قراءة نقدية في مشروع قانون الإضراب رقم 97.15


حمزة شافعي
2024 / 7 / 26 - 23:01     

قراءة نقدية: في مشروع قانون تنظيمي رقم 97.15 مشروع قانون تنظيمي بتحديد شروط وكيفية ممارسة حق الإضراب
لقد شرعت الحكومة في الشهور الأخيرة إلى وضع مشروع "للقانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب" وهو القانون الذي تسعى من خلاله الحكومة ظاهريا إلى تنظيم حق الإضراب انسجاما مع الفصل 14 من الدستور الذي ينص على أن "حق الإضراب مضمون وسيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق. وفي الواقع وكما سيتضح من القراءة النقدية لمشروع القانون التنظيمي حول الإضراب فإن الحكومة تهدف إلى تكبيل حق الإضراب عبر تضييق مجال ممارسته ووضع عدد من العراقيل أمام الممارسة القانونية لحق الإضراب.
• بعض التوضيحات الأساسية قبل الشروع في القراءة النقدية للمشروع:
1) إن حق الإضراب كجميع الحقوق العمالية هو مكسب للطبقة العاملة على المستوى الدولي وعلى المستوى الوطني كذلك، جاء نتيجة لنضالات مريرة ولتضحيات جسيمة. ولم يتم الاعتراف بهذا الحق في البلدان الصناعية إلا بعد ممارسته بعشرات السنين وأصبح حق الإضراب من الحقوق للشغيلة الأساسية ولمنظماتهم قبل أن يصبح حقا من حقوق الإنسان معترفا به العهد الدو لي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 8 الفقرة د) المصادق عليه من طرف الأمم المتحدة في دجنبر1966. وللتذكير فإن المغرب قد صادق على هذا العهد الذي أصبحت مقتضياته ملزمة لبلادنا.
2) في المغرب، إن حق الإضراب هو حق دستوري منذ الدستور الأول المصادق عليه عام 1962 ورغم ذلك فإن هذا الحق غير محمي قانونيا، على العكس من ذلك إن التشريع المغربي والنصوص التنظيمية يتضمنون عدد من المقتضيات الزجرية لممارسة حق الإضراب.
وفي هذا السياق سنحاول أن نشرع في تقديم قراءة نقدية لا تحمل في طياتها أيديولوجيا معينة بقدر ما هي قراءة موضوعية والتي سنتطرق فيها إلى الأبواب الرئيسية في المشروع.
 قراءة نقدية في مقتضيات المشروع:
يتضمن المشروع 49 مادة و6 أبواب.
• الباب الأول: يتعرض لمفهوم الإضراب والأشخاص المعنيين به.
• الباب الثاني: يتعرض لشروط وكيفيات الإضراب في القطاع الخاص.
• الباب الثالث: يتحدث عن شروط وكيفيات الإضراب في القطاع العام.
• الباب الرابع: أحكام خاصة بالإضراب في المرافق الحيوية.
• الباب الخامس: العقوبات.
• الباب السادس: أحكام مختلفة وختامية.

