-محور المقاومة يعيد تشكيل ميزان القوى: البحر الأحمر ساحة كشف الضعف الأمريكي والصهيوني-
احمد صالح سلوم
2025 / 3 / 13 - 11:17
في تحول استراتيجي غير مسبوق، أعلنت حكومة صنعاء في شبه الجزيرة العربية، المنبثقة عن محور المقاومة، انتهاء مهلة الأربعة أيام التي منحتها للكيان الصهيوني لوقف حصاره وتجويعه لقطاع غزة. هذا الإعلان، الذي جاء في 11 مارس 2025، يحمل في طياته تهديدًا واضحًا بمنع السفن المتجهة إلى إسرائيل من المرور عبر مضيق باب المندب والبحر العربي، وربما حتى المحيط الهندي. هذه الخطوة ليست مجرد تهديد عابر، بل تعكس تغييرات جذرية في ميزان القوى بالمنطقة، تكشف عن تراجع النفوذ الأمريكي وفشل الكيان الصهيوني كمشروع استعماري، وتضع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام مأزق وجودي.
صنعاء: المارد اليمني يوقظ العالم
لم يعد اليمن مجرد بلد يعاني من حرب داخلية، بل أصبح قوة إقليمية تهدد هيمنة الولايات المتحدة البحرية في المنطقة. قرار صنعاء بفرض حظر بحري على السفن الصهيونية يعيد تشكيل قواعد اللعبة في البحر الأحمر، الممر الاستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب. هذا التحرك يكشف عن قدرات عسكرية متطورة، حيث باتت الصواريخ والمسيّرات اليمنية قادرة على الوصول إلى تل أبيب وما هو أبعد منها، في دلالة واضحة على أن "المارد اليمني" لم يعد مجرد تهديد محلي، بل تحدٍ وجودي للقوى الاستعمارية التقليدية.
ما يثير الدهشة هو أن هذا التحول يأتي في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة ضعفًا هيكليًا واضحًا في مواجهة هذا التحدي. إدارة ترامب، التي راهنت على دعم الكيان الصهيوني ومحميات الخليج كركائز لنفوذها في المنطقة، تجد نفسها اليوم عاجزة عن حماية هذه الأدوات التي انتهت صلاحيتها. فالكيان الصهيوني، الذي كان يُروَّج له كحاملة طائرات أطلسية ثابتة في الشرق الأوسط، بات عبئًا يحتاج إلى من يدافع عنه، مما يفقده وظيفته الوجودية كأداة للهيمنة الغربية.
البحر الأحمر: ساحة المواجهة الجديدة
البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر مائي، بل تحول إلى ساحة مواجهة تعكس هشاشة النفوذ الأمريكي. حاملات الطائرات الأمريكية، التي تكلف مليارات الدولارات، أصبحت هدفًا محتملاً للصواريخ اليمنية، مما يثير استياء ترامب الذي يرفض أي تورط يعرض هذه الأصول للخطر. هذا الوضع يكشف عن معضلة أمريكية: كيف تحمي واشنطن مصالحها في المنطقة دون مواجهة مباشرة مع قوة يمنية أثبتت قدرتها على تغيير المعادلات؟
في الوقت ذاته، تتآكل قواعد النفوذ الأمريكي الأخرى في المنطقة. القواعد العسكرية في محمية العيديد القطرية، التي تشارك في حرب الإبادة على الشعب السوري بالتعاون مع أردوغان وفصائل الإخوان المسلمين والوهابية الداعشية، باتت مهددة. هذه الفصائل، التي تفتقر إلى أي شرعية شعبية، أصبحت أداة لتدمير سوريا تحت غطاء أمريكي-تركي، لكنها تواجه اليوم خطر التصفية مع تصاعد الضغط اليمني. كذلك، القواعد الأمريكية في محميات الخليج الصهيو-أمريكية لم تعد آمنة، حيث يمكن للمسيّرات والصواريخ اليمنية أن تصل إليها بسهولة، مما يعزز من فرضية انهيار النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ترامب بين خيارين أحلاهما مر
كان من الأفضل لإدارة ترامب أن تتخلى عن دعم الكيان الصهيوني ومحميات الخليج، وأن تقبل بإدارة مركزية في صنعاء كبديل استراتيجي ينهي الفوضى في المنطقة. لكن التمسك بهذا المشروع الفاشل يضع الولايات المتحدة أمام مخاطر جسيمة. أولها، قطع شريان الطاقة العالمي من الخليج والبحر الأحمر، حيث يمكن لليمن أن يشل حركة التجارة البحرية إذا ما نفذ تهديده بحظر السفن المتجهة لإسرائيل. هذا السيناريو ليس بعيدًا، خاصة مع القدرات العسكرية المتطورة التي أظهرتها صنعاء، من صواريخ باليستية ومسيّرات بعيدة المدى، التي أثبتت فعاليتها بضرب أهداف في تل أبيب وما وراءها.
ثانيًا، التورط في مواجهة مباشرة مع اليمن سيكشف الضعف الهيكلي للولايات المتحدة أكثر. فبينما تتغنى واشنطن بقوتها البحرية، فإنها عجزت عن حماية السفن الصهيونية في البحر الأحمر، مما يثير تساؤلات حول جدوى وجودها العسكري في المنطقة. هذا الفشل يضاف إلى أزمة داخلية في الولايات المتحدة، حيث يرفض ترامب تحمل تكاليف حرب جديدة تضر بمصالح بلاده الاقتصادية، خاصة مع استيائه من التكلفة الباهظة لحاملات الطائرات التي قد تصبح أهدافًا سهلة.
سوريا: ضرورة تصفية الاحتلال التركي
في سياق متصل، يبرز الحاجة إلى تصفية الاحتلال التركي في سوريا، الذي يدعم أقلية إخوانجية-وهابية-داعشية ارتكبت جرائم إبادة جماعية غير مسبوقة في القرن الحادي والعشرين. هذه الأقلية، التي تعمل تحت مظلة أردوغان والدعم الأمريكي، حولت سوريا إلى ساحة دمار وقتل جماعي، مستغلة الفوضى لفرض أجندتها التكفيرية. إن اعتقال قادتها وتفكيك هياكلها ليس مجرد مطلب سوري، بل ضرورة إقليمية تتماشى مع رؤية محور المقاومة لإنهاء الهيمنة الاستعمارية وأدواتها في المنطقة.
الخلاصة: عصر جديد بلا رجعة
ما يحدث في البحر الأحمر اليوم ليس مجرد صراع عابر، بل بداية عصر جديد لا رجعة عنه. محور المقاومة، بقيادة اليمن، يعيد تشكيل ميزان القوى، مكشفًا عن ضعف الولايات المتحدة وعجز الكيان الصهيوني. إدارة ترامب، التي كان بإمكانها تجنب هذا المأزق بالتخلي عن مشروعها الفاشل في المنطقة، باتت الآن أمام خيارات محدودة: إما الانسحاب وإعادة ترتيب أوراقها، أو التورط في مواجهة ستكشف المزيد من ضعفها الهيكلي. في كلتا الحالتين، فإن المارد اليمني قد أعلن عن نفسه كقوة لا يمكن تجاهلها، والبحر الأحمر سيظل شاهدًا على هذا التحول التاريخي.