الفصل الخامس: إحزم حقائبك وارحل - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة عمال المناجم المغاربة في شمالي فرنسا”

ماري سيغارا
الحوار المتمدن - العدد: 7983 - 2024 / 5 / 20 - 21:09
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة عمال المناجم المغاربة في شمالي فرنسا”، للكاتبة ماري سيغارا

Cegarra, Marie. « Cinquième partie. Reprendre sa musette et partir ». La mémoire confisquée, Presses universitaires du Septentrion, 1999, https://doi.org/10.4000/books.septentrion.122028

حالة عمال المناجم المغاربة

قبل إغلاق كل منجم، تقوم المؤسسة بإنشاء وحدة مساعدة وخلية توجيه مسؤولة عن إعلام وتقديم المشورة للفرنسيين والأجانب.

كانت نسبة الأقدمية بين عمال المناجم المغاربة منخفضة، وفي هذا السياق، لم يتقاعد منهم سوى عدد قليل بموجب التقاعد العادي. ومن جهة أخرى، كان بإمكان البعض أخذ إجازة منجم في نهاية حياته المهنية، وللحصول عليها يجب على العامل أن يكون عمره 50 سنة وله أقدمية 25 سنة أو يحمل بطاقة إعاشة عجز. عندها يتقاضون نسبة 75 بالمئة من راتبهم الشهري السابق، ويعفون من العمل، ولكنهم يبقون مسجلين في صفوف اليد العاملة ويحتفظون بالمزايا العينية.

فكانت إعادة التدريب ضرورية لكل عمال المناجم المغاربة تقريباً.

كان لا بد من إعادة تصنيفهم سواء للعمل فوق الأرض لغير القادرين على العمل تحتها أو في المنجم الذي كان ما زال يعمل في لورين. بالتالي، سمحت إعادة التصنيف المؤقتة هذه، بانتظار الوقت المناسب للاستفادة من معيار السن.

ولكن كان على معظمهم البحث عن عمل آخر.

إذا كانت إعادة التدريب ممكنة لبعض العمال الفرنسيين في مؤسسة كهرباء فرنسا التي وقعت اتفاقية في 2 آذار/مارس 1984 مع مؤسسة المناجم، لكن لم يتمكن العمال المغاربة، الذين لا يحملون الجنسية الفرنسية، الاستفادة منها. لذلك، كان بإمكان المرشحين لإعادة التدريب والذين ليس لديهم المؤهلات المهنية الاستفادة من أربعة أشهر من التدريب في مراكز مؤسسة المناجم، أو في مؤسسات أخرى مناسبة. بعد نهاية التدريب، يخضعون لفترة تجريبية في الشركة التي وظفتهم. ثم يحصل التوظيف النهائي، الذي يأخذ بعين الإعتبار دفع علاوة إعادة التدريب (80) واسترداد المزايا العينية، أي بمعدل 20000 فرنك. ولكن عدداً كبيراً من المغاربة لم يوظفوا في نهاية التدريب، حتى لفترة تجريبية. تؤكد الإحصائيات هذا الأمر، وقد برر بعض المسؤولين التنفيذيين في المناجم هذا الأمر بالقول إن المغاربة غير مؤهلين: إذا نجحت الغالبية العظمى من الأوروبيين في عملية التدريب، إن الغالبية العظمى من المغاربة لن تنجح. لفهم هذا الجانب، من الضروري تذكر أن المغاربة الذين قابلناهم كانوا نادمين على العمل في الأعماق، في حين لم يظهر الفرنسيون مثل هذا الندم.

التدريب على الفشل؟

يتطلب التدريب قدراً معيناً من المعرفة، خاصة في مجال الحساب، ورغم أن المغاربة يعرفون عدّ الدعائم في أعماق المنجم، لم يتمكنوا من اجتياز مرحلة الجمع في التدريب. بسرعة، جرى تقييمهم غير قادرين على متابعة تدريبهم(81) وصنف تقريباً 30 بالمئة منهم (ضمن وضعية حالة الإنتظار حتى إعادة تصنيفهم) بانتظار العثور لهم على وظيفة شبيهة بتلك التي كان يعملون فيها أو إعادتهم إلى بلادهم، لأنهم لم يصلوا إلى سن التقاعد بعد.

من جهتهم رفض عمال المناجم المغاربة النقل، لاعتقادهم أن مكانهم في القاع وما إن نقلوا، لن يعودوا صالحين لأي شيء. وقد خشي هؤلاء من وجود وسائل مقنّعة لإعادتهم إلى بلادهم خاصة بانتشار الشائعات حول التحريض على العودة.

أغلب العمال المغاربة المنقولين إلى سطح الأرض كانوا ممن تعرضوا لحادث عمل. ولكن هذا النقل غيّر المسار المهني. بداية، على المستوى اللغوي، لأنه، في العمق، يتحدثون بالعامية بشكل عام، وعلى سطح الأرض يتحدثون الفرنسية الرسمية. كما إن العامل المغربي، بفضل شجاعته كان مقدّراً وهو في العمق.

“من دونهم، يقول الكوادر، الفحم لن يكون موجوداً، خلال الأعياد المسيحية كانت المناجم شغالة والفحم يستخرج، ولكن في الأعياد الإسلامية يتوقف كل شيء”.

من جهة أخرى، على سطح الأرض، يفقدون المكاسب والاحترام. ومن المؤكد أن العمل أقل خطورة ولكن إمكانية العمل على أساس المهمة لم يعد موجودا. وقد اختفى الإحترام لصالح التسلسل الهرمي المهني الشديد. ساهمت هذه الجوانب المختلفة في تقليص الحوافز وشجعت على انعزال أكبر للعمال الأميّين ولديهم مسؤوليات عائلية كبيرة. أخيراً، ممارسة الشعائر الدينية مسموح بها في العمق، ولكن عند سطح الأرض فتبدو غير مناسبة. وهذا ما خلق إحجاماً عن النقل وإعادة التصنيف. في البداية، كان العمال المغاربة غير راضين عن تدهور وضعهم المهني. لاحقاً، بعد تزايد السخط وعدم التوصل إلى نتيجة مرضية ما أثار صراعات وأعمال عنف قبل إغلاق المناجم بقليل.

لذلك لم يؤدِ التدريب عادة إلى نتائج. لم يتحدثوا بالفرنسية، والتواصل ضعيف، وفي كثير من الأحيان يعترفون بعدم الفهم. المشكلة الأساسية كانت اللغة، لأن العامل المغربي لم يمتلك قاعدة لغوية لمتابعة التكوين، وهذا ما نظر إليه بشكل سلبي.

كان لدينا انطباع بأنهم يعاملوننا كالأطفال، إنها لعبة أطفال.

في الحقيقة، أظهرت مقابلات عديدة أجريت مع العمال من كل الجنسيات والكوادر في المناجم أن العمل في الأعماق يتيح تحقيق الأهداف المحددة في البداية. إن المداخيل المحققة بفعل شجاعتهم المهنية الكبيرة سمحت لهم بادخار المال وتحويله إلى المغرب وكذلك الوفاء بالواجبات الأخلاقية بالكامل التي كانت مختلفة بالنسبة إلى بقية الجنسيات، وشديدة الفردية.

لذلك يبدو أن مستوى التحفيز يرتبط ارتباطاً مباشراً بالعوامل الاجتماعية والثقافية. بالنسبة لجزء كبير من المغاربة، لم يتقدم مستواهم الدراسي طيلة فترة إقامتهم، لم يتعلموا خلالها اللغة. والأغلبية بينهم، حتى بعد سنوات طويلة من الإقامة، تجاهلوا الفرنسية بالكامل. الدين، والضغط من الثقافة الأصلية ومجتمعاتهم كل هذه العوامل لعبت دوراً في عدم التكيف الذي عاشه المغاربة. أدى الدين والمفاهيم والممارسات المرتبطة به إلى تزايد الفجوة مع بقية العمال. (82) وتدلّ الفروقات في التطلعات والمشاريع والطموحات والتمثيلات إلى أن الاندماج الثقافي مسألة نسبية. لأن العامل المغربي متعلق بوسطه ويشعر دوماً بالمسؤولية تجاه العائلة التي تنتظر للعيش بشكل أفضل في فرنسا. ويعيش دوماً على أمل العودة حتى لو باتت الأخيرة غير معروفة مع مرور الوقت. عليه العمل والمراكمة قدر المستطاع، وهذا الإلتزام زاد من صعوبة الأمر.

