البكباشي يوسف صديق


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7986 - 2024 / 5 / 23 - 16:14
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

قرأت جزءا من مذكرات البكباشي يوسف منصور صديق .. و لقد إندهشت من وصفه لضباط جيش الملك فاروق .. فستجد بعضهم أمي ( يجهل القراءة و الكتابة ) من أبناء طباخين و سياس الإنجليز أو حاصل علي الإبتدائية او الكفاءة القديمة .. يحملون أختاما للتوقيع ..و بعضهم حرامي يسرق تعيين العساكر ..و مرتشي لا يسمح بالترقية إلي الرتبة الإعلي إلا لمن يدفع المعلوم أو سمسار يوجه صفقات سيارات الجيش لمن يعرف الطريق إلي جيبه ..و حتي باشاواتهم كانوا في رأيه باشوات عرر بالمقارنة بباقي الباشوات .
جيش قيادته علي درجة من الغباء بحيث لا يؤمنون مكان إجتماع معقود لدراسة معلومات تفيد أن بعض صغار الضباط سيقومون بتمرد .و تستسلم لبكباشي معه عشر عساكر .. يرفعون المناديل البيضاء من خلف البرفان دون أى مقاومة
جيش قائد الفرقة فيه ينقاد بسهولة وينفذ تعليمات بكباشي ( نائب قائد كتيبة من الكتائب ) و يسير بسيارته بين سيارات المتمردين رافعا عليها علم القيادة .. خوفا علي حياته هو و نائبه
بصراحة .. ما وصفه البكباشي يوسف صديق كمعركة الإستيلاء علي مقر قيادة الجيش .. يصلح لان يكون فصل في فيلم كوميدى من أفلام ((إسماعيل ياسين متمردا )) ..
فالملك يعرف بالإنقلاب و زمنه ..و يبلغ قيادة الجيش .. و قادة الفرق يذهبون ليلا للمعسكرات للسيطرة علي القوات ..و بكباشي بمقدمة كتيبة خفيفة التسليح يستولي منفردا دون دعم من باقي المتمردين علي الحكم ..و يسلمة لضباط كانوا يجولون في الشوارع بالملابس المدنية تسمعا للأخبار ...يفترون بعد ذلك ..و يرتكبون كل حماقات شباب ورثوا ثروة طائلة فعاثوا فسادا و أنفقوا الأموال في تفاهات .. و دمروا بلدهم تدميرا
الرجل( يوسف صديق ) شخص غريب فهو رغم جهلة بأساسيات المادية الجدلية أو الفلسفة الماركسية أراد أن يحسب نفسه علي التيار الشيوعي الذى كانت له قواعد فاعلة بين المصريين .. تجعله أحد أضلاع المثلث الذى له تأثير ما علي رجل الشارع في أربعينيات و خمسينيات القرن الماضى و المكون من (الوفد و الاخوان و الشيوعيين ).. أضف لها حزب مصر الفتاة الذى كان يبشربسياسة فاشيستية إسلامية لا تعتمد علي المنهج بقدر إعتمادها علي غوغائية دعاية واسعة الإنتشار .
و هو قد أبدى في مذكراته فهما متواضعا (غير متعمقا ) لافكار الدكاكين السياسية الثلاثة التي التحق بها ..و عدد أسباب واهية لإنضمامه لها و أخرى أكثر هيافة لرفضها
هذا الجزء شد إنتباهي لإنه نموذج (( solved example)) لما كان علية فكر المنقلبون في خمسينيات القرن الماضي ..
تسطح ثقافي كامل ..أشبه بالأمية السياسية ..و تذبذب بين الأحزاب المختلفة التي تعمل بالسياسة دون دراسة لفلسفاتها ..و غرور و إندفاع عاطفي ينتهي برغبة في تدمير عالم الباشوات و الملك دون دراسة كيف ستكون الأمور بعده
عدم التدقيق في الفهم ..لفلسفات الليبرالية ( الوفدية )..أو السلفية الدينية (الأخوانية ).. أو الإشتراكية الستالينية (رأسمالية الدولة ) أو للفكر الماركسي .. كان واضحا في حديث سيادة البكباشي ..و أعتقد أنه لم يكن يختلف عن بافي البكباشية و الصاغات.. في عدم تأهلهم لحكم البلاد .
