الْإِسْلَام وَالرَّأْسَمَالِيَة


عبد الرحمان النوضة
2024 / 8 / 23 - 14:25     

مُجمل الحَركات الإِسْلَامية تَـقْبَل الرَّأْسمالية، وَتَـقْبَل الاستـغلال الرَّأْسَمَالي. وَتَظُنُّ أن دِين الإسلام يَقبل الرَّأْسَمَالِيَة، وَالْاِسْتِـغْلَال الرَّأْسمالي. وهذا تَأْوِيل نَاقِص، أو جَاهِل، أو غَيْر عِلْمِي.
وَكُلُّ الْإِسْلَامِيِّين والمُسْلِمِين الذي يَرْفُضُون "الرِّبَا"، وفي نـفس الوقت، يَقْبَلُون الْاِسْتِغْلَال الرَّأْسَمَالِي، يَسْـقُطُون في تَنَاقُض مَنْطِقِي شَامِل. ولماذا ؟
لأنّ الإسلام يَرفض الرِّبَا. و"الرِّبَا" (في الشَّرْع) هو المَبْلَغ المَالِي الذي يؤدِّيه الشَّخْص المُقْتَرِضُ زِيادةً على ما اِقْتَرَض (تبعًا لِشُرُوط هذا القَرْض). وهذا "الرِّبَا" الذي تُطَبِّـقُه الْأَبْنَاك الرَّأْسَمَالِيَة، يَحْتَوِي على نَوْع مِن الْاِسْتِغْلَال الرَّأْسَمَالِي. وَ "الرِّبَا" هُو أَقَلُّ اِبْتِزَازًا، وأَقَلُّ نَهْبًا، وَأَقَلُّ ظُلْمًا، بِالمُقَارَنَة مع الْاِسْتِـغْلَال الرَّأْسَمَالِي.
وَ "الرِّبَا" يحدثُ مَرَّةً واحدة (عند كلّ قَرْض)، بَيْنَما الْإِسْتِغْلَال الرَّأْسَمَالِي يَتَكَرَّر على مَدَى حَيَاة الشَّخْص المُسْتَغَلِّ، وَعَلى مَدَى الْأَجْيَال (أَبْنَاء المُسْتَـغَلِّين، يَبْقُون عُمُومًا هُم أَنْفُسُهم مُسْتَـغَلِّين).
وهذا "الْاِسْتِـغْلَال الرَّأْسَمَالِي" هو الْاِسْتِحْوَاذ على فَائِض الـقِيمَة المُنْتُوج من طَرف العَامِلِين المَأْجُورِين المُسْتَـغَلِّين. أَيْ الْإِسْتِحْوَاذ على المَنْتُوج الزَّائِد عنْ الْأُجْرَة، بعد خَصْم تَكَالِيف الْإِنْتَاج).
وَقد ورد في حَدِيث «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَهُ» [حديث]. وَبِنَفْس المَنْطِق السَّابِق الوارد في ذلك الحَدِيث، يُمْكِن أن نَقـول : "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَـعْمِل الْاِسْتِـغْلَال الرَّأْسَمَالِي، وَمُوَكِّلِيه، وَمُنَاصِرِيه، وَمُشَرِّعِيه".
فَإِنْ كَان "الرِّبَا" مَرْفُوضًا في الإسلام، كَيْفَ يُعْـقَل أن تَـقْبَلَ الحركات الْإِسْلَامِيَّة الْاِسْتِـغْلَالَ الرَّأْسَمَالِيَّ، والرَّأْسَمَالِيَةَ ؟ إنّ كلّ مَن يَقْبَل بِالْاِسْتِغْلَال الرَّأْسَمَالِي، سَيُؤَدِّي به مَنْطِق الرَّأْسَمَالِيَة حَتْمًا إلى الـقَبُول بِالرِّبَا، وَبِمَظَالِم أُخْرَى كَثِيرَة هي أَفْظَع مِن الرِّبَا !
وَإِنْ لَمْ يتـكلّم القُرآن عن الْإِسْتِغْلَال الرَّأْسَمَالِـيّ، فَلِأَنّ هذا الْإِسْتِغْلَال الرَّأْسَمَالِي لم يَكُن مَوْجُودًا، وَلَا مَعرُوفًا، وَلَا مَـفْهُومًا، إِبَّان نُشُوء الدِّين الْإِسْلَامِي. وَلَوْ رَأَى نَبِيُّ الْإِسلام الرَّأْسَمَالِيَة التي نَمَت بَعده بِبِضْعَة قُرون، وَلَو عَلِمَ بِمَا تُؤَدِّي إليه هذه الرّأسمالية مِن مَظَالِم مُجْتَمَعِيَة فَظِيعَة، حيث تُسَهِّل اِسْتِحْوَاذ أَقَلِّيَة قَلِيلَة على مُجمل ثَرَوَات المُجتمع، وَتُحَوِّل غَالِبِيَّة مُواطني الشّعب إلى مُسْتَـغَلِّين، وَمُجَهَّلِين، وَمُضْطَهَدِين، وَمُهَمَّشِين، وَمَحْرُومِين، وَفُقَرَاء، وَتُعَسَاء. فَالْاِحْتِمَال الأكبر هو أنّ نَبِيَّ الْإِسْلَام كَان سَيَدْعُو إلى مُحاربة الرَّأْسَمَالِيَة. والدَّلِيل على ذلك هو أنّه، لَمَّا رَأَى الإسلام أنّ النِظَام المَلَكِي يُؤَدِّي إلى مَظَالِم مُجتمعية، قَال بِوُضُوح «إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ» [النمل: 34]. وَأَضَافَ الـقِرْآن : «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» [الشورى: 38]. وَنَسْتَنْتِج مِن هَاتَيْن الْآيَتَيْن، أنّ الـقُرآن يُعارض النِظَام السياسي المَلَكِي، وَيُحَبِّدُ أكثر النظام السياسي الجُمْهُورِي الدِّيمُوقراطي. لكن مُعظم الـفُقَهَاء، والحركات الإسلامية، يُساندون الرَّأْسَمَالِيَة، وَالْأَنْظِمَة السيّاسية المَلَكِيَّة، أو الْإِمَارَاتِيَة. وهذا المَوْقِف الرَّأْسَمَالِي يَتَـعَارَض مع الجَوْهَر في الْإِسْلَام، وَهُو رَفْض الظُّلْم، كَيْفَ مَا كَان شَكْلُه. [رحمان النوضة. في الأربعاء 21 غشت 2024].