من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - ما العمل - لينين22


عبدالرحيم قروي
2025 / 5 / 13 - 08:09     

الحلقة الثانية والعشرون

لقد بلغ الألمان من تطور الفكر السياسي واكتسبوا من الخبرة السياسية ما جعلهم يفهمون أنه يتعذر في المجتمع الراهن على كل طبقة من الطبقات أن تناضل بثبات بدون "دستة" من الزعماء النوابغ (والنوابغ لا يولدون بالمئات) المجربين والمتفقين في الرأي أروع الإتفاق والمحضرين مهنيا والذين حنكتهم تجارب الأيام. لقد عرف الألمان في بيئتهم كذلك ديماغوجيين تملقوا "المئات من الحمقى" ورفعوهم فوق "دستات الأذكياء"، تملقوا "قبضة" الجمهور "المفتولة العضل" مستثيرينه (على غرار موست وهاسيلمان) إلى أعمال "ثورية" طائشة وباذرين الشك بالزعماء الرصينين الحازمين. وما كانت الاشتراكية الألمانية لتتوطد وتنمو هذا النمو لولا نضالها في الداخل نضالا عنيدا لا هوادة فيه ضد جميع العناصر الديماغوجية على اختلافها. أما حكماؤنا فإنهم، في هذا الظرف الذي تفسر فيه كل أزمة الاشتراكية-الديموقراطية الروسية بكون الجماهير المستيقظة بصورة عفوية لا تجد قادة على قدر كاف من الاستعداد والتطور والتجربة، يعلنون بعمق تفكير الغبي: "لا خير في حركة لا تأتي من أسفل"! "لجنة الطلبة لا تصلح، إنها غير ثابتة". - هذا صحيح كل الصحة. ولكن يستنتج منه أن الأمر يتطلب لجنة من ثوريين محترفين، من أناس ينمون في أنفسهم صفات الثوري المحترف ولا يهم بعد ذلك أن يكونوا عمالا أو طلابا. بينما تستنتجون أنتم أنه لا ينبغي دفع حركة العمال من خارجها! إنكم لا تلاحظون، بسبب سذاجتكم السياسية، أنكم تخدمون بذلك "اقتصادييـ"نا وطريقتنا في العمل الحرفي. واسمحوا لنا بأن نسألكم: بم تجلى "دفع" طلابنا لعمالنا؟ الأمر الوحيد الذي تجلى فيه هذا الدفع هو كون الطالب قد حمل للعامل شذرات المعارف السياسية الموجودة لديه وفتات الأفكار الاشتراكية التي جمعها (لأن طالب اليوم يجد غذاءه العقلي الرئيسي في الماركسية العلنية التي لم تكن تستطيع أن تعطيه غير الأبجدية وغير الفتات). إن مثل هذا "الدفع من الخارج" بالذات لم يكن في حركتنا بالكثير، بل بالعكس، لقد كان قليلا جدا، قليلا لحد مخجل ومشين، لأننا أفرطنا في الانطواء على أنفسنا، أفرطنا في السجود كالعبيد أمام "نضال العمال" البدائي "الإقتصادي ضد أصحاب الأعمال والحكومة". ومثل هذا "الدفع" بالذات ينبغي لنا نحن الثوريين المحترفين أن ننصرف إليه وسننصرف إليه بجهود مضاعفة مئة مرة. بيد أنه، نظرا لوقوع اختياركم بالضبط على هذا التعبير الشنيع، "الدفع من الخارج"، هذا التعبير الذي يوحي للعامل حتما (على الأقل للعامل المتأخر بمقدار تأخركم أنتم) عدم الثقة بجميع من يحملون إليه من الخارج المعرفة السياسية والخبرة الثورية، ويثير فيه غريزة الرغبة في صد جميع أمثال هؤلاء الناس، نظرا لهذا الواقع بالضبط تكونون من الديماغوجيين، والديماغوجيون هم شر أعداء الطبقة العاملة. نعم، نعم! لا تتسرعوا في رفع عقيرتكم بالعويل حول "أساليبي غير الرفاقية" في الجدال! فليس في نيتي أن أشك في صفاء طويتكم. لقد سبق لي أن قلت أنه يمكن أن يصبح المرء من الديماغوجيين لمجرد سذاجته السياسية. ولكني برهنت أنكم هويتم إلى درك الديماغوجية. وسأكرر دون كلل أن الديماغوجيين هم شر أعداء الطبقة العاملة. هم بالضبط شر أعداء الطبقة العاملة لأنهم يثيرون في الجموع الغرائز السيئة، ولأن العمال المتأخرين لا يستطيعون تبين هؤلاء الأعداء الذين يدعون أنهم أصدقاء لهم، ويدعون ذلك أحيانا مخلصين. هم شر الأعداء إذ أنه، في مرحلة التبعثر والتردد، في المرحلة التي لا تزال فيها سيماء حركتنا في دور التكوين، ليس أيسر من جذب الجموع عن طريق الديماغوجية فلا يقنعها فيما بعد بخطئها غير المحن المريرة. ولذلك يجب على الاشتراكي-الديموقراطي الروسي اليوم أن يجعل شعار الساعة النضال الحازم سواء ضد "سفوبودا" التي تهوي إلى درك الديماغوجية أو ضد "رابوتشييه ديلو" التي تهوي هي أيضا إلى درك الديماغوجية (الأمر الذي سنبينه بتفصيل فيما يأتي من البحث). "اصطياد دستة أذكياء أسهل من اصطياد مئة أحمق". إن هذه الحقيقة الرائعة (التي تضمن لكم على الدوام التصفيق من مئة أحمق) لا تبدوا جلية إلا لأنكم قد قفزتم في مجرى تفكيركم من مسألة إلى أخرى. لقد بدأتم الحديث وما زلتم تتحدثون عن اصطياد "اللجنة"، عن اصطياد "المنظمة"، وقد قفزتم الآن إلى مسألة اصطياد "جذور" الحركة "في الأعماق". واضح أن حركتنا لا يمكن القبض عليها ولو بسبب أن لها مئات ومئات الألوف من الجذور في الأعماق. ولكن المسألة ليست هنا. فحتى في الوقت الحاضر، وبالرغم من كل طريقتنا الحرفية في العمل، يتعذر "اصطياد"نا بمعنى اصطياد "جذورنا في الأعماق"؛ ولكننا جميعا نشكو مع ذلك، ولا بد لنا أن نشكو من هذا القبض على "المنظمات" الذي يقوض كل استمرارية في الحركة. أما إذا طرحتم مسألة القبض على المنظمات دون أن تحيدوا عنها، فإني أقول لكم أن القبض على دستة من الأذكياء أصعب جدا من القبض على مئة أحمق. وسأدافع عن هذا الرأي مهما ألَّبتم علي الجموع بسبب موقفي "المعادي للديموقراطية" الخ..