لقد كانوا صفر في فهم أساليب إدارة دولة أو في ثقافة العلوم و الفلسفات و الأفكار التي كانت تسود فكر سياسة النصف الثاني من القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية ..
و كذب في منشوراتهم بأنهم لا يطلبون الحكم .. أو يسعون إليه .. و أنهم سيعودون لقشلقاتهم فور تحقق مطالبهم .
الوفد في رأي البكباشي ((بدأ يفقد شعبيته التي كانت أيام سعد زغلول مع مرور الزمن ))..مما جعله يعيد التفكير و يبحث عن مجال جديد ..
بمعني أنه لم ير الليبرالية و الديموقراطية و قوة الدستور و العدالة و تطبيق القوانين .التي كان يمثلها الوفد.. و لا علاقات المواطنة المتساوية الكاملة بين المسلمين و المسيحيين ..أو الصراع ضد المحتل في القناة .. و حرية الصحافة التي كان من الممكن أن تسقط وزارة و تفضح الفساد حتي لو كان فساد أكبر راس .
لم ير إلا ما قيل له من أعداء الحزب عن فقده الشعبية.و إنتشار الفساد بين قادته ..
رؤية رجل مهم مثل سيادة البكباشي لما كان علية الوفد 1952 ولماذا ثاروا عليه .. كان من الممكن أن تكون وثيقة هامة .. مفقودة
..الأخوان المسلمين كانت إختيارة الثاني ((بحكم طبيعته الريفية ))..و ظل علي إتصال بشخص إسمة (لبيب) لفترة ثم تبين أن الأخوان ليسوا منظمين تنظيما عصريا مقبولا (( و لعل أبرز النقاط التي نفرتني منهم هو منادتهم بأن دستورهم هوالقران ))
ولم يدرس المعني خلف هذا الشعار بقدر ما إنتقد ما يمثله من جمود في العقيدة صفحة 75و ما بعدها ((و قد بينت الأحداث فيما بعد جمود الأخوان العقائدى ))
بمعني لم ير الفلسفة التي.أنسسها إبن تيمية و أحياها محمد عبد الوهاب وتبناها حسن البنا و تمهدو تسعي لإعادة الخلافة و الجهاد في سبيل ذلك وتبرير الإغتيالات ..
ولم ير تعارضها مع ما طرحة الشبان المسلمين الأكثر تفهما لقضايا العصر.. رغم أن في هذا الزمن كان هناك كتاب ((الإسلام و أصول الحكم)) لعلي عبد الرازق ..و ((في الشعر الجاهلي )) لطه حسين .. و (حياة محمد ) لمحمد حسين هيكل .. و( من هنا نبدأ ) لخالد محمد خالد .. و غيرها من الإبداعات
لذلك إنتقل سيادته إلي الشيوعيين فوجد في كل ما قرأ و سمع من مناقشات أو المحاضرات أن الماركسية ( الإشتراكية ) أكثر إيمانا و قربا لله من الأخوان المسلمين .. صفجة 81 من المذكرات ..
(( و عندى أن الإشتراكيين قوم ينكرون وجود الله باقوالهم و يعبدونه بأعمالهم فهم قوم يؤمنون بالإنسان و العلم و يقدسون الحق و العدل والسلام و هذه كلها سمات المؤمنين )) .
