المسألة النقابية منذ عام 1955 ودور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحزب الشيوعي وحزب الاستقلال القسم الأول: دراسة تطور النقابات العمالية
أحمد بناني
2024 / 6 / 16 - 16:43
1.حالة الاتحاد المغربي للشغل
برز الاتحاد المغربي للشغل أصلاً، كحركة ثورية وطنية، تشكلت في ظل الماركسية –لكن بقطع معها–وملتحم على نحو وثيق بحزب برجوازي: أي حزب الاستقلال. وهنا مفارقة تشكل أساس كل مصلحة النقابة المركزية، التي يسلط تطورها بدءا من عام 1956 الضوء على عجز الحركة العمالية وانعدام تنظيمها السياسي ويمنح وجهاً خاصاً للعمل النقابي في المغرب.
يؤكد كلود بالازولي [1] بحق، متحدثاً عن الاتحاد المغربي للشغل، ما يلي: «بحكم قوة وجود مئات الآلاف من أعضائه وموارد مادية هائلة تحت تصرفه، وتأطير جيد، وجرأة، وهالة ذكرى انتصاراته الأولى، يحظى الاتحاد المغربي للشغل بمكانة حقيقية في أفريقيا والعالم العربي. غالبًا ما يُقدم بصفته أقوى مركزية نقابية وأفضلها تنظيماً في القارة؛ والواقع أنه يمثل صرحًا رائعاً نوعا ما، ومن المذهل التفكير ملياً في شكله الغامض. لكن الجهاز الذي يحتمي به يدور في حلقة مفرغة (التشديد منا). ولأنها عاجزة عن الضغط بفعالية على النظام وتعبئة الجماهير حقًا، ومعزولة عمن هم في أسفل، وأسيرة الرجل الذي كان يقودها منذ سنوات بسلطة ومهارة، تمر النقابة حاليًا بأزمة خطيرة في الفعالية. وما تحظى به من جدارة الاستمرارية وقدرة صون استقلالها جزئياً وحرية نبرة يُحسد عليها، لا تمنعها في الواقع من أن تكون عاجزة تمامًا (التشديد منا) في نظام حيث لا تملك بالكاد أي تحكم بآليات السلطة.»
غير أن الحال لم يكن دوماً على هذا النحو؛ مع ذلك فإن المشاكل التي يطرحها هذا الكاتب تتوافق تمامًا مع جانبين من سؤالنا، لذلك دعونا نتفحص ما حدث بين نشأة الاتحاد المغربي للشغل وانحطاطه حالياً. صرح المحجوب بن الصديق، بعد استجوابه في إطار تحقيق [2] أجراه جان وسيمون لاكوتور، في عام 1957 بما يلي: «ما أود أن تفهموه أولاً، هو أن التصور الفرنسي حول العمل النقابي غير السياسي لا معنى له لدينا، ولا يرتبط بأي تقليد، ربما كانت له علاقة برجل مثل جوهو Jouhaux. نرى، نحن الخاضعون للاستعمار، أن جهود التحرير واحدة: من العبث (والضار) التمييز بين السياسي والاجتماعي، بين المسائل المهنية والشؤون العامة.» وعلى سؤال «لكن ناضلتم في نقابة الكونفدرالية العامة للشغل، بينما، بصفتكم عضوًا في حزب الاستقلال، كنتم تجاهرون بأفكار سياسية مختلفة تمامًا عن أفكار قادة هذه المركزية الآخرين…»؛ يرد بن الصديق: «حذار، لم نكن بأي وجه مخدوعين بالكونفدرالية العامة للشغل وفعلنا كل شيء للخروج منها وإنشاء مركزيتنا الخاصة، منذ عام 1950. كنا فهمنا جيداً أن سلطات الإقامة العامة كان تشجع الكونفدرالية العامة للشغل لخداعنا» ولدمجنا في نظام يثني على «التقدم» ضد الحركة الوطنية، ولجر المغرب إلى الاتحاد الفرنسي، وهذا ما شكله خط الحزب الشيوعي الفرنسي. وفي الأساس، كان الاستعمار الفرنسي المتردد بالفعل في استخدام «خدع» فظة مثل عملية الكلاوي في سنوات 1951-1953، اختار احتواءنا من خلال العمل النقابي. كنا نرى كل ذلك، وفي الواقع، لم نقم بأي وجه سوى بالعبور من الكونفدرالية العامة للشغل…»
