إسرائيل تسعى لتبديل قوانين الحرب
سعيد مضيه
2024 / 7 / 20 - 21:01
يتهم نيفيه غوردون إسرائيل باعتماد مبدأ أن "القانون الدولي برمته يعتمد الآن على فكرة أن الفعل المحظور اليوم يصبح مسموحا به إذا تم تنفيذه من قبل عدد كاف من البلدان".يضيف الأستاذ ذو النفوذ في القانون الدولي والأستاذ الزائر في قسم السياسة والدراسات الاممية، والمؤلف المشارك لكتاب "من اجل هيمنة الحق الإنساني" ،في مقالة تحليلبة نشرت في 18 تموز /يوليو الجارب، ان "إسرائيل، إذ تحول قطاع غزة وتقتل عشرات الآلاف من الناس، فإنها تحاول أيضًا إعادة خلق قواعد صناعة الحرب وإحداث تغيير كبير في تفسيرات قوانين الصراع المسلح." يكتب:
ربما لا يعرف معظم الناس ذلك، لكن ويكيبيديا لديها صفحة تسمى "قائمة الاغتيالات الإسرائيلية". تبدأ في يوليو 1956 وتمتد على مدار 68 عامًا حتى اليوم. الأغلبية في القائمة هم من الفلسطينيين. ومن بينهم القادة الفلسطينيون المشهورون غسان كنفاني زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخليل إبراهيم الوزير زعيم فتح - المعروف أيضًا باسم أبو جهاد، والشيخ أحمد ياسين زعيم حماس، وفتحي الشقاقي زعيم الجهاد الإسلامي.
عند النظر إلى القائمة الطويلة، من المستحيل عدم ملاحظة أن عدد الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل على مر السنين قد زاد بشكل كبير: من 14 في السبعينيات إلى أكثر من 150 في العقد الأول من الألفية الجديدة و 24 منذ يناير 2020.
تذكرتُ هذه القائمة عندما عقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحفياً يوم 13 يوليو/تموز للاحتفال بمحاولة إسرائيل قتل القائد العسكري لحركة حماس محمد ضيف في غزة. وكانت الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار الإسرائيلية قد قصفت للتو مخيم المواصي، الذي يأوي الآن ما يقدر بنحو 80,000 نازح فلسطيني يعيشون في خيام مكتظة بالسكان.
وفي غضون دقائق قليلة من إطلاق النار، ذبح الطيارون ما لا يقل عن 90 فلسطينيًا، بما في ذلك العشرات من النساء والأطفال، بينما جرحوا 300 شخص إضافي. وحدث كل هذا في منطقة سبق أن صنفتها إسرائيل "منطقة آمنة". ومع انتشار صور مروعة لجثث متفحمة وممزقة على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت تقارير تفيد بأن إسرائيل استخدمت عدة قنابل موجهة أمريكية الصنع تزن نصف طن.
في مؤتمره الصحفي بمقر وزارة الدفاع في تل أبيب بعد ساعات قليلة من المذبحة، اعترف نتنياهو بأنه "ليس متأكداً تماماً" من مقتل الضيف، لكنه أكد أن "مجرد محاولة اغتيال قادة حماس هي التي توصل رسالة" إلى العالم، مفادها أن أيام حماس أصبحت معدودة».
لكن حتى الإطلاع السريع على "قائمة الاغتيالات الإسرائيلية" يظهر بوضوح أن نتنياهو كان يتحدث بلسان متشعب. وهوعلى إدراك تام أن اغتيال إسرائيل لزعيمي حماس السياسيين الشيخ ياسين وعبد العزيز الرنتيسي أو القادة العسكريين يحيى عياش وصلاح شحادة لم يفعل سوى أقل القليل لإضعاف الحركة وربما أدى إلى زيادة أتباعها.
إذا كان ثمة غاية، فإن سنوات وسنوات من الاغتيالات الإسرائيلية تثبت أن القادة الإسرائيليين يستخدمونها في المقام الأول لإرضاء ناخبيهم وحشدهم بجانبهم. والمؤتمر الصحفي الأخير لنتنياهو ليس استثناءً.
لكن على الرغم من فظاعة قائمة ويكيبيديا، فإن الأسماء الموجودة فيها لا تحكي سوى قصة جزئية؛ ذلك لأن واضعها فشل في إدراج عدد المدنيين الذين قتلوا خلال كل محاولة اغتيال ناجحة أو فاشلة.
على سبيل المثال، كانت ضربة 13 يوليو/تموز هي المحاولة الثامنة المعروفة لاغتيال الضيف، ومن الصعب حساب العدد الإجمالي للمدنيين الذين قتلتهم إسرائيل في سعيها لاغتياله. فشلت قائمة ويكيبيديا في توضيح كيف أدت الزيادة في الاغتيالات إلى زيادة هائلة في الوفيات بين المدنيين.
ويتجلى ذلك عندما نقارن سياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل حاليا مع سياستها خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وعندما اغتالت إسرائيل قائد كتائب القسام التابعة لحماس صلاح شحادة عام 2002، قُتل 15 شخصاً، من بينهم شحادة وزوجته وابنته البالغة من العمر 15 عاماً وثمانية أطفال آخرين.
