تلفيقات تفضح الإصرار على ارتكاب جرائم الحرب


سعيد مضيه
2025 / 5 / 8 - 13:19     


ترجمة سعيد مضية

غدت غزة "موطنًا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم، وأكبر أزمة أيتام في التاريخ الحديث، وجيلًا كاملًا معرضا لخطر التقزم، مما يتسبب في إعاقات بدنية وإدراكية لا يمكن إصلاحها"، نقل بينوي كامبمارك، الباحث سابقا في كلية سيلوين، بجامعة كامبريدج ، ويُحاضر حاليا بجامعة عن تقرير قدم لمحكمة العدل الدولية.

العدالة لشعب فلسطين
في جولة أخرى من الإجراءات، بدأت هذه المرة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، تستمع محكمة العدل الدولية إلى مجموعة من الدول والهيئات (40 دولة وأربع منظمات دولية) بشأن الحصار الإسرائيلي الكامل لغزة منذ 2 ’ذار/مارس. كما تبرز بشكل بارز جهود إسرائيل لمهاجمة الأمم المتحدة نفسها، ولا سيما وكالة الأونروا، وكالة الإغاثة المكلفة بمساعدة الفلسطينيين.
بصفتها محامية للفلسطينيين، لخصت بلين ني غرالاي المظالم الرئيسية. إن القيود المفروضة على "الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وهجمات [إسرائيل] على الأمم المتحدة ومسؤوليها وممتلكاتها ومبانيها، وعرقلتها المتعمدة لعمل المنظمة، ومحاولتها تدمير جهاز فرعي تابع للأمم المتحدة بأكمله"( تقصد والأونروا)هي إجراءات غير مسبوقة "في تاريخ المنظمة"، وذلك
بالنظر لكون هذه الإجراءات تفتقر إلى سابقة "في تاريخ المنظمة"، ولأن هذه الإجراءات لا تنتهك "مبادئ الدولة المحبة للسلام" وحسب، بل وكذلك تجسد "تنصلًا جوهريًا من جانب إسرائيل من التزاماتها بموجب الميثاق تجاه المنظمة وجميع أعضاء الأمم المتحدة، وتجاه سيادة القانون الدولي".
أغلقت إسرائيل أيضًا جميع المعابرإلى القطاع، ويبدو أنها خططت "لضم 75 كيلومترًا مربعًا من رفح، أي خُمس مساحة غزة، إلى ما يُسمى بالمنطقة العازلة، بشكل دائم. وهذا، إلى جانب الحصار البحري الإسرائيلي المستمر، يعزل غزة وشعبها عن الدعم والمساعدات المباشرة وعن بقية العالم".
وثّقت المذكرة التي قدمتها ني غرالاي محنة الأطفال الفلسطينيين، الذين لقي 15,600 منهم حتفهم، بينما جُرح عشرات الآلاف أو فُقدوا أو أصيبوا بصدمات نفسية. أصبحت غزة "موطنًا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم، وأكبر أزمة أيتام في التاريخ الحديث، وجيل كامل مُعرّض لخطر التقزم، مما يُسبب إعاقات بدنية وإدراكية لا يُمكن إصلاحها".

جنوب أفريقيا، التي رفعت بالفعل دعوى أمام المحكمة تتهم إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، أشارت إلى الحظر الدولي على "التجويع كأسلوب حرب، بما في ذلك الحصار". وأصرّ ممثلها جيميون هندريكس على أن إسرائيل "استخدمت جميع أساليب الحرمان والتجويع" ضد "السكان الفلسطينيين المحميين، الذين تُخضعهم للاحتلال غير القانوني". يجب التراجع عن قرار طرد الأونروا ووكالات الأمم المتحدة ذات الصلة، واستئناف الوصول إلى الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية. في مذكرةٍ مُرعبةٍ قدّمها للمحكمة، كشف زين دانغور، المدير العام لإدارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، عن مخططٍ مُدبّرٍ وراء هذه القسوة. وقال: "يواجه نظام المساعدات الإنسانية ا
اوردت حكومة جنوب إفريقيا هذه الوقائع بصفتها الدولة التي رفعت دعوى امام محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بانتهاك اتفاقية حظر الإبادة الجماعية. وجاء في شكوى جنوب إفريقيا ان إجراءات دولة إسرائيل لا تتعارض وحسب مع مبادئ دولة محبة للسلام، بل تُمثل أيضًا "تنصلًا جوهريًا من جانب إسرائيل من التزاماتها بموجب الميثاق تجاه المنظمة وجميع أعضائها، وتجاه سيادة القانون الدولي".

تلفيقات وزيوف بلا إثبات

ردود إسرائيل،على لسان وزير خارجيتها ،جدعون ساعر، تمعن في تزمتها بصدد الالتزام بالقانون الإنساني والدولي؛ ففي إعلانه رفض إسرائيل المشاركة في المداولات الشفوية التي وُصفها بالـ"سيرك"، كرّر ساعر الموقف الذي لا يتزحزح بأن الأونروا "منظمة مخترقة من قِبل الإرهاب بشكل لا يمكن إصلاحه". ومرة أخرى، تُساء استغلال المحاكم "لمحاولة إجبار إسرائيل على التعاون مع منظمة تعجّ بإرهابيي حماس، وهذا لن يحدث".
ثم انطلقت موجة من الاتهامات المُتأججة، مُستحضرةً بلا خجل رسالة إميل زولا في مذكرة "أنا أتهم" عام ١٨٩٨، التي كتبها خلال أحداث قضية دريفوس: "أتهم الأونروا. أتهم الأمم المتحدة. أتهم الأمين العام، أتهم كل من يُسخر القانون الدولي ومؤسساته سلاحا لحرمان إسرائيل، الدولة الأكثر تعرضًا للهجوم في العالم، من أبسط حقوقها في الدفاع عن نفسها". أكد أمير فايسبرود، من وزارة الخارجية الإسرائيلية، استمرار تشويه سمعة الأونروا، مجددًا مزاعم توظيف المنظمة 1400 فلسطيني مرتبطين بالجماعات المسلحة. علاوة على ذلك، شارك بعضهم في هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل. إن مشاركة هذا العدد الضئيل في حد ذاته أمرٌ مثيرٌ للدهشة، وكان ينبغي أن يُجنّب المنظمةَ الاستهدافَ الوحشي الذي تلقّته. لكن إسرائيل تتوق إلى طرد كيانٍ يُمثّل تذكيرًا مُلِحًّا بسياسةٍ مُستمرةٍ ودنيئةٍ من القمع والتهجير.
في خطابها المؤثر أمام المحكمة، حثّت ني غرالاي القضاة على حمل إسرائيل للسماح بدخول المساعدات إلى غزة وإعادة فتح مكاتب الأونروا. قد يسمح ذلك بإعادة الالتزام بالقانون الدولي، قاربٌ انحرف أكثر فأكثر عن مساره بسبب الحرب الوحشية في غزة. إن رد الفعل البارد، والمتعصب نوعًا ما، من جانب المسؤولين الإسرائيليين على إجراءات المحكمة الدولية في لاهاي إشارة إلى أن التقيد بالالتزامات الدولية، لا سيما فيما يتعلق بالمدنيين الفلسطينيين، أمرٌ غير وارد .