من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - ما العمل - لينين 20
عبدالرحيم قروي
2025 / 5 / 10 - 18:50
الحلقة العشرون
وإذا ما خطوتم حقا خطوة إلى أمام، ولو بشكل "انعطاف ضعيف جدا"، ولكنها خطوة إلى أمام، نقول لكم: إعملوا معروفا! إن فسح المجال حقا أمام العمال مهما كان طفيفا هو وحده الذي يمكنه أن يشكل خطوة إلى أمام حقا. وكل فسح لهذا المجال يخدمنا نحن ويعجل ظهور جمعيات علنية لا يصطاد فيها المخبرون الاشتراكيين، بل يصطاد فيها الاشتراكيون الأتباع لهم. إن مهمتنا الآن هي، باقتضاب، مكافحة الزوان. فليس من اختصاصنا استنبات الحنطة في آنية بالغرف. فنحن، إذ نقتلع الزوان، ننظف التربة ممهدين لنمو بذور الحنطة المحتمل. وأثناء انهماك أضراب أفاناسي إيفانوفيتش وبولخيريا إيفانوفنا(90) بالزراعة في الغرف ينبغي لنا أن نعد حاصدين يحسنون اجتثاث زوان اليوم وجني حصاد حنطة الغد•. وإذن، لا نستطيع نحن عن طريق العلنية أن نحل مسألة إنشاء منظمة مهنية تكون سرية لأقل حد ممكن وواسعة لأقصى حد ممكن (ولكن نكون سعداء جدا إذا أعطانا أمثال زوباتوف وأوزيروف ولو جزئيا إمكانية هذا الحل، وللحصول على هذه الإمكانية ينبغي لنا أن نكافحهم بأكبر ما يمكن من الهمة!). يبقى طريق المنظمات المهنية السرية؛ وهنا يجب علينا أن نقدم كل مساعدة للعمال الذين أخذوا (كما نعرف بدقة) يسلكون هذا الطريق. فالمنظمات المهنية لا يمكنها أن تقدم فائدة كبرى في تطوير وتعزيز النضال الإقتصادي وحسب، بل يمكنها فضلا عن ذلك أن تصبح عاملا مساعدا كبير الأهمية للتحريض السياسي والتنظيم الثوري. ولبلوغ هذه النتيجة، لتوجيه الحركة المهنية المبتدئة إلى المجرى الذي تريده الاشتراكية-الديموقراطية، ينبغي قبل كل شيء أن نتبين بوضوح سخافة المشروع التنظيمي الذي يطبل ويزمر له "الإقتصاديون" في بطرسبورغ منذ ما يقرب من خمس سنوات. وقد ورد هذا المشروع في "النظام الداخلي لصندوق العمال" المؤرخ في تموز (يوليو) سنة 1897 ("ليستوك "رابوتنيكا""، العدد 9-10، ص46، من العدد 1 من "رابوتشايا ميسل") وفي "النظام الداخلي لمنظمة العمال النقابية" المؤرخ في تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1900 (صفحة على حدة طبعت في سانت بطرسبورغ وورد ذكرها في العدد 1 من "الإيسكرا"). والخطأ الأساسي في كلا النظامين هو طرح جميع التفاصيل المتعلقة بمنظمة عمالية واسعة وخلط منظمة الثوريين بها. فلنأخذ النظام الداخلي الثاني، باعتباره أكثر دقة. إنه يتألف من اثنتين وخمسين فقرة، منها 23 فقرة تتناول تنظيم "حلقات العمال" التي يجري تشكيلها في كل معمل ("على أن لا تزيد كل حلقة على عشرة أشخاص") والتي تنتخب "الجماعات المركزية (في المعمل)" كما تتناول طريقة تصريف أمورها ومدى صلاحيتها. وقد جاء في الفقرة 2: "تراقب الجماعة المركزية كل ما يجري في مصنعها أو معملها وتسجل الأحداث التي تجري فيه". "تقدم الجماعة المركزية كل شهر تقريرا عن حالة الصندوق لجميع المشتركين" (الفقرة 17)، الخ.. وهناك 10 فقرات تتناول "منظمة الحي" و19 فقرة تتناول التشابك المعقد منتهى التعقيد بين "لجنة المنظمة العمالية" و"لجنة اتحاد النضال في سانت بطرسبورغ" (منتدبون عن كل حي وعن "الجماعات التنفيذية" - "جماعة من الدعاة، جماعة للاتصال بالأقاليم، جماعة للاتصال بالخارج، جماعة لإدارة المستودعات، جماعة للمنشورات، جماعة للصندوق"). الاشتراكية-الديموقراطية = "الجماعات التنفيذية" بالنسبة إلى نضال العمال الإقتصادي! لعل من الصعب أن نبين بأبرز من ذلك كيف تنزلق