«غالباً ما يقال لديكم إن الاتحاد المغربي للشغل نشأ من حزب الاستقلال. هذا خطأ. نشأت مركزيتنا النقابية وفق سيرورة ثالثة في مرحلة شهد فيها الحزب تدميرا وسحقاً، في عام 1955. لا من الحزب إلى النقابة، ولا من النقابة إلى الحزب: نشأت مركزيتنا النقابية بينما كان الحزب قائما، لكن دون تواجد فعلي…»… هيكلتكم بالأحرى مهنية: «كلا، ممركزة، ممركزة للغاية، من خلال اتحادات مهنية ومحلية. لكن ليس شمولية، أستطيع أن أثبت لكم ذلك. أتحدى أي ملاحظ أجنبي أن يرى لدينا انحرافات عن مبادئ المركزة الديمقراطية!»
-أنتم قائد نقابي ومناضل حزب الاستقلال على حد سواء. أليس صعباً عليكم أحيانًا تجاهل هذا لصالح ذاك؟
«لا إطلاقاً. عندما تكون نقابيًا حقيقيًا وتتعامل مع مشكلة نقابية، فإن الحزب لم يعد مهمًا. يقال إن الاتحاد المغربي للشغل تابع حزب الاستقلال. إنها مزحة! من المؤسف عدم ترجمة جريدتنا «الطليعة» إلى الفرنسية: سترون من قراءتها عدم ترددنا بأي وجه في انتقاد السلطات مهما كانت، سواء حزب الاستقلال أو غيره.»
-هل صحيح أن «خط» الاتحاد المغربي للشغل شهد مرحلتين وإذا كان بوجه خاص، أثناء أول عام من وجوده منشغلاً بتقديم مطالب، فإنه بالأحرى، أثناء العام الثاني، شدد على المردودية والإنتاج؟
«الأمر بسيط نوعا ما، لكنه ليس غير صحيح تمامًا. يمكن التأكيد، في الواقع، على أننا (تشرين الأول/أكتوبر عام 1957) في مرحلة تشكل. لكن دعواتنا إلى العمال لزيادة الإنتاج والتي توجت، كما تعلمون، بالنجاح -لا تجعلنا نتخلى عن حرصنا الأساسي: رفع مستوى معيشة الجماهير. يجب أن يسير الإنتاج والأجور جنبًا إلى جنب شريطة أن يفهم أرباب العمل ذلك…»
– هل يفهمون ذلك؟
«في معظم الحالات، يمكنك قول أجل. إن رأسمالييكم ليسوا أغبياء عموماً! …»
أثناء نفس المقابلة. كان المحجوب بن الصديق يعلن أنه منذ تأسيس الاتحاد المغربي للشغل في آذار/مارس عام 1955، كانت لجان تحضيرية محلية تشكلت في كل مدينة، تضم كل واحدة منها زهاء عشرة مناضلين، في حين كانت مجموعات صغيرة تتشكل في المقاولات. وفي غضون ثلاثة أشهر، على حد تأكيده، كانت الشبكة الأساسية تتشكل على هذا النحو. ويضيف: «نظرًا للظروف، جرى إنشاء الاتحاد المغربي للشغل من قبل من هم في أعلى. راهن القادة، على نحو ما، وافترضوا أن الجماهير قد توافق على عملهم، وجرى كسب هذا الرهان.» (3)
مع الأخذ بالاعتبار عناصر تنظيمية واسعة من الكونفدرالية العامة للشغل ورثها الاتحاد المغربي للشغل والتي سهلت مهامه في البداية، لم يكن صعباً كسب ما يتحدث عنه بن الصديق من رهان. على الرغم من أن هذا لا يفسر كل شيء، فإن واقع النقابة كان تعبيرًا عن عاملين مشتركين: 1. الوجود الموضوعي لبروليتاريا جديدة وكفاحية تناضل ضد الوصاية الإمبريالية وضد الظروف التي كانت مفروضة عليها؛ 2. وجود الأطر النقابية.