 الملاحظة الأولى: (الباب الأول).
تتعلق بالتعريف الذي سطره هذا المشروع لمفهوم الإضراب والذي عرفه بالتوقف الجماعي في فترة زمنية معينة، والتي تتسم بالعمومية والضبابية مما يتضح جليا أن هذا الباب يمكن أن تقع فيه العديد من التلاعبات نظرا للفراغ القانوني هذا السياق. كما يشير هذا الباب إلى الفئات المعنية بالإضراب والذي تم حصرها في الأجير والمشغل والتي تم إغفال العديد من الفئات الشغيلة في القطاع مما يتم تضييق الحريات والحق في الإضراب، أيضا تم منع أي إضراب سياسي مما يشكل تناقضا واضحا في الحقوق العامة والحرية التنظيمية والسياسية التي يكفلها الدستور الجديد 2011. ولابد للإشارة إلى أن أي مجال مرتبط بما هو سياسي لا سواء من ناحية ارتباط المجالات في الشغل ولا سواء في تعاطي الدولة أو الشركة مع الفئة المستغلة.
 الملاحظة الثانية: (الباب الثاني).
تتعلق بالشروط والآليات التي يجب أن يتم بها الإضراب في القطاع الخاص، والملاحظ في هذا الباب أنه تم وضع العديد من القيود والشروط التي يجب أن يتقيد بها العامل في القطاع الخاص وتكبيل أيديه بفرض مجموعة من الشروط والتي تضرب عرض الحائط الحريات العامة والتنظيمية وحقوق الإنسان. فمثلا نرى بأن على النقابة المعنية بالإضراب (والتي تم تحديد أحد شروطها بأنها يجب أن تكون الأكثر تمثيلية). عليها أن تتبع مجموعة من المساطير الإدارية والتي تقيد وتكبل الحق في الإضراب ك (إخبار السلطات العمومية: من رئيس الحكومة إلى العامل الإقليمي...، وضع فترة تتراوح من شهر على الأقل للتفاوض...).
من الملاحظ أيضا في هذا الباب أن من حق مجموعة من أجهزة الداخلية التدخل في الإضراب وذلك بطرق غير مباشرة الصيغة القانونية والتي تعطيها طابع حماية الأشخاص والممتلكات العمومية، لكن في جوهرها هي منع الإضراب واتخاد المقاربة القمعية في حل نزاعات وإشكالات الفئة الشغيلة في هذا المجال.
 الملاحظة الثالثة: (الباب الثالث).
تتعلق بتحديد شروط وممارسة الحق في القطاع العام، الملاحظ في هذا الفصل إلى الإشارة إلى أنه يجب التقيد بنفس مقتضيات الباب الأول ما عدا بعض المواد التي لا تدخل في القطاع العام، وبالتالي ليس هناك تمييز بين القطاعين الخاص والعام، فمن المعلوم أن القطاع العام كان يتميز بمجموعة من الامتيازات في الحقوق والحريات النقابية لكن انطلاقا من هذا المشروع لم تعد هذه الحقوق متاحة مما يزيد من حدة المنع والتضييق على الحريات والحقوق مما يطرح سؤالا أين هي الحقوق التي يضمنها الدستور في مجال الحريات وحقوق الإنسان والحق في التنظيم؟ أيضا أين هي الحقوق التي تكفلها الدساتير والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتي وقع عليها المغرب؟ ثم ما الغاية التي تتجه إليها الحكومة لفرض مثل هذه القوانين؟
أيضا يمنع على الفئات التي تشتغل في الأجهزة الداخلية الإضراب بصفة نهائية.
 الملاحظة الرابعة: (الباب الرابع).
خاص بالإضراب في المرافق الحيوية، والتي يتم تقييد هذه الفئة بشكل مباشر وصريح. ويمكن للمؤسسة أو الشركة أن تستعين بالسلطات المعنية بالتدخل بشكل مباشر للحد من الإضراب. أيضا يمنح الحق للمؤسسة المعنية بالمرافق الحيوية بتعويض المشتغلين المضربين بلائحة أخرى من الأجراء الآخرين بسبب إضرابهم والدفاع عن حقوقهم، وهذا يعتبر ضربا صارخا في الحق في الشغل والحق في الإضراب ويعتبر طردا تعسفيا.
 الملاحظة الخامسة: (الباب الخامس).
يشير الباب الخامس من هذا المشروع إلى العقوبات الناتجة عن الإضراب أو التغيب عن العمل بلغة هذا المشروع، وتطبق هذه العقوبات على العاملين في القطاع العام والقطاع الخاص وفي هذا الصدد يطرح سؤال جوهري: هل شروط العمل في القطاع الخاص هي نفسها في القطاع العام؟
يتميز هذا الباب بفرض عقوبات لمن مارس الإضراب وخالف شروطه في مقتضيات هذا القانون وتختلف العقوبات حسب الحالات والمستويات التي يتم بها الإضراب وتتنوع بين الغرامات المالية والاعتقال، كما يمنح مقتضيات هذا المشروع الحق بتدخل الشرطة والسلطات القضائية في التدخل وقمع الحرية في الإضراب والحرية النقابية. مما يجعل ذلك تعاطي سياسي في جوهره والذي تم منعه للمشغلين في المادة 5 من الباب الأول مما يعتبر تناقضا واضحا وصارخا في هذا المشروع وممارسته.
 الملاحظة السادسة: (الباب السادس).
يتعلق هذا الباب والأخير بمنح السلطة الكاملة للقوات العمومية (الشرطة، القوات المساعدة…) بالتدخل من أجل فك الاعتصامات والإضرابات بغاية قمع وكبح المضربين وليس الحفاظ على النظام العام كما يدعي القانون. وبالتالي يتبين لنا جليا كيفية تعاطي الحكومة مع المضربين والمحتجين حول الدفاع عن حقوقهم.
تمت الإشارة في الأخير إلى أن هذا المشروع سيكون قيد التفعيل بعد انقضاء ستة أشهر من إصداره وبعد نشره في الجريدة الرسمية.
 خلاصة:
كخلاصة لما سبق، يتضح بعد القراءة النقدية لمشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب أو بالمقارنة بالخصوص مع الانتظارات من أي قانون تنظيمي لحق الإضراب في بلد يدعي الديمقراطية لم يرقى إلى الانتظارات المطلوبة وكل ما تدعيه الدولة في الحقوق والحريات.
إن المصادقة على هذا المشروع سيشكل انتكاسة لا سابق لها بالنسبة لممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص والقطاع العام.
إن المصادقة على هذا المشروع سيؤدي على تكبيل حق الإضراب بل وإلى منع ممارسة هذا الحق في كثير من الأحيان ولهذا يحق تسميته بمشروع القانون التكبيلي للإضراب.
إن هذا المشروع يشكل في الواقع استجابة كلية من طرف الحكومة وهو يفضح نوايا الحكومة ومدى انحيازها للمؤسسات والشركات. إنه هدية كبرى جديدة للمؤسسات المستغلة تنضاف إلى مشروع مدونة الشغل. فإذا كان مشروع المدونة قد مكن من الترسيم القانوني لمفاهيم المرونة في التشغيل وفي الأجور، ومكن من تكريس تهميش دور النقابة على مستوى المقاولة ومن خلق شروط استغلال أبشع للعمال دون أي زجر جدي لهذه الشركات والمؤسسات الاستغلالية والمنتهكة لقوانين الشغل، فإن مشروع القانون التنظيمي للإضراب الجديد، جاء لتجريد الطبقة العاملة من سلاح الإضراب كأداة لمواجهة الاستغلال المكثف والقهر المضاعف.