الحركة النقابية بالمغرب: واقع الإخفاق،أسبابه،نتائجه ومقترحات لتجاوزه
محمد السكاكي
2024 / 7 / 11 - 02:47
مقدمات أولية:
- الوضعية الحالية للحركة النقابية،هي جزء من وضعية عامة للحركة الجماهيرية،وتعبير عن علاقات القوى القائمة.
- الوضعية الحالية للحركة النقابية،ليست وليدة الصدفة،او نتيجة أخطاء في التسيير والقيادة،بل هي نتاج نهج سياسي يقوم على استراتيجية سياسية انتهازية،وتوجه بيروقراطي متعفن.
- الحديث عن الحركة النقابية محصورا في مركزيتين نقابيتين: الاتحاد المغربي للشغ ل والك ونفدرالية الديموقراطية للشغل،وتجنب الحديث عن بعض الإطارات الموازية للأحزاب الرجعية¹.أو بعض النقابات القطاعية ذات التأثير المحدود².
- الحديث عن الاتحاد المغربي للشغل،إلى حدود بداية الستينيات من القرن الماضي،حين انسحبت عمليا من الميدان،واستئناف العمل النقابي رغم محدودي ته،من خلال النقابات القطاعية داخلها،والتي عانت من اضطهاد القيادة البيروقراطية.
- الحديث عن توجه بيروقراطي،يتحكم في هذه الحركة،واستثناء بعض الفروع المحلية،والقواعد النقابية التي تجد نفسها في وضعية التعارض والصراع معه.
- استثناء الإضرابات المحلية،التي لم يقررها الجهاز البيروقراطي،من منطق التوظيف الدعائي.
- التخاذل واتخاذ موقع المتفرج،بل والمتواطئ،تجاه أحداث دموية كانت المركزيات النقابية سببا مباشرا في اثارتها (الانتفاضات الشعبية ا لتي اعقبت دعوتها إلى إضراب عام 20 ينيو 1981، 14 دجنبر 1990...)
شكل "الارتباط وفك الارتباط" بين النقابة والحزب،أهم النقاشات التي دارت في الساحة السياسية والنقابية،خاصة بين مكونات الحركة الاتحادية³، وقيادة الاتحاد المغربي للشغل⁴، منذ 1955، إلى حدود منتصف الستينيات من القرن العشرين،النقاش الذي تكونت بصدده وجهتا نظر متباينتين:
الأولى:تنظر إلى النقابة،كقوة يجب أن تبقى مستقلة عن الحزب،وبالتالي السياسة،وتستمد مبرراتها من كون مهمة النقابة تنحصر في الدفاع عن المصالح المادية للطبقة العاملة،وحصر اهتماماتها في بعض المشاكل المتعلقة بتحسين ظروف العمل والأجور...الخ، دون أن تتيح للنقابة إمكانية التعبير عن آراء أو مواقف تجاه قضايا الجماهير الشعبية،أو قضايا الشعوب المضطهدة ،مخافة اختراقها من السياسة،حتى تتمكن من الحفاظ على نقاء النقابة وعذريتها.
الثانية :ترجمها موقف أراد من النقابة رافدا من روافد الحزب،لأنها تشكل صلة الوصل الأساسية بين الحزب ومختلف الشرائح الاجتماعية الأساسية ذات القوة في المجتمع.وهذه النظرة السياسية أو الأصح الحزبية،لم تكن مؤسسة على استراتيجية واضحة، بل كانت مزيجا من الأفكار السلفية وبعض الأفكار البورجوازية الصغيرة⁵.
وأمام صلابة التوجه النقابي البيروقراطي،وسعيه المتواصل إلى عزل النقابة – لا عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فقط – بل عن الصراع الطبقي في المغرب،وكذلك مجريات الصراع بين الامبريالية وقوى الشعوب المضطهدة الساعية إلى التحرر.