سرعان ما تمثلت مهام الاتحاد المغربي للشغل، تحت قيادة أوائل البيروقراطيين، في هيكلة أجهزة النقابة حتى يسير تأطير الطبقة دون عوائق. ومن كانون الأول/ديسمبر عام 1955 إلى تشرين الثاني/نوفمبر عام 1957، حين كانت الإمبريالية الفرنسية تشيد جهاز الدولة الجديد، كان الاتحاد المغربي للشغل ينظم دورات تدريبية في مدرسة «شين» «Chênes» بمشاركة مختصين فرنسيين. عموماً من الكونفدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين CFTC، ومدربي الشباب والرياضة ووزارة الشغل. كانت الدروس تنقسم إلى ثلاثة مواضيع: 1. التكوين النقابي. 2. التكوين الاقتصادي والاجتماعي. 3. التثقيف القانوني. من الواضح أن الجهود المبذولة في هذا الاتجاه كانت ترتكز على تكوين الأطر المتوسطة وليس المناضلين، وما كان على جدول الأعمال هو إعداد الأطر المتوسطة على جميع مستويات الاتحاد المغربي للشغل لمنع أي اختراق ممن هم في أسفل. لأنه إذا كانت القمة لا تعاني من نقص في القادة، مثل المحجوب بن الصديق، والطيب بن بوعزة، ومحمد الصديق التباري، إلخ، فإن الاتحادات المحلية لم يكن لها زعماء حقيقيون. وفي الدار البيضاء، بمقر المركزية، كان يعتقد أن الأطر الوسيطة تعاني من ضعف الابداع وبالتالي كانت مترددة في تطبيق القرارات.
كانت المركزة المستهدفة ولازمتها المركزية البيروقراطية تخضعان لمنطقين: يتعلق المنطق الأول بما كانت الإشارة اليه أعلاه: الحاجة الماسة إلى تحجيم طبقة عاملة قابلة للانفجار آنذاك في سبيل تحقيق مطالبها المادية والسياسية. وكان الثاني قائما على منافسة الكونفدرالية العامة للشغل CGT. وإن لم تعد الكونفدرالية العامة للشغل على المستوى الوطني، كما ذكرنا، تقاوم منافسة الاتحاد المغربي للشغل، في بعض المدن، فإن مناضلي الكونفدرالية العامة للشغل لم يبقوا عزلاً. لم يعمل المركز المنجمي في خريبكة، معقل الحركة النقابية الشيوعية القديم، على الانضمام بشكل كامل ولا نهائي إلى الاتحاد المغربي للشغل، ولا عمال موانئ الدار البيضاء أيضاً. ومن التكتيك إلى المناورة، انتقل البيروقراطيون إلى الهجوم، هكذا ألغيت الانتخابات المحلية في خريبكة عام 1957 بتدخل بن الصديق شخصياً، لأن الشيوعيين كانوا أغلبية فيها. لم يكن بإمكان الاتحاد المغربي للشغل المخاطرة بوحدته، لأنه، كما كان يقال، نشأ عن انشقاق.
وثمة مثال آخر دال في عام 1956، وهو تنديد المسؤول النقابي في الرباط، محمد جوريو، بخضوع الاتحاد المغربي للشغل لحزب الاستقلال، ودعوته إلى تأسيس «نقابة حرة» وتنظيم إضرابات وتظاهرات ضد غلاء المعيشة.
