باتريوت إلى أوكرانيا: إسرائيل تُفكك ظلال موسكو في المشرق


ليث الجادر
2025 / 6 / 13 - 14:04     

قراءة في التحول الإسرائيلي ضمن لحظة إعادة هندسة الشرق الأوسط الجديد


في مقال سابق بعنوان "الحرب الروسية–الأوكرانية: قابلة الشرق الأوسط الجديد"، جرى تحليل الحرب بوصفها لحظة تفكك عالمي لإرث الردع التقليدي، وإعادة تشكُّل لاصطفافات القوة، مع تسليط الضوء على إسرائيل التي كانت من أوائل من استشرف هذا التحول الفعلي لا الرمزي، وبدأت آنذاك في تفعيل مشروعها الإقليمي الهادف إلى محاصرة التمدد الإيراني، وصياغة ما يشبه "شرق أوسط وظيفي جديد".

اليوم، لم يعد هذا الفعل الإسرائيلي مؤجَّلًا أو متخففًا من كلفه الاستراتيجية. فقد كشف تقرير نشره موقع "شيناري إيكونوميشي" الإيطالي عن قيام إسرائيل بتزويد أوكرانيا بعدة أنظمة دفاع جوي من طراز "باتريوت"، في خطوة تمثل أول اعتراف رسمي بهذا النوع من الدعم العسكري المباشر ضد روسيا.

نظام يهلوم إلى أوكرانيا: تكثيف إسرائيلي لمشروع الشرق الأوسط الجديد

إن تسليم هذه الأنظمة لا يُقرأ كحدث تقني معزول، بل بوصفه حلقة متقدمة من سلسلة أفعال إسرائيلية بدأت منذ اللحظة الأولى لانفجار الحرب في أوكرانيا، حين زار نتنياهو موسكو مشخّصًا التحول الجيوسياسي العالمي.
تلك الزيارة لم تكن مجرّد تحسس رمزي، بل تقدير استراتيجي مبكر لطبيعة الفعالية الروسية وحدودها، وعلى أساسها شرعت تل أبيب في هندسة مسار "الشرق الأوسط الجديد"، بوصفه ردًا مضادًا على أي تموضع استراتيجي محتمل لإيران في ظل انشغال الغرب بشرق أوروبا.

وبالتالي، فإن دعم أوكرانيا بالسلاح لا يمثل خرقًا متأخرًا للحياد الإسرائيلي، بل تكثيفًا لمسار بدأ فعليًا مع مطلع الحرب. إسرائيل، إذًا، لا تراقب النظام الدولي وهو يتغيّر، بل تتحرك داخل نسيجه، وتحاول تعجيل تمخضاته بما يخدم إعادة الترتيب الشرق أوسطي.

توقيت مصيري.. ورسالة مشروطة لموسكو

في لحظة إقليمية بالغة الحساسية، تعاني فيها الجبهات الجنوبية والشمالية لإسرائيل من اهتزازات غير مسبوقة، اختارت تل أبيب أن تُعلن انحيازها العسكري الكامل للمحور الأطلسي. لكن هذا الإعلان لا يستهدف موسكو في كييف فحسب، بل يرسل إليها رسالة إيحائية مشروطة في طهران:

"نحاصر دوركم العالمي عبر دعم كييف، وننتظر منكم بالمقابل دورًا مسؤولًا في إغلاق ملف إيران النووي، لا تعميقه."

بهذا المعنى، فإن إسرائيل لا تصعّد ضد روسيا من موقع الاستقواء الغربي فقط، بل من موقع صوغ معادلة إقليمية جديدة، يكون فيها موقع موسكو مرهونًا بمقدار تعاونها في الحدّ من طموحات طهران النووية والعسكرية.

ما بعد غزة وما بعد أوكرانيا: إسرائيل تصوغ الفراغ لا تملؤه

لم يعد التداخل بين الجبهتين – الأوكرانية والشرق أوسطية – موضوعًا للربط التحليلي فحسب، بل تحوّل إلى منهجية استراتيجية تمارسها إسرائيل بذكاء مزدوج. فهي تساند كييف لتقويض الغطاء الروسي الذي يحمي التمدد الإيراني، وتُصعّد في الجنوب والشمال كي تُفرغ المقاومة من فعاليتها الردعية.

فما بعد غزة، لم يعد ممكنًا الاكتفاء بموازين الردع القديمة.
وما بعد أوكرانيا، لم تعد روسيا قادرة على لعب دور الخصم النظامي المحايد.
وبين هذين التفككين، تتحرك إسرائيل لصوغ الفراغ نفسه، لا فقط ملئه.

ولروسيا، الرسالة لم تعد تحتمل التأويل:
"إن أردتَ أن تبقى فاعلًا، فلن يكون ذلك عبر العناد في أوكرانيا، بل عبر الحسم في طهران