فكرة "الإقتصادي" من الاشتراكية-الديموقراطية إلى التريديونيونية، وكيف لا يستطيع إطلاقا أن يتصور أن الاشتراكي-الديموقراطي ملزم بأن يفكر قبل كل شيء بمنظمة ثوريين أكفاء لقيادة نضال البروليتاريا التحريري كله. فالحديث عن "تحرير الطبقة العاملة السياسي"، وعن النضال ضد "الطغيان القيصري" وتحبير مثل هذه الأنظمة الداخلية للمنظمة، يعني عدم إدراك أي شيء على الإطلاق من المهام السياسية الحقيقية التي تواجه الاشتراكية-الديموقراطية. ليست ثمة أية فقرة بين الفقرات الخمسين تنم عن بارقة إدراك لضرورة القيام بأوسع تحريض سياسي بين الجماهير يكشف عن جميع نواحي الاستبداد الروسي، عن كل سيماء مختلف الطبقات الاجتماعية في روسيا. وهذا النظام الداخلي، فضلا عن أنه لا يمكن من بلوغ الأهداف السياسية، لا يمكن كذلك من بلوغ الأهداف التريديونيونية نفسها، إذ أنها تتطلب تنظيما حسب المهن، وهو ما لا يؤتى على ذكره إطلاقا. ولعل السمة الأبعد في الدلالة هي مبلغ ثقل كل هذا "النظام" الذي يحاول أن يربط كل مصنع إلى "اللجنة" برباط دائم من قواعد متشابهة وتافهة لدرجة مضحكة وعلى أساس نظام انتخابي ذي ثلاث درجات. إن التفكير الذي يخنقه ضيق أفق "الإقتصادية" ينطلق هنا إلى تفاصيل تنز منها روائح المماطلة والدواوينية. والواقع أن ثلاثة أرباع هذه الفقرات لا تطبق أبدا، ولكن هذا التنظيم "السري" الذي توجد جماعة مركزية له في كل مصنع، يسهل بالمقابل على الدرك تنظيم الإعتقالات على نطاق واسع إلى حد لا يصدق. لقد اجتاز الرفاق البولونيون هذه المرحلة من مراحل الحركة، حين شغف الجميع بتشكيل صناديق عمال على نطاق واسع، ولكنهم لم يلبثوا أن تخلوا عن هذه الفكرة إذ اتضح لهم أنهم بذلك لا يفعلون أكثر من تقديم غلة كبيرة للدرك. وإذا كنا نريد منظمات عمال واسعة، وإذا كنا لا نريد اعتقالات واسعة ولا نريد إدخال المسرة إلى قلوب الدرك، فيجب علينا أن نعمل لكي لا تتخذ هذه المنظمات أي شكل تنظيمي. - ولكن هل يمكن لمنظمات كهذه أن تقوم بوظائفها؟ - لنلق نظرة على هذه الوظائف: "…مراقبة كل ما يجري بالمصنع وتسجيل الأحداث التي تجري فيه" (الفقرة 2 من النظام الداخلي). وهل تحتاج هذه الوظيفة حقا إلى شكل تنظيمي؟ ألا يمكن تنفيذها بصورة أفضل عن طريق رسائل إلى الجرائد السرية دون أن تنظم لهذا الغرض أية جماعات خاصة؟ "…قيادة نضال العمال من أجل تحسين حالتهم في العمل" (الفقرة 3 من النظام الداخلي). وهذا أيضا لا يحتاج إلى أي شكل تنظيمي. فمحادثة بسيطة تكفي لأن يعرف المحرض، بكل دقة، مهما كانت درجة ذكائه، ما هي المطالب التي يريدها العمال؛ وعندما يعرفها يستطيع أن يرفعها إلى منظمة غير واسعة، إلى منظمة ضيقة من الثوريين، لإيصال النشرة المناسبة. "..تنظيم صندوق… يكون رسم الاشتراك فيه كوبيكين عن كل روبل" (الفقرة 9) ومن ثم إعطاء تقرير شهري للجميع عن حالة الصندوق (الفقرة 17) وطرد الأعضاء الذين لا يدفعون اشتراكاتهم (الفقرة 10)، الخ.. وهذا هو، بالنسبة للشرطة، الجنة عينها، لأنه ليس ثمة ما هو أسهل من التسلل إلى أعماق هذا السر، سر "الصندوق المركزي" في المعمل ومن مصادرة النقود واعتقال نخبة الأعضاء. أليس من الأفضل إصدار طوابع بكوبيك أو كوبيكين تحمل خاتم منظمة معينة (ضيقة جدا وسرية جدا)، أو حتى جمع تبرعات بدون أية طوابع تنشر جريدة سرية تقارير عنها بلغة متفق عليها؟ إن الهدف نفسه يمكن بلوغه بذلك، ولكن اكتشاف المنظمة يصبح أصعب على الدرك بمئة مرة. بوسعي أن أستمر في تحليل فقرات النظام الداخلي، ولكني أحسب أن في ما ذكرته الكفاية.