على ما يبدو كان النقل إلى سطح الأرض أو إعادة التصنيف كاشفاً. لأنه تحت الأرض كانت الفروقات الرئيسة ترتكز على ممارسة الدين وجهل اللغة، في حين فوق الأرض، كانت اللغة والمستوى الدراسي مهيمنين. وكان واضحاً أن عمال المناجم كانوا راضين من هذا الوضع. كانت الحاجة إلى عمال منتجين اكتسبوا حركات تشغيلية ولا يتمتعون بمؤهلات مهنية حقيقية. في العمق، لم تكن مشكلة اللغة ذات أهمية بحيث كان ممكناً التواصل مع العامل سواء بالعامية أو عبر وسيط، أو عبر الإشارات عندما يتعلق الأمر بتعليمات متعلقة بالعمل. سمح هذا النظام بحل المشاكل الفورية. من الأكيد أن المؤسسة قد نظمت دروس لمحو الأمية. لكن العمال لم يحرزوا تقدماً حقيقياً. فالدروس كانت اختيارية وتجرى في الليل. حيث التعب والوقت المأخوذ من وقت الراحة وعدم الحاجة إلى تعلم اللغة، كل هذه العوامل لم تأخذها المؤسسة بعين الاعتبار، واكتفت بتوظيف العمال غير المتطلبين. وقد أظهرت تطورات الوضع في مناجم الفحم هذا التناقض. على سطح الأرض، باتت حدود النظام جلية. (83) وفي غياب لعملية إعادة التصنيف التي تهددها الحالة الاقتصادية المتراجعة، بات التدريب شديد الأهمية. وهكذا أقيم نظام مضر للغاية.

بالنسبة للمناجم، لم يجتز 3/4 العمال المغاربة المرحلة الأولى من إعادة التصنيف وما يقارب 1/4 لم يكملوا التدريب المهني حتى النهاية. فلم يتمكنوا من تغيير مهنتهم. ولذلك صنف المغاربة على أنهم غير قادرين، لكن الوضع كان معقداً كثيراً لأنه وجب إعادة النظر بالعوامل الاجتماعية والثقافية في إطار الضرورات الاقتصادية والتنظيمية والسياسية.

كذلك، منحت مساعدات فنية ومالية لتنفيذ مشروع مهني. ولكن هنا كذلك، لم يتمكن العمال المغاربة، بسبب افتقارهم للمؤهلات المهنية والتقنية، من سلوك هذا المسار. تلخّص إنشاء المؤسسات بإفتتاح متجر بشكل عام لبيع الأغذية.

أخيراً، في مواجهة صعوبة إعادة تدريب العمال المغاربة، طبقت المناجم برنامج إجازة التكيف المهني الفردي. هذه الإجازة، التي تعفي المرشح من ممارسة الأنشطة المهنية، يجب أن تتيح له العثور على عمل بمفرده. (84) في نهاية الإجازة، على المرشح لإجازة التكيف المهني الفردي مغادرة المنجم أو إذا لم يجد عملاً في مكان آخر، فيستغنى عنه مع إمكانية تسجيله في مؤسسة التوظيف في الصناعة والتجارة كباحث عن عمل. بالفعل، إن إجازة التكيف المهني الفردي هي إجراء يسمح بتأجيل الطرد المباشر.

في النهاية، شجعت المناجم بشدة المغاربة للعودة إلى بلادهم. عام 1984، كان من المتوقع مغادرة 500 مغربي سنوياً. ولكن وتيرة العودة كانت دوماً أقل من المتوقع.

بالنسبة للبعض، كانت إعادة التدريب بمثابة ميزة: فقد تمكنوا من الحصول على تدريب مهني يمكّنهم من العمل في فرنسا أو عند احتمال العودة إلى البلاد. ولكنها كذلك فرصة للاحتفاظ بأوراقهم، أي، بطاقة الإقامة والعمل التي تمنحهم إمكانية حرية التنقل بين فرنسا والمغرب. كما منحة إعادة التدريب التي لها فائدة مادية تبلغ 15 ألف فرنك، قابلة للزيادة بـ 30 ألف فرنك في حال تأسيس مؤسسة. مع ذلك، إن الأمن الوظيفي كان معرّضاً للخطر فعلياً وفقدوا كذلك المزايا المرتبطة بوضعية عامل المناجم الذي يرتبط بها عمال المناجم المغاربة وعائلاتهم. لأن الكثير منهم لا يستطيعون الاعتراف بأن إعادة التدريب تحرمهم من حقهم في السكن والدواء.

إضافة إلى ذلك، إن الراتب المضمون في حالة إعادة التدريب يمثل 75 بالمئة من مجمل موارد عامل مياوم. ما يقلل من حجم راتب المغاربة الذين تولوا المهام الأكثر ربحية (حتى لو دفع الفرق خلال سنة من قبل المناجم).

ومن تمكنوا من إعادة التدرب عملوا في قطاع البناء والأشغال العامة، وغالباً ما تركوا نور ليستقروا في المنطقة الباريسية ورون-ألب وبروفانس-كوت-دازور. غادر الكثير منهم للعمل في مشاريع بناء في دورة الألعاب الأولمبية في ألبيرفيل أو في نفق المانش.

في أماكن عملهم الجديدة، كانوا موضع تقدير من مشغليهم. وحتى العمال كانوا راضين من التخلص من رقابة المنجم، واكتشاف عالم آخر. وبدؤوا بتعلم صعوبات الاندماج بأنفسهم للتغلب عليها. كان النقل صعب جدا، خاصة الوقت اللازم للعثور على مسكن لا يسمح دوماً بانضمام العائلة إليهم بسرعة. فالإجراءات صعبة والممارسة مكلفة.

تجاه هذه الصعوبات، أعرب الكثيرون عن رغبتهم في الحصول على تقاعد مبكر أو إجازة الفحم ولهذا السبب فإن البعض سيزيد عمره [المهني] بضع سنوات ليصل إلى السن المطلوبة لتطبيق هذا الإجراء. (85)

لكن مناجم الفحم، التي التزمت إيجاد الحلول لم تحقق كل ما خططت له. لا يمكن حل كل الحالات. كان الهدف منح كل عامل، في نهاية فترة التدريب، وظيفة يتبعها عقد عمل دائم. ولكن، كان عدد الوظائف محدوداً. ويجب إعطاء الأولوية للعمال الذين لديهم أقدمية وعائلاتهم في فرنسا. خلال إغلاق آخر المناجم، باتت حلول التكيّف نادرة. وباتت العودة إلى البلاد ضرورية وإجبارية بالنسبة إلى المناجم. ومورس الضغط على العمال ذوي الأقدمية القليلة المدة، وغير المتزوجين أو لديهم أطفال صغار السن بهدف العودة إلى المغرب. لأن حظوظ تغيير المهنة ضعيفة جدا. في الواقع، احتمال العمل التطوعي جرى تخفيفه. في حال رفض التدريب أو الوظيفة المقترحة، تُفرض على العامل إجازة التكيف المهني الفردي.

وعندما يتراجع العامل عن عقد وقع عليه، فيعتبر مستقيلاً ومعزولا بسبب عدم احترامه لإلتزاماته ومن دون تعويض، ولن يحق له أي شيء.

فكان يكفي للعامل أن يرفض مثل هذا الإجراء حتى يتم تهديده بالطرد. وتحول مصير العمال المغاربة الآن إلى هشاشة وظائف جديدة يُدربون عليها، فضلاً عن الخطر المتزايد للطرد من العمل، والتهديد الشديد بالعودة إلى البلد. العمال المغاربة الذين لم يعاد تصنيفهم لا يريدون العودة حيث بقيت شروط إعادة الإدماج افتراضية. أدى حجم هذه المشكلات إلى إطلاق إضراب لا ينسى ترك بصماته لأنه كان مختلفاً عن أعمال الاحتجاج والمطالبات المعتادة في المناجم.

كان الوضع حساساً والغضب يتزايد. طرحت النقابات سلسلة من المطالب تأخذ بعين الاعتبار خصوصية وضع العمال المغاربة. وقد طرحت إمكانية إعادة تدريب المغاربة في المؤسسات العامة، وتحسين قواعد نيل إجازة الفحم في نهاية حياتهم المهنية، وتجنيبهم إجازة التكيف المهني الفردي، واستمرار حصولهم على الضمان الاجتماعي وهم في المغرب. لأن اهتمامات المغاربة حرصت على هذا الموضوع، وغذتها قصص المرضى الذين عادوا ودفعوا [على استشفائهم] كل تعويضاتهم.

إضراب عام 1987

بعد إغلاق منجم 19 في لانس عام 1986، لم يبقَ سوى 5 آبار عاملة. وقد انخفض الإنتاج المخفض أصلاً من 2000 كيلو لكل نوبة عمل للرجل إلى حوالي 1680 كيلو. وكان متوقعاً المزيد من إنخفاض الإنتاج الذي سجل عام 1986 فقط 1722000 طن. وقد بلغ الإنتاج المحقق في نهاية شهر آب/أغسطس 952360 طن. وانخفض عدد العمال في مناجم نور-با-دو-كاليه إلى النصف بين عامي 1980 و1986 فتراجع من 26060 عامل إلى 13597 ويجب تخفيضهم أكثر. وينبغي إقفال كل المواقع في السنوات التالية. وترافق هذا التوقف عن النشاط تطبيق خطة اجتماعية جديدة طبقت على المستوى الوطني تتضمن عدة تدابير لإعادة تصنيف الموظفين: النقل، التقاعد، والتقاعد المبكر، إنشاء المؤسسات، إعادة التدريب، وخاصة في المؤسسات التابعة ولكن كذلك العودة المبكرة إلى البلاد.

بدأ كل شيء في أواسط شهر أيلول/سبتمبر، في الحفرة 3/5 لشركة كورتير السابقة: إنطلق إضراب لمدة شهرين والهدف هو الاحتجاج ضد قرار الإدارة وضع حد للعمل في نهاية السنة. ويجب وضع خطة باش(86) موضع التنفيذ. يجب على عمال المناجم الذين لديهم أقل من 15 سنة من الأقدمية مغادرة المناجم. وقد تبلغوا رسالة أنهم سيفقدون وظائفهم في 31-12-1987. طلبت إدارة المنجم من العمال المغاربة اختيار تاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر تاريخ عودتهم إلى بلادهم وإعادة التدريب. وفي حال عدم الرد، فستعتبر إدارة المنجم أن العمال سيهتمون بأنفسهم بإعادة التدريب. بمجرد الإعلان عن الخطة الاجتماعية هذه، أعلن عن إضراب شمل كذلك الحفر الأربعة المتبقية. في 1 تشرين الأول/أكتوبر، خلال يوم التحرك الوطني للكونفدرالية العامة للشغل، قرر عمال المناجم المغاربة عدم العودة إلى العمل لأن بنود الخطة الإجتماعية تشكل خياراً لا أفق له بالنسبة لهم:

“اتصلت بنا الإدارة كل مجموعة لوحدها: مؤلفة من 5، 10، 15 في كل مرة. وقال لنا الآخرون: “يجب عليكم الذهاب للتدرب في المؤسسة، أو عليكم اختيار العودة إلى البلاد والمغادرة”. فسألهم البعض منا: وماذا لو رفضنا؟ أجابوا: في يوم من الأيام ستأتي الشرطة وتطردك من منزلك”. (87). وقد عرض هذا الخيار [التهديد] على 372 مغربياً. (88)

وظيفة؟ أنا أعرف فقط العمل في المناجم. ماذا يمكنني العمل؟ تلقي التدريب؟ لم أذهب يوماً إلى المدرسة”.

في الواقع، إمكانية العثور على فرصة عمل كانت ضئيلة جداً. لا يخفي مدير المناجم حقيقة أن العودة إلى البلاد هي الحل الأفضل والوحيد. ولكن ما تعتبره الإدارة فرصة إضافية هو في الحقيقة ضغط وإلزام أولئك الذين لم يختاروا هذا الخيار.

“المغادرة، حسناً ولكن لا أريد معاملتي كما لو كنت قنينة بلاستيكية ترمى بعد شربها.

في سالومين، لم ينزل أي عامل إلى المنجم. استنكرت الكونفدرالية العامة للشغل أسلوب عصر الحامض ورمي القشرة المتبع. لقد إتخذوا إجراءات، بداية ضد عمال المناجم المغاربة الذين كانوا الأكثر تضرراً من إجراءات الإدارة. وقد انخرطوا في نضال شديد من أجل حرية العمل، وهم على حق، لا يوجد بديل آخر”.

في الواقع، بالنسبة للكونفيدرالية، أضيف إلى مطالبات المغاربة مطلب رفض إغلاق المنجم. ونُظِر إلى إعادة المغاربة إلى بلادهم على أنها طرد. وجرت تهيئة الظروف من أجل شن نضال طويل الأمد، خاصة وأن إدارة المنجم طالبت ملاحقة المناضلين الأساسيين في المحاكم الذين نظموا اعتصاما في سالومين، من خلال إجراءات قضائية موجزة.

توسع الإضراب ليشمل مناجم أرنبرغ وواليه في فالنسيين، ومن ثم منجم لودو وإسكاربيل. وجرى إبعاد العمال الذين جاؤوا للعمل، ما أدى في بعض الأحوال إلى حصول حالات تدافع. وانتهى الاجتماع الأول مع الإدارة بالفشل. كانت المطالب الأولى هي وقف التهديدات والعقوبات ومن ثم عدم تطبيق خطة باش. وسرعان ما شل الحوض المنجمي بالكامل.

أمرت محكمة بيتون بحرية الحركة في منجم 3/5 في كورتير بسالومين، وسمحت لإدارة المنجم طلب الاستعانة بالقوى الأمنية لتنفيذ القرار القضائي.

ولكن القرار النهائي كان بيد قائد الوحدة الأمنية بإعطاء الأمر للجنود بالتدخل في كل المناجم. بات الوضع الآن يرتبط بالسلطات النقابية والسياسية والبلدية وجذب إنتباه ديبلوماسيي المغرب، وتجاوز تأثيره الحدود الإقليمية.

نثرت هذه الحركة بذورها في اتجاهين، الأول له نطاق عام، والثاني يرتبط بالدرجة الأولى بالعمال المغاربة. وأدى هذان الاتجاهان إلى ظهور انقسامات في توجهات حركة الإضراب أدت لاحقاً إلى الحديث عن التلاعب [بمطالب العمال].

تابعت المناجم الأخرى حركة إضراب العمال الذين نالوا دعماً قليلاً من زملائهم الفرنسيين.

“أعلم أن حوالي 150 من عمال المناجم قد اتجهوا إلى وانيي، لذلك خططْ لركوب حافلة بعد الظهر للذهاب للمشاهدة وربما العمل لأنه صعب عليك أن يكون لديك 3 أفواه لإطعامها. وقد منعني المدير العام، السيد فيرلين. وبالفعل سمعته يقول على مكبر الصوت، أن مطالبنا غير واقعية وغير معقولة. وأضاف، أنه بالنسبة إليه لا مجال للتراجع عن توجهات وقرارات خطة التصفية، ولا عن ما يسمى بجانبها الاجتماعي. إنه مستعد للنقاش، ولكن حالاً. ونحن لا نريد ذلك. لذلك استمريت شخصياً بالإضراب”.

ولكن سرعان ما بدأ العمال الفرنسيون بـ[الشعور] بالانتعاش.

“نأسف لعدم وجود المزيد من التضامن معنا. لكن الفرنسيين ليس لديهم نفس مشاكلنا”.

“إنهم ليسوا مخطئين، لكن لكل منهم مشاكله الخاصة”، قال عامل فرنسي أراد الإستمرار بالعمل، وهو من بلغت مدة أقدميته 29 سنة، لأطول فترة ممكنة قبل الاضطرار إلى التقاعد. (89)

وتطالب النقابات، خاصة الكونفدرالية العامة للشغل، بفتح مفاوضات جدية. جال المضربون في شوارع دوايي خلال اليوم 12 من الإضراب، وتبعهم العديد من سكان دوايي ومنطقة لانس.

“بالنسبة لنا، لا يوجد نوعان من العمال، هناك فقط عمال المناجم، هذا كل شيء. هناك المعركة التي بدأت تؤكد من جديد مدى دقة تحليل الكونفدرالية العامة للشغل. أي أن العمال، مهما كان لون بشرتهم، أو أصولهم، ومعتقداتهم الدينية، أو آرائهم السياسية، ليس لديهم ما يتوقعونه من سلطة تعمل حصراً لمصلحة أصحاب العمل”.

دعت إدارة المناجم النقابات يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر في مقر الإدارة العامة في نور وبا-دو-كاليه لمحاولة الخروج من الجمود. ولكن الكونفدرالية العامة للشغل غادرت الجلسة ورفضت المفاوضات بحجة أنها المنظمة النقابية الوحيدة التي تدافع عن العمال المغاربة وطالبت برحيل بقية النقابات. بالنسبة لها، فقد اتخذت المنظمات النقابية الأخرى موقفاً صريحاً ضد المضربين ومطالبهم. ودعت إلى تعزيز النضال وزيادة التحركات العمالية بكافة أشكالها.

في تاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر، تلقى العمال المغاربة في منجم أرنبرغ رسالة تطلب منهم الاختيار بين احتمالين. ونظراً لاعتبار الرسالة استفزازاً جديداً في ظل انهيار المفاوضات، نظم يوم جديد من الإضراب عن العمل في 3 تشرين الثاني/نوفمبر.

“يبلغ عمر أحمد 33 سنة. يروي كيف كانت السنوات الـ 15 الأخيرة من حياته. عام 1975، جاء وفد للتوظيف إلى القرية. أرسل رئيس البلدية الموظفين إلى سوق القرية للإعلان عن اجتماع سيعقد في المكان. هناك، وقفنا في طابور، كما في المدرسة. كنا من دون قمصان. وكان يحمل خاتمين، أحمر وأزرق. الأزرق للمقبولين. كل من ختمه بالأزرق ذهب لاحقاً إلى مراكش، في زيارة أخرى. ومن ثم اضطررت إلى الانتظار لمدة عامين. ولاحقاً استدعيت للسفر من الدار البيضاء. عندما وصلنا إلى هنا، جمعونا في المنجم رقم 23، في مركز للاستقبال. لقد حصلنا على ملابس زرقاء وأحذية. بعد ذلك، أمضينا أسبوعاً من التعلم على احترام إجراءات السلامة، والتدرب خلال شهرين على يد مدرب لنا. عشنا في نوفيل-سو-لانس، في ثكنات تتكون كل منها من 3 غرف: غرفتا نوم تحتوي كل منها على 3 أسرة ومطبخ. وصل البعض إلى هنا منذ عام 1965، وحتى قبل ذلك. بعضهم عاد إلى البلاد. بلغت مدة عقودنا 18 شهراً، وجرى فصل من أصيب بالسيليكا في نهاية عقده”.

سمح الإضراب الأول لعمال المناجم المغاربة الحصول على وضعية عامل منجم:

“في السابق، كانوا يجدوننا مرضى دوماً. عندما حصلنا على هذه الوضعية، بتنا بحالة أفضل. لإحضار الزوجة من المغرب: يجب الحصول على مسكن، وهذا يعتمد على المناجم. الآن، الحياة عادية في المدينة والبيت. وليس لدينا مشكلة مع الجيران. وهنا في المناجم لا نشعر حقاً بالعنصرية، حسناً، حتى السنوات الأخيرة… وهذا يتغير، نحن نقاوم، كل ما نطلبه هو إنهاء مسيرتنا المهنية في مناجم الفحم، كما وعدونا. لقد عصرونا كليمونة ويريدون رمي القشرة. لهذا السبب أجبرنا على المقاومة. بالنسبة لنا، إنها مسألة كرامة.

قال مديب بمرارة: “نحن في وضع سيء، عمري 46 سنة، عملت 26 سنة في العمق، بدأت بالعمل عام 1961. ماذا تريدني فعله، لن أجد عملاً آخر. مديب من الدار البيضاء. لقد تزوج في المغرب. ولكن وُلد أولاده الثلاثة هنا: صبيان وفتاة: 19 و16 و14 سنة، سيتقدم ابنه الأكبر إلى البكالوريا الفنية في حزيران/يونيو. لا يعرف المغرب سوى خلال أشهر العطلة التي يمضيها مع العائلة كل صيف. أعود إلى بلادي؟ لا يوجد عمل هناك. البقاء هنا؟ المنحة لا تكفينا للحصول على منزل آخر. فالمنزل يكلف مالاً، والأجور عادلة، عادلة جداً.

يقول عبدالله: هناك الكثير منا يوافق على العودة إلى المغرب، ولكن ليس من دون مبلغ من المال يسمح لنا البدء من جديد في الحياة. لكن المال ليس كافياً. عندما أمضينا 20 سنة هنا، لم نكن نعرف كيفية صنع أي شيء آخر سوى الفحم. ورئاتنا مليئة بالغبار. نسعل. لا يمكن إزالته [للفحم]”. (90)

استمر الإضراب نتيجة دعم الكونفدرالية العامة للشغل. وطالب المضربون من إدارة المناجم فتح من دون تأخير المفاوضات الجدية والإعلان كأولوية أن عمال المناجم يمكنهم إنهاء حياتهم المهنية في المؤسسة ما يعني استمرار وحتى تطوير استخراج الفحم.

الإضراب أيقظ الخلافات الشديدة بين النقابات، حيث تتهم المنظمات النقابية الأخرى الكونفيدرالية بالتلاعب بالمغاربة.

وانتشرت الغيرة بين الفئات والمجتمعات العمالية: إذا قدمنا ضمانات للمغاربة أكثر من الفرنسيين، فإن ذلك يهدد بانفجار الأمور.

في الأسبوع السادس من الإضراب، نظمت مظاهرة داعمة في ليل وقد شاركت منظمات حقوق الإنسان وكذلك الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل. وسلطت الشعارات المرددة باللغتين الفرنسية والعربية على مصير المجتمع. ورفعت لافتة مزينة بالزهور، حملها الأولاد، تؤكد على الحاجة والرغبة في العيش معاً، مهاجرين وفرنسيين متحدين في خوض معركة ضد الركود، ومن أجل الكرامة، وتهدف إلى إعادة إطلاق التفاوض.

من جهة الإدارة بقيت المواقف ثابتة. بالنسبة لجاك فرلين، المدير العام،

“إن هذا الإضراب غير ضروري، وكان يمكن مناقشة العديد من المطالبات مثل المساعدة على التملك، وعلى التمدرس، ودفع منح التعليم. من ناحية أخرى، لم يكن من مجال لإعادة مناقشة قيمة التعويضات التي تعتبر، ضمن مجالها، من الأكبر التي تدفعها مؤسسة فرنسية. نحن نعامل عامل المناجم المغربي كعامل فرنسي، لا أكثر ولا أقل. وبما خص التغطية الاجتماعية يقول: عندما يغادر العامل المنجم، إن النظام يتغير بشكل طبيعي، ولكن بالنسبة للإعاقات والمعاشات التقاعدية للأمراض المهنية التي تعلن لاحقاً بعد مغادرة المنجم، فتدفع المنح والتعويضات في المغرب. ولتحقيق هذه الغاية، ستقام عيادات كل شهر في مواقع العمل منذ عام 88 لاستكشاف أفضل ومتابعة جدية. حالياً، يتلقى 327 من العمال المغاربة السابقين معاشاً تقاعدياً بسبب مرض السحار السيليسي ويجرى حالياً التحقق من 27 حالة”. (91)

الوضع صعب ومتوتر. الصراع مؤلم ويسبب القلق والعصبية. ويعزل غير المضرب، ويطلق سراحه لاحقاً ويعاد إلى منزله.

اعترضت مجموعة من حوالي عشرين مضرباً مغربياً عاملاً مغربياً غير مضرب، من ناشطي الكونفيدرالية الفرنسية للعمال الفرنسيين كان قد أظهر عداءه للإضراب. وقد جاء للمشاركة في اجتماع مع الإدارة في دوايي إلى جانب ممثلي القنصلية المغربية. وقد اقتيد إلى والير، ومن إلى فالنسيين واحتجز في خيمة حتى منتصف الليل. وقد قدم شكوى في اليوم التالي.

وقد تفاعلت الكونفدرالية العامة للشغل في العمق والسطح مع القضية في نشرتها، نختار منها بعض المقاطع:

“اجتمعت المجموعة الإقليمية للعمال المغاربة في الكونفيدرالية، كما تفعل كل يوم، صباح اليوم الثلاثاء مع الكونفيدرالية ونود تقديم التوضيح التالي:

“الخبر المهيمن اليوم حول إضراب العمال المغاربة، والمستمر منذ 7 أسابيع، هو “خطف عامل غير مضرب”.

السؤال الأول الذي يتبادر إلى فكرنا: من يستفيد من الرواية الحقيقية المبنية حول هذه القضية؟

الرجل المعني قدم نفسه منذ البداية مدافعاً عن الإدارة، والجميع يعلم ذلك. ولكن ما هو أكيد كذلك، هو أنه ومنذ 7 أسابيع، أثبت 2500 عامل مغربي عن كرامة كبيرة في النضال وروحاً كبيرة في المسؤولية في إدارة حركتهم مع الكونفيدرالية. وهذا يطرح عدة أسئلة.

في ساعة الخطف، اجتمع كل أعضاء المجموعة الإقليمية لعمال المغاربة في الكونفيدرالية في مقر النقابة في لييفين.

من جهة ثانية، ليس مصادفة أن يحصل هذا الأمر في وقت يتجه فيه وفد من المضربين إلى المغرب حاملين مطالبات رفاقهم، للقاء الجهات الرسمية.

ما هي إجراءات التخويف التي يمكن اتخاذها من خلال “هجوم الشرطة” على العمال المغاربة المضربين، مع كل النتائج المترتبة على ذلك من نتائج صادمة على الزوجات والأطفال!

وهي ممارسات غير مقبولة وتطرح أسئلة حول الأهداف الحقيقية لكل المناورات والضغوط التي تمارس منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر على العمال المضربين.

تدين الكونفيدرالية بكل صرامة أي عمل من شأنه تشويه سمعة العمال الذين يناضلون من أجل الحق بالعمل ومن أجل احترام الكرامة الإنسانية”.

في الواقع، لم يقدم العامل أي شكوى حول الحادثة التي بقيت غامضة، ولكن هذا الحادث يكشف نوعاً من الضجر. فالأجواء كانت ثقيلة على المضربين المغاربة.

استؤنفت المفاوضات مع تزايد التوترات ما أدى إلى انقسام بين المضربين وغير المضربين. وأبدت النقابة الإقليمية لعمال المناجم في الكونفيدرالية في العمق والسطح مرة جديدة رغبتها في التفاوض مع الإدارة العامة للمناجم وقدمت نتيجة محتملة لحركة الإضراب من خلال طرح نص اتفاق.

مع بداية الأسبوع التاسع من الإضراب، حاول العمال المغاربة إجبار الإدارة على إعادة التفاوض على الاتفاقية التي اعتمدتها اللجنة المشتركة.

هكذا تجمع 250 عامل أمام مدخل الخدمات المركزية، فوجدوا أنفسهم في الساحة المركزية فاحتلوا المبنى. وسرعان ما سيطر العمال على كل المداخل، وطلبوا من الموظفين المحتجزين المغادرة. وبذلك بدأ الاحتلال العمالي.

بحسب ذاكرة أحد العمال، لم نشهد أي مظاهرة في مقر المؤسسة منذ الإضرابات الكبرى عام 1948. وحتى عام 1963، جرت مظاهرات حول المقر لكن المضربين ظلوا في الخارج.

حددت إدارة المناجم أن إنهاء الاحتلال هو شرط لا غنى عنه قبل بدء أي مفاوضات. عقد اجتماع في المحافظة سمح باستئناف مفاوضات حول مذكرة التفاهم. لم يحمل المضمون أي تطورات جديدة كبيرة، فالنص أعاد التأكيد بشكل رئيس على الإجراءات المتخذة قبل اندلاع النزاع. يضع نص الإتفاق حداً للإضراب ويعيد العمال إلى العمل. ولن يعيد النظر في قرار إغلاق الآبار إنما سيوضح بعض النقاط المقترحة في الخطة.

في شباط عام 1988، بدأت محاولات نضالية متفرقة من جديد في منجم 3/5 في كورتيه. وقد أغلق هذا المنجم منذ 31 كانون الأول/ديسمبر إلا أنه استمر في استثمار ما تبقى من إنتاج. مع ذلك، حصل بعض الموظفين على تعويض بطالة وبالتالي حصلوا على رواتب مخفضة بنسبة 20 بالمئة. وكانوا ما زالوا منتظرين حل التحويل. ومن أجل المطالبة بالامتثال لمذكرة التفاهم والتحويل، قرر بعضهم احتلال مقر المنجم في سالومين وأسر مدير المكتب الرئيس. طالت المقابلة معه وتمكن المدير من الفرار عبر النافذة. ونظم اعتصام إضراب يوم 4 آذار/مارس احتجاجاً على إجراء مقابلة قبل إجراء الطرد المحتمل بحيث استدعي 10 عمال مغاربة إليه. واتهمتهم الإدارة بالمشاركة في احتجاز رئيس مقر كوريه لعدة ساعات، وفي إتلاف التجهيزات المكتبية. بعد ذلك، جاء مناضلو الكونفيدرالية بذاتهم إلى المكاتب المركزية في بيلي-مونتيني وطالبوا استقبالهم جماعياً وليس إفرادياً. واحتلوا المقر في بيلي-مونتيني من أجل التنديد بمماطلة صاحب العمل. في المقابل، جرى فصلهم (46 بلاغ بالفصل) ثم أعيد النظر بالقرار بعد ضغط النقابة بشرط القبول بعطلة التكيف المهني الفردية.

ملاحظات المناجم

“لقد رفض المغاربة الذين يحتلون مكاتب بيلي-مونتينيي بشكل منهجي كل الحلول المقدمة لهم في إطار الخطة الاجتماعية للمؤسسة؛ وهي عروض تحويل العمل والتي كانت مرفقة في السابق مع تدريب قوي، والمساعدة على تأسيس الأعمال التجارية والمساعدة على العودة إلى البلاد أو إعطاء إجازة التكيف المهني الفردية.

ولأنهم رفضوا هذه الحلول، في عدة مناسبات، فقد أعلموا بالطرد من عملهم في تموز/يوليو الماضي وجرى شطبهم من عداد القوى العاملة في تشرين الأول/أكتوبر.

لا يمكن للمناجم العودة عن خطة الإغلاق وبالتالي تخفيض الوظائف، فهي تقوم بذلك بشكل تدريجي من خلال تقديم حلول مناسبة لموظفيها، سواء كانوا فرنسيين أو مغاربة، من دون تمييز.

إجراءات الخطة الاجتماعية كانت تسير على خير ما يرام في كل موقع، وكان لدينا مثال حديث على ذلك مع إغلاق موقع لودو. ليس هناك من مجال لتعديلها بالنسبة لعدد قليل من العمال الذين يرفضون الاختيار.

مع ذلك، بالنسبة لمن أنهيت عقودهم، لم يصبح القرار نهائياً، وما زال باب الحل مفتوحاً أمامهم: حتى 31 كانون الثاني/يناير 1989، ما زال بإمكانهم التوقيع على اتفاقية إجازة التكيف المهني الفردية. وإذا فعلوا ذلك، فسيحصلون لمدة سنة واحدة، وبمفعول رجعي، على دخل يساوي 65 بالمئة من راتبهم السابق، إضافة إلى مزايا عينية، وسيكون باستطاعتهم الاستفادة، خلال الإجازة، من المساعدة المالية للتحويل، لبدء عمل جديد أو العودة إلى البلاد”.

التحفيز على العودة

ينبثق التحفيز على العودة من القرار الأول المرتبط بعواقب وقف الهجرة عام 1977، المقدم من ليونيل ستوليرو والذي تراجع عنه لاحقاً. (92) وقد جرى اقتراح نظام جديد بموجب مرسوم صادر يوم 27 نيسان/أبريل عام 1984 عقب الصراع الطبقي في قطاع السيارات عام 1983 والمرتبط بطرد 744 عامل مغربي. ارتبط الأمر بالعمال الأجانب الذين من المحتمل أن يصبحوا زائدين عن الحاجة في شركاتهم التي تواجه صعوبات، وهي شركات كانت قد عقدت اتفاقيات مع المكتب الوطني للهجرة. الهدف من هذا الإجراء هو تشجيع العمال المهاجرين على العودة إلى بلادهم الأصلية بهدف تخفيض نسبة البطالة. مع ذلك، ينبغي التوضيح أن المناجم قد طبقت نظام المساعدة على العودة الخاص بها، بما في ذلك بمساعدة فيليكس مورا الذي قال عن الموضوع:

“منذ تموز/يوليو 1983، كنا مهتمين بتنظيم العودة. ولهذا السبب، بدأنا بإجراء الاتصالات الضرورية، لأنني شعرت دوماً أنه من أجل النجاح في هذه العملية الحساسة جداً، كان من الضروري شرحها للسلطات المغربية: السلطات التنفيذية والمحلية، والحصول منهم على موافقة صادقة ومخلصة وتعاون مثالي. ولتحقيق هذا الهدف، أجريت مسحاً لمختلف المناطق التي جاء منها 3630 مغربياً ما زالوا يعملون في المناجم. وسجلت بشكل دقيق حالتهم المدنية والدورات التدريبية التي أجروها، ومسلحاً بهذه المعلومات زرت المحافظين الرئيسيين المعنيين من 12 إلى 16 آذار/مارس 1984، أي إلى آكادير وجوليمين وتزنيت وورزازات ومركش. وقد تمكنت من دفعهم إلى تنظيم، بحضوري بدءاً من 26 إلى 30 آذار/مارس، جلسات عمل بمشاركة السلطات المحلية، بهدف البحث عن أفضل طريقة لإعادة دمج مواطنيهم بنجاح. وبعد جلسات العمل هذه، أحسست أن السلطات المحلية مستعدة لمساعدتنا”. (93)

المساعدة على العودة

يتضمن ذلك دفع تعويض مالي تراوحت قيمته بين 136000 و270000 فرنك، بحسب سجلات الخدمة وميزات كل عائلة. (94) ويمكن دفع هذا التعويض بثلاثة أشكال: دفعة واحدة في حساب مفتوح في أحد البنوك المغربية، على شكل معاش سنوي، (95)، أو مبلغ مدفوع. (96) الطريقة الثالثة هي على شكل مبلغ أولي ومن ثم معاش سنوي. ويدفع جزء من المبلغ ثم يدفع ما تبقى على شكل معاش سنوي بدلاً من راتب حتى الحصول على التقاعد. ويتطلب تعويض العودة هذا، بمجرد القبول به، من المرشح تسليم أوراقه وحرمانه من إمكانية العودة إلى فرنسا. (97)

على الرغم من هذه التدابير، بقيت المخارج غير كافية لدرجة كبيرة للمناجم. وحتى لو تزايدت الضغوط واستمر دفع بعض المزايا، لكن الترتيبات المقترحة لم تكن مقنعة كفاية لتشجيع عدد منهم على اختيار العودة. ولم يكن لدى الغالبية العظمى من المغاربة فكرة الاستقرار في فرنسا، وخاصة إذا جرى الاعتراف بحق المهاجر باستقدام عائلته وفق شروط معينة، فإن إمكانيات تحقيق ذلك باتت أكثر تقييداً. وتبقى الحقيقة، كما رأينا، أن الاستقرار القانوني الذي تؤمنه وضعية عامل المنجم تؤدي إلى وصول أعداد كبيرة من العائلات. ونتيجة ذلك، تلاشت رؤية العودة في الوقت الذي تتكيف فيه النساء والأطفال مع حياتهم/ن الجديدة. وسيؤدي التحفيز على العودة إلى إطلاق المزيد من المقاومة مع استقرار العائلات على الأراضي الفرنسية.

ابحث عن أحبائك

الأهمية العددية للعائدين غير معروفة جيداً. ما عدا سياسات محددة جرى قياس آثارها، لكن عمليات العودة، بشكل عام، جرى تقييمها بشكل سيء لأنها لم تلبِ نفس القيود الإدارية مثل الدخول إلى دول الهجرة. ولذلك فإن عمليات العودة هي حركات جغرافية يصعب تحديدها وقياسها كمياً. ومن الضروري كذلك التمييز بين العائدات النهائية والمؤقتة. لأن تيارات الهجرة الضخمة التي ظهرت تميل إلى أن تكون نظاماً يؤدي إلى استقرار الناس بشكل دائم. ومنذ انضمام المهاجر لعائلته، تزداد نسبة الولادات، وستحلم بالعودة ولكن للاستقرار في فرنسا: بالتالي، إن عودة المغاربة إلى بلادهم كانت بمثابة إجازة أكثر بكثير من زيارة دورية بهدف العودة.

مع ذلك، ما زالت ثمة رغبة واضحة في المغادرة. ولكن خطط المهاجرين كانت تتغير باستمرار خلال إقامتهم. وغالباً ما كانت تحصل هذه التعديلات نتيجة للتغيرات في التشريعات المتعلقة بالهجرة والسياق الاقتصادي والسياسي. إضافة إلى ذلك، جرى تأجيل المشروع، لأن الأهداف الشخصية مثل إمتلاك منزل وإنهاء دراسة الأطفال لم تتحقق بالكامل.

بالتالي، إن المشاريع الأساسية كان لها طبيعة مختلفة حسب الفترة الزمنية. من الخمسينيات إلى الثمانينيات، كانت عقود عمال المناجم المغاربة محددة المدة. وقتها كانت عودة المغاربة مضمّنة في مجيئهم لأنها كانت جزءاً من العقد. العمال والمسؤولون عن المناجم، كانوا مقتنعين بالعودة الحتمية. بدأت المرحلة الثانية مع الحصول على وضعية عامل منجم. مذاك، لم يعد العمال المغاربة مطالبين بالعودة إلى بلادهم، خاصة وإن عائلاتهم قد انضمت إليهم بنسبة كبيرة. مع ذلك، ينبغي إضافة أن المهاجرين يغادرون بانتظام، وينخرطون في الجو العائلي للقرية، ويشاركون في الأعمال الزراعية، ويحلون المشاكل العائلية، ويشاركون في الاحتفالات. لأن المهاجرين احتفظوا دوماً بفكرة العودة المحتملة إلى بلادهم وبالتالي الحفاظ على أراضيهم التي يفضلون جعلها مربحة من خلال توظيف الموظفين اللازمين والمساعدة في المهام المتعلقة بالأرض، والتعشيب والحصاد والدَرس والإهتمام بالماشية.

بدأت المرحلة الثالثة مع إقامة نظام التحفيز على العودة. منذ عام 1984، أدركت المناجم أن إعادة التصنيف مستحيلة للجميع. ورجع فيليكس مورا، الذي كان مسؤولاً عن عملية التسليم، إلى المغرب بنوايا مختلفة تماماً.

تعلق الأمر الآن بإيجاد قطاعات أنشطة تؤمن فرص عمل لعمال المناجم المغاربة من أجل تسهيل عودتهم وإدماجهم في البلاد. وعملت المناجم على مضاعفة مبادراتها. تعلق المشروع الأهم باستغلال مناجم أوكسيد الحديد في ورزازات. بحيث تقدم المناجم مساعدتها، على شكل قروض ومساعدة فنية، من أجل إحداث الاستثمار في هذا المجال، ولكن لم يبصر المشروع النور. وفق نفس المقاربة، أرسلت بعثة دراسات بهدف تفحص ظروف إقامة شركة صغيرة متخصصة بصيانة المعدات الكهربائية.

كذلك الأمر، قدمت المناجم مساعدتها لشركة متخصصة في معدات التكييف والتبريد والتي أنشأت مزرعة لزراعة الموز في البيوت البلاستيكية في أكادير. لكن الحكومة المغربية منعت زراعة هذه الفاكهة.

أنشأ فيليكس مورا، نظام ري تحت الأرض، في الموقع 23 في نويل-سو-لانس، من أجل تسهيل تسويق البستنة وزراعة الزهور. هذه العملية البسيطة في تصميمها وغير المكلفة، مكنت من تطوير الزراعة والتشجير والبستنة.

لم تحقق هذه المشاريع الجماعية النتائج المرجوة لأسباب متعددة ولم يكن لها تأثير يذكر على خيار عمال المناجم المغاربة.

“لقد أحضرنا أشخاصاً دربتهم المناجم على المهن التي اختاروها بأنفسهم. واليوم، أنا مسؤول عن إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة في المغرب لهؤلاء الرجال الذين بات لهم مهنة للمستقبل. ومن بين المهن هناك: السباكة، والنجارة والبناء والكهرباء والتمديدات وسوى ذلك، ولكن وعلى الرغم من جهودنا، ثمة الكثير من المشاكل، ولكن من المستحيل بالنسبة لي شرح الأسباب بوضوح؛ لأن الأمر يتعلق بالعلاقات بين دولة وأخرى. الحقيقة أن المغاربة هنا لم يعودوا يعرفون جيداً ما يجب عليهم فعله، وقد باتوا متشككين. من ناحية، نحن نشجعهم على العودة إلى بلادهم؛ ومن جهة ثانية، يبدو أننا نفضل رؤيتهم معنا هنا. على كل، كما ترون، لقد قيل الكثير عن موقف المناجم حيال المغاربة وفي كثير من الأحيان، ليس بشكل جيد. ولكن بالنسبة لي، أنا الذي كنت في وسط المشاكل لأكثر من 30 سنة، أؤكد أن المناجم كانت دوماً صادقة مع عمالها، وهي تفعل المستحيل من أجل إنجاح الإندماج. لم يبخلوا أبداً في صرف الموارد. حالياً، يبلغ مبلغ التحفيز على العودة على الأقل لعامل عازب لديه أقل من 10 سنوات خبرة، 136000 فرنك. بالنسبة للعامل المتزوج، من دون أطفال، وعلى الأقل 10 سنوات خبرة، يبلغ التعويض 156000 فرنك. ويمكن أن تصل هذه المساعدة حتى 300000 فرنك. وأؤكد لكم أنه مع هذا النوع من التعويضات، يمكننا فعل شيء في المغرب”. (98)

ولكن، بشكل عام، يقبل المهاجر، العمل الأصعب لبعض الوقت للحصول على تعويضات حتى لا يجد نفس الظروف عندما يعود إلى بلده الأصلي. لذا إن المهاجرين الذين استقروا في المغرب هم، بشكل جزئي، أولئك الذين لديهم أقدمية قليلة نسبياً والذين أقاموا مشروعا اقتصاديا. وأراد آخرون أن يكونوا أقرب من عائلاتهم أو الإنضمام إلى زوجاتهم وأطفالهم.

إضافة إلى ذلك، حتى لو لم يكتسب عمال المناجم تدريباً مهنياً متيناً للعمل في قطاعات أخرى، فإن الفترة التي قضوها في فرنسا قد غيرت من وضعهم ويريد عمال المناجم المغاربة تغيير القطاع المهني. في هذه الحالة، غالباً، ما يتحقق الإنجاز المهني والاجتماعي عن طريق الحيلة. وفي كثير من الأوقات، تقدم العائلة معلومات مهمة عن نوع المشروع المربح. ولكن الأغلبية اكتفت ببناء منزل، لأن العقار يشغل مكانة مهمة في أغلب المشاريع المغربية. وبحسبهم، إنه رهان آمن: عندما تشتري منزلاً أو قطعة أرض، فمن المؤكد أنك ستتمكن من بيعه بمبلغ أكبر. كما أنهم يتجهون نحو عمل مستقل يسمح لهم إدارته. وفي كثير من الأوقات، سيكون عملاً تجارياً، خاصة وأن الثقافة الإسلامية تقدر النشاط التجاري على حساب العمل اليدوي المخصص للطبقات الدنيا في المجتمع.

بالتالي، تؤكد الإحصائيات هيمنة الأنشطة التجارية (الأغذية والإسمنت والنجارة والتنظيف الجاف) إضافة إلى استئناف الأنشطة الزراعية السابقة. تتمتع الشركات الصغيرة بميزة عدم الحاجة إلى استثمارات كبيرة جدا وتجنب التنقلات البعيدة. وفي هذا السياق، حصل بعض العمال المغاربة على رخصة قيادة من أجل شراء سيارة تاكسي أو شاحنة صغيرة. وقد أحضر الكثيرون سيارة من فرنسا لأنها تفاخر بالنجاح، إضافة إلى أنه يمكن العمل عليها.

بالنسبة للعائدين إلى المغرب، لا علاقة للمهنة التي مارسوها في فرنسا بإعادة الإدماج المهني. وإذا كانت الصحف قد ألقت الضوء عن هذا النجاح الشخصي أو ذاك، فهناك حالات، ولأسباب متعددة، لم يتحقق التطور الاجتماعي والاقتصادي. يمكن تعداد عدة أسباب.

غالباً ما فرضت العائلة الممتدة نفسها على المهاجر بمجرد وصوله، لمشاركته ثروته وتقدمه الإجتماعي. إضافة إلى ذلك، إن هذه العائلة الكبيرة لا تفهم أسباب هذه العودة النهائية. أكثر من ذلك، إن المتاعب الإدارية الناتجة عن بعد عن المكاتب والإجراءات المطلوبة، ورفض القروض المصرفية لم تسهّل دوماً المبادرات. بالتالي، سيعتبر البعض أنفسهم فاشلين طالما أن مشروعهم الأولي لم يتحقق. وعلى الرغم من كل شيء، حاولوا الهجرة إلى دول أخرى مثل ليبيا أو السعودية.

العوائق والمقاومات

بالتالي، إن العودة إلى المغرب توافقت مع قرار فردي. عمال المناجم الذين لم يتكيفوا مع صعوبة العمل تحت الأرض، وأولئك الذين كسبوا ما يكفي من المال، وأولئك الذين أرادوا أن يكونوا أقرب إلى عائلاتهم غادروا، وحل مكانهم آخرون أمنوا دورة العمل.

منذ عام 1984، ظهرت مشكلة العودة بعبارات أخرى. انتقلنا من الخيار الطوعي إلى التحفيزات الشديدة. أدركت مناجم الفحم التي كانت تفكر في تقليص عدد اليد العاملة أن عدد العائدين يتراجع سنة بعد أخرى. بالنسبة للبعض، كانت علاوة العودة عاملاً محفزاً. ولكن بقي هناك من لم تكن العودة سهلة بالنسبة لهم. لأنه، إذا أعلن العمال المغاربة عن رغبتهم في العودة إلى بلادهم ذات يوم، فلن تتوفر الشروط اللازمة حتى تتوافق الأماني مع الأفعال. وإدراكاً منهم للصعوبات التي تنتظرهم في وطنهم، لا يريد العمال المغاربة العودة من دون شيء. كان عليهم إثبات أن رحيلهم كان ناجحاً وأنهم سيعودون أغنياء. يعتبر تملك منزل أحد المفاتيح للعودة، وفي حين يتمتع الكثيرون بأماكن إقامة رحبة ومريحة، فإن القليل منهم قد دفعوا ثمنها بالكامل. ومن ثم ظهرت مشكلة العمل المحتمل وهم يعلمون أن البطالة مرتفعة في المغرب، وأن رواتبهم ستكون أقل وأن أصحاب العمل سيكونون مترددين في توظيف عمال كانوا على اتصال مع العالم النقابي.(99)

دعونا نضيف إلى هذه المخاوف فقدان الحقوق المكتسبة. ولهذا السبب فضل العديد من العمال الحصول على تقاعدهم وتأجيل مغادرتهم. وما تبقى هو متابعة الحقوق المكتسبة. تأسيس الذات في المغرب كان الهدف منه، بعد توقف استخراج الفحم، وفاء المؤسسة بالالتزامات التي تعهدت بها، وحل القضايا الفردية، ولكن متاهات الإدارة المغربية ومتاعبها غالباً ما أخرت الدفعات. بالإضافة إلى ذلك، إن فقدان المزايا مثل الطب المجاني وضعف تغطية الضمان الاجتماعي في المغرب سبّب مشكلة بالنسبة للعمال المغاربة الذين باتوا يخشون من تدهور حالتهم الصحية. كذلك، فضلوا البقاء في مكانهم التي من الأرجح سيتمكنون فيها من حل مشاكلهم. وأخيراً، هناك فئة أخيرة، وهي أقلية، التي ترفض إعادة التكيف مع البلاد لأنها تريد تجنيب أطفالها الصدمة الثقافية التي عانوا منها. وهي تثير مسألة البطالة في المغرب، وظروف الحياة، والفساد، والنظام السياسي وقد كانت هذه الأفكار متجسدة بين المتزوجين من نساء فرنسيات. في الواقع، إن إقامتهم في فرنسا جعلتهم أكثر نقداً للمغرب، وإن عودتهم ستضعهم في مواجهة مع عائلة كبيرة، في حين اعتادوا على العيش كأسرة نووية، والعودة إلى أسلوب حياة تقليدي، في حين اكتشفوا عالماً حديثاً، وإلى نوع من الحكومة لا تحرص بشكل خاص على عودتهم. بالتالي إن العودة إلى البلاد لم تكن مسألة بديهية، ولامت المناجم النساء، اللواتي كن، بحسب رأيهم، سبب التردد وعدم العودة.

الهوامش

80. تكوّن تعويض إعادة التدريب من مبلغ يساوي نصف راتب عن كل سنة من الأقدمية، إضافة إلى زيادة قدرها 1/10 من الشهر من كل سنة خدمة حصلت تحت الأرض في المناجم. لا يمكن أن يقل التعويض عن 3 أشهر خدمة ولا يزيد عن 12 شهراً.

التعويض عن المنافع العينية: يتمثل باسترداد المنافع المرتبطة بالسكن والتدفئة والرعاية الصحية. يحتسب بما يتناسب مع الأقدمية والعمر. يمكن للعمال الذين لديهم أكثر من 10 سنوات خدمة الإختيار بين مبلغ مدفوع على قسط واحد أو بموجب أقساط كل 3 أشهر. بالنسبة لأولئك الذين لديهم أقل من 10 سنوات خدمة، يحصلون على هذا الحق على شكل مبلغ مدفوع.

التعويض عن فقدان الراتب: يرتبط الأمر بإعادة التدريب الذي يصبح فيه راتبه أقل من الراتب السابق. فيحصل على تعويض يمثل 100 بالمئة من الفرق بين صافي الراتبين. ويدفع لمدة سنة واحدة، بحد أقصى 25 بالمئة من الراتب السابق.

منحة النقل والانتقال لمسافة تزيد عن 20 كلم أقرت بموجب مرسوم 25 آب/أغسطس 1967. Relais, n° 168, Octobre 1984, p 9.

81. دعونا نحدد نوع التدريب: التدريب الكلاسيكي يتكون من تكيف العامل مع مهمته المستقبلية (الحفر، الإنتاج، التفكيك…) ويحصل ذلك في مراكز التدريب المتخصصة أو من خلال التدريب في العمل، غالباً في بداية التوظيف. بالإضافة إلى هذه الدورات التدريبية التقليدية، هناك دورات تدريبية متقدمة لاستعمال المتفجرات أو استعمال المعدات الكهربائية. في نهاية السبعينيات، جرى دمج تعليم اللغة الفرنسية مع أنشطة التدريب على الميكانيك، والتلحيم والنجارة…

التدريب: جرى ربط التحويل بإعادة تدريب الموظفين: دورات للبنائين، لعمال بناء الأسقف، لسائقي الشاحنات، السباكين، والدهانين.

وأخيراً، كان التدريب على إعادة الإدماج يهدف إلى اكتساب تكوين يمكن استخدامه في بلده الأصلي.

82. يمكننا مناقشة الممارسات الدينية من جهة، والأيديولوجية الدينية، من جهة أخرى. فلنتذكر أنه على المسلمين الصوم خلال شهر رمضان. اعتقد أغلب العمال المغاربة أن مصيرهم أملاه إرادة الله، وأنهم لا يستطيعون تغيير مجرى الأمور، وأن عليهم دعم أهاليهم.

83. واجه هذا النوع من المشاكل كذلك أولئك الذين عملوا في صناعة الفولاذ والسيارات.

84. خلال هذه الفترة، يكون أجره أقل، وسيحصل على 65 بالمئة من راتبه ولكنه سيبقى اسمه مسجلاً ضمن اليد العاملة.

85. وكانت هذه الزيادة ممكنة بسبب عدم وجود مصادر رسمية لأحوالهم المدنية، وفي بعض الأحوال غضت المناجم النظر.

86. سميت على اسم برنار باش، المدير العام لمؤسسة الفحم في فرنسا.

87. Libération, 12 octobre 1987.

88. يتعلق الأمر بمن وصل بين عامي 1973 و1977، وهم أصغر من أن يستفيدوا من عمرهم هذا أو حتى أن يعاد تصنيفهم داخل مناجم الفحم.

89. يمكن لحوالي 40 بالمئة من عمال أعماق المناجم الفرنسيين المطالبة بتقاعد مبكر عند عمر الـ 45 سنة، مقابل ربع العمال المغاربة، Le monde, 13 octobre 1987.

90. Nord-Eclair, 10 octobre 1987.

91. Voix du Nord, 15 novembre 1987.

92. شرط مغادرة كل أفراد العائلة الموجودين في فرنسا، كان ذلك مصحوباً بتعويض مبلغ مقطوع، والتنازل عن الحقوق والمزايا الاجتماعية المكتسبة والإلتزام بعدم العودة إلى فرنسا. أزيل هذا الإجراء من خلال النصوص الجديدة. ومع وصول اليسار إلى السلطة، عدنا إلى التفاوض حيال التحفيز على العودة مصحوبة بإجراءات التدريب وإعادة الإدماج، عام 1984.

93. Horizon 59, opus cité.

94. لم يساهم عمال المناجم في مؤسسة الضمان الاجتماعي لأن المناجم قد أنشأت نظاماً خاصاً بها للضمان الاجتماعي والشيخوخة والبطالة. وكانت مسؤولة عن دفع “المساعدات التقليدية”، المحتسبة وفق الأقدمية، والتي تراوحت بين راتب 3 و12 شهراً إضافة إلى بدل انتقال (16000 فرنك للعمال، و20000 لأربعة أولاد وأكثر)، إضافة إلى تعويض استرداد المنافع العينية (التدفئة والسكن).

95. كان عددهم قليلاً، إن إدارة هذه الأقساط طرحت مسألة الربا المحرمة في الإسلام. في الواقع، إن ممارسة الربا محرمة في المعاملات.

96. يحل هذا المبلغ مكان الراتب بانتظار إعادة دفعه. ويمكن دفعه شهرياً أو كل 3 أشهر ولكن فضّل أغلب العمال المغاربة الحصول على تعويضاتهم دفعة واحدة، غالباً بسبب انعدام الثقة.

97. عاد بعض المهاجرين إلى بلادهم دون تسليم تصاريح إقامتهم أو إجازات عملهم، سواء إلى فرنسا أو بلدهم الأصلي. وقد احتفظوا بها إحتياطاً، خاصة وأن تجارب رفاقهم قد نبهتهم إلى شروط إعادة إدماجهم في المستقبل، ولهذا السبب انتهى الأمر بالمناجم إلى منحهم تعويض المساعدة على العودة، على شرط تسليم أوراقهم بشكل نهائي.

98. Horizon 59, opus cité.

99. بشكل عام، يمكن اتخاذ مثل هذا القرار للعائلات المرتبطة بشدة بالبلد، والتي ما زال لديها أطفال صغار السن. لكنهم لم ينتهوا بعد من بناء منزلهم وليس لديهم مدخرات كافية. ثم تأتي مسألة مستقبل الأبناء حتى انتهاء دراستهم أو زواجهم أو عملهم.