على الرغم من انضمام فرع سلا بقيادة عبد الرحمن الجديد، ودعم خفي من حزب الشورى والاستقلال، (وهو حزب آخر يعاني من هيمنة حزب الاستقلال)، إلا أن محاولة جوريو باءت بالفشل في نهاية السنة نفسها، إذ قام الاتحاد المغربي للشغل بتعبئة جميع مناضليه ضد هذا «التخريب». وتجدر الاشارة هنا إلى أن الاتحاد المغربي للشغل انخرط في الساحة السياسية في كانون الأول/ديسمبر عام 1955، لحظة تشكل أول حكومة مستقلة. كانت الحكومة تضم بوجه خاص وزيرين من حزب الشورى والاستقلال، عبد القادر بنجلون وعبد الهادي بوطالب، على التوالي، وزير المالية ووزير الشغل والشؤون الاجتماعية، وكان ذلك شرطًا وحيداً وكافيًا ليشهد الاتحاد المغربي للشغل كفاحية فائقة. هذا الاتحاد المغربي للشغل، حيث كان اتجاه حزب الاستقلال مهيمناً بنسبة 95٪. ومن المؤكد أن نفس المسؤوليات الوزارية لو كانت أسندت إلى أعضاء حزب الاستقلال، كما كان الحال لاحقًا (مع عبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم)، لكان الاتحاد المغربي للشغل أكثر «تعاونًا»، مع الحكومة وأرباب العمل. ما يهيمن على تكتيك الاتحاد المغربي للشغل في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، هو ميل إلى خدمة الجهاز السياسي، الذي لا يغير فيه حزب الاستقلال والمطامح اللاحزبية أي شيء. في طور منعطف (الانتقال من نظام الاستعمار إلى نظام الاستعمار الجديد)، حيث برز فراغ في شرعية البرجوازية، كان على الاتحاد المغربي للشغل أن يساهم في البناء الوطني. إن تمكنه من إثارة خمسمائة نزاع أثناء أول عام من «الاستقلال» لا ينتقص من هذا الحكم، إذ كان مسؤولوه أنفسهم يطالبون بضرورة وقف موجة الفوضى الطفولية التي كانت تجتاح البلد آنذاك. ظلت الفكرة الأساسية السائدة ما كان يسميها بن الصديق موقف «التشكل»، الذي لن يتبناه إلا فصيل حزب الاستقلال القائم في السلطة. وفي الواقع، أثناء مرحلة عبد الله إبراهيم-عبد الرحيم بوعبيد لاحقاً، بات الاتحاد المغربي للشغل يدرك وزن المسؤوليات ويلتزم بها بحزم. تم بعد ذلك أصبحت أيديولوجية الاندماج، القائمة على مفهوم الوحدة الوطنية، واضحة والحالة هذه في المؤتمر الثاني للاتحاد المغربي للشغل في عام 1958. كان العمال مدعوون لزيادة الإنتاج، وحظيت سياسة التقشف بالموافقة، واستبعدت الإضرابات (مع ذلك، سيشهد عام 1958 أكبر عدد من الإضرابات واوسعها نطاقا: 610 في عام 1958، و275 في عام 1959)، لكن الاتحاد المغربي للشغل حاربها وحتى شبهها بالتخريب. وستلي ذلك موجة تطهير أطر متحفظين. أصبح الهدف المنشود الإصلاح وليس الثورة. يجب تحرير «الأمة» من النفوذ الأجنبي، ولكن لا يلزم أن تتبع هذا الأخير نسخة أخرى من السيطرة الاجتماعية، لأن المساواة الطبقية مطلوبة، ليس كوسيلة للترقي الاجتماعي والكرامة وشرطا للتطور اقتصادياً واجتماعياً، ولكن كغاية في حد ذاتها. إن هذه «المغربة» منوطة بدولة لم يحدد محتواها الطبقي والتي جرت الإشارة وحسب إلى ضرورة دمقرطة هياكلها. إن الأداة الأولى في هذا البحث عن مسار جديد هي المخطط (مخطط وطني واجتماعي على حد سواء، يتناول مسائل الأجور والتعاونيات والتعليم). يجب صياغة هذا المخطط بإسهام المنظمات الوطنية. في التأميم، [القائم في عداد المطالب] المطلوب دوماً، يندرج مضمون العدالة الاجتماعية وتحرر العمال؛ ورغبة فرض رقابة على إمكانات البلد الاقتصادية من خلال إنشاء قطاع دولة يتمتع بوسائل قوية وقادر على الاضطلاع بدور اقتصادي حاسم، يكون فيه التواجد النقابي قويًا وفعالًا للغاية. أما بالنسبة للمقاولات الصغيرة، فمدعوة للتجميع في تعاونيات. ومن المطالب أيضاً، إضافة إلى الإصلاح الزراعي، إصلاح الإنتاج والتسويق (تفاديا لتطفل الوسطاء).
