![]() |
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
![]() |
خيارات وادوات |
|
النخَّاس الجديد: كيف تعيد الإمبريالية صياغة هويتنا وتراثنا؟
إننا، نحن المنتمين إلى هوامش النظام الرأسمالي العالمي، لا نزال نُرغَم على العيش في تخوم عصر الرأسمال التجاري، عصر ما قبل الصناعة، وكأن التاريخ قد توقف عندنا ليُعيد إنتاج بداياتهم، فيما هم – وقد صاروا مركزًا – ينعَمون بترف ما بعد الصناعة، حيث تسود المعرفة ويُستَبدَل العمل اليدويّ بالتقني والرقميّ، وحيث لا مكان إلا للقوة المهيمنة عبر المال والعقل والتكنولوجيا. نحن لا نُنتج، بل نَستهلك. ولا نُشارك، بل نُشاهد. إننا نلهث خلف سلعٍ لم نُسهم في خلقها، ونُفتن بأنماط حياة لم نكن طرفًا في صياغتها، نستهلك ما لا نصنع، ونتبنّى ما لا نُنتج، حتى تحوّلنا إلى سوقٍ مفتوح لتصريف الفائض الإمبريالي. وهنا، ومن هذا الموضع الهامشيّ المَخزِيّ، تنشأ طبقة جديدة قديمة، تُعيد تدوير وظيفة النخاس ولكن بثوب عصريّ: إنها طبقة الرأسماليين التجاريين، أولئك الذين لا شأن لهم بالإنتاج، ولا رغبة لديهم في التصنيع أو الابتكار، فغايتهم التوسُّط في عمليّة التبادل، حيث يُصبح الاستهلاك غاية في ذاته، ويغدو التدمير فعلاً سابقًا للخلق. وهؤلاء، وإن تأنّقوا في مظاهرهم، لا يختلفون جوهريًّا عن نخّاسي العصور الغابرة: فهم لا يبيعون البشر، بل يبيعون أرواحهم وهويّاتهم، يسوّقون سلعة التغريب باسم الحداثة، ويُقايضون تراثنا بالماركات، ويُسوّقون ثقافة الهيمنة تحت لافتة الانفتاح. وها هي الدولة – كما في كل زمن طبقيّ – تُعيد اصطفافها إلى جوار المال، فتتحوّل من أداة استعمار مباشر إلى أداة قانونيّة إمبريالية، تمنح سلطان السيطرة لبورجوازيّة التبادل، وتُطوِّع التشريع كي يخدم مصالح مالكي الرساميل لا مصالح الشعب. إنها تُعيد إنتاج الاستعمار، ولكن عبر القانون هذه المرة، لا عبر المدفع. إن الدولة، في تجلّيها القانونيّ، لا تفعل سوى أن تُعبّر عن إرادة الطبقة المالكة، تُقنِّن مصالحها، وتُشرعن آليّات إخضاع بقيّة الطبقات، فتُصبح العدالة اسمًا مستعارًا للهيمنة، ويغدو القانون سيفًا يُشهر في وجه الفقراء والمُستضعفين.وهكذا، يعود النخّاس، لا بخُطى الماضي، بل بخُيَلاء الحاضر: يبيع الثقافة، ويُصادِر التاريخ، ويُعيد تشكيل الوعي على نحوٍ يخدم التبعيّة ويُكرّس الاستلاب. إنه النخّاس المُهذّب، المُعول الناعم للإمبريالية المعاصرة، المُندسّ في السوق، المُقَنَّع بقناع المستثمر الوطني، والمُدمِّر لكل إمكانيات النهضة من الداخل. ولم تزل الشرايين مفتوحة!
|
|