بعد الغارة، حدثت ضجة عارمة في إسرائيل بشأن الخسائر في أرواح المدنيين، حيث وقع 27 طيارًا إسرائيليًا على رسالة يرفضون فيها القيام بطلعات جوية لاغتيال المدنيين فوق غزة. وبعد مرور ما يقرب من عقد من الزمن، توصلت لجنة تحقيق إسرائيلية إلى أنه بسبب "فشل جمع المعلومات الاستخبارية"، لم يكن القادة على علم بوجود مدنيين في المباني المجاورة في ذلك الوقت، ولو علموا لألغوا الهجوم.[كذب فقتل المدنيين ههدف أساس].
وتتماشى النتائج التي توصلت إليها اللجنة مع قوانين النزاع المسلح، التي تتسامح ، أو على الأقل تتغاضى، عن قتل المدنيين الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية طالما أن عمليات القتل هذه ليست "مفرطة" بالنسبة إلى الميزة "الملموسة والمباشرة"، التي يتوقع الطرف المتحارب الحصول عليها من الهجوم.
تهدف هذه القاعدة، المعروفة بمبدأ التناسب، إلى ضمان أن أهداف العملية العسكرية تبرر الوسيلة من خلال الموازنة بين الميزة العسكرية المتوقعة والضرر المتوقع على المدنيين.
ولكننا اليوم بعيدون بسنوات ضوئية عن استنتاجات اللجنة فيما يتعلق بمخزونات العنف التي تبنتها إسرائيل والمبررات القانونية التي تقدمها الآن.
فأولا، تغيرت أشكال صناعة الحرب في إسرائيل بشكل كبير منذ عام 2002. ووفقاً لمنظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية، التي تتألف من قدامى المحاربين العسكريين، فإن مذهبين قد وجها الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ عام 2008 : الأول هو "مبدأ عدم وقوع إصابات"، وينص على أنه من أجل حماية الجنود الإسرائيليين، يمكن قتل المدنيين الفلسطينيين دون عقاب؛ و المبدأ الثاني يوصي بتعمد مهاجمة مواقع مدنية لردع حماس.
لا نمستغرب أن تؤدي هذه المبادئ إلى هجمات تسفر عن إصابات جماعية تشكل، وفقاً لقوانين الصراع المسلح، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ونتيجة لذلك، اضطر المحامون العسكريون الإسرائيليون إلى تعديل الطريقة التي يفسرون بها قوانين النزاع المسلح بحيث تتماشى مع استراتيجيات الحرب الجديدة.
إذا اعتُبر غير متناسب وبالتالي جريمة حرب من قبل لجنة التحقيق الإسرائيلية قبل عقدين من الزمن قتل 14 مدنياً لدى اغتيال أحد قادة حماس، ففي الأسابيع الأولى بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، قرر الجيش أن قتل كل ناشط صغير في حماس يسمح بقتل 15 أو 20 مدنياً؛ وإذا كان الهدف مسؤولاً كبيراً في حماس، فإن الجيش "أذن بقتل أكثر من 100 مدني لدى محاولة اغتيال قائد واحد".
قد يبدو هذا فاضحًا، لكن ضابطًا إسرائيليا في قسم القانون الدولي كان صريحًا للغاية بشأن مثل هذه التغييرات، وذلك في مقابلة أجرتها معه صحيفة هآرتس عام 2009: "إن هدفنا العسكري ليس تقييد الجيش، بل منحه الأدوات اللازمة للفوز في الانتخابات، ’بطريقة مشروعة‘."
كما صرح علانية الرئيس السابق للإدارة، العقيد دانييل رايزنر، بأن هذه الإستراتيجية تم اتباعها من خلال " إعادة النظر في القانون الدولي". إذا قمت بشيء لفترة كافية، فإن العالم سوف يتقبله. القانون الدولي برمته يعتمد الآن على فكرة أن الفعل المحظور اليوم يصبح مسموحا به إذا تم تنفيذه من قبل عدد كاف من البلدان.
بعبارة أخرى، فإن الطريقة التي نحسب بها التناسب لا يتم تحديدها من خلال بعض المراسيم الأخلاقية المسبقة، بل من خلال القواعد والعادات التي أنشأتها الجيوش عندما تتبنى أشكالًا جديدة وأكثر فتكًا في أغلب الأحيان من صناعة الحرب.
ومرة أخرى، نتنياهو يعرف هذا جيدا. وذكر أنه وافق شخصيا على ضربة المواصي بعد تلقي معلومات مُرضية عن "الأضرار الجانبية" المحتملة ونوع الذخيرة التي ستستخدم.
والأمر الواضح هو أنه في الوقت الذي تدمر فيه إسرائيل قطاع غزة وتقتل عشرات الآلاف من الناس، فإنها تحاول أيضًا إعادة خلق قواعد صناعة الحرب وإحداث تغيير كبير في تفسيرات قوانين الصراع المسلح.
وإذا نجح نتنياهو وحكومته في جعل النسخة الإسرائيلية من التناسب مقبولة بين الجهات الحكومية الأخرى، فإن قوانين الصراع المسلح سوف تنتهي في نهاية المطاف إلى تبرير العنف المرتكب للإبادة الجماعية بدلاً من منعه. والواقع أن هيكل النظام القانوني الدولي برمته أصبح الآن في الميزان.