في نهاية المطاف، يسير كل شيء، بالنسبة للمركزية الذي تؤطر العمال اقتصاديًا وسياسيًا، خلف ضرورة الحفاظ على الفريق الوزاري، غير المتجانس بتاتاً. يترافق وجود هذا الأخير أيضًا مع تقدم قوى محافظة تشرع في اتخاذ إجراءات ضد المقرات والأطر النقابية: تعديات وحرائق واعتقالات لا تثير سوى احتجاجات لفظية ودعوات إلى الحذر «لتفادي السقوط في فخ الاستفزاز». ينسجم موقف الاتحاد المغربي للشغل مع المساومات الجارية لدرجة أن ذلك سيكسبه اعتبار الملك، الذي سيقر بوجوده في ظهير 16 تموز/يوليو عام 1957.
«الحمد لله وحده؛
يعلم من ظهيرنا الشريف هذا أسماه الله وأعز أمره أننا أصدرنا أمرنا الشريف بما يأتي: الباب الأول -الغاية من النقابات المهنية وتأسيسها.
الفصل 1: إن القصد الوحيد من النقابات المهنية هو الدرس والدفاع عن المصالح الاقتصادية والصناعية والتجارية والفلاحية الخاصة بالمنخرطين فيها.
الفصل 2: يجوز أن تتأسس بكل حرية النقابات المهنية من طرف أشخاص يتعاطون مهنة واحدة يشبه بعضها بعضا أو حرفا يرتبط بعضها ببعض ومعدة لصنع مواد معينة أو يتعاطون مهنة حرة واحدة».
لكن واضح أن هذه الشرعية محض شكلية، وتؤكد إلى حد ما فزع السلطة الاستبدادية غير الواثقة من نفسها بعد. جرى تجاوز الحدود التي رسمتها المادة 1 من ظهير عام 1957 باستخفاف واقتحم الاتحاد المغربي للشغل الساحة السياسية بجلاء. يرتبط تحليل هكذا ولوج للنضال السياسي وتوضيح أهدافه ارتبطاً وثيقاً بالسياق الاقتصادي والسياسي العام. ولتعذر إعادة طرحه هنا بكامله، فإننا لن نقدم سوى الجوانب التي قد تلقي الضوء على تطور البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة وبالتالي الاتحاد المغربي للشغل.
2. المعطيات الاقتصادية
تشير الخلفية الاقتصادية للبلد أثناء 1955-1956، في المقاولات المجهولة الاسم، إلى أن نسبة 5٪ من الرأسمال مغربية مع زهاء عشرين رب عمل في المقاولات الصناعية من السكان الأصليين. أما نسبة 95٪ المتبقية من الرأسمال المستثمر، سواء في الزراعة أو في الصناعة المغربية، فمن أصل أجنبي ومعظمها فرنسية. هناك قدر قليل من رأسمال مغربي، لكن الادخار موجود، وكان حجمه 73 مليار في عام 1952؛ وانتقل إلى 136 مليار في عام 1958. لكن، أثناء هذه المرحلة، ماذا نلاحظ؟ إذا تضاعف الادخار، انخفضت الاستثمارات الخاصة بنسبة 50٪. جرت عمليات توظيف الادخارات في الواقع بالخارج، ولم يعد الاستثمار وإعادته قائمين في المغرب.
