عن ( باء وتبوأ / مُقيت وموقوت )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 7954 - 2024 / 4 / 21 - 23:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سؤالان من الأستاذة القرآنية منيرة محمد حسين الباز :
السؤال الأول : قال ابن آدم لأخيه : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) (29) المائدة ) . هل ( تبوء ) هى (تَبَوَّؤُوا ) فى آية : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ) 9 ) الحشر ). أعتقد أن كلمة ( باء ) ليس لها نفس معنى كلمة ( تبوّا ). مع أن اصلهما واحد .
إجابة السؤال الأول
لا يكفى أن تشترك كلمتان فى الجذور والأصل ليتفقا فى المعنى . بل الكلمة الواحدة يختلف معناها بل قد يتناقض حسب السياق . ولهذا ننشر مقالات ( القاموس القرآنى ). ونعطى مثلا بالكلمتين القرآنيتن : ( تبوأ ) و ( باء ).
أولا : ( بوّأ ) ومشتقاتها :
تأتى بمعنى :
1 ـ أنزل مكانا أو أقام . أو أسكن وعاش . قال جل وعلا :
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا ) 87 ) يونس )
2 ـ عن الأنصار الذين عاشوا فى المدينة قبل المهاجرين : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) 9 ) الحشر ).
3 ـ حدد مكانا أو أرشد الى مكان.
3 / 1 :عن معركة بدر قال جل وعلا :( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ) 121 ) آل عمران ).
3 / 2 : وعن تحديد مكان الكعبة لابراهيم عليه السلام قال جل وعلا : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) 26 ) الحج )
4 ـ السيطرة على مكان :
4 / 1 : قال النبى صالح عليه السلام لقومه ثمود (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ) 74) الأعراف) .
4 / 2 : يوسف عليه السلام لملك مصر : ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ( 55 ) وهذا يعنى سيطرته على مصر يتجول فيها أينما شاء متحكما فى حساب خراجها وكنوزها . لذا يقول جل وعلا فى الآية التالية :( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء ) 56 ) يوسف )
4 / 3 : بعد غرق فرعون وجنده فى البحر رجع موسى بقومه فورثوا أرض مصر وتحكموا فيها زمنا . قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) 93 ) يونس ).
5 ـ الجزاء الحسن فى الدنيا. قال جل وعلا :( وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً )41 ) النحل )
6 ـ الجزاء الحسن فى الآخرة فى سكن أصحاب الجنة حيث يشاءون . قال جل وعلا :
6 / 1 : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) 58) العنكبوت ).
6 / 2 : ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )74 ) الزمر).
( باء )
تأتى بمعنى الجزاء السىء الناتج عن فعل سىّء .
1 ـ قال ابن آدم لأخيه الذى يريد قتله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) المائدة ) .
2 ـ عن عُصاة بنى إسرائيل ( اليهود ) قال جل وعلا :
2 / 1 : ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة )
2 / 2 : ( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) آل عمران )
2 / 3 : ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) البقرة ) .
3 ـ وعمّن يهرب من المؤمنين فى ساحة القتال الدفاعى قال جل وعلا : ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الانفال )
4 ـ وفى حكم عام قال جل وعلا : ( أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) آل عمران )
السؤال الثانى :
ما هو الفرق بين كلمتى ( مقيتا ) و ( موقوتا ) فى سورة النساء ؟
إجابة السؤال الثانى :
1 ـ جاء كلتاهما مرة واحدة ، ولكن المعنى مختلف .
2 ـ ( مقيت )
قال جل وعلا ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)النساء ). المُقيت هنا يعنى الحافظ على كل شىء بوقته وزمنه ، أى هو جل وعلا شاهد على كل موقف وكل كلمة ، وهذا عن طريقة رسله من ملائكة تسجيل الأعمال التى تسجل كل شىء تكتبه وتحفظه. قال جل وعلا :
1 : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) (11) الرعد)، فهى ( المعقبات ) الحافظة .
2 : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف ).
3 : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار ) .
4 : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق ).
هل نعى هذا ونتقى الله جل وعلا ؟ !
( موقوت )
قال جل وعلا : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً (103) النساء )
( موقوت ) يعنى الوقت المحدد ، وهذا فى فرضية الصلوات الخمس اليومية ، والتى نحن مدينون بها للخالق جل وعلا كل يوم ، وهى موزعة على أوقات اليقظة من الفجر وحتى عتمة الليل . الله جل وعلا منحنا زمنا نعيشه ، وزكاة هذا الزمن أن نصلّى الخمس صلوات ، وهى لا تستغرق نصف ساعة تقريبا فى 24 ساعة يوميا، نقضى أضعاف هذا الوقت فى اللهو واللعب ، ونتكاسل عنها ، مع أن الصلاة ( صلة متجددة ) بالخالق جل وعلا ، بها نتطهّر وتسمو أخلاقنا إذا كانت صلاتنا خالصة له جل وعلا وحده ، خاشعة ترجو رحمته جل وعلا ورضوان. بها يستعين المؤمن على أزماته . قال جل وعلا : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة ) .