هذا التبسيط الذى طال شرحه في خمس أو ست صفحات تجاهل ما كانت علية الدولة الستالينية من تجبر و توحش ..أوما قدمه ماركس و إنجلز من منهج علمي غير وجهات نظر الناس في القرن العشرين أو حتي شعار (( يا عمال العالم إتحدوا )) الذى جمع (الكومنتيرن ) المنظمات الشيوعية ..أو تجارب ماوتسي تونج و صراعه في الصين التي كانت لاتزال طازجة ..
ضحالة ..و إستخفاف ..و عجلة .. و جهل مبطن ببعض الشعارات التي كانت متداولة بين الشيوعين لتحسين صورتهم و نفي كونهم ملحدين
ثم ترك الشيوعيين بعد أن إنقسموا علي أنفسهم و أصبحوا عشر منظمات ..و إنضم للضباط الأحرار..و أنشد شعرا
هي الدنيا صراع لا إقتناع ..... ...........بغير الجيش لن نحيا كراما
و من نادى بغير الجيش يهذى ...و عن نور الحقيقة قد تعامي
.
(( لقد كانت المنشورات ترسم للضباط الأحرار خطا وطنيا يعبر بصدق عن أهداف الشعب التي ظل يطالب بها من أيام الثورة العرابية من الحصول علي حياة ديموقراطية سليمة تتوفر فيها الحرية الكاملة للشعب و تندد بسياسة الحكم الملكي الفاسد )) صفحة 86 من المذكرات . .و لا زلنا في الإنتظار لمدة 70سنة
الكتاب يحتوى علي قدر من الدروشة الدينية الأقرب للصوفية تذكرنا بأحادبث السادات و إستعاراته من القران و تعبر عن الميل لفكر الأخوان الذى أظنه كان سمة أساسية في أغلب حضرات البكباشية الذين تولوا مناصب غير مستعدين لها فنيا و إداريا . .
(( إذا كانت ثورة 23 يوليوسنة1952 تعتبر الشرارة التي إندلعت في حركة تحرير الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية فإنني أسجد لله شكرا علي أن هيأ لي مع ضعف صحتي و قوتي أن أكون الشرارة الأولي التي إندلعت في هذه الثورة الخالدة )) ....
((و إن الله القوى العزيز القهار أراد أن يثبت وجوده و قوته و قدرته لعباده واحب أن يريهم أنه هو وحده القادر علي كل شيء فهو لا يقهر الجبابرة دائما إلا بأضعف أسبابه )).
ثم ثلاث صفحات وعظ ديني منقولين عن شيخ فصيح يخطب في زاوية صغيرة ببني سويف بلده
إبريل 1938 وقف هتلر في الرايشستاج يقول بصوت تخنقه العبارات ..(( أعتقد أن إرادة الله هى التى شاءت أن تبعث بشاب من أبناء هذه المدينة الى الرايخ ودفعته فى معارج النهوض ورفعت من شأنه ليصبح زعيم الأمة وليتمكن من ضم وطنه الى حظيرة الرايخ )) ... ((هناك إرادة أسمى من إرادتنا ولسنا فى الحقيقة الا وكلاء لها .. وعندما نقض الهر شوشينج ( رئيس وزراء النمسا ) وعده فى التاسع من مارس شعرت آنذاك وفى تلك اللحظة أن نداء العناية الإلهية قد قرع بابى))..
كم من أحداث مؤسفة حدثت تحت شعار (العناية الإلهية) المدعي أنها ترعي البعض .
تظل حركة الضباط الأحرار لغزا غير قابل لوضعه في أطر تاريخية أو تصنيفة سياسيا أو أقتصادبا لأن من شاركوا في صنعها .. كانوا هواة سياسة أكثر منهم ثوار ..
كاد الملك أن يقض عليهم . و كاد باقي الضباط خارج دائرتهم أن يصححوا المسار لولا الصدفة ...
فتاهت الحقائق بينهم .و إنحرف المخطط عدة مرات بعيدا عن الديموقراطية ...و حقوق الإنسان و حريته . ..و أنتهت بنا إلي ما نحن عليه من الم وبؤس .