إلى جانب نقل الرساميل إلى الخارج، بات نقص الأطر واضحاً. في تدخله يوم 3 حزيران/يونيو عام 1960، بمؤتمر العمل الدولي بجنيف، قام عبد الكريم الخطيب، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية في المغرب، بتقييم حاجات بلده السنوية من اليد العاملة، في مرحلة عشر سنوات، بـ 80 ألف عامل مؤهل في القطاع الصناعي، و50000 عامل مؤهل في الزراعة، و2000 تقني، و1000 مهندس و1400 مدرس. وغني عن البيان أن الأرقام والتوقعات والتطور المستهدفة كانت في إطار اقتصاد تابع ودوماً في انحسار.
بالإضافة إلى ذلك، أدى المنعطف الاستعماري الجديد إلى رحيل المستوطنين ومعهم أطر عليا وتقنيين، إلخ: هكذا من 1 كانون الثاني/يناير عام 1956 إلى 1 كانون الثاني/ديسمبر عام 1957، سجلت 120000 حالة مغادرة نهائية. ومن 1 كانون الأول/يناير إلى 31 كانون الثاني/ديسمبر عام 1958، تلتها 22400 حالة. والحال أن المزارعين الفرنسيين كانوا ينتجون نسبة 50٪ من القمح، ونسبة 70٪ من المنتجات الزراعية الأخرى، وفي بعض الحالات كلها. لم يكن يضطلع الفرنسيون بدور مماثل في أي جزء آخر من العالم، باستثناء فرنسا والجزائر. علاوة على ذلك، كانت الرساميل الفرنسية تلعب دورًا هاماً في الصناعة المنجمية: الفوسفاط والرصاص ومختلف المعادن النادرة، والفحم الصلب، وفي صناعة التعليب المعتمدة على مصايد الأسماك. ومن الخصائص الأخرى، ثمة الميزان الخارجي المغربي الذي كان يمثل نسبة 45٪ من إجمالي الدخل الوطني، ما يعني أن تذبذب هذا الميزان قد يؤدي إلى أخطر التداعيات في المخطط الداخلي.
من الأساسي هنا، تأكيد مدى انخفاض الاستثمار، من خلال ملاحظة الإحصائيات ونقص الادخار، لفهم سيرورة التخلف التي بدأت في عام 1956 وعواقبها السياسية والاجتماعية.
الجدول رقم 1: تطور إجمالي الاستثمار الخام من عام 1956 إلى عام 1962
المصدر: بناء على أعمال قسم التنسيق الاقتصادي والتخطيط بالرباط.
يكشف حساب الرأسمال للمحاسبة comptabilité الاقتصادية في البلد برمته أيضًا عن انخفاض الاستثمارات من عام 1952 إلى عام 1960، وتسارع «تهريب» الادخار الخاص نحو الخارج بدءا من عام 1956:
الجدول رقم 2
حساب الرأسمال للحسابات الاقتصادية للمغرب برمته (1952-1960)
إن شهد المغرب «طفرة» اقتصادية من عام 1949 إلى عام 1953، فذلك لسببين بالأقل:
السبب الأول، من نوع اقتصادي ومالي، ناجم عن اندماج المغرب في اقتصاد فرنسا من خلال منطقة الفرنك (حرية حركة الرأسمال وحرية التحويلات وامتيازات ضريبية هامة، إلخ).
ويعود السبب الثاني إلى طبيعة الملاذ الذي يشكله المغرب في هذه المرحلة: في فرنسا، أدت عمليات التأميم بعد الحرب العالمية إلى تدفق الرساميل من المتروبول إلى المغرب. ولن تؤدي الحرب على كوريا سوى إلى تضخيم الظاهرة.
في عام 1952، على سبيل المثال، كان معدل الاستثمار زهاء نسبة 24٪ من الناتج الوطني الخام. هناك أمران هامان يميزان هذه المرحلة:
1. يُستثمر الادخار المحلي كاملاً في عين المكان. ويُمول قسم من الاستثمارات من خلال المساهمات الخارجية. ولم يُسجل أي تهريب.
2. يجب تأكيد أهمية المساعدات الخارجية في عام 1952، إذ كانت تمثل أكثر من نصف الادخار المحلي.
3. منذ عام 1953، وبالنظر إلى المناخ السياسي، لوحظ انخفاض واضح في التحويلات الخاصة.
منذ عام 1955، أصبح تهريب الرساميل ظاهرة هامة وحتى مقلقة. وتحدث السيرورة المعكوسة لتلك الظاهرة الموصوفة حتى الآن: يصبح الادخار أكبر من الاستثمار.
على حد تعبير عزيز بلال، في عام 1956: «إذا بلغ الادخار الخاص 91 ملياراً، فإن التحويلات الخاصة إلى الخارج وصلت إلى 100 مليار. مع ذلك، لا يمكن استنتاج تحويل جميع ادخار العام إلى الخارج. جرت تغذية جزء من التدفقات المالية إلى الخارج من خلال الادخار الذي تحقق سابقاً… في عام 1957، حدثت إعادة تشكيل جزئية لأصول المغرب الخارجية. مُولت استثمارات هذا العام بمبلغ لا يتجاوز 19 مليار دولار من خلال الادخار. ويمثل الفائض، أي 57 مليارا، تحويلا إلى الخارج أو توظيفا في الأصول الخارجية… كان الادخار الداخلي «المسجل» في سنوات 1958 و1959 و1960، دوماً أكبر من الاستثمارات. بلغ «صافي القروض الخارجية» 33 ملياراً عام 1958، و52 ملياراً عام 1959 و44 ملياراً عام 1960.
«في نهاية عام 1958، «انفصل» الفرنك المغربي عن الفرنك الفرنسي، بعد أن قررت حكومة المغرب عدم عكس تخفيض قيمة الفرنك الفرنسي على الفرنك المغربي؛ لذلك سجل النصف الأول من عام 1959 تدفقات الرساميل الخاصة إلى الخارج بمعدل مماثل لما كانت عليه في عام 1956.»
الجدول رقم 4: تطور معدل الادخار من عام 1952 إلى عام 1960
(قيمة المؤشر بنسبة 100% باستخدام 1952 كأساس)
المصدر: التطور الصناعي في إطار المخطط الخماسي (1960-1964) صفحة 62 (عمل نشره قسم التخطيط الوزاري في وزارة الاقتصاد الوطني والمالية، الرباط عام 1961).
لإظهار القطاعات المتأثرة بانخفاض الاستثمار، من المهم الرجوع إلى الجدول 5.
الجدول رقم 5
تطور مؤشرات حجم الاستثمارات الخام حسب نوع مواد التجهيز
المصدر: مكتب الحسابات الاقتصادية.
للبقاء على مستوى الإحصاء وفهم عواقب انخفاض الاستثمار، من الضروري الرجوع إلى الجداول رقم 6 ورقم 7 ورقم 8. جرى توضيح الانخفاض الكبير في مستوى التشغيل وتفاقم مشكلة البطالة والعمل الناقص أو بالأقل الإشارة إليهما في الجداول رقم 9 ورقم 10 ورقم 11.
الجدول رقم 6
الانتاج المحلي الخام حسب القطاعات في المغرب برمته
المصدر: قسم التنسيق الاقتصادي والتخطيط، مكتب الحسابات الاقتصادية.
الجدول رقم 7
مقارنة تطور السكان والإنتاج المحلي الخام (1951-1961)
الجدول رقم 8
تطور الاستهلاك الظاهر من 1951 إلى 1960
المصدر: ب. دوبوا، محاضرة في الديمغرافيا والأنظمة الاقتصادية المغربية، الرباط، نسخة ورقية (جامعة محمد الخامس)
الجدول رقم 9
تراجع مستوى التشغيل في قطاع الصناعة منذ عام 1952
الجدول رقم 10
التوزيع بالنسبة المئوية لمناصب الشغل والبطالة حسب فرع قطاع النشاط
الجدول رقم 11
اليد العاملة الباحثة عن الشغل في عام 1964
(أ) تحول العمل الناقص إلى بطالة كاملة: يعادل فلاحان يمارسان عملا جزئيا بنسبة 50% عاطلا واحداً.
المصدر: نظرات حول التشغيل والبطالة في المغرب، صفحة. 42 (المندوبية السامية للشباب والرياضة، الرباط).
ختاماً، لا يمكن إلا الإشارة إلى ركود الإنتاج المحلي الخام أو نموه البطيء للغاية، وهي حقيقة سائدة بالأقل على مدى أكثر من عقد من تاريخ المغرب.
مع الأخذ بعين الاعتبار النمو الديموغرافي (نسبة 3% سنويا)، ثمة ميل الإنتاج واستهلاك الفرد إلى الانخفاض، باستثناء فيما يتعلق بالفئات الاجتماعية التي استفادت، بفعل «الاستقلال»، من تحويل جزء من الدخل الوطني (20 إلى 25٪)، وفي هذه الحالة مختلف قطاعات الأوليغارشية.
إن الجانب الآخر، المتعلق بالتشغيل والعمل الناقص والبطالة، دال أيضًا. وبوثيرة خلق 3700 منصب شغل سنوياً في قطاع الصناعة، كان تزايد بطالة اليد العاملة غير الزراعية تجاوز رقم 500000 في عام 1964؛ إجمالا (بما في ذلك العمل الناقص في الزراعة)، كانت البطالة في عام 1964 تطال نسبة 40% من السكان النشطين في المغرب، بالنظر إلى عدم تحقيق أهداف المخطط الخماسي (1960-1964) المحددة.
من الواضح أن مشكلة الاستثمار كانت في مركز أزمة اقتصاد المغرب منذ عام 1956. وبقدر ما أن أصل هذه المشكلة اقتصادي وسياسي وأيديولوجي، فإن تطورها لا يمكن إلا أن يستمر في اتجاه التفاقم.
أثناء هكذا طور سنوات الستينيات برمته وخاصة منذ البداية، «تجاوز تفاقم بؤس الطبقات المضطهدة وشقاؤها المستوى المعتاد».
كتبت برجوازية حزب الاستقلال بالذات في لسان حالها، يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر عام 1958: «لا تزال البطالة متفشية في مدننا وقرانا. وعلى ما يبدو لم تعد الحكومة ومجتمعنا مهتمان بهذا الشر المترسخ في عادات حياتنا المعيشية. يتمثل واجبنا في اثارة انتباه المسؤولين علينا حول هذا الوضع. إذا تفاقم الوضع، ماذا سيحدث لكل هؤلاء الجياع؟ إن الحركات الاجتماعية التي تهز المغرب مؤخرا لا أصل لها سوى هذا الوضع الشاذ.» [5] في هكذا طور الركود والأزمة تحديداً، ستتطور المواجهات الطبقية والعشائرية وتنتهي بتوطيد سلطة الفئات الأكثر محافظة، أو تلك المرتبطة بالسوق العالمية.
ستكون البرجوازية المتوسطة والصغيرة، في الآن ذاته، فاعلة وضحية المناورات السياسية، التي ستعاني من انعكاساتها أكثر الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء.