الحرب الروسيه- الاوكرانيه...قابلة الشرق الاوسط الجديد


ليث الجادر
2025 / 6 / 8 - 23:12     

الحرب الروسية - الأوكرانية وتحول موازين الردع العالمي

العملية العسكرية الروسية التي تصر موسكو على عدم وصفها بالحرب لها مغزى رمزي واضح: روسيا لا تريد الاعتراف بأنها في مواجهة نظامية شاملة مع الغرب، حفاظاً على ما تبقى من أدوات المناورة السياسية والدبلوماسية.

العملية الروسية لم تكن خياراً بل حتمية وجودية، هدفها تقليص نفوذ حلف الناتو الذي اقترب من تخوم روسيا بشكل يهدد جوهر الأمن القومي الروسي. ومن هذا المنطلق، فإن النظر إلى الحرب باعتبارها "عدواناً" أو "اجتياحاً" يخالف قراءة روسيا لنفسها باعتبارها قوة مضادة لهيمنة أحادية القطبية.

وانتصار روسيا في هذه العملية لا يعني انتصاراً تكتيكياً فقط، بل زعزعة استراتيجية لبنية الردع الغربية، خاصة تجاه أمن الاتحاد الأوروبي.

أما التداعيات على الشرق الأوسط، فقد كانت إسرائيل من أوائل من قرأ هذا التحول، فزار نتنياهو موسكو بعد بدء الحرب مباشرة، في زيارة تحمل دلالة رمزية بتحسس الانتقال الجديد في النظام الدولي. في هذه اللحظة، شخّصت إسرائيل بوضوح ما سيعنيه هذا الاصطفاف الجديد: إيران قد تتحول من قوة نفوذ إلى قوة تموضع وتوسع دائم.

طوفان الأقصى: زلزال وظيفي أم تفجير تلقائي؟

طوفان الأقصى، بما أحدثه من خلخلة، لا يمكن تفسيره على أنه فعل عصامي بالكامل. هناك احتمالان:
1. إما أنه قرار إيراني مستعجل لاستباق تحول ما.
2. أو أنه قرار إيحائي من قبل اليمين الإسرائيلي ذاته.

لو قمنا بمقارنة تحليلية بين الطرفين من حيث من المستفيد الأكبر: نجد أن إسرائيل خرجت منه بذريعة لإعادة رسم قواعد الاشتباك، وضرب البنية التحتية لغزة، ونقل المعركة إلى جبهات إيران بالوكالة.

ومن المهم التذكير أن إسرائيل لطالما أبدت مرونة لافتة في التعامل مع حماس مقارنة بالسلطة الفلسطينية، وهذا يضع علامات استفهام حول استثمارها في نوع من "الخصم القابل للتوظيف"، ضمن لحظة دولية تسمح بإعادة تدوير الحرب كمكسب.

بهذا، لا يُستبعد أن يكون طوفان الأقصى، في أحد أبعاده، تفجيرًا وظيفيًا يخدم إعادة هيكلة التنافس في المنطقة.

الولايات المتحدة والنفس الطويل: مراوغة إيران ومساومة روسيا

الولايات المتحدة لا تواجه الأحداث بخطط حاسمة، بل بتكتيك النفس الطويل، فهي تدير الزمن لا الحدث.

سياستها تجاه إيران تتسم بالمراوغة: لا هي تخاصمها جذريًا، ولا هي تتركها تتحول لقوة موازية. تسعى واشنطن لاحتواء إيران عبر استراتيجية "المراودة بالقسر" – أي التلويح برفع العقوبات مقابل سلوك سياسي إقليمي مرن.

وهنا يأتي بعد استراتيجي بالغ الأهمية: الولايات المتحدة تلمح لروسيا بأنها مستعدة لمقايضة "حياد إيران" أو تحجيم خندقتها، مقابل تخلي موسكو عن التعنت في أوكرانيا.

موقف روسيا من إسقاط النظام السوري، ومنع انهياره، كان نقطة تفكير أميركية حاسمة: إذا كانت روسيا قد تدخلت بهذا الحجم لمنع سقوط حليفها في الشرق الأوسط، فهل يمكن انتزاع الورقة الإيرانية منها مقابل شراكة أوسع في الأمن الأوروبي؟

الصين كطرف استثنائي في صراع القوى الكبرى

الصين تتحرك كقوة صامتة، تمارس النفوذ بدون ضجيج.

- أولًا: قامت بتقوية علاقتها مع مصر، وأعلنت الأطراف عن تعاون عسكري غير مسبوق، يشمل تدريبات مشتركة وتسويق علني للأسلحة.
- ثانيًا: في الصراع الباكستاني الهندي الأخير، بدت بعض أنواع الأسلحة الصينية حاسمة في تحديد الفاعلية العسكرية، ما يُعدّ بمثابة استعراض ميداني غير مباشر.
- ثالثًا: هناك تسريبات بشأن طلب إيران تزويدها بكميات كبيرة من وقود الصواريخ من الصين، تكفي لصناعة مئات الصواريخ الباليستية.

الصين إذن، لا تُعادي أحدًا مباشرة، لكنها تعيد هندسة التوازنات عبر دعم الخصوم الهادئين للغرب، في حين تُبقي باب التجارة مفتوحًا مع الجميع.

بهذا، فإن الصين لا تندرج ضمن معادلة شرق أوسط جديد ولا قديم، بل تُمارس استراتيجيتها الخاصة لصناعة "بيئة دولية جديدة"، تتناسب مع نهجها: الصعود من دون مواجهة.

الخاتمة : شرق أوسط جديد أم زمن المنظومات المتخاصمة؟

نحن لا نتجه نحو شرق أوسط جديد، بل نحو عالم تُعاد فيه صياغة التخندقات الأمنية، وتتداخل فيه الأطراف فوق خرائط متعددة السيادة والتأثير.

– الولايات المتحدة: تسعى لهندسة توازن دائم عبر استنزاف خصومها تكتيكيًا.

– روسيا: تخوض حربًا وجودية بصيغة هجومية لتكريس مركزيتها الأوراسية.

– إيران: تمارس تمددًا ناعمًا على قاعدة الاشتباك بالوكالة، وهي الآن أمام تحدٍ كبير بتحول نفوذها إلى تهديد وجودي في فلسطين ولبنان.

– الصين: تعيد تموضعها بهدوء عبر القوة الناعمة، وتنشئ منظومات ردع من دون مواجهة مباشرة.

ليس ثمة شرق أوسط جديد، بل هناك خرائط قديمة تتصدع، وتُملأ شقوقها بتحالفات آنية، وصفقات أمنية مؤقتة، وتخندقات تعكس هشاشة المركز الدولي أكثر مما تعكس صلابته.

الشرق الأوسط، بهذا المعنى، لم يعد ساحة نزاع، بل تحول إلى مختبر العالم القادم: عالم لا يسوده السلام، ولا تنهيه الحروب..