ساعة هروبنا من الجنة / اغواء


فرات المحسن
الحوار المتمدن - العدد: 8156 - 2024 / 11 / 9 - 17:05
المحور: الادب والفن     

كان يغذ السير حالما يطالع الجسد العاري اللدن الذي يسير أمامه متهاديا.جسد بض مفتول بتقاطيعه المبهرة. كانت الشمس تتماوج بضوئها البراق المبهج، فيبدو الجسد مثل رشاش ألوان سماوية لبروق مشعة تخطف البصر. في الصباح الباكر يتلوى برونزيا ساحرا نطاطا بانحناءاته وتكوراته. كان يبطئ السير عامدا ليكون خلفها، يتملى هذا المثير الوثاب. قيل له في اليوم الثاني من الولادة، إن هذا الجسد اللعوب المائس أمامه، مستل من أحد أضلعه. فكر كيف حدث ذلك وجسده مغطى بالكامل بغابة من شعر اسود فاحم، وهي ببياض بشرتها الملساء لا تحمل شبها لأية قطعة من جسده القريب الشبه بجسد خنزير.
فجأة ينبهه رنين صوتها الآمر فيفاجئ روحه باكتشاف إثمها. فتغويه بابتسامتها المتخابثة اللذيذة. حينها يستيقظ من نشوته ليتصنت نشيد البراري .
ــ هلم بنا يا آدم.
للمرة الأولى يخترق السكون صوت عصفور مر مرعوبًا هاربًا من مخالب شاهين يلاحقه، سمعا صوته الواهن يتردد في الفضاء البعيد حيث ترتمي في غوره بداية الأشياء التي أقصتهم نحو هذا المكان، يا لحظه العاثر، قالت حواء في سرها، وأمالت رأسها وتفحصت بنظرة مسرة وجه آدم الرخامي الهادئ.
مدت يدها وقطفت تفاحة قانية الحمرة. فركتها وقلبتها بين راحتي يديها، سمعت همسا، فحيحا ثم همسا ثم توسلا، قربتها من فمها وقضمت بعض منها، سمعت صوت القضم المكتوم وكأنه يأتي من فج عميق ففاض رضابها، مضغت بتلذذ، شدهت من الطعم السكري الرطب اللذيذ.
مدت يدها وقدمت التفاحة لآدم، كان حينها ساهيا ينظر لردة فعل جسدها حين راح يتلوى بشبق اللذة وهي تمضغ التفاحة. كان يتملى ردفيها وهما يهتزان بطراوة فرح. تردد باستلام بقايا التفاحة، شعر بجفاف الحلق وبرودة في الأصابع، ومن شدة خوفه وتردده أحس بالدوار وارتخاء ركبتيه، فلم يجرب في الماضي البعيد تذوق مثل هذه الثمار، ولا حتى شاهد لونها الأحمر القاني. لم يصادف ما يشبهها في السهوب والصحارى والوديان والشعاب والمروج التي جاباها سويا، ربما يكون الطعم ملوثا بالمعصية؟ لم يكن يدري ما يمكن فعله، لذا أسبل يديه ولم يمدهما لتناول التفاحة.

ــ خذ تذوق أنها السعادة،تسمى تفاحة لا تتردد،أمسكها تعرف عليها، خذ أقضم ليبتل ريقك برحيقها.
نظر في عينيها المضيئتين المشعتين وكأنهما لؤلؤ وضاء. ابتسمت بغنج وأمالت جسدها إلى الأمام وقامت بحركة دائرية برزت معها مفاتن الجسد المتوثب المتصالب وأسبلت عينيها ثم مدت يدها بغنج ورقة لتمسك يده، سحبته والتصقت بجسده، شعر بحرارة جسدها المشتعل رغبة. عندها امتلأت السماء فجأة بالنجوم واختفى الصباح، فبادرت ودست التفاحة في باطن كفه وطبعت قبلة تحت شحمة أذنه اليسرى. انتابته قشعريرة فأغمض عينيه، وعندها أدرك عمق الهوة من اللذة الذاهب لعنفوانها، شعر وكأنه يهوي من شاهق، واكتسح كيانه بالكامل سحر أخاذ، سارع بالتهام التفاحة فأحس لسع حلاوتها. غشاه ضباب كثيف، وسمع حفيف نسائم يضج بأصوات أنغام غريبة ساحرة توقظ في روحه رغبة عارمة جامحة، تجرجره مزهوا نحو أطياف براقة. وبروح ضمآن وصوت متهدج أخرج جملته قبل أن يأخذه صمت النار المتقدة في الأجساد.
ــ هلمي بنا نفعل ما أراده الرب.