثيرون في الحركة وحركة المعطلين والشباب عموما واذكر أنه كانت لنا علاقات مميزة مع مجموعة واسعة كانت تصدر نشرية سياسية ورقية بالطرق التقليدية أذكر من بين عناصرها عادل فوضى (الذي مات موتا طبيعيا) بعد سنوات وخليل عباس... وكثيرون آخرون.
لم نكن على اختلاف كبير في المسائل الجوهرية ولكن ما كان مستعصيا علينا وقتها هي تسمية هذا التنظيم .
ما هو الاسم الذي سنخرج به للناس وقتها ؟ يجب أن يكون ـ مختلفا وقصيرا وسياسيا يحيل إلى جملة المبادئ التي نرفعها. والتي يمكن أن نجملها بشكل مكثف في:
مقاومة الانقلاب ـ مواصلة المسار الثوري ـ استئناف الثورة ـ مقاطعة كل المسارات الانتخابية اللبرالية ـ التوجه للجماهير بدل التوجه للنخب اليسارية الفاشلة ــ عدم خلاص الديون ـ حل أجهزة القمع ـ محاسبة الفاسدين ـ تكوين لجان للدفاع الذاتي في الجهات والمحليات ـ العمل على إقامة مؤتمر ثوري تحضره كل المجموعات الثورية ـ
كان هذا هو ما نؤمن به ولأكن واضحا هنا كان هذا ما كنت أنا أراه من مبادئ. لكن كلامي بهذه الصورة لا يجب أن يفهم منه أن الصديقان صلاح وطارق ربما لا يؤمنان بذلك وقتها ولكن لا يجب أن ننفي أن هناك من يمكن أن يتغير ويغير مبادئه وله كامل الحرية في ذلك.
وقتها وها أني أزيد وأوضح أننا كنا نتقاسم الحلم بتنفيذ ما ذكرته سابقا. المهم أن أكثر ما اتعبنا وأخذ منا وقتا طويلا جدا هو التسمية لنستقر نهائيا على اسم عصيان...
ليس العصيان المدني كما سيتبادر لأذهانكم لأننا لم نعرف ولم نتثقف إلا على ما يسمى بالعصيان المدني... وللأسف هناك من هو إلى الأن يستعمل كلمة عصيان مدني للدلاله على رفض قرارات السلطة والتحرك ضدها.
كان السؤال الكبير هو هذا كيف يكون عصيانا ومدنيا في نفس الوقت ولإزالة هذا اللبس وضحنا أن العصيان الذي نريده ليس مدنيا بل عصيان اجتماعي أي عصيان يشارك فيه المعطل جنبا لجنب مع العامل مع الطالب مع الموظف مع التلميذ مع ربات البيوت ويتسلحون فيه بما يقدرون. (ما يخلصوش الضو والماء والانترنيت وغيرها من الاستخلاصات) يطالبون بإسقاط النظام وبالمحاسبة وينتظمون في مجالس دفاع ذاتي ويطالبون بحل البوليس والجيش. كان هذا ماذا نعني بالعصيان الاجتماعي الذي ولا شك يختلف جذريا عن العصيان المدني.
بداية النشاط في عصيان وتأسيس منتدى الثقافة المدنية
كذلك أذكر أنه وقع الاتفاق على إصدار جريدة " المشترك" التي سينجز منها عدد واحد.
وقد كان الاجتماعات الأولى مع الشباب مثمرة جدا وقد ساعدتنا وقتها قيادة UDC ومنحتنا مقرها الذي كنا نجتمع فيه كلما كان ذلك مطلوبا.
أذكر كذلك أننا أسسنا منتدى الثقافة المدنية في دار الثقافة ابن رشيق الذي كان توقيته يوم الأربعاء مساء والذي لم يتخلف ولو أسبوعا عن تقديم نشاط ما طيلة عمر عصيان وسأنشر رابطا لفيديو يوثق لأحد هذه الاجتماعات. رابط الفيديو
https://www.youtube.com/watch?v=WGxObq76wcE...
كما أذكر أن السيد عياض العبيدي كان قد تنقل لبنقردان مع السيدة فايزة بلحاج لمخيم عزل للعائلات الفلسطينية في الشوشة ويمكن متابعة مداخلته التوضيحية حول المسالة على الرابط التالي في منتدى الثقافة المدنية https://www.youtube.com/watch?v=JqSceKmUPYo&t=9s
وللأمانة كان عياض فاعلا وناشطا وحضر مؤتمر لجان مجالس حماية الثورة بنابل كما التحق بتنظيم عصيان منذ أيامه الأولى وكان ناشطا جدا فيه برغم أن سي عياض قومي الأيديولوجيا ولكنه كان يؤمن شديد الايمان بالأفكار التي نطرحها وقد وقعت لي معه واقعة أنا وصلاح الداودي نسيت تفاصيلها وإلا لكنت سأرويها.
(يتبع)