حوار مع صديقي رفيقي العزيز بروفيسور هشام غصيب حول مستقبل الرأسمالية.


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 7979 - 2024 / 5 / 16 - 10:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     


. من منطلق وعينا ورؤانا ومنهجنا المادي الجدلي المشترك... يسرني تقديم الاجتهاد المعرفي التالي في فهم الماركسية المعاصرة وواقع العالم الثالث ... مع محبتي وتقديري لصديقي رفيقي العزيز المفكر الاردني العروبي الماركسي هشام غصيب.....
اعتقد اننا نتفق على ان الرأسمالية التي تحدث عنها الفيلسوف الثوري كارل ماركس في سفره العظيم " رأس المال"قبل حوالي 157 عاماً، والتي قدم بخصوصها تحليلاً لأكثر بلدانها تطوراً آنذاك – بريطانيا خصوصا – ليست هي رأسمالية اليوم التي تشمل العالم بأسره والتي طرأت عليها تغيرات نوعية، فلم تعد هي ذاتها حتى مقارنة بما كانت عليه في بداية القرن العشرين.
إذ أن الرأسمالية المعاصرة وعبر سنوات طويلة شهدت تحولات نوعية نتيجة اندماج الاحتكارات بالدولة، وإنتاج رأسمالية الدولة الاحتكارية التي جمعت جبروت العلم فيها لتطوير مجالات الإنتاج وإدارته وعززت من دور الدولة البرجوازية وتدخلها في الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وطورت دور البرمجة والتخطيط في الإنتاج والحياة الاجتماعية، وقد شهدت الرأسمالية في العقود الأخيرة عملية واسعة للعولمة والتدويل، شملت تدويل رأس المال وعولمة الإنتاج والعلاقات الإنتاجية والسوق والمعلومات والاتصالات و العمل عبر ركائزها الثلاث : منظمة التجارة الدولية والبنك والصندوق الدوليين والشركات المتعددة الجنسية ، الى جانب التطور الهائل للثورة العلمية- التقنية التي بادرت لها الرأسمالية المعولمة وقطعت أشواطاً واسعة استطاعت أن تجدد نفسها وتتكيف مع التطورات العالمية الكاشفة عن امتلاكها لاحتياطات كبيرة للإسهام في التقدم الاجتماعي والتغلب على أزماتها العميقة والمتلاحقة.
وإذ نأخذ التغييرات النوعية بعين الاعتبار فإنه لابد من إعادة النظر في استنتاجات ماركس ومن بعده لينين عن قرب احتضار الرأسمالية وقرب اندلاع الثورة الاشتراكية فيها.وبالتالي فإن هناك ضرورة لمراجعة النظرية عن الامبريالية كأعلى وآخر طور للرأسمالية وعشية الثورة الاشتراكية والتدقيق فيما قيل عن تعفنها، رغم أن مظاهر التعفن ما تزال قائمة في الرأسمالية لكنها ليست المظهر الرئيسي في الوقت الراهن.
من ناحية ثانية ، لا شك أن تقدم الرأسمالية المعاصرة، في إطار العولمة الامبريالية الراهنة، يجد أحد أسبابه _ وأفترص اتفاقك معي صديقي العزيز بروفيسور هشام _ يتمظهر بوضوح في نهب ثروات العالم الثالث عبر الاستيلاء على فائض القيمة لشعوبه، وربط دوله بعجلة الاقتصاد الرأسمالي عبر آليات متجددة لتبعية وإعادة الإنتاج التابع في بلدان العالم الثالث، وقد عمق النهب الإمبريالي للعالم الثالث من الهوة بين المركز الامبريالي وبلدان الأطراف، الأمر الذي ولد تناقضاً حاداً أصبح يؤثر على مسار البشرية بأسرها. ونتيجة هذا الأمر ولأسباب عديدة أخرى استمرت قضايا التخلف والتبعية والفقر مستفحلة في العالم الثالث، وأضيفت إليها معضلات جديدة كالتصحر وتلوث البيئة، واستنزاف الموارد والمديونية وغيرها، وقد ناءت شعوب العالم الثالث تحت وطأة وثقل توحش العولمة إلى جانب الدكتاتوريات الحاكمة في تلك البلدان، حيث لم تفلح كافة محاولات التنمية فيها، فاستمر تشوه اقتصادها وتخلف قواها المنتجة، وباتت معضلة الديمقراطية –وما تزال- في هذا الجزء من العالم مسألة تفصيلية على درجة كبيرة من الأهمية.
إن التناقض بين العالم الثالث والمراكز الامبريالية مرشح اليوم لمزيد من التفاقم وتعمق الفجوات بين بلدان الأطراف وتلك المراكز، بما سيؤثر تأثيراً كبيراً ليس على مصير الرأسمالية فحسب ،بل أيضا على مصائر العالم والتقدم الاجتماعي باتجاه الاشتراكية كنقيض تاريخي راهن ومستقبلي للرأسمالية.
هنا يا رفيقي العزيز هشام تتجلى ضرورة الحديث عن تجديد الماركسية ، وأعني به تجديدا يجب أن يعني استيعاب الماركسية لواقع بلداننا وبلدان العالم الثالث وخصوصيته والتطورات التي شهدها ارتباطاً بالمتغيرات العالمية الراهنة، الأمر الذي يفرض على كافة الماركسيين في الوطن العربي والعالم الثالث، الاستفادة من خبرة التجربة التاريخية السابقة للعمل على إنتاج الماركسية وتطبيقها وفق خصوصية الواقع في هذا البلد أو ذاك، وذلك عبر الكشف المتصل عن القوى ذات المصلحة في التحرر والتقدم الاجتماعي والتنمية المستقلة المعتمدة على الذات، وعليهم ايضا النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية بأبعادها السياسية الاجتماعية والاقتصادية، ومراكمة كل اشكال الوعي الثوري المنظم ( الحزب) عبر الممارسة اليومية المتصلة مع الجماهير الشعبية من العمال والفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين لمراكمة عوامل التغيير السياسي الديمقراطي والتحولات النوعية الثورية الكفيلة بتحطيم بنية التبعية والاستبداد والتخلف والاستغلال الطبقي في بلادنا وتأسيس النظام الديمقراطي الشعبي بافاقه الاشتراكية ، وهنا بالضبط يمكن الحديث بثقة عن بداية إنهيار الرأسمالية على الصعيد العالمي.... محبتي وتقديري واحترامي صديقي رفيقي المفكر الماركسي المتميز Hisham Ghassib