الاقتصاد الإسلامي-: أفيون الشعوب وأداة للنهب الرأسمالي


احمد صالح سلوم
2025 / 3 / 11 - 00:33     

في خضم الصراعات الأيديولوجية التي شهدها العالم خلال القرن العشرين، برزت فكرة "الاقتصاد الإسلامي" كشعار براق روّج له مفكرون وعملاء مرتبطون بأجندات غربية، بهدف إيهام العرب والمسلمين بوجود بديل اقتصادي يحميهم من التبعية للرأسمالية الغربية أو يقدم لهم مسارًا مختلفًا عن الاشتراكية الشيوعية. لكن الحقيقة المرة تكمن في أن هذا "الاقتصاد الإسلامي" ليس سوى وهم، لا وجود له اليوم ولا أمل في وجوده مستقبلًا، بل هو أداة استخدمتها قوى استعمارية ومحميات خليجية صهيو-أمريكية لتخدير الشعوب العربية، ومنعها من فهم التحديات الحقيقية التي تواجهها، لتصل اليوم إلى قاع القاع.
الاقتصاد الواحد: الرأسمالية وقانون القيمة
لا يوجد في العالم اليوم، ولا في المستقبل القصير والمتوسط، سوى اقتصاد واحد يحكم الجميع: الاقتصاد الرأسمالي، الذي يتحرك وفق قانون القيمة المعولمة. هذا النظام، بكل وحشيته واستغلاله، هو السائد عالميًا، وكل محاولات تجاوزه تظل في مهدها أو تحتاج إلى عقود طويلة لتتبلور. الصين، بقيادة حزبها الشيوعي العبقري، تمثل الاستثناء الوحيد الذي يسعى لتجاوز هذا النظام على المدى البعيد، عبر اشتراكية ذات خصائص صينية. لكن حتى الصين، بكل قوتها وإمكانياتها الجبارة، لم تتخلص بعد من النمط الرأسمالي، بل تعمل ضمنه مع تعديلات تدريجية، مدركة أن مسار التجاوز طويل ومعقد. فكيف يمكن للعرب أن يصدقوا أن لديهم "اقتصادًا إسلاميًا" ينافس هذا الواقع العالمي؟
أفيون "الاقتصاد الإسلامي" ودور الإخوان
فكرة "الاقتصاد الإسلامي" لم تكن سوى أداة دعائية، روّجها عملاء مثل "إسلام كيسنجر" – وهو تعبير رمزي للشيوخ والمفكرين الممولين من محميات الخليج الصهيو-أمريكية – لخداع العرب والمسلمين. الهدف كان واضحًا: إبعادهم عن البديل الاشتراكي الحقيقي، الذي كان يمثله النموذج الصيني كخيار تنموي قادر على تحرير الشعوب من التبعية. بدلاً من ذلك، تم تسويق أوهام مثل "الاقتصاد الإسلامي" و"الأدب الإسلامي" و"العلوم الإسلامية"، ليظل العرب يحاربون طواحين الهواء، غارقين في شعارات جوفاء، بينما تُنهب ثرواتهم وتُدمر بلدانهم.
عصابة الإخوان المسلمين لعبت دورًا محوريًا في هذا المخطط. تحت شعارات إسلامية براقة، سوقوا أكثر عمليات السرقة همجيةً للدول العربية، مستخدمين أدوات مثل "البنوك الإسلامية" لتبرير نهبهم. هذه البنوك، التي زُعم أنها بديل "شرعي" للبنوك الربوية، لم تكن سوى نموذج لتوحش الرأسمالية، بل أسوأ من نظيراتها التقليدية، حيث استغلت الدين لتكريس الاستغلال وتكديس الأرباح تحت مسميات "خالية من الربا".
الضحالة الفكرية للتسميات الدينية
الاقتصاد يُنسب تاريخيًا إلى العامل المحرك الأساسي فيه، مثل رأس المال في النظام الرأسمالي. لكن شيوخ الـ CIA، الممولون من محميات الخليج، قلبوا هذا المنطق رأسًا على عقب، فنسبوا الاقتصاد إلى الدين، وكأن هناك "اقتصادًا إسلاميًا" أو "مسيحيًا" أو "بوذيًا". هذه الضحالة الفكرية تكشف زيف ادعاءاتهم، فالصين نفسها، بقوتها الشيوعية، لا تدعي أنها تجاوزت الرأسمالية بعد، بل تتحدث عن "اشتراكية بخصائص صينية" كمرحلة انتقالية. أما العرب، فغرقوا في أوهام "الاقتصاد الإسلامي" التي لم تقدم لهم سوى الخراب.
محميات الخليج ودورها في الإبادة
محميات الخليج الصهيو-أمريكية، التي تقف وراء هذه التسميات المزيفة، هي أكثر الدول اندماجًا في المنظومة الرأسمالية العالمية، لكن من موقع تابع ودنيء. شيوخها، الذين تحركهم وتفتي لهم وحدات مثل "الوحدة 8200" الإسرائيلية، كرسوا أموالهم لتمويل الإبادات الجماعية ضد شعوب المنطقة – في العراق، اليمن، سوريا، والجزائر – خدمةً للكيان الصهيوني المارق وللمصالح الأمريكية. هذه المحميات، بأدواتها الإعلامية والدينية، لم تكن سوى ذراع لتكريس الهيمنة الرأسمالية، مستخدمة الدين كغطاء لجرائمها.
إيران ومدرسة شيكاغو
حتى إيران، التي ترفع شعارات المقاومة، لم تسلم من هذا الوهم. بعض الاقتصاديين في طهران اعترفوا أن السياسات الاقتصادية للتيار الإصلاحي استلهمت من مدرسة شيكاغو النيوليبرالية، التي تدعو إلى السوق الحرة والخصخصة. هذا التأثير أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية، مما دفع الشعب الإيراني للتظاهر ضد هذه السياسات، واختيار حكومة جديدة تسعى لتصحيح المسار. هذا يؤكد أن أي انحراف نحو النيوليبرالية، حتى تحت شعارات دينية، يخدم الرأسمالية العالمية وليس مصالح الشعوب.
الخلاصة
"الاقتصاد الإسلامي" ليس سوى أفيون صنعته أيادٍ استعمارية ومحميات خليجية لتخدير العرب وإبعادهم عن البديل الاشتراكي الحقيقي، الذي تبرزه الصين كنموذج تنموي ناجح. لا اقتصاد إسلامي ولا مسيحي ولا بوذي، بل اقتصاد رأسمالي واحد يحكم العالم اليوم، ومحاولات تجاوزه تتطلب قوة عالمية جبارة كالصين، وليس شعارات جوفاء كتلك التي تسوقها الإخوان وشيوخ الخليج. البنوك "الإسلامية" وغيرها من الأدوات ليست سوى قناع لتوحش الرأسمالية، تدمر الشعوب وتخدم أعداءها، بينما تظل الأمة غارقة في أوهام منعها من مواجهة تحدياتها الحقيقية.
بالاستفادة من التوثيق للذكاء الاصطناعي
شاعر وكاتب شيوعي بلجيكي من أصول روسية وفلسطينية.