وأمام غياب رؤية سياسية ماركسية (علمية وثورية) كفيلة بتحديد ووضع مكانة النقابة في حقل الصراع الطبقي،نتيجة الغموض الفكري والإيديولوجي،تمكنت القيادة البيروقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل،من إخراج النقابة من حلبة الصراع، ساعدها في ذلك تحولها الموضوعي ،بفعل الاختلاسات والهبات والامتيازات⁶ التي راكمتها على حساب الشغيلة(وبمساعدة من أجهزة الدولة المخزنية) إلى شريحة اجتماعية أصبحت مصالحها تبتعد تدريجيا عن المصلحة الطبقية للعمال.
وللدفاع عن هذه المصالح والحفاظ عليها وتوسيع نطاقها، تطلب الأمر من القيادة البيروقراطية بداية تطويع النقابة وإخضاعها بكيفية تدريجية، بما يخدم هذه المصالح،ودون أن يؤدي ذلك إلى انفلات الحركة النقابية من قبضتها.
وهكذا،بدأ النزوع نحو التحكم في نضالات الطبقة العاملة،والحد من تأثيرها،أو حتى إفراغها من محتواها الكفاحي،إما بتوظي فها بهدف توسيع دائرة
الامتيازات،وتعزيز المصالح،في نوع من الاستعراض مع الدولة المخزنية،من حيث أنها الوسيلة المثلى للمساومة والابتزاز،أو توجيه هذه النضالات توجيها وقائيا،هدفه الأساسي إسكات الشغيلة من خلال التخفيف من حدة التوتر وتجنب الانفجار،في التقاء موضوعي مع الغاية الأساسية لدولة المخزن.
وأمام هذه الوضعية،التي آلت إليها الحركة النقابية ،بدأت بعض الحلقات والنقابات القطاعية⁷،تنسحب من الاتحاد المغربي للشغل التي لم تعد الإطار الذي يمكن الشغيلة من الدفاع عن مصالحها،بل أصبحت جهازا للتحكم في الشغيلة وخنق نضالاتها وشل حركتها.
ولم يكن من السهل على هذه النقابات القطاعية أن تشق طريقها بنجاح في الدفاع عن مصلحة الشغيلة،لأنها لم تكن تملك من القوة ما يمكنها من تحقيق الأهداف التي تسعى إليها، بالنظر لموقعها غير المؤثر في الصراع ( نقابة موظفي
البريد،نقابة موظفي قطاع الصحة،نقابة موظفي قطاع التعليم)،لم تستطع أن تترجم الأهداف التي سعت إليها،حين انسحبت من الاتحاد المغربي للشغل .
وفي هذا السياق،ستنتعش بعض التوجهات السياسية (الحزبية) من داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية⁸، في سعي إلى توظيف هذه الحلقات النقابية في تصفية حساباتها القديمة والمتجددة مع الجهاز البيروقراطي داخل النقابة،التي سارت في اتجاهين مختلفين، فكما حاول أحدهما توظيفها كورقة ضغط في الصراع مع الجهاز البيروقراطي للحد من نفوذه وتأثيره داخل النقابة،لاستعادة مكانة الحزب داخلها،والوعي كذلك بمخاطر الانشقاق وتأسيس كيان نقابي جديد، حاول الاتجاه الآخر تغذية نزعة الانشقاق،ومعانقة الحلم الذي طالما راوده،في إيجاد رافد حزبي داخل الحركة النقابية دون أي اهتمام بمخاطر وتبعات شق الحركات الجماهيرية،وهذا ما تشهد عليه جملة من الضربات التي وجهها هذا الخيار للحركة الجماهيرية: الانسحاب من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في المؤتمرين الخامس عشر والسابع عشر،لتجاوزهما السقف الذي وضعه هذا التوجه السياسي المهادن،الانسحاب من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وتأسيس كيان حقوقي جديد على مقاس حزبي ضيق يناير 1989 (المنظمة المغربية لحقوق الانسان ...) الخ.بحيث أصبح أسلوب الانسحاب والانشقاق،وجها آخر لمنطق الإحتواء.فإذا تعذر احتواء حركة جماهيرية معينة،في قوالب سياسية متكلسة فإن الحل هو شقها وتشتيتها.
هذه إذن ،الملابسات العامة التي سبقت وواكبت تأسيس مركزية نقابية جديدة (الكونفدرالية الديموقراطية للشغل) بقرار حزبي خلال المؤتمر الثالث للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 1978،بالإستناد على خيار سياسي تعود جذوره،إلى استراتيجية سياسية،أقرها المؤتر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 1975،والتي تقوم على رسم طريق جديد للمعارضة السياسية بما يتماشى والتوجهات التي رسمتها الدولة المخزنية،وتحدد بذلك "طريقا للتغيير" من داخل المؤسسات .
وتبلور هذا الخيار داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،بعدما تمكن المخزن من تصفية الخلايا المسلحة،التي تأسست وتكونت داخل الحركة الاتحادية – أو بالأحرى -في ارتباط ببعض قادتها⁹، والتي امتد عملها المتواصل -رغم محدوديته – لما يقارب عشر سنوات، ما بين 1963 و 1973.وبعد انسحاب الخيار الراديكالي،الذي تكون داخل الحركة الاتحادية أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين،والذي شكل خيارا آخر خارجا عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (منظمة 23 مارس) .
إذن،التوجه العام الذي رسمه المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية¹⁰، جاء بعدما تخلص من العناصر والقوى التي كان استمرارها داخله يؤثر بشكل سلبي على بناء استراتيجيته السياسية الاصلاحية،وهذا ما مكنه بسهولة من الالتحاق ب"ساحة النضال الجديدة" والبديلة ( البرلمان والجماعات المحلية)،تحت شعارات ومبررات ديماغوجية وزائفة تقوم على استغلال "الهامش الديموقراطي" وتوسيع "الهامش الديموقراطي"...الخ.لكن منطق هذه المؤسسات والنضال من داخلها،يتم وفق قوانين وآليات،تملك من القوة ما يحول المنخرطين فيها،إلى أدوات بيد الدولة وفي خدمتها،وتبعده عن مصلحة الجماهير لا غير.هذا إضافة إلى ما توفره من إمكانيات (الاختلاسات،الامتيازات...) تؤسس
مصالح،تفرض على أصحاب ها الدفاع عنها من خلال هذه المؤسسات، والدفاع عن هذه المؤسسات نفسها.
وبالنظر إلى طبيعة هذا الخط السياسي الجديد،الذي تمكن من التحكم في الحركة النقابية،الذي اعتمد على مختلف الأساليب البيروقراطية والانتهازية حتى لا تنفلت من قبضته،عمل على تغذية الأوهام عند الشغيلة وعموم الشعب،بأسلوبتضليلي،تعززه بعض الأشكال والخطوات "النضالي ة" التي عادة ما لا تأخذ مصلحة الشغيلة مقياسا لها.إذ أن أغلب "المحطات النضالية"،إما كانت استعراضا مع المخزن طلبا لتوسيع نطاق الامتيازات،إما رافعة للحزب إلى الواجهة استعدادا لخوض تجربة انتخابية ما...الخ
وهكذا،كان أول إضراب دعت إليه المركزية النقابية الجديدة (الكونفدرالية الديموقراطية للشغل) إعلانا عن ميلاد خيار سياسي جديد،أبريل 1979، وتراجعت إلى الوراء إلى أن أصبحت حاجة الحزب ملحة للظهور على الواجهة استعدادا لانتخابات 1992-1993،بعد تجربة من "المعارضة المؤسساتية،"أفقدت الممارسة السياسية قيمتها، و أ دخلت القوى السياسية إلى حلبة السباق وا لتنافس على المغانم، ظهورلم يضع في أساسه الملفات النقابية أو وضعية الشغيلة،بل ترجمة للتنسيق بين حزبي الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية¹¹، كحزبين يقفان وراء مركزيتين نقابيتين لخوض الانتخابات.وهذا الظهور كان هدفه "تهييج مشاعر الجماهير" وخلق مناخ عام ي م كِّن من الاستئناس بها قصد تجديد قبضة التحكم فيها،وتوجيهها تدريجيا حتى تتمكن من توظيفها (رصيدها النضالي،وقوتها،وتضحياتها) في بورصة المساومات السياسية،من حيث أنها
"أصوات انتخابية" ترجح الكفة لصالح هذا الطرف أو ذاك لا غير.
وما يبرر هذا الحكم،هو جملة من الخطوات التي تتكامل من حيث الأدوار والأهداف: الأولى،ملتمس الرقابة الذي تقدم به الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،ربيع 1990 ،الثانية،الدعوة إلى إضراب عام بتنسيق بين الكونفدرالية الديموقراطية للشغل،والاتحاد العام للشغالين بالمغرب (سيتم تأجيله في إلى أواسط دجنبر 1990 )،الثالثة،تأسيس "الكتلة الديموقراطية" كتجمع بين أحزاب "المعارضة المؤسساتية": الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،حزب الاستقلال،حزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديموقراطي
الشعبي،الرابعة،مقاطعة الاستفتاء على دستو ر ممنوح 1992، من طرف هذا التجمع(باستثناء حزب التقدم والاشتراكية،الذي صوت في انسجام مبدئي واضح لصالح هذا الدستور)، والخامسة،الدخول لخوض انتخابات 1992- 1993، ينظمها دستور تمت مقاطعة الاستفتاء عليه من جانب هذه الاحزاب.
وهنا يبدو كما لو أن هناك تناقض بين بعض الخطوات المشار إليها،لكن ستتضح الأمور على حقيقتها باستحضار منطق الانتهازية السياسية،الذي يفرض على هذه القوى البحث عن موقع لها داخل هذه المؤسسات (البرلمان،الجماعات المحلية) بأي ثمن.وهنا استغلت وبقدرة فائقة على التضليل كل الامكانيات بما في ذلك تحريك واستثارة الجماهير،بدغدغة مشاعرها بإثارة العديد من مطالبها في برامجها الدعائية الخاصة بحملاتها الانتخابية (لا غير) لضمان سند شعبي لمشاركتها في الانتخابات.وهكذا تتنامى نزعة التوظيف والإخضاع للحركة النقابية (والجماهيرية عموما) بما يتماشى وخط سياسي بعيد كلية عن مصلحة الجماهير،تبعا لمنطق انتهازي صرف،لا يعتمد على الحركة النقابية او الجماهيرية، او مطالبها وطموحاتها...إلا من حيث هي مطية للعبور .
منطق التوظيف الانتهازي هذا،لم يتوقف عند حد معين من الابتزاز والمتاجرة في الحركات الجماهيرية ونضالاتها،بل تشكل كل لحظة حلقة في سلسلة من
الإخضاعات والتوظيفات الانتهازية،التي لا تنتهي،وهكذا سيتم جر الحركة النقابية إلى مستنقع الاتفاقات والقيود والأوهام¹² ،للتخلص من ثقل الملفات المطلبية للشغيلة،استعدادا للمعارضة البرلمانية¹³، للانتقال إلى المشاركة في إدارة الأزمة، في إطار ما عرف ب"التناوب التوافقي"¹⁴، وتحويل الحركة النقابية إلى منبر للدعاية لرموز القمع والاستبداد، بدعوة إدريس البصري وزير الدولة في الداخلية،الذي بصم بتاريخه الدموي قرابة ثلاثة عقود من الزمن، لإلقاء الكلمة في الجلسة الافتتاحية في أحد مؤتمرات الكنفدرالية الديموقراطية للشغل،مارس
1997، في إشارة واضحة إلى التوجه "الجديد" المفروض على النقابة، حتى قبل بدء اشغال المؤتمر .
إذا كان السببان المشار إليهما: التعفن البيروقراطي والانتهازية السياسية،هما سببا هذا الانحطاط والتردي الذي اصاب الحركة النقابية،فإن هناك جزءا من المسؤولية يقع على عاتق المكونات التي تنضوي تحت هذه الحركة،اليسارية بالتحديد،التي عجزت عن مواجهة هذه الوضعية والتصدي لها،واعطاء الحركة النقابية بعدها الكفاحي والجماهيري بما يؤكد غياب البديل،الذي سهَّل مسار التراجع والانحطاط الذي دفعت فيه القيادة البيروقراطية الحركة النقابية وتحويلها إلى إطار متواطئ ضد الشغيلة ¹⁵، تجميد الحركة النضالية، بحيث لم تعد المركزيات النقابية تتعاطى مع الملفات المطلبية للشغيلة،بقدر انخراطها في حوارات الكواليس،على حساب الشغيلة ومصلحتها،ترسيخا للتوجه المرسوم لهذه النقابة، كنقابة للسلم الاجتماعي،والشراكة والتعاقد...الخ لتبريرالهجوم على مكتسبات الشغيلة،وحل جميع الأزمات على كاهلها )الجفاف،اختلاسات الممتلكات والأموال الع مومية،...( بالزيادة في الأسعار،تسريح العمال،تقليص التوظيف والتشغيل بشكل يؤدي إلى زيادة الضغط وإرهاق الفئات المشتغلة...الخ.
إذا كانت هذه هي الخطوط العريضة لوضعية الحركة النقابية بالمغرب،فإن من نتائج ذلك:
• التخلي عن الملفات المطلبية للشغيلة(كجزء من مصلحتها)،والتراجع عن الإضراب كشكل من الأشكال النضالية التي تلجأ إليها للدفاع عن مصلحتها،وتوظيفها في غالب الأحيان إما لتوهيم الشغيلة قصد التخفيف وكشكل وقائي،وإما للدعاية السياسية الرخيصة.
• تنامي الهجوم المخزني على مكتسبات الجماهير الشعبية وسعيه إلى تشتيت وضرب حركتها،وعلى رأسها الحركة النقابية،إما باستصدار قوانين تجرم الإضراب،أو تسخير بعض الأقلام المأجورة،أو تحريك بعض الجهات لأداء مهام المخزن بالنيابة( توظيف جمعيات إباء وأمهات التلاميذ، للتنديد بالإضراب في قطاع التعليم...)،أو من خلال تناسل بعض الحلقات ذات الميول الانتهازية الفجة.
• لجوء الشغيلة،إلى بعض الأساليب الدفاعية الفئوية مثلما هو حال قطاع التعليم وقطاع الصحة (التنسيقيات وغيرها من المجموعات الفئوية الضيقة).
• ظهور مجموعات جديدة (التنسيقيات ) تتغذى على واقع اليأس والإحباط ، وتغذيه في نفس الوقت ، وتعمل على توجيه نضالات الشغيلة نحو المجهول.
• قدرة هذه المجموعات على تحقيق نوع من الإحتواء "اللحظي" للشغيلة،التي لم ي رقها تقاعس القيادات البيروقراطية،وميلها إلى خ نق نضالاتها.وهذا ما يزيد من تعميق واقع النفور من العمل النقابي،وتعمي ق التشتت في صفوف الحركة النقابية،الذي يشكل النتيجة التي تتكامل الأدوار بين القيادات البيروقراطية،الدولة والحركات الفئوية في تحقيقها.
إذا كانت العناصر المشار إليها تشكل تشخيصا لوضعية الحركة النقابية الحالية، من حيث الأسباب التي كانت وراءها،التي يمكن إجمالها في : استرا تيجية سياسية انتهازية،قيادات نقابية بيروقراطية وغياب البديل،وكذلك من حيث بعض الآثار التي نتجت عنها تتمثل في الشلل الذي أصاب هذه الحركة،وواقع التشتت والتشرذم ومواصلة المخزن للهجوم على مكتسبات الشغيلة.
فإن تغييرها يقتضي:
• نقابة مناضلة، تتخذ الإضراب شكلا نضاليا للدفاع عن مصالح الشغيلة،لا وسيلة للدعاية لاستراتيجية سياسية بعيدة عن مصلحة الشغيلة،أو وسيلة من وسائل تضليلها وعقد المساومات من وراء ظهرها.
• وضع مصلحة الشغيلة مقياسا لكل الخطوات النضالية مطلبي ا ونضاليا.واعتماد الاضراب العام، بديلا للإضرابات القطاعية التي تغرق الشغيلة في دوامة من الاحتجاجات غير المؤثرة.
• تعزيز التوجه التقدمي للحركة النقابية،وذلك بالانفتاح على قضايا تهم الشعب (البطالة،الرشوة،الزيادة في الأسعار،اختلاس ونهب الممتلكات والأموال العمومية...)،والانفتاح على قضايا حركات التحرر العالمية ، ومختلف الحركات المناهضة للنزوع الإمبريالي الهمجي .
• النضال على واجهتين متكاملتين،واجهة داخلية بمواجهة البيروقراطية،وتعزيز التوجه الديموقراطي،وواجهة النضال إلى جانب الشغيلة،على ملفاتها المطلبية،بحيث لايمكن تحقيق الهدف الأخير إلا بمواجهة البيروقراطية،كما لا يمكن مواجهة الأخيرة إلا على أرضية نضالية صلبة.
• فضح التوجه البيروقراطي المهادن،بكشف مواقع تشكله (التعاضديات،المجالس الإدارية لصناديق التقاعد الضمان الإجتماعي،مؤسسات الأعمال الإجتماعية...)، خلفياته السياسية الانتهازية، وآليات تحكمه البيروقراطية،التي تم من خلالها تطوي ع الحركة النقابية،وتحويل الأجهزة النقابية إلى عائق أمام نضالات الشغيلة، وذلك من خلال بلورة مواقف واضحة من جملة من القضايا التي تهم الجماهير عموما.
• تقوية أشكال التنسيق تتخطى الحدود التنظيمية والقطاعية للإطارات البيروقراطية،والتقسيم الإداري القائم، الكفيلة ببناء حركة نقابية مناضلة، ذات أساس قاعدي¹⁶.
• الإجابة عن مشاكل الفئات والحلقات بدمجها مطلبيا وتنظيميا في حركة نقابية مناضلة وموحدة،وذلك من خلال إدراج ملفاتها المطلبية ضمن الملف المطلبي الموحد للشغيلة،وتبني الملفات المطلبية الوطنية )حتى في النضالات المحلية(،والنضال عليها تبعا لأشكال التنسيق المشار إليها.
هوامش:
1. المقصود هنا بعض التنظيمات النقابية،التي تأسست بقرارات حزبية،كإطارات موازية لهذه الأحزاب.فكما أسس حزب الاستقلال،نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب مارس
1960، بعدما فقد مكانته داخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل، أعاد حزب العدالة والتنمية نفخ الروح في نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب،بعد ولا دة ميتة منذ 1973، بحثا عن امتداد حزبي داخل اوسع شرائح الشغيلة...الخ
2. الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديموقراطي،التي تبقى محكومة بطبيعة الفئة الاجتماعية التي تستند عليها،كفئة من الموظفين في قطاع التعليم،محدودة التأثير والأفق.
3. مكونات الحركة الاتحادية هي تلك المجموعات التي التأمت في وقت سابق في إطار حزب الاستقلال،حول مطلب استقلال المغرب.ولم تكن هذه المجموعات منسجمة، بحيث كانت مزيجا من الميول السلفية والقومية والاشتراكية الديموقراطية...الخ كما لم تكن منسجمة كذلك في أساليب عملها، التي تراوحت بين الاقتصار على "النضال من داخل المؤسسات ،"والعمل المسلح،نموذج ما عرف بحركة 3 مارس.وهذه المكونات سابقة زمنيا على الميلاد التنظيمي الرسمي للاتحاد الوطني للقوات الشعببة.
4. الاتحاد المغربي للشغل،اول مركزية نقابية مغربية تأسست
1955 باستقلال عن الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية،التي أطرت العمل النقابي بالمغرب خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
5. المجموعات التي خرجت من حزب الاستقلال 1959، والتأمت في ما ع رف بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية،ككيان تنظيمي دون رابط ايديولجي أوسياسي واضح.فكما كان يعكس أصداء الحركة القومية العربية في الشرق،وبعض الأطروحات السلفية،انفتحت بعض المجموعات البورجوازية الصغيرة، من داخله على التجربة الاشتراكية.
6. هذه الامتيازات،كانت ورقة ضغط من طرف المخزن كذلك،إذ كان دائم التهديد بسحبها: سحب التفرغات النقابية،إشراك النقابات الأخرى في برص الشغل التي بقيت حكرا على الاتحاد المغربي للشغل،التلويح بمراجعات نظام التعاضديات والاقتطاعات التي تخصها...الخ.
7. المجموعات المهنية التي انسحبت من الاتحاد المغربي للشغل،نموج قطاع الصحة،وقطاع البريد...الخ.
8. الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، التنظيم الأصل الذي خرج منه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،بعد مرحلة من الشلل والتفكك التنظيمي.
9. ستعوض بعض الزعامات التي تكونت داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،الفراغ الناتج عن غياب الروابط السياسية والإيديولوجية،وتكسب ولاء بعض المجموعات، مما سهَّ ل عليها تأطيرها داخل الحزب وبعيدا عن توجهه العام،وهياكله التنظيمية الرسمية؛وبذلك تكونت داخل الحزب مجموعات مسلحة (ما يعرف بحركة 3 مارس ) دون علم أغلب قادته.
10. في هذه المرحلة، أخذ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سابقا) مسارا سياسيا واضحا ،بعدما انسحبت المجموعات المتجذرة واعلانها عن ميلاد خيار سياسي جديد، عرف بمنظمة 23 مارس.وبعدما تمت تصفية الخلايا المسلحة المعروفة بحركة 3 مارس .
11. التنسيق بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،على المستوى السياسي،من خلال الاجتماع في تكتل موحد عرف ب"الكتلة الديموقراطية"،والتنسيق كذلك على مستوى الحركة النقابية لتأثيرهما الكبير داخل كل من نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ونقابة الكونفيدرالية الديموقراطية للشغل على التوالي .
12. ما يعرف بتصريح فاتح غشت 1997، الذي فرض
قيودا على الحركة النقابية، لطي ملفاتها المطلبية، لتفادي أي ضغط محتمل على حكومة "التناوب التوافقي" ،التي يتم التحضير لها.
13. المعارضة البرلمانية، تلك القوى السياسية التي اختارت النضال،من داخل البرلمان سبيلها الوحيد.
14. التناوب التوافقي، تلك المرحلة التي عيِّ ن فيها الوزير الأول من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،في حكومة جمعت أحزاب المعارضة البرلمانية في تشكيلة حكومية واحدة بوزارات السيادة (وزارة الداخلية،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وزارة الخارحية...) التي لا ترتبط وضعيتها بالعمليات الانتخابية، أو التشكيلات التي تفرزها،بحيث تبقى من اختصاص القصر الملكي وحده .
15. في خروج إعلامي مخجل، وبما ينطبق عليه المثال
الشعبي: "العذر أقبح من الزلة"، سيبرر أحد قادة الكونفدرالية الديموقراطية للشغل،وممثلها داخل غرفة مجلس المستشارين (خالد العلمي لهوير)،التصويت لفائدة قانون مالية سنة 2006، الذي يكرس التقشف في أعلى مستوياته، سيب رر موقف التصويت بالإيجاب، قائلا أننا "لسنا مفطومين على قول كلمة لا".
16. يمكن التنسيق بين فرع نقابي في قطاع محدد، مع فرع آخر في قطاع مغاير.كما يمكن التنسيق بين فرع نقابي لنقابة مع فرع لنقابة أخرى،أو حتى في قطاعات مغايرة.وكذلك حتى خارج التقسيم